أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبعوب - محاولة لقراءة مقطوعة -حدث في العامرية- للفنان نصير شمه














المزيد.....

محاولة لقراءة مقطوعة -حدث في العامرية- للفنان نصير شمه


محمد عبعوب

الحوار المتمدن-العدد: 2838 - 2009 / 11 / 24 - 22:41
المحور: الادب والفن
    


عقدان مرا حتى الآن تقريبا على جريمة محرقة العامرية، تلك المحرقة التي نفذها نازيو الألفية الثالثة (إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش) ضد 800 طفل وامرأة من العراقيين والعرب الذين كانوا يحتمون بملجأ محصن تحت الأرض في العامرية ببغداد عام 1991.. لقد صمم له صناع الموت من الأمريكيين قنبلة خاصة لاختراقه وحرق تلك الأرواح الطاهرة الهاربة من النيران نازيي العصر الجدد التي أحرقت كل من يتحرك فوق الأرض، ولم توفر الموت حرقا على من يحتمون في باطنها..

يوم السبت الماضي عشت ولفيف من هواة الاستماع إلى الفن الأصيل ومن خلال أعمال عازف العود العراقي نصير شمه، وقائع هذه المحرقة، وسمعت أهوالها عزفا على أوتار صانع الروائع نصير شمه من خلال مقطوعة "حدث في العامرية". لقد نقلنا هذا الفنان الرائع والمتمكن الذي انطق العود وحوله الى راوِي حقيقي لتفاصيل تلك المأساة الإنسانية التي نفذتها طائرات وقنابل بوش وزمرته في حق البراءة.

وكما صرح شمه قبل تقديم مقطوعته المعبرة ، فإنه كان شاهد عيان على تلك المحرقة وقت وقوعها عندما كان جنديا بالجيش العراقي خلال الاجتياح الأمريكي الأول للعراق عام 1991م ، وما عجز هذا الفنان عن تصويره لنا بلسانه، عبر عنه وجسمه بشكل نادر بأنامله من خلال مقطوعته الموسيقية على آلة العود التي قال انه قدمها أكثر من 600 مرة على أكثر من مسرح عالمي ليهديها الى أرواح ضحايا هذه المحرقة من الأطفال الأبرياء..

في مقدمة هذه المقطوعة الموسيقية النادرة يصور الفنان شمه بلمساته الساحرة تفاصيل دقيقة لتلك اللحظات التي سبقت المحرقة النازية الأمريكية.. وشوشات الأطفال ومشاغباتهم وتوتر وتوجس الراشدين منهم، وضحكات الآخرين الذين كانوا يعتقدون أنهم في منجى من نيران هذا الوحش النازي، كما يمكنك أن تسمع في هذه المقطوعة مناداة بعض الأمهات وتفقدهم لأطفالهم في ذلك المحشر الأسمنتي الموحش.. لقد جال بنا شمه عبر اهتزاز أوتار عوده في زواريب وممرات ذلك الملجأ، وتفقدنا معه تلك الوجوه البريئة المرعوبة من الموت الأمريكي، كما شاهدنا وجوه الأمهات الجزعات على مصير أطفالهن الذين يطاردهم غراب الموت الأمريكي ليل نهار..
فجأة وبحركة سحرية من أصابعه تنطلق عبر الأوتار صفارات الإنذار منذرة بقرب تعرض بغداد لغارة جديدة، يرتجف الحضور بالقاعة وأنا منهم كما ارتجف الطفال قطعا، يرتفع أزيز الطائرات يختلط صوتها بصوت طلقات المضادات الأرضية، يرتفع الأزيز، ترتفع الأصوات والجلبة يتحول المكان الى ساحة من الجنون الصاخب، صفارات انذار هدير الطائرات طلقات نارية بكاء الأطفال المرعوبين صياح الأمهات الجزعات، نتجمد في مقاعدنا وفجأة يعلوا صوت انفجارات مرعبة تغطي على كل الأصوات، زادت دقات قلبي، ارتفع ضغطي تعرقت، تعرقت وأنا في مقعدي وعيوني مشدودة الى تلك الأوتار وذلك الجسم النحيل، لم نكن نراه فقد كنت لحظتها في ملجأ العامرية!! جف حلقي انقبضت أنفاسي، اختنقت ، بحثت عن الأكسجين فلم أجده ، تجمدت عيوني في مآقيها، شممت رائحة بارود كريه، ورائحة لحم محترق، قبضت على يداي بشدة، خيل لي أنني سأخرج جثة طفل من تحت الأنقاض.

