أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي بندق - الشعر سفيرا ً فوق العادة















المزيد.....

الشعر سفيرا ً فوق العادة


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2792 - 2009 / 10 / 7 - 05:39
المحور: الادب والفن
    





الشعرُ : سفيرا ً فوق العادة

بحث في علاقة الشعر بالمعرفة والجمال

مهدي بندق

هل يمكن في سياق البحث عن علاقة الشعر بوالديه : الجمال والمعرفة أن نبدأ بسؤال عن الأم أولا ً ( بما هي أنثي ) عن سرها ؟ أو بصيغة أخرى نسألها : من أين تأتين أيتها المعرفة ؟ أنا أعتقد أن هذا سؤال خاطئ في بنيته " المعرفية " ذاتها .. إذ يفترض بداية أن المعرفة جوهر مستقل عن الأشياء المطروحة في العالم ، فيترتب عليه أن الدماغ يوجد فارغا ً أول الأمر – كما ُيظن في حالة الطفل المولود - ثم ينثال فيه ( بطريقة غامضة) وعيٌ ذو طبيعة معنوية غير مادية بالإطلاق. ذلك ما كان يدعو إليه ديكارت ومن سار على دربه من الداعين الفلسفة المثالية – أسطورة الطبقات المالكة - أمثال كانط و فشته و وشيلنج ، الذين طالما عرقلوا بفخامة واقتدار أية جهود تبذلها الطبقات الكادحة لتحسين أحوالها ، وهي الغارقة في الجهل المفروض عليها ( ممن ؟! ) فما دام الوعي يأتي من خارج فلا مندوحة من انتظاره يأتي ( أو لا يأتي ) وقت يشاء، وبهذا ُتغم على تلك الطبقات الكادحة إدراك الأسباب " المادية " لبؤس أبنائها وحرمانهم .
بيد أن المشكلة التي عجز هؤلاء الفلاسفة عن حلها – على المستوى الاحترافي - إنما تمثلت في السؤال التالي : إذا كانت المادة والوعي مختلفين بطبيعتهما ؛ فكيف لهما أن يلتقيا على صعيد واحد ؟! فراحوا يناورون ويدورون حول أنفسهم ، لا يبرحون سيرا ً في المحل . أما كبير المثاليين هيجل فلقد آثر الفرار للأمام مؤكدا ً أن المادة كلها ليست إلا تجسيدا ً " دياليكتيكيا ً " للفكرة ، التي تجد غايتها أخيرا ً في نظام الدولة البروسية ، التي كانت – وبالمناسبة – ربّ عمل هيجل نفسه !
العلم الحديث جاء ليعارض هذه الفلسفات جملة ً وتفصيلا ً ، فلقد برهن العلم – عبر الدرس الفسيولوجي النيورولوجي Neurology– أن الوعي ليس شيئا ً يضاف من الخارج إلي دماغ العارف ، وإنما هو مجلى لوظائف المخ العليا أو هو أرقي وظائف هذا المخ وقت يمارس دوره ، ليس بمثل ما تمارس المعدة وظيفة هضم الطعام ، والقلب وظيفة ضخ الدم في أعضاء الجسم حسب ُ ، وإنما بتجاوزه – أي الوعي - لحدود الوظيفة ورتابتها، منطلقا ً إلى التفتيش عن مبرراتها ، ومعززا ً قدراتها بقدرته هو على الابتكار والخلق وإعادة الإنتاج بالتذكر، وحذف المنتج البالي بالنسيان .
ولأن الوعي ينبثق من المخزون الفسيولوجي والبيولوجي والميمات الثقافية الموروثة ، ومن الرغبات والأماني والمخاوف التي هي محض ترجمة لغوية لأنشطة الجسم الكيمائية الكهربية ، تراه يتحرك عبر شبكة العصبويات المبرمجة .. من برمجها ؟ الكون ُ نفسه بخبراته المتراكمة . غير أن الوعي – شأن الابن العبقري في تمرده على الأب المهيمن ، لا يلبث حتى يسعى إلى تحقيق شهواته الكبرى من استقلال وتفرد حتى ليطالب َ بأن ُيعترف به " ذاتا ً " تحيل الكون كله ( بما فيه من أسياد وطبقات مالكة وأرباب أعمال ...الخ ) إلي "موضوع ٍ " لتأمله ، وساحة ٍ لأفعاله . وهكذا صار الوعي مطلبا ً للكادحين ، وأداة " مادية " تستخدم للتحرر .
