أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية نجمة النواتي 19,20















المزيد.....

رواية نجمة النواتي 19,20


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2821 - 2009 / 11 / 6 - 16:52
المحور: الادب والفن
    




- 19 –
.. وأين؟ في يافا أم في غزة؟ من منا يهبط ومن يصعد؟ هل تهبطين من الكرمل فيما أنا صاعد إلى حيفا, وهل يحط بنا الشوق في العجمي؟؟ انتظري في شرفتكِ, واستقبلي ريح العصاري حتى يمر النواتي فارداً شاله, يتزنر بالغبانية الحليبية, سرواله الأسود وقيطانه الأصفر, ناشرا شراشيبه تلمع أسفل الخصر في وهج الشمس, أنا على وصاياكِ يا زهرة ولم أنسَ وصية..
- شَد الشروال على الخصر, حزّم السرة فلا يبرز بطنكَ فوق الزنار, وتبقى ممشوقا كما أحب يا شيخ الشباب.
هل يرفع الصيادون الرايات على صدر البحر, وآخذكِ في الشختورة, أقبض على الدفة, وأسحب خيط الموتور,أدور بكِ حول المراكب, ثم أنطلق إلى صدر البحر, وتنشر عروس البحر ضفيرتها في وهج الدنيا, تفردها على أديم الماء, تظلل بذور الأسماك الطالعة من فقوس البيض لتوها تقودها غرائزها إلى مواطن الآباء, لتمضي مع تيارات الماء الدافئة بعيدا عن صقيع الغربة والمنافي..أكلتنا الغربة منذ سقتُ أنا اللنش جنوبا, وبقيتِ أنتِ تحت وطأة شوشانا .. لفني المخيم, ودثرنكٍِ بدرية, وأهدتكِ هداهداً يصطادها لكِِ خصيصا صابر الراعي, وأنا أعشر وشيش البحر وحكايات العيماوي وأبي خليل, وأنتظر رجا بدران, الصيادون والناس زوجوني من عروس البحر ونسجوا عني الحكايات, أصبحنا حكاية, وفي الحكاية رحتُ أنصت على شبابة صابر عبد الدايم, أردد مواويله لنورسة بيضا تستريح على منارة عسقلان, حتى إذا هبت الريح تضع بيضها وتواصل الرحلة إلى قمة الكرمل, تطل على الوادي تحصي الشياة والحملان.. هل حطت النورسة على سطح البيت الكبير, وهل حملت مكاتيبكِِ على جناحها؟ متى تستريح النورسة على رمال يافا, لا تؤرقها رياح ولا تفزعها عواصف؟ هي الحرب, من يمنعني من ركوب البحر, لم يعد في اللنش شنشولة ولا خيط سنارة, أو حتى شبكة طرح, فقط مرساة ورصاص كثير, وأنا والعيماوي الحافظ لدروب الماء, يسمي الصخور ويراوغ الدوامات.. هل نخطئ السبيل إليكِ؟
كان يتفقد اللنش, يطمئن على الدفة والدفاس, وصندوق الملابس في غرفة القيادة, نظف البوصلة وجدد زيت الموتور, وملأ المستودع بالبترول.. عاين السقالة الخشبية التي ثبتها العيماوي في مقدمة اللنش للرشاش الذي وعدوه به..وفي الليل افترشت صدر الحائط وكانت شاهدة عليه, تطل من برواز صورتها تبتسم, كل شيء فيها يضحك, ارتدى كامل عدته, واكتشف كم أصبحت واسعة فضفاضة.. لا بأس شد دكة السروال على البطن الذي لانت بعض صلابته, وتمنطق بفرد الكرداخ بعد عشرين عاماً, دار حول نفسه أمام الصورة وهمس" - ما رأيكِ يا زهرة" وسقى الله أيام العجمي.
