أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - العين المعدنية البيضاء : قصة قصيرة














المزيد.....

العين المعدنية البيضاء : قصة قصيرة


رياض خليل

الحوار المتمدن-العدد: 889 - 2004 / 7 / 9 - 09:09
المحور: الادب والفن
    


العين المعدنية البيضاء ...جلسنا على طاولة خشبية مستديرة، مواجهةً جلسنا، اخترنا الزاوية الجنوبية الغربية، واجهتها البلّورية تسمح لنا بإطلالة..على مدى واسع.‏ خيوط الشمس تلوّح مودّعة النهار المرهق.‏ قِلّةٌ من الروّاد تبعثروا حول عدد من الطاولات، كانت الردهة فسيحة، طاولات وكراسيّ كثيرة تنتظر بملل وصمت.‏ بين الفينة والأخرى تتصادم عيون الرواد... ولا يمكن الجزم.. إن كان هذا يحدث مصادفة، أو عن قصد.‏ الناد لون يتحركون كالدمى، بينما الطاولات والكراسي تظل ساكنة.. مسترخية.‏ أحدهم يصفق. نادل يفهم المعني. يسرع... يعطي أذنه للزبون. الزبون يصب في أذنه كلاماً. النادل يدون الطلبات على صفحة من دفتر صغير في يده. ثم ينتصب...يتراجع. يدور. يمضي. الزبون ليس وحده. معه رجل ذكر...وامرأة مستهلكة، إنهم ثلاثة. بينما نحن اثنان. أنا... وهي.‏ الثلاثة مجاورن لنا. لقد استقرت طلباتهم على سطح الطاولة. وأخذوا يغازلون الطعام وهم. يتحدثون ويبتسمون.‏ الرجل الذي صفق. كان يختلس النظرات إلينا، وبتحديدٍ أدقّ...إليها هي.. التي تجلس مواجهتي تماماً.‏ كانت تبادله النظرات.. والابتسامات المقنّعة، وكان الرجل ذا ملامح مذكّرة، والكرسي الذي يجلس عليه لا يبعد عن طاولتنا سوى بضع خطوات.. ثلاثة أمتار تقريباً.‏ هي لاحظت أنني ضبطتها.. حاولت التملص بالقول:‏ - كم هو وقح!!‏ ثم ابتسمتْ بشفتيها.. وعينيها معاً.‏ من جهتي تنكرت باللامبالاة.‏ منذ شهرين كنت أعتقد أنها تلائمني، وترضي ذوقي. كان إعجابي بها يذوب إثر كلّ لقاء.. وكانت صورتها تتغير... وتخسر ألوانها. هرب الرونق من وجهها.. فبدا جافاً...مستهلكاً..‏ هي تأففت. طقطقت بإبهامها وسبابتها، النادل فهم الإشارة هرع إليها. أمرته:‏ - غيّر هذه الموسيقى الميتة.‏ - تريدين أغنية محددة؟!‏ - أي شيء يرقّص‏ - أمرك‏ انزعجت. تذكرت الأشياء التي تحبها هي، والأشياء التي أحبها أنا. كنت أعدد لها فتشمئز، وكانت تعدّد لي فأغضب. لم يَرِدْ اسمي مرةً في لائحة ما تحب، وكان اسمها يمّحي في لائحة ما أحب.‏ كانت تتذمّر، وتنتقدني، إذا أهديت إليها وردة، أو شمعة، أو كتاباً، وتصخب فرحاً إذا قدمتُ لها فستاناً أو قطعة حليّ ثمينة...أو مبلغاً من المال.. أو إذا دعوتها إلى سهرة في مكان كالذي نحن فيه الآن.‏ كنا نتحدث طويلاً... وكان الحديث يتكرر...كما تتكرر هي...والآن يبدو لي أن الكلام قد تبدد، وفقد وظيفته.‏ سال المساء على صفحة الأفق، وطمس المدى الفسيح خلف الواجهة البلورية اللامعة.‏ على الطاولة... جارتنا، كان الرجل شبه المذكر يوجّه كلاماً للمرأة، المرأة تهزّ رأسها...تضحك...تلتفت إلينا.. بل إليها هي.. إلى التي تجلس قبالتي، الرجل الآخر على الطاولة نفسها بدا حيادياً.‏ المرأة ليست حيادية، إنها تثير اشمئزازي. بدينة، قصيرة، قصة شعرها تشبه قصة شعر الرجل. وعمرها حسب الظاهر في الخمسينات.‏ كثفت التجسس...لاكتشاف المؤامرة الجديدة..‏ هاهي (أقصد التي معي) تهرّب نظرة مستسلمة مصحوبة بابتسامة حذرة للرجل شبه المذكر...ثم تنقل نظرتها وابتسامتها نحوي...وتراوغني مغازلة؟‏ - حبيبي...‏ نهضتُ بذريعة التعب من الجلوس. تمطّيتُ. تنقَّلَتْ ساقاي في المكان الضيق حول الطاولة، تفحصت الأشياء والمواقع. ثم اتخذت مجلسي بشكل مغاير... صرت إلى جانبها. أعطيت ظهري لجارتنا: أقصد الطاولة المجاورة، التي يجلس حولها الرجلان والمرأة، وأعطيت وجهي وعينيَّ للبلّور...الذي فهم خطتي، وكتم السرّ.‏ ازداد المشهد وضوحاً، هي اطمأنت، فراحت عيناها تلعبان بحرية أوسع. تذكرت العبارة التي طالما تستفزني بها: "الطريق إلى قلب الأنثى عينها"..‏ ولكن عينها -(أقصد التي تجاورني)- كالبالوعة!‏ البلّور يقدم تقريره بالصورة الصامتة ... و... بصدق.‏ داخل البلّور لم أجد لنفسي مكاناً، كان الرجل شبه المذكر يجلس في مكاني بالضبط. وجهه يكاد يلصق بوجهها، عيناها تعانقان عينيه!؟‏ كفي تعتصر شوكة طعام معدنية باردة بينما الحريق يلتهم مافي داخلي.‏ الآن! استوعبت كلام النادل... حين ادعيت الرغبة في قضاء حاجة. انتحيت بالنادل هناك...عند المراحيض. وضعت فمي في صيوان أذنه العميق، بعد أن كبست كفه بالمعلوم. قال:"هي أعطتني أكثر"... أعطيته المزيد. فتحرر لسانه. استطال أخذ يلعب...ويرسم القصة بمهارة...وموهبة:‏ "تعرفه. يلتقيان هنا. تدفع عنه الفاتورة"‏ هنا؟! وربما على الطاولة نفسها، والكرسي نفسه الذي أجلس عليه، النادل صادق. البلور صادق. إنه يجلس معها في مكاني تماماً، على الكرسي نفسه!‏ لقد فهمت الآن، لماذا لحقت بها المرأة الخمسينية ذات مرة.. إلى المراحيض، في هذا المكان نفسه..‏ الشهران يحتشدان في رأسي، بكل مافيهما، أستطيع الآن أن أفهم كل ما تقوله وتفعله.. (أقصد التي معي). الآن أعرف لماذا ومتى تبكي وتضحك، ولماذا عيناها تلعبان وتتأرجحان في كل اتجاه.‏ لقد احتملت...وصبرت طويلاً..لم يبق فيها سوى الأشواك والمرارة والرائحة النتنة...‏ يدي تضغط على الشوكة المعدنية الباردة، ذات الأسنان المدببة، عيناي تصوبان على بؤرة عينيها، اللتين زالت فيهما الألوان، سوى البياض المخيف.‏ والشكل المحدودب. بدتا كبيرتين جداً.‏ كالصدى تقرع في رأسي العبارة التالية:‏ عينها بلّوعة... بلوعة... بلوعة....‏ الحريق يستفحل في جسمي.. يدي تمسك الشوكة بثبات أسنان الشوكة تلتمع..عيناها تجحظان وتجمدان تماماً وعيناي تصوبان بدقة. يدي ترتفع.. ترتفع.. ثم تهوي بالشوكة الغاضبة على عينها اليمنى، ثم اليسرى...الشوكة ترتد كالنابض عن عينيها، الشوكة ترتجف كأنها تصطدم بكرتين فولاذيتين. أسنان الشوكة تلتوي، تئن ألماً... فيما عيناها ظلتا جامدتين.. سليمتين من أي خدش خفتُ.. ابتعدت هارباً.. وقبل الخروج نظرت ورائي.. لم أجد من يلاحقني، امتدت عيناي إليها.‏ كانت لا تزال تجلس.. إلى الطاولة.نفسها. لكنها لم تكن وحيدة... كانت تضحك بشهوانية، وكان الكرسي الذي كنت أجلس عليه قد استبدل بي الرجلَ شبه المذكر.‏



#رياض_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدن الذباب : شعر
- خرافة : قصة قصيرة
- الحائط : قصة قصيرة
- الطيف : قصة قصيرة
- قصائد قصيرة -3
- أفكار حول القصة القصيرة
- (2 ) قصائد قصيرة
- دعدوش : قصة قصيرة
- أنا والآخر : مقال
- الانتصار : شعر
- لم أكن أتألم
- الأمير: شعر :
- - 1 - قصائد قصيرة
- سرقة: شعر
- قصيدةشعرية
- خلل فني طارئ : قصة قصيرة
- روبوت : قصة قصيرة
- -الناسك- قصة قصيرة
- شعر: إشاعة
- مفهوم الشرعية حول قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت


المزيد.....




- طهران تحقق مع طاقم فيلم إيراني مشارك في مهرجان كان
- مع ماشا والدب والنمر الوردي استقبل تردد قناة سبيس تون الجديد ...
- قصيدة(حياة الموت)الشاعر مدحت سبيع.مصر.
- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - العين المعدنية البيضاء : قصة قصيرة