ذلك ما دفع الراهب الفيلسوف جورج باركلي ( 1685- 1753) إلى محاولة نزع هذا السلاح من أيدي الخصوم ( الشعب ) فراح يطنطن قائلا ً : إن الوعي هو موجد الأشياء ، فإذا اختفي الوعي اختفي كل شئ ! قول قد يبدو بريئا ً ، مجرد شقشقة كلامية .. لكن المسكوت عنه فيه هو الرسالة الضمنية الموجهة لولاة الأمور : امنعوا ما استطعتم المثقفين الماديين" الكفار " من القيام بتوعية الجماهير ، أو ودعوا كل الامتيازات الطبقية التي منحتها لكم ولنا السماء . ولكن حسرتاه ! لقد حل عصر التنوير- عصر مونتسكيو وفولتير وروسو وسائر المفكرين "الماديين" فسبق سيف الثورة الفرنسية عذل الراهب الفيلسوف . عندئذ طارت رؤوس ملوك وأمراء ولوردات، وهرولت عقول قساوسة لتحتمي داخل رؤوسها " المادية " من هول الطوفان .
أما على المستوى الفلسفي البحت فلقد أثبت العلم ، فضلا ً عن الحس المشترك للبشر تهافت قول باركلي وبطلانه . فالأشياء موجودة قبل أن ندركها ، وستبقى موجودة بعد أن يتوقف إدراكنا لها جراء ما يفعله بنا ثاناتوس [1] أو توأمه هوبنوس [2] كذلك حين نصاب بمرض عقلي ّ فردي أو جماعي . حين نعود مساء ً إلي الغرفة التي غادرناها صبحا ً فلسوف نرى عقارب ساعة الحائط في وضع مختلف . الوقت إذن يمضي بغض النظر عن إدراكنا أو عدم إدراكنا له ، بيد أن الراهب باركلي يحاج بأن الإله – الذي هو وعي خالص - ظل موجودا بالغرفة ، ومن ثم فالزمن ليس له من وجود موضوعي ، بل هو مجرد فكرة في العقل الإلهي، ولهذا حين شاء الإله أن ينصر نبيه يوشع أمر الشمس أن تتوقف عن الدوران لعدة ساعات يتفرغ فيها النبي لقتل الكفار .
بالطبع هذه حجة لاهوتية يقبلها وحدهم المؤمنون بالعهد القديم . لكن علماء الفيزياء يقولون إن سهم الوقت لا يمكن أن يتوقف عن المروق في المتصل الزماني/ المكاني ، ولو حدث هذا لانهارت مجرة درب التبانة ، وما بقيت فيها شمس ولا أرض ولا مؤمنون ولا كفار.
تماثل أقوالَ باركلي حجة ُ أبي جامد الغزالي في نفي السببية : لا توجد علاقة بين النار وفعل الإحراق ، فالنار جماد لا فعل له ، أما الفاعل الحقيقي فهو الله . فهل ُ يتصور أن يلقي أحد منا بنفسه في نار مشتعلة ليبرهن على – أو ليدحض – حجة الغزالي اللاهوتية ؟! الحس المشترك يكـّذب الغزالي . وهذا الحس المشترك ( والذي سوف يسمى علم ُ الجمال Aesthetics باسمه ) يُسلـّم بأنه لا يوجد في الطبيعة قانون يخص فلانا ً أو يستثني فلانا ً . قوانين الطبيعة – ومن بينها السببية – تطبق على ظواهرها العامة مثل الحرارة والضغط والجاذبية ...الخ تحت شروط معينة . وتلك هي المعرفة التي لا غش فيها .
وعليه فإن ما يمكن لنا نحن البشر أن نتفق عليه بوعينا الإنساني بصرف النظر عن عقائدنا وأيديولوجياتنا هو أن السببية تقوم بفعلها دون انقطاع ( على الأقل في عالم ما فوق الذرة ) من حيث أن الأشياء تتمتع بوجودها في حد ذاتها ، بقدر ما يتمتع بوجوده الوعيُ واقعيا ً . وغير ذلك ليس إلا نوعا ً من الهذيان ، من قبيل ترشيح مريض بروماتزم المفاصل للفوز ببطولة العالم في الوثب بالزانة ، أو للسماح لأعمى أن يشارك في رالي السيارات !