وفي الليل فرد الجديلة على صدره, وأخذ يعد دقات قلبه ويتشمم رأئهة أنفاسها, يعاين صفي اللؤلؤ في مبسمها, يبرق العقد فتشير له بإصبع مسور بخاتم من ذهب عثملي.. تنبث حبيبات العرق عند منابت شعر صدره والذراعين وتغسل الجديلة.. يخَّل له أن الجديلة تقطر ماءً.. يتطاير في فضاء الحجرة فل وياسمين وبراعم برتقال تفتحت لتوها, تجذب شغالات النحل من كل صوب, تلعق الشغالات العرق تعبئها في عيون الشمع عسلاً شفافا صعب المنال, لا يصله غير عاشق معذب, ولا تستجيب لرائحته غير شياه وحملان تمضي خلف نغم الراعي العاشق.. تمضين يا زهرة خلف آثار شياة بدرية التي تجمع أقراص العسل زوادة لشتاء قارص حول كوانين نار السملوط والخروب والسنديان.
وعلى الشاطئ تابع سيارة الجيب تعفر الرمل خلفها, تحفر حطين منوازيين بامتداد الشاطئ.. فتخيل قطاراً يسير على سكة حديد, لا يتوقف ألا في محطته الرئيسة, حيث يتعانق العشاق, وقبل أن تسقط دموع اللقاء , يصدر صفيره وينشر دخانه ويمضي.. هل تتآلف سيارات الجيب في قاطرة يسوقها العيماوي ويقف التواتي في شرفتها, وتتجه شمالاٍ حيث نورسته المنتظرة في عسقلان.
قال العيماوي
- نرفع العلم على السارية.
ونادى على حسام العجرمي:
- ثبت العلم على السارية يا حسام, لم يبق في الجسد عافية للتسلق.
قال النواتي:
- راية لا تهبط يا ريس.
- يا خوفي عليها من الريح!
- العيماوي لا تهزمه ريح بإذن الله.
وصام العيماوي على مخاوفه, واستعاذ من الشيطان الرجيم, واعتصم بما يحفظ من القرآن الكريم.. فبالأمس أخبره أبو خليل أن سارية طويلة سنثبت في بطن الباخرة الغارقة تسترشد بها الضفادع البشرية الذين ربما ينطلقون من العريش, وقد وافقت القيادة على تزويد اللنش برشاش ال 500 مع ضابط يقوم عليه, على أن يبقى اللنش قريباً من الشاطئ..
أما أبو خليل فقد أنيط به مهمة تحويل المدرسة, إلى محطة استقبال الجرحى والمصابين, ونقلهم ألى المستشفى يساعده في ذلكَ خميس وسناء وبعض المعلمين والمعلمات وطلاب الثانوية المتطوعين.
وفي الليل كان النواتي بكامل عدته يراقب البحر من شرفة المصنع,’ ويتابع نجيمات تلوح وتختفي.. طلبت رأسه النرجيلة نادى على حسام:
- قل لخالتكَ أم خليل حضري نفس تمباك للنواتي.
وجاء صوتها من الداخل فرحاً:
- غالي والطلب رخيص يا خال, أنا في البوم اللي أحضر فيه شيشتكَ
وشدت الشيشة وأودعت في بطنها حبة ليمون بعلية وعرق ريحان, وأنضجت الجمرات على رأس بابور الكاز, وثبتتها عل حجر النفس..ومدت مبسم الخرطوم إلى الرجل السارح مع الموج:
- والله زمان يا خال.
- صحيح يا كوثر؟
- صحيح يا خال. تذر عليَّ لأجهز أراجيل الرجال في بيت العجمي, حتى لو كانوا ألف رجل بألف أرجيله..
- الله كريم يا أخت الرجال.
ود حسام لو يفهم حديث النواتي وأم خليل, لكنه انتشى وأخذ يهفهف على جمرات الأرجيلة حتى تبقى هامتها متوهجة مضيئة, وتابع الليمونة وفرع الريحان في الماء مع شفطات النواتي, يتلوى الليمون حول الليمونة يشرع وريقاته الخضراء, وتساءل الصبي " كأن الليمونة ست الفرجار والنعناع محيط الدائرة "


- 20 –
الاثنين.
حذر وترقب.. الناس حول أجهزة الراديو يتابعون إذاعة صوت العرب, ويشيحون عن إذاعة لندن وصوت أمريكا.. وأحمد سعيد يهيج للمعركة, ويبشر أسماك البحر بوجبات شهية من لحوم الإسرائيلين..
