أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - الشارع العجوز : قصة قصيرة














المزيد.....

الشارع العجوز : قصة قصيرة


رياض خليل

الحوار المتمدن-العدد: 891 - 2004 / 7 / 11 - 08:37
المحور: الادب والفن
    


..عربة يجرها بغل . الحوذي يقود العربة. وسط شارع ضيق بعض الشيء .الشارع غير مستقيم ,ولا نظيف .يعاني من الحفر و المطبات. تحاصره المباني المتلاصقة,القديمة منها و الحديثة.تطل عليه بنوافذها المغمضة , وشرفاتها المدلوقة , و محلاتها التجارية و الحرفية , و إعلاناتها الملونات. ( ما يجري داخل المباني .. له علاقة بما يحدث في الشارع )
المحلات فاغرة ,متصلة بالرصيف,.تعرض محتوياتها بإغراء صامت . . وأحيانا .. غير صامت. الناس يدخلونها, و يخرجون منها عابسين و مبتسمين و محملين بأنواع السلع .
الرصيفان ينوءان بحملهما ..مارة . . متسوقون . . باعة متجولون .. فردوا بضائعهم أمامهم , و عرقلوا حركة مرور و انتقال المارة و أصحاب المحلات الذين يحتجون عبثا.
صاحب الحظ السعيد من يعثر على موطئ قدم, لممارسة نشاطه التجاري غير المرخص, وهذا المحظوظ لا بد أن يكون قويا و مفترسا, ليصمد في حومة الصراع و التنافس على الأمكنة و المساحات المطلة على الشارع ..الرصيفان يغصّان تماما, و الشارع لا يسلم بعد هذا من غزو المارّة, و احتلال الباعة الجوالين لأجزاء منه, مع أنّ الشارع متخم بكثرة من السيارات, و قلّه من الدواب كالحمير والبغال التي تجر العربات.
الشارع غير مستقيم ولا نظيف .إنّه يشبه شريانا تتفرع عنه شوارع و أزقة أضيق. و هو – أي الشارع – ليس وحيد الاتجاه .
و عرضه .. و اتساعه غير منتظم .. و لا ثابت . مثله مثل الرصيفين المحيطين به كضفتين لنهر هادر و زاخر بخليط من المتحركات الآدمية و الحيوانية و الآلية.الشارع يلهث طوال نهار ضاج و مشوش , لا يرتاح إلا في الليل.
الحوذي يقود العربة. عجلات العربة تصر. أجراس البغل ترن. محركات السيارات تشخر . أبواقها تزعق . الباعة يصرخون و يصيحون و يعلنون عن مزايا بضائعهم و أسعارها المغرية. أناس يتداولون الكلام و المفاوضات بطريقة دبلوماسية أحيانا, و بأسلوب نزق أحيانا أخرى. سيدات يشتمن الزعران. أخريات يبتسمن لأصحاب المحلات . فتيان و رجال يتشاجرون. الشارع يبدو كساحة حرب ضروس , لكنها غير دموية تماما , و خصومها غير معروفين بدقة لأنهم يتنكرون خلف وجوههم و جلودهم وأثوابهم و ألسنتهم و ابتساماتهم و نظراتهم و ما لا يحصى من ألوان و خطوط و أشكال . الشارع أيضا غير معزول ولا مستقل تماما عن الطرق و الأزقة المتفرعة عنه.
اسم الشارع تغير أكثر من مرة, و مع ذلك لا يعرف إلا باسمه الأصلي القديم الأول, الذي اعتاده الناس على مر الأجيال.
توقف الحوذي أمام محل , أحشاء المحل مدلوقة خارجه على حافة الرصيف. نزل الحوذي , تكلم مع صاحب المحل .أجراء تحوطوا حولهما بعد برهة . .
بدؤوا ينقلون بضائع مصرورة ومضبوبة من المحل إلى ظهر العربة الخشبي العتيق, يعاونهم الحوذي, الذي اعتلى العربة لتوضيب وترتيب الحمولة المحل على يمين الشارع.. كان الرصيف يربط بين المحل و العربة. ويشكل عقدة حركية..عرقلت سير المارة. المحل على يمين الشارع. كذلك الرصيف اليميني والعربة . . على يمين الشارع, تعرقلت حركة و تعطل السير في ذلك الاتجاه . تشكلت سلسلة متراصة و طويلة من مختلف أنواع السيارات خلف العربة . بدأت أبواقها تزعق دون جدوى . غطى الزعيق سباب و شتائم أصحاب السيارات . كانوا يلعنون العربة جملة و تفصيلا , و الطنابر و من صنعها و استخدامها . بعضهم قدح بالبغل , لكن هذا لم يستطع ترجمة القدح و الذم و الشتم .. و لم يأبه لما يدور . الحوذي استمر بعمله . و كذلك عمال المحل . ترجل بعض الشائقين القريبين من العربة . صرخوا . احتجوا . لم يرد عليهم أحد . انبرى أحدهم .. فرفس عجلات العربة , لكنه لم يجرؤ على الاقتراب من البغل , و اكتفى بشتمه . البغل لم يكترث . أما العربة فقد ظلت صامتة خرساء . البغل راح يبول و يتروث . رتل السيارات يستطيل . بعض تلك السيارات كانت نزقة .. عصبية المزاج .. قصيرة النفس , خرجت من الرتل في محاولة للتجاوز و التقدم , و احتلت مكانا في الاتجاه المعاكس . كانت سيارات الاتجاه المعاكس لها بالمرصاد , لأنها لا تستطيع الفرار يمينا أو يسارا , و لا الرجوع القهقرى , حيث تشكل رتل آخر وراءها . سيارات الرتل المعاكس لم تحسب حسابا لما يجري في المواقع غير المنظورة من الشارع , لهذا ألفت نفسها متورطة في الأزمة رغما عنها .
تعطلت حركة السير , و تفاقمت الأزمة , التي عبرت عن نفسها بصور شتى . لم تكترث المباني و الأرصفة و محتوياتها . بدأ الشارع يلهث و يزحر و يتوجع .
انتهى تحميل العربة . صاحب المحل ناول الحوذي أوراقاً مالية . ضحك الحوذي . صعد العربة . أطلق شيفرته للبغل . فتصرف . سار . تبعته العربة , وهي تصر بعجلاتها , وتئن بخشبها العتيق المتألم . وحوافر البغل بدأت تطلق إيقاعها .أبواق السيارات أخذت تخمد تدريجيا , وتتحرك ببطء خلف "الطنبر" اللامبالي , حتى غادر الشارع منحرفا نحو طريق فرعي .
كان الشارع العجوز يلهث , و يئن تحت وطأة حمولته الثقيلة , خلال نهار طويل مرهق . و بعد منتصف الليل . كان يغط في سبات عميق , استمر حتى الصباح الباكر من اليوم التالي .



#رياض_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العين المعدنية البيضاء : قصة قصيرة
- مدن الذباب : شعر
- خرافة : قصة قصيرة
- الحائط : قصة قصيرة
- الطيف : قصة قصيرة
- قصائد قصيرة -3
- أفكار حول القصة القصيرة
- (2 ) قصائد قصيرة
- دعدوش : قصة قصيرة
- أنا والآخر : مقال
- الانتصار : شعر
- لم أكن أتألم
- الأمير: شعر :
- - 1 - قصائد قصيرة
- سرقة: شعر
- قصيدةشعرية
- خلل فني طارئ : قصة قصيرة
- روبوت : قصة قصيرة
- -الناسك- قصة قصيرة
- شعر: إشاعة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - الشارع العجوز : قصة قصيرة