إذن لابد من الاعتراف بأن الوعي إنما هو تمثيل للكون Cosmo-Representativeما دام يلتزم بشروط صاحبه وقوانينه ، ولكنه التمثيل القادر- بالأقل عند بعض الناس - على إنتاج المعرفة والجمال ، حسب َ المعطيات الواقعية التي لا تعكر عليها أوهام ُ السلف. وبهذا الفهم الحداثي ّ صارت المعرفة علما ً ، وكذلك الجمال . و لم يعد ينظر إليهما أحدٌ – إلا أنصاف ُ المتعلمين – بوصفهما " إلهاما ً " يأتي من خارج الكون المادي .
من نافلة القول القبول بالمسلـّمة Presupposition القائلة : لا يوجد ما يمكن تسميته بـ ..خارج الكون ، حيث العدم مجرد افتراض لغويّ . أولى من هذا التلاعب بالألفاظ الاشتغالُ على كلمة " الغياب " مقابل الحضور . فالغياب هو وجود بالإمكان – إذا شئنا تأميم دريدا لحساب مؤسسة علم الكلام الإسلامي - ولكنه إمكان لا ينتقل أبدا ً إلى حالة الوجود بالفعل ، لماذا ؟ لأنه يختفي كالعفريت الذي يسمع عنه الأطفال ولكن أبدا لاً يرونه . أنا هنا أتكلم عن الغياب ( كمعطي فلسفي ) وليس عن الغائب ، فمجرد التفكير فيما هو غائب لابد وأن يستحضره في الذهن ، ملقيا ً به في مشتبك الحضور( القصص الخيالي مثلا ً ) ومن ثم تنتفي عنه صفته كغائب ، بينما الغياب كثيمة أنطولوجية محال ٌ استحضاره على أي مستوى أو تصور، إنه أشبه بوصف الله لنفسه في القرآن الكريم " ليس كمثله شئ " وعليه فإن أي تصور للذات الإلهية لا مندوحة من إلغائه . وتلك قضية أود أن أرجأ مناقشتها إلى دراسة مستقلة ، وحسبي اليوم أن أنتهي من توضيح مفهومي للمادية .
المادية التي أقصد إليها لا تنتمي لذلك المفهوم الكلاسيكي الذي شاع في القرن 18 خاصة عند هولباخ ونيوتن حيث تتصف المادة بالعطالة ، محكومة ً بمبدأ القصور الذاتي Principle of Inertia ، فلقد عصفت بهذا المفهوم ليس المادية الديالكتيكية ( ماركس وانجلز ) التي فيها قولان، بل فلسفة العقل ( جون سيريل ) بالتوازي مع فلسفة الكوانتم ( خاصةً نيلز بور ) فكلتا الفلسفتين تنظران للكون باعتباره وحدة تتعالى على فكرة الثنائية التي ضللت الفلاسفة منذ أفلاطون وحتى كارل بوبر [3] بله المفكرين الضاربين في سباسب الميثولوجيا . بالمقابل تضم وحدة الوجود في داخلها تمظهرات الواقع ، والتركيبات الذهنية التي هي بلا ملمس Non concrete دون فصل بينهما ، وذلك على عكس ما درج عليه الثنائيون مثاليين كانوا أو ماديين - من إصرار على أن أحدهما لابد وأن يكون المتحكم في الآخر. هؤلاء ليسوا ديالكتيكيين بالمرة . وحتى هيجل وماركس عملاقا المنهج الجدلي يتنكران- لأسباب أيديولوجية – للديالكتيك الحق ، هيجل حين يؤكد أن الذهن هو المعطى الأول ، وماركس حين يقول بالمادة كمعطى أولي ّ . الشعر وحده بخلاف جميع الفلاسفة يتمتع بتمثيله لحقيقة الديالكتيك ، فهو مشاعر ورؤى ذهنية مدمجة في فونيمات صوتية وكلمات لغوية ( واللغة في أصولها رموز ) وما من سبيل لإعطاء أولوية لهذه أو تلك ، ومن ثم بات جائزا ً إندياح الرمز في المرموز والعكس . ولعل ذلك المعنى هو ما أراد أن يقاربه محيي الدين بن عربي في شعره :
منازل ُ الكون في الوجود ِ منازل ٌ كلها رموز ُ
منازل للعقول فيــــــــــها دلائل كلها تجـوز ُ [4 ]
... ... ... ... ... ...
وكيف أدرك من بالعجز أدركـــــه وكيف أجهله والجهل ُ معدوم ُ
قد حرت فيه وفي أمري ولست أنا سواه ، فالخلق ظلام ٌ ومظلوم ُ [5]