في المقهى يتحدثون عن الحرب, وجيوش العرب في مصر وسوريا, وعن مغاوير الشام, والقوات العربية التي تمركزت في الضفة الغربية, وعن النواتي, شاربه المشذب والشال والسلحلك وفرد الكرداخ المدلى في جرابه, وعن المدفع المثبت في مقدمة اللنش والشاويش الرابض خلفه, والمعلم العيماوي, الأسد العجوز القابض على الدفة.. اللنش يقوم بأعمال الدورية في الماء من الميناء إلى تلة المطخ جيئة وذهابا, وأبو سمير يدور بالطلبات على الطاولات ويداعب حليمو الذي صام عن الكلام:
- النواتي قائد البحرية يا حليمو.. لايقه عليه ريس.. آه لو تعود الأيام.
حليمو قاطع الورق, وتوقف عن لعب الثلاث ورقات, وأغلق فمه منذ الإعلان عن إغلاق المضايق.. أحد الرجال يعلق على أخبار الراديو:
- عينوا عبد المحسن مرتجى قائداً للجبهة في سيناء, قبل أن يرتاح..
سأل حليمو:
- أين كان هذا المرتجى علشان يرتاح؟
- في اليمن, دوَّخ السعودية والأمريكان.. حرقهم حرق..
- يعني قتال قُتلى.
- الحرب عايزه رجال.. هذه حرب مش لفتكَ م لفتكَ, وشغل ثلاث ورقات..
- يا خوفي تطلع الشغلة لعب ثلاث ورقات!!
وغطس في صمته, وأخذ يراقب الماء, جسده يهتز كمن لسعته القشعريرة..
المذيع يقطع مارشاً عسكرياً, يعلن عن سقوط عشرات الطائرات الإسرائيلية المغيرة, وقتل وأسر طياريها, ويهنئ أسماك البحر ويدعوها فعلياً إلى الوليمة.. ويعلن عن قيام الحرب.
المطارح تقذف الناس رجالاً ونساءً وصبياناً وأطفالاً, الوجوه مستطلعة فرحة.. واجمة هلعة و والسماء دوي متواصل, الطائرات غربان سوداء تحلق على ارتفاعات عالية تختفي في سحابات الصيف البيضاء, قذائف المدفعية المضادة للطائرات ترتفع, ترج البيوت والأبدان, تخلخل شُقف القرميد على خشب الأسطح.,. طائرات تطلق ذيولاً من دخان أبيض, يهلل الناس على الأرض.. غراب أسود يهبط باتجاه المخيم يطلق لهيباً ودخانا أسود, يهوي ويسقط في البحر.. الطيار يقفز بمظلته يتأرجح في الهواء..جموع الناس تهرع إلى الشاطئ, تراقب الطيار الهابط.. لنش النواتي يغطي الماء بصليات الرشاش, ويعود بالطيار أسيراً وسط زغاريد النساء وتهليل الرجال.. وكوثر تلوح بضفيرتها للسيارة العسكرية التي انطلقت به إلى قصر الحاكم العسكري, أول الغيث.. والميكرفون يناشد الجمهور بالتزام الهدوء, وعدم الاقتراب من اليهود الهابطين حفاظا على حياتهم, ويوجه الرجال إلى مراكز التدريب الشعبي ومراكز التبرع بالدم..
غزة ساحة الحرب خطوطها الأمامية هي خطوطها الخلفية, والبحر ظهرها.. الحواكير والكروم والأحراش فضاء واسع.. صوت المدفعية يسيطر على الموجودات.. قذائف من جميع العيارات.. وأخبار عن معركة المنطار.. التلة نار حمراء.. ومحاولات العدو اقتحام الموقع تبوء بالفشل أكثر من مرة.. عشرات القتلى والجرحى, والأخبار متضاربة متباينة...
في بيت حمدان, أم حمدان تحتضن الصغار, وتسند صفية إلى صدرها, تولول صفية, وتنتفض مع كل دبة قذيفة:
- كل الضرب في المنطار.. يا ويلي..
- اهدئي يا بنت ..المقدر مكتوب" اللي له عمر لا تهينه شدة"
صراخ يمزق الحارة يشق هدير القصف.. أم العبد سمور تشق الثوب وسط الزقاق, تعفر وجهها بالتراب وتتمرغ.. يحط الوجوم على الناس, وتصاب صفية بالخرس.. حديث عن قذيفة أخذت بيت محمد سمور في حي التفاح, لم ينج منهم غير الولد الذي كان خارج البيت وظل يجري حتى ارتمى في حضن عمته.. رفرف في حضنها يصيح " ماتوا.. ماتوا.. أخذهم المدفع" ووقع الولد لا يصد ولا يرد..
تحركت مؤشرات الراديو عن صوت أمريكا, وجرى البحث طويلاً لالتقاط صوت موسكو.. الإذاعات توزع بياناتها ومعلوماتها عن الحرب, وإسرائيل نبث الأغاني العاطفية.. أخبار عن هزائم وانتصارات, وضربة جوية عند الفجر دمرت الطائرات المصرية في مهاجعها عند الفجر وفجرت مدرجات الطيران, جنود يهيمون على وجوههم في سيناء, قتلى إسرائيليون ومصريون, وسقوط مئات الطائرات المغيرة, طلائع المغاوير والفدائيين تصل بحيرة طبريا, سقوط سعسع, ورحيل جماعي عن القنيطرة.. قصف ميناء حيفا, واختفاء أخبار الأسطول المصري, سقوط القدس, ومعارك بالسلاح الأبيض في المكبر, معارك دبابات, وضفادع بشرية خلف خطوط العدو,تدمير الجسرين بين الضفتين.. القيادة العربية العليا لم تصدر بيانات, اتصال هاتفي بين الملك حسين وجمال عبد الناصر, واتصالات مع القيادة السورية, وروسيا تطلب انعقاد مجلس الأمن للتحقيق في من أشعل فتيل الحرب, أحمد سعيد بهت صوته, ولم يعد يولم لأسماك البحر,غيّر لازمته في الراديو.. لكَ الله يا أخي.. لكَ الله.. شرم الشيخ..الجولان.. القدس.. جيش أول وجيش ثاني وجيش ثالث محاصر.. والمعركة تشتد في المنطار, واشتباك عند دوار القرم.. وقذائف تشطب مخيم الزينكو في جباليا, ودبابات إسرائيلية تدخل خانيونس بأعلام عراقية وجزائرية..قتلى ومجازر.. وهج يخطف الأبصار.. وانفجار يرج الدنيا يبعثر القرميد.. تختفي المدفعية الرابضة في كرم مصلحة شرق المخيم, طائرات تخلف المكان حفرة عميقة ابتلعت الموجودات..شظايا من عتاد وأجساد تتوزع حول الحفرة وتصل البيوت القريبة.. التحذير من الاقتراب تحاشيا من قنابل موقوتة لم تتفجر.. أحاديث عن محاولة جديدة لاقتحام المنطار, وقذاف المدفعية الإسرائيلية تسقط في حي الرمال, تصيب مبنى سراي الحكومة.. مئات الجنود يسدون الطريق المؤدية إلى قصر الحاكم, والعشرات منهم ينسحبون إلى مستشفى دار الشفاء.. الشوارع الرئيسة باتت غير مأمونة.. الناس يسلكون الطرق الفرعية إلى أحراش النصر أو الكروم في الشيخ عجلين وسكنة أبو مدين على البحر.. مخيم جباليا يتعرض لقصف شديد. يقذف سكانه باتجاه الأحراش وسوافي العطاطرة والسيفا.. معركة ضارية في دوار القرم لصد الدبابات التي اجتازت بيت حانون, متوجهة إلى الشجاعية
نهايات النهار والصيف لافح, والمساء يزحف على الأشياء, وغزة ترقبُ وتوجسً في ظلام تام إلا من نجوم تضيء السماء, أما على الأرض فلا ضوء لشمعة أو سراج قد يرشد العدو..