غادرت غربان الموت الساحة بعد أن زرعتها بالموت الأسود، صمت مفاجئ يعم المكان، تقطعه من حين لآخر أصوات انهيارات أجزاء من الملجأ او صوت ثكلى جريحة تخرج من تحت الركام وهي تئن من هول المشهد، أنين طفل يلفظ أنفاسه الأخيرة، صراخ آخر لا زالت النيران تأكل ما تبقى من جثته، جلبة صياح هستيري يطلقه من هرعوا لتفقد آثار المحرقة بعد أن شاهدوا تلك البقايا المتفحمة لمن كانت قبل لحظات تملأ ضحكاتهم ومشاغباتهم الملجأ بالحياة والأمل الذي حولته طائرات بوش فجأة إلى رماد.

يأخذنا الفنان شمه بعد هذا المشهد المرعب مثقلين بالأسى والحزن لحضور المشهد الجنائزي الحزين ، رنات حزينة أطلقتها أنامله الذهبية من تلك الأوتار، نواح، رثاء، أم مكلومة تبكي فقيدها، أب موجوع لهول الفقد، شاهد عيان زعزعت المحرقة أعصابه وحولته إلى كائن خرافي يهذي بأصوات تحاكي هول ما رأى.. أشعر لحظتها أن كل مفاصلي قد تفككت، وأنني لم أعد أقوى على الحركة، قدماي لم تعودا قادرتين على حمل جسمي، جررت نفسي أتأمل بعيون شاردة تلك المشاهد الحزينة للثكالى والمكلومين ، وبقايا ورود ندية وفراشات طرية حولها الصلف وغرور القوة الى رماد .

لم يقف الفنان شمه في لوحته الموسيقية عند المحرقة وكأن الحياة قد انتهت عندها، بل ينقلك بعزفه الحماسي التعبوي في ختام مقطوعته المعبرة من حالة الذهول والانهيار التام ، إلى مشهد يجدد الأمل في النفوس ويؤكد أن المحارق والمذابح ليست سوى محطات كريهة يصنعها أشرار الأرض لإشباع نزواتهم الشريرة، وأنه إذا كانت أمريكا قد قتلت أكثر من 800 طفل في لمحة البصر في هذه المحرقة، فإنها بفعلها الإجرامي ذلك تجذر روح التحدي والإصرار على المقاومة وصنع الحياة بين من تبقى من أطفال العراق رجال المستقبل الذين سيعيدون بناء العراق الحر، عراق يحتضن كل أهله بكل طوائفهم وأعراقهم ودياناتهم ، بعد ان يطهرونه من رجس الاحتلال بكل أشكاله ومسمياته ومن أذناب الاحتلال وصنائعه المأجورين.
فجأة يتوقف العزف، يعلو التصفيق المدوي تحية للفنان، أستيقظ من رحلتي المرعبة، التفت الى يمني وشمالي لمن حولي، تأكد لي أنني قد عدت الى تلك القاعة الصغيرة في معرض طرابلس الدولي، تعلوا عبارات الإعجاب، يتواصل التصفيق دقائق طويلة، ينحني الفنان شمه بقامته السامقة تواضعا للمعجبين بإبداعاته الملتزمة، يتراجع صوت الانفجارات ودوي الطائرات وانين الجرحى في أذني، ويعلوا صوت التصفيق ويسجل هذا الفنان في ذاكرتنا مشهدا لن ننساه ولن تمحيه السنين وأكاذيب أمريكا وصناع الشر مهما امتلكوا من أدوات المسخ الإعلامية.



#محمد_عبعوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -اسرئيل- عضو فاعل في حلف الناتو!! أيها العرب ماذا انتم فاعلو ...
- نصير شمة يحلق في سماء طرابلس
- هجمات 11 سبتمبر لا تزال تؤثر على صحة الأمريكيين، فكيف هي صحة ...
- وجرحك لن يندمل إلا بمثولك أمام محكمة جرائم الحرب
- بعد أوروبا وأمريكا..المسلمون يخسرون الصين كساحة وحليف..
- لتكون تقدميا، هل يجب عليك التخلي عن ثوابتك ؟!!
- دعم التطرف ووأد الاعتدال.. حوادث يفرن نموذجا
- الدومن .. الى متى تبقى أسيرة اللعبة الأمريكية؟
- البحر الاحمر .. من المسؤول على تدويله
- انهيار الاقتصاد الأمريكي يؤذن بنهاية الرأسمالية، ويؤكد حاجة ...
- الصمود الاستراتيجي في وجه الشر الاستراتيجي
- حتى لا يتحول الأمازيغ الى حصان طروادة
- وما هي مصلحة العراق في مصافحة الإرهابي باراك؟!!
- الاتفاقية الامريكية الامريكية
- إسرائيل تتحصن داخل الاتحاد الأوروبي.. ماذا يفعل العرب؟!
- محكمة الحريري مدخل لتوسيع حزام النار في المنطقة..
- احب العراق.. آكو حد يعوف العراق!!!
- (وإذا ابتليتم فاستتروا..)
- الموسيقى هوية انسانية
- الحرية لآمنة منى


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبعوب - محاولة لقراءة مقطوعة -حدث في العامرية- للفنان نصير شمه