رمضان عبد الرحمن على
الحوار المتمدن-العدد: 2819 - 2009 / 11 / 4 - 19:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بالرغم أن كثيرا من العلماء والمفسرين قد كتبوا عن نفي الشفاعة ، وأكن لكل من كتب في هذا الموضوع كل احترام وكل تقدير على مجهودهم وإخلاصهم ، ولكنى أردت أن أضيف شيئا ربما يكون له أهمية في موضوع الشفاعة ، دون أن ننتقص شيئا من قدر و جهود من سبق وكتب في نفس الموضوع ، ونظرا لأن الكثير من المسلمين لا يقرأون القرآن ، وإذا قرأوا لا يتدبرون ما يقرأوه فنحاول نحن قاصدين وجه الله جل وعلا أن نوضح بعض الحقائق أمام الناس مستندين في ذلك لآيات الله عز وجل حتى لا نتهم أننا نعبر عن وجهة نظرنا فيما نتحدث عنه ، أو نشير لأى موضوع يستحق الاهتمام ، وخاصة إذا كان هذا الموضوع متعلق بالدين على سبيل المثال إن أغلبية المسلمين يعيشون على أمل أن الرسول سوف يتشفع فيهم يوم القيامة ، وهذا ما لم يرد به نص من نصوص القرآن الكريم .
كما لم يرد أى نص قرآني يؤكد أن أى إنسان سوف ينفع أي إنسان آخر يوم الدين الذي لا ملك فيه لغير الله رب العالمين ، ومن هنا ننوه عن مفهوم أخر للحساب ونظرة أخرى للشفاعة في القرآن ، ولكي يعلم من يريد ان يعلم ، ومن خلال فهمي لآيات الله أن الشفاعة خاصة بالملائكة فقط حسب النص القرآني ، وهذا لا يعني ان الملائكة سوف تتدخل فى حكم الله يوم القيامة وإنما تطلب من الله جل وعلا أن يوفى الذين أمنوا ما وعدهم به في آيات القرآن الكريم أي الذين اتبعوا سبيل الله في الحياة الدنيا ، أي شرع الله القرآن الكريم يقول تعالى(( لَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) سورة غافر) ، ونفهم من ذلك أنه ليس من حق أي بشر أن يتدخل في شأن أي بشر أخر يوم الحساب ولن تنفع نفس نفسا أخرى يوم الدين ، هذا ما سوف توضحه الآية التالية يقول تعالى (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )النحل:111 ، ثم هل من البشر من يحمل صفات غير النفس البشرية لكي يدافع عن غيره بل ان الذين كانوا يستكبرون على شرع الله واتبعوا فئة من البشر جعلتهم يتبعون شرعا أخر في الحياة الدنيا غير ما أنزا الله سوف يتبرأون من بعضهم البعض يوم القيامة ، وهم حتما من غير الكفار لأن الكفار لا يؤمنون بشرع الله أصلا ، ومصيرهم محدد ومعروف ، ونقرأ في ذلك عن الذين يخسرون أعمالهم يوم الدين ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار (167)))البقرة ، وهنا الأمنية الوحيدة للذين عرفوا انهم خسروا في أعمالهم هي أمنية الرجوع مرة اخرى للحياة لكي يتبرأوا من الذين أضلوهم عن سبيل الله ، ولم تكن لهم أمنية كشفاعة الرسول مثلا.
ثم إن الله سبحانه وتعالى يقول للرسول عليه الصلاة والسلام إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ))البقرة:119 ، أي ليس هناك أى سؤال للرسول عن أصحاب الجحيم سواء كانوا من امته او من غير امته ، وعلى الذين يشككون فيما سوف يحدث يوم الدين من حقائق قرآنية وعد بها رب السماوات والأرض أن ينتظروا لقاء الله الحقيقي يقول تعالى ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)) البقرة :143 . أى أن الرسول سوف يكون شهيدا على أمته أي خصما لهم ، وسوف يكون خصما لكل من اتبع دين غير دين الله وكل من هجر القرآن واتبع غيره ، وبالمنطق سوف يكون الرسول خصما لكل من ترك القرآن الذي بلغه الرسول للناس من رب العالمين سوف يكون شهيدا على هذه الأمة وليس شفيعا لهم ، وبما أن الدنيا تختلف عن الأخرة لما فيها من نفاق وخداع ، وحتى الدفاع عن الباطل والجدال في آيات الله بالباطل كان لابد ان يذكر لنا الله العلى القدير أنه لا جدال فى الأخرة يقول تعالى ((هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا ))النساء:109. أي لا تعقيب على حكم الله في يوم الحساب يقول تعالى(((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))الرعد:41 .
فالحساب يوم الدين سيكون فرديا أو المسؤولية فيه ستكون فردية بحتة بمعنى أن كل إنسان سوف يقف أمام الله بمفرده يدافع عن نفسه وعن موقفه وعن قضيته كما قال تعالى ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ))الأنعام:94 ونلاحظ هنا أيضا ان الآية تتحدث عن أشخاص كانوا يعيشون على أمل أن الرسول أو غيره سوف يتشفع فيهم ، ولذلك قالت الآية ولم نرى معكم شفعاءكم . ، والشيء الذي لم يفكر فيه أغلبية المسلمين الذين يظنون أن الرسول سوف يتشفع لهم يوم القيامة ان الله اختص الرسول عن بقية الأنبياء بهذه الآية ((أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ)) أى لا علاقة للرسول بأهل النار أو أصحاب الجحيم ، ثم لماذا لم نسمع عن الذين امنوا مع الأنبياء السابقين من قبل أى حديث عن شفاعة رسول او نبي لأمته ..؟؟؟ ، وهنا أمرا هاما جدا يخص ما يحدث يوم الحساب حيث يوضح القرآن الكريم ان الرسل جميعا سوف يحاسبوا قبل جميع البشر يقول تعالى((وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)) الزمر:69
والغريب في وضع البشر عموما لم يكن لديهم أية خيارات حينما أتو لهذه الدنيا ، ولا أدنى معرفة عن موعد محدد للموت أو البعث مرة أخرى ، وشأنهم في ذلك شأن باقي المخلوقات ، وبعد ذلك نستمع من البعض الخوض فى أشياء ما أنزل الله بها من سلطان ، ثم يبنى عليها البشر أحلام وطموحات وأمانى يتصور فيها الإنسان أنه رغم كل ما يفعله فى حياته الدنيا سوف يدخل الجنة في الأخرة بواسطة شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام..
#رمضان_عبد_الرحمن_على (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