وفي الليل ضابط كبير قيل أنه من المخابرات العسكرية, يجتمع في المصنع مع أبي خليل والنواتي والعيماوى, تكلم الضابط فحط الوجوم على الجميع, وقع الأمر عليهم وقوع الصاعقة, وألجمت المفاجأة النواتي.. خرج العيماوي من ذهوله وقد قدحت عيناه شررا, همهم:
- أنتم حكومة وجيش خذوه بمعرفتكم.. هيَّ وقفت علينا يا سيدي!؟
- يجب تسليم الطيار إلى القيادة في مصر, جهز اللنش يا ريس, الطرق البرية غير مضمونة, واليهودي يجب وصوله سالماً.
النواتي يتطلع إلى البحر, تتكسر نظرته عند المنارة, شفتاه ترتجفان.. عتمة تحط على الصدر, تتخلق دمعة في القلب تجثم عليه ولا تصعد إلى العين.. هم الفراق مرة ألأخرى يا زهرة, واستنجد بالعيماوي:
- ما رأي العيماوي.. هل دروب الماء مضمونة؟
قاطعه الضابط بحزم:
- نسلمه في بور سعيد ونعود, فالحرب في أولها والمعارك الحاسمة لم تبدأ بعد.
وفي الليل تعانق الرجال, فبل النواتي خليل وقمر, وتيبست أصابعه على رأس كوثر التي ارتمت على صدره, قلبها يدق على قلبه:
- لا تذهب يا خال.
- سأعود يا كوثر.
وحمّلها صرة صغيرة, ومضى خلف العيماوي الذي صام عن الكلام, ونظر شزراً للضابط الذي تخلى عن بزته العسكرية, وارتدى جلباباً عتيقاً, وقبض على ذراع الطيار المذعور. وفي الماء قبض العيماوي على الدفة, وشخص إلى السماء يسترشد بنجيمات يعرفها, ويتحاشى النظر إلى النواتي, ويلعن هذا الزمن كلما اصطدمت عيناه بالأسير, يتساءل" من منا الأسير يا ترى..؟" يركبه الغم ويردد حكمة البحر "شَمِل سنة ولا تقَبِّل يوم"

الثلاثاء.
في المنطار اشتد القصف على التلة, غادر الناس الملاجئ والحواكير.. وعند الظهر صمت الموقع, وتقدمت الدبابات.. جنود المشاة يمشطون الأزقة والشوارع, يطلقون النار على كل شئ يتحرك, عمليات انتحارية تحاول إعاقة الاجتياح, واشتباك بالسلاح الأبيض عند المنعطفات, ضابط الموقع طلال يتصدى للدبابات بل آر بي جي, يعطب أكثر من دبابة, وقذيفة تنشر لحمه على صواريف صبر الحواكير.. وعند العصر وصلت الدبابات ميدان فلسطين" الساحة" وتقدمت باتجاه السراي.. وسُمع الميكروفون وبصوت نسائي رفيع يعلن عن سقوط المدينة, ويطلب من الأهالي رفع الرايات البيضاء والتزام البيوت, ويحذر المسلحين من إطلاق النار ,وإلقاء الأسلحة في الشوارع أو على عنبات البيوت, وانتظار أوامر جيش الدفاع الإسرائيلي التي سيعلنها القائد العسكري للمنطقة..
غزة بيوت مغلقة على سكانها, وأحراش وحواكير تخبيء قطعان الناس والجنود بعيداً عن مواقع الاشتباكات وأهداف القصف.. إشاعات عن مجازر ومذابح, وذكريات عن مجازر ومذابح.. وقدر حط مع غراب البين..
وفي الليل غافل حسام العجرمي أمه, وقفز من بيت لبيت حتى تعلق برقبة صفية:
- حمدان عايش يا خالة.
وفي المستشفى كان حمدان رائقا ًشاحباً شفافا, تحدث باقتضاب عن صد الاجتياح الأول في المطار,وعن دشمته التي اختفت في لمح البصر, والعراقي الذي وصل به إلى تلة أم الرقود, واطمأن عليه في كرم زيتون أبو العطا, حيث لفوه ونقلوه إلى المستشفى.. نزف دمه ولكنه لم يفقد الوعي.