وحدة الوجود هذه.. الجهلُ فيها لا مشاحة معدوم – كما قال ابن عربي – فينبني على ذلك ضرورة أن ُينظر إلى المادة بمعناها الأوسع ، حيث يكون الوعي أحد وظائفها العليا ، فالكون منذ لحظة الانفجار العظيم Big bang وحتى لحظتنا الراهنة لا يتوقف – ساعيا ً بآليات التطور – عن إدراك ذاته .. كل نجم وكل ذرة ، كل جبل وكل زهرة ، كل ورقة شجر وكل طائر، كل حبة رمل تتلقى على وجنتها قبلة من ثغر موجة ساحلية ؛ كل هذا وغيره له نصيبه من المعرفة ، وله حظه من الجمال : النظام والتناسق والبهاء والتناغم ، بجانب التوافق القرير والاختلاف المثير مع غيره من الكائنات .
أما الإنسان – آخر العنقود – فلقد أخذ بيده مبادرة السعي وراء المعرفة ، لا ينتظر هبوطها إليه من المحل الأرفع ِ – بتعبير ابن سينا – أو حتى يذهب إليها كسائح يمنحها النظرة العابرة ، وكأنها أهرامات عجيبة ، أو حدائق معلقة ، أو سور عظيم شيده غيره ؛ بل هو ينهض بنفسه لتشييد أبنيتها ،داعما ً جدرانها ، ومعليا ً سقوفها ، مختبرا ً في كل حين أساساتـِها وأعمدتـَها ، وكيف لا وقد هيئه أبوه الكون لا ليدرك كل شئ حسب ُ ، بل وأيضا لينـّظر لكل شئ ، وفي التنظير جمال أي ُ جمال .
من هنا جاء مصطلح الما وراء : Metaphysic & Metalanguage & Metalogic
أي محاولة سبر أغوار الطبيعة ، واللغة ، والمنطق ...الخ وهي المحاولة التي دأبت عليها الفلسفة ، وكذلك الشعر. فأما الفلسفة فقد اضطرت في عصرنا ، وإزاء إنجازات العلم المتسارعة فيما يشبه المتوالية الهندسية ، أن تطامن من غرورها راضية بدور التابع لهذا المغامر العنيد ، جوّاب الآفاق ( العلم الحديث ) مكتفية بمحاولة تفسيره ،وجلاء ملامحه ، ولملمة أطراف ثيابه .
وأما الشعر فقد أبت عليه طبيعته أن يرضي بدور التابع للعلم . وكيف له أن يفعل هو الذي ُفطر على المغامرة واقتحام المجهول سواء في عوالم المعