أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - شابّان من بلادي














المزيد.....

شابّان من بلادي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2908 - 2010 / 2 / 5 - 10:25
المحور: حقوق الانسان
    


يرى أصدقائي وأقاربي وبعض قرائي أنني أعيش في شرنقة تحجبُ عني ما لا أريد أن أراه من الواقع المُرّ، واستبدل به واقعًا(؟) افتراضيُّا زائفًا، أرسمه بخيالي، لعالم كنتُ أتمنى أن أحياه، ليس فيه كلُّ ما لا يليقُ بالإنسان من ذُلٍّ ومهانة وقبح. عالم ملوّن بريشة الشِّعر والنبالة والجمال. ثم يرون أنني أحكمتُ إغلاقَ هذه الشرنقة على روحي بأن هجرتُ التليفزيون والسينما تقريبًا، فلا أكاد أرى ما يدور حولي من متغيرات نقلتْ مصرَ من أعلى عِليّين على مقياس التحضّر والتمدّن، إلى حيث الدَّرك الأسفل منه.
لستُ أكتبُ هذا لأدفع عني التهمةَ، تلك التي لا تليق بكاتب، مفترض أنه مهمومٌ بمشاكل بلاده ومواطنيه. فكيف يُدلي برأي في مشكلة، ذاك الذي لم يخبرها جيدًا؟ بل أكتبُ لأقول إنَّ مَن يودُّ رؤيةَ الواقع المصريَّ الراهنَ بكامل مُرِّه وتعاسته وترويعه ولا-آدميته، ليس عليه إلا أن يتابعَ البرنامجَ الموجع "واحد من الناس"، الذي يقدمه المثقفُ الشريف، المتورِّط في عمق مآسي بسطاء المصريين، عمرو الليثي. ذهبتُ معه إلى حيث يعيش مواطنون مصريون في عشش من الصفيح، تحت نير هجير الصيف، وتحت وابل نزف الشتاء، وتحت تحت خطِّ الفقر. التقيتُ معه أطفالا مصريين يأكلون من صناديق القمامة، وينامون في غرفة من الكرتون مع عشرين شخصًا، دون ماء للشرب، دون صرف صحي، ودون أدنى درجات الخصوصية، تلك المتحققة للسناجب والهوام تخلقها لنفسها في جحورٍ تحفرها في ثنايا الشجر وتحت ركام الأرض! شاهدتُ معه كلَّ هذا عبر عدسة كاميرا تتكاثف حولها أسرابُ ذباب وبعوض وذرات غبار تكادُ تزكم أنفي وتغشى عيني، فماذا عمن يقطنون هناك؟
كالعادة يجبرني قلمي على السير على هواه الخاص، ضاربًا صفحًا عما نويت الكتابة عنه. بدأتُ المقال، حسب العنوان، بنيّة الكتابة عن شاب مصري جميل اسمه "محمود الأمير"، التقاه عمرو الليثي لنعرف معه أنه تخرج في كلية الآثار بتقدير جيد جدًّا. ليعمل، من عجب، في المجاري! شابٌ واعٍ، يعرف محنةَ بلاده، فتعلّم الصبر على البلاء، مثلما تعلّمه ثمانون مليونًا، إلا قليلا. ليس من حلم له إلا أن يردَّ لأبويه بعضَ ما بذلاه حتى يتخرج في كلية مرموقة، رغم شظف العيش والعوَز. يحلم أن يعمل في مجاله، أن يفيد بلده بما تعلّمه في جامعة هذه البلد. سأله الليثي: ما الذي يزعجك في عملك بالمجاري؟ فأجاب، وابتسامته لا تفارق: ماذا حين يوبخني الرجلُ الذي أعمل تحت إمرته صارخًا بأنني لا أفهم شيئًا، ثم يرن هاتفه، فيناديني كي أقرأ له الاسم المكتوبَ على الشاشة!
أسرحُ بخيالي لأتذكرَ جولةً قمتُ بها مع بعض أصدقائي من الأدباء الأجانب لأريهم أهرامات الجيزة. شاهدتُ خفيرًا يقفُ عند باب الهرم، ينهرُ سيدة يابانية ويزجرها بعصا! يتصرف كأنما الهرم مُلكه الخاص، وكأنما السائحةُ محض متسولة! ارتعدتِ السائحةُ خوفًا، رغم أنها لم تفهم كلماته السابّة بالدارجة المصرية، لكنها فهمت من سيماء وجهه الغاضب أنه على وشك البطش بها، فاعتذرت عن خطأ لا تعرفه ولم ترتكبه! هذه السائحةُ تعرف عن الآثار المصرية، وعن التشريح الداخلي للهرم، وعن تاريخ الأسر، وعن الحضارة الفرعونية، أكثر مليون مرة، على الأقل، مما يعرف هذا الخفير الذي يقفُ على باب حضارةٍ لا يستحق الانتماء إليها! وتساءلتُ يومها: ألا يستحقُ الهرمُ الأكبر أن يقفَ على بابه أحد شبابنا الدارسين بعمق عِلم المصريات؟ أين خريجو كليات الآثار، وماذا يفعل هنا هذا الخفيرُ مروِّعُ زوّار مصرَ بجهله وفظاظته؟
قبل أن أفيقَ من ذكرياتي هذه، أتاني صوتُ عمرو الليثي ليرسمَ ابتسامةً فوق وجهي، وفوق وجه محمود الأمير، الشاب المصري الأسمر. فورً، أثناء إذاعة البرنامج، اتصل د. زاهي حوّاس ليبشّرنا بتعيين محمود خريج الآثار، بهيئة الآثار الإسلامية.
محمود الأمير، مبروك لنا أن سنفيدَ منك، ومبروك أنْ وصلك حقك، وإنْ تأخر. عمرو الليثي، بارك الله فيك، وجازاك عنّا خيرًا.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آثارُ مصرَ في مزاد الأثرياء
- ما لن تتعلّموه في المدارس
- وردةُ أنطلياس، عصفورةُ الشمس
- المهذّبون يموتون غرقًا
- اقرأوا تصحّوا!
- انظرْ خلفك -دون- غضب
- كلَّ عام ونحن أجمل!
- حوارٌ متمدِّنٌ في ثماني سنوات
- رجلُ الفصول الأربعة
- اسمُه: عبد الغفار مكاوي
- أولى كيمياء/ هندسة القاهرة
- المحطةُ الأخيرة
- هُنا الأقصر
- وتركنا العقلَ لأهله!
- لا شيءَ يشبهُني
- طيورُ الجنة تنقرُ طفولتنا
- المرأةُ، ذلك الكائنُ المدهش
- مصنعُ السعادة
- شباب اليوم يعاتبون:وطني حبيبي الوطن الأكبر
- سور في الرأس، سأسرق منه قطعةً


المزيد.....




- مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة
- -حماس- تعلن تسلمها ردا رسميا إسرائيليا حول مقترحات الحركة لص ...
- تحتاج 14 عاماً لإزالتها.. الأمم المتحدة: حجم الأنقاض في غزة ...
- اليمنيون يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة
- عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل غانتس ونتنياهو متهم بعرقلة صف ...
- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - شابّان من بلادي