وفي الليل سرى الحديث عن دبابات تحيط بالمستشفى.. مرَ الدكتور رشاد مسمار على المصابين, همس في أذن حمدان, وزوده ببعض الضمادات والأدوية, فالشظية شطبت عضلة الفخذ ولن تأتِ على العظم.
وقبيل الفجر كان حمدان يتوكأ على كتف صفية, يتوقفان عند المنعطفات بانتظار إشارة من حسام ليعبران الأزقة باتجاه المخيم.

الأربعاء
منع التجول يفرض على المدينة والأحياء, الجيش يداهم المخيم, الدبابات تتمركز عند مفترق اللبابيدي ومخيم المسيحية في الوحدة ومركز التموين.. أزقة المخيم فارغة إلا من بعض النسوة والعواجيز.. أم حسام تطارد ملهوفة, تدق على البيوت تسأل عن ابنها.. تلتقي مع سناء التي تكور بطنها, تبحث عن خميس الذي لم يرجع إلى البيت.. صبي يطل من أحد البيوت يؤكد أنه رأى خميسا وحساما يحملان بنادق ويتوجهان إلى الأحراش,, خارت أم حسام ووقعت على الأرض, وعفرت وجهها بالتراب..
- يا ويلي يا سواد ليلي..تزعفلت.
رفرفت وانتفضت وهمد حسدها.. نساء الحارة سحبتها إلى بيتها, دعكت أم حسن بصلة في منخريها, جحظت عيناها, ومات لسانها في فمها, وعندما حطت الشمس على صدر البحر, طرقت البدوية باب المصنع, ونولته طاس الحليب, وتمتمت عن الرجال الذين انسحبوا من المطار ودوار القرم إلى الأحراش, وعن جرحى تستدعي حالتهم وجود الدكتور, وعن أسلحة تجمع من الحواري والأزقة, سألها:
- هل سمعت عن العراقي
- حمدان تحدث عنه, ولكني لم أره.

الخميس.
عند الفجر دخلوا المخيم, وزرعوا السماء ن ساعتين, ثم حط الصمت الثقيل على الموجودات.. لا تُسمع سوى خشخشات أجهزة اللاسلكي, وكلمات متطايرة من لغة عرجاء.. والميكروفون يعلن عن منع التجول, وإلقاء الأسلحة على عتبات البيوت, ويطلب من جميع الذكور من سن 15-60 سنة, بالتوجه إلى أرض البلاخية رافعين الأكف على الرؤوس, ويحذر كل من يخالف أمر القائد العسكري بإطلاق النار عليه.
البيوت تقذف سكانها إلى البلاخية.. حليمو يسند أبا سمير القهوجي, يبرطم مذعوراً:
- طلعت الشغلة لفتكَ ما لفتك.
- اسكت يا حليمو..
زخات الرصاص تئز فوق الرءوس المهدولة على صدورها تحت سماء المخيم الحمراء..




#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نجمة النواتي - 19 -
- رواية نجمة النواتي 17 ,18
- رواية نجمة النواتي 15,16
- رواية نجمة النواتي 13, 14
- رواية نجمة النواتي 10,11,12
- غريب عسقلاني - رواية نجمة النواتي 7,8,9
- غريب عسقلاني - رواية نجمة النواتي - 4,5,6
- رواية نجمة النواتي - 2 , 3
- غريب عسقلاني - رواية نجمة النواتي – 1 –
- عطش الندى - قصة قصيرة
- بيض اليمامة - قصة قصيرة
- رواية زمن الانتباة - سميرة - الفصل الأخير
- رلواية زمن الانتباة - حسني
- رواية زمن الانتباه - الاستاذ ناجي
- رواية زمن الانتياه - محمود
- رواية زمن الانتباه - ابو يوسف
- سحر التركواز والقراءة الموازية - - قراءة في رواية سحر التركو ...
- في فيافي الغربة - - قراءة في المجموعة القصصية - بيت العانس- ...
- فاتنة الغرة امرأة مشاغبة حتى التعب
- ترنيمة نادل الوقت - نص


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية نجمة النواتي 19,20