|
إسطورة شعيط ومعيط وجرار الخيط
زيد ميشو
الحوار المتمدن-العدد: 2793 - 2009 / 10 / 8 - 03:51
المحور:
كتابات ساخرة
غريبة هي أحياناّ بعض الأمثال العراقية ، نقولها عند اللزوم ، ونفهم مضمونها وندرك مغزاها ، إلا إننا لانعرف معناها الحرفي ، بل حتى إننا لانعرف أصولها . ومثل شعيط ومعيط وجرار الخيط هو واحد من أكثر الأمثال شعبيةً ، إن كان في البيت أوالمدرسة وفي البيئة ( وبين الدرابين ) وفي المقاهي ، إلا أن في المقاهي عادةً ماتنتهي بـ ( عفيط ) أربع درجات على مقياس رختر ! . سألت عن أصل المثل وسبب شهرته ، وكل من أسأله يجيبني بالإجابة نفسها التي يعرفها الجميع ، وكأني قد أتيت سائحاً من مسقط رأسي في شارع الشانزليزيه ولا أعرف المقصود منه . نعم أخوتي ، إن هذا المثل يطلق على التافهين خصوصاً من تفرعن منهم ، أو حصل على مكانة لايستحقها ، وهو إبن عم المثل ( ما باقي علينا إلا وسخ .... ) ومن فصيلة ( من فوق هشي هشي ومن جوة خرق محشي ) . إنما سؤالي هو عن أصل المثل ومعاني مثلثه . وبما إني أتصف أحياناً بالعناد ، وكل يوم يزداد شغفي لمعرفة كنه هذا المثل وواقعه في الحياة ، وبما إننا قد إبتلينا بشعيط ومعيط وجرار الخيط في كل مكان وكل زمان ، ونسمع عن أخبارهم ونشاهدهم في وسائل الإعلام ، ونقسم الولاء لهم ونقبل أيادهم . فأقسمت بحياة ( كم دوني عرفتهم وطالعة روحي منهم ) ، بأنني لن أنام وتهدأ لي سريرة حتى أستعلم سرهم وجذورهم علِّ أكتشف داء لهذا الوباء . فأبتدأت البحث بين الكتب وفشلت ، وسألت المختصين وأخفقت ، وولجت في الشبكة العنكبوتية حتى إزرورقت عيني دون جدوى ، وأخيراً لم يبقى لي سوى الماورائيات ، فمارست التأمل والصلاة لآلهة لم تذكرها المصادر ، حتى كان يوم البِشر حين ظهر لي جحافل منهم ، وشكلهم يقلب النفس . فعرفتني إحدى الآلهة بهم وإذا من بينهم إله الكذب وإله الرياء وآلهة المتعة والسطوة والدناءة والإستغلال والطمع وغيرهم ، وأخيراً عرفتني بنفسها بأنها شيختهم . ثم سألتني وكأنها لسان حالهم وبلهجة عراقية " هاي شبيك حايص محركص ؟ وخابصنة تريد تعرف منو شعيط ومعيط وجرار الخيط ، شنو الجديد إللي راح تسمع عنهم ؟ " . فأجبتها صارخاً وكأني أعاني من لدغة عقرب " إي ولج مو ذولة حاركينة حرك ، متكليلي منين إِجوّي ؟ وشلون نعالج أمراضهم اللي هلكت العالم ؟ إشو بيهم سياسيين ، وبيهم ضباط ، وبيهم شهادات ، وبعيد عنِّج بيهم حثلّكية وهتلية ، والمصيبة إنو بيهم رجال دين ورجال تدعّي الإنسانية . بس الكارثة أكو من يصدّك ويدافع وأكو من يعرف حقيقتهم ويسكت . فقالت لي " لايمكن لأي كان معالجة آفاتهم مادام الإنسان قد عرض ذمته للمزاد العلني الرخيص ، ولايمكن ذلك طالما الشعب الواحد والعائلة الواحدة منقسمة . إنما من أين أتوا فجواب ذلك ليس فيه صعوبة ، لقد أتوا من الناس وتعالوا على الناس . نحن من أسسناهم وفتحنا لهم مدارس تمنح لطلابها شهادات عالية ، كلّ حسب كفاءته وطموحه والمنصب الذي يطمح له ، على أن ينهي دروسه بتفوق . فيكمل دورته التدريبية ليكون أولاً شعيط ، وهو من يشعط البشر ويفرقهم ، وبعد ذلك يمعطهم معط ( يمص رحيقهم ويسلب عافيتهم ) ويمزقهم أربا ، والشهادة الكبرى تمنح لمن يجر الخيط بعد أن يربط به مايمكنه من الخراف البشرية الذين يعتقدون بأن طاعتهم واجب وفرض ، أو يكونوا منقادين لأجل غاية أو خوف . فتيقنت بعد ذلك ومن خلال هذا الشرح المقتضب ، بأن شعيط ومعيط وجرار الخيط هم ليسوا سوى تجسد صفاة في شخص واحد ، وبالغالب يكون هذا الشخص هو أكثر من تنحني لهم الرؤوس أحتراماً . فهم أسياد يسير من ورائهم السواد الأعظم من الناس ، يقودوهم في كل مناحي الحياة . فعلمت شيختهم بما يدور في ذهني وكيف السبيل لردعهم ، وإذا بها تنظر لي بإستخفاف وتبتسم بإستهزاء ، فقالت " إستحالة ماتفكر به ياأحمق ، فكيف لكم ذلك وأنتم منقسمين ، شعوب وعشائر وقبائل وطوائف ، منقسمة فيما بينها وعلى بعضها البعض ؟ فهل ترى من تترجى منهم خيرا ؟ فأحنيت رأسي خائباً ، وعدت أدراجي ولعنت أبو تلك الآلهة ومن يتبعهم وبصوت مسموع . فقالت لي " قل ماتريد ونحن وأتباعنا نفعل مانريد " . فتذكرت بألم أحد الشعيطين الكبار جداً حينما قال لي ولبعض الإخوة " هذا هو الحال ومن لايعجبه ذلك فليبحث عن مكان آخر " وكأن المكان المقصود قد أورثه له جده معيط ! إنما ومع كل ذلك ، ومهما طغى البعض ، إلا إن ليس كل البشر قد رضوا على طغيانهم ، فهناك من يقطع الخيوط التي تحاول أن تلفلفهم وتضرب الكف التي تمسك بها .
#زيد_ميشو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صورة رجل الدين المشوهه لبدائيين من عصرنا
-
وللأناني يوم عالمي
-
الإنسان أم رأيه
-
كم هي ثقتك عمياء بحكومة أميركا يامنتظر
-
صلاة كلب
-
لاتقولوا كلداني آشوري سرياني رجاءً - بل مسيحيي العراق
-
سلام المسيحيين نعمة وليست منحة حكومية
-
الجرأة حلوة ، لماذا لايخوض البعض غمارها ؟
-
وسلام المسيح معك أخي كاظم شلتاغ
-
هل صحيح كما يقال – الغربيون أغبياء ؟
-
الغاء البند 50 له إيجابياته أيضاً
-
تغطية إعلامية لزيارة سفير لم تتم !
-
يفعل مايشاء من له السلطة
-
هل الله يسعى لهلاك الكفار
-
سيادة المطران ميشال قصارجي – قلبك تكلم قبل لسانك
-
تقييم عمل الله
-
نكتة من الواقع مأساة - الحكيم والعصي
-
لماذا وُزعت الحلوى في لبنان ؟
-
التحمُّل - التحدِّي .... أن تبتسم وفي عينينك ألف دمعة
-
تباً لهذه الياء الأخيرة
المزيد.....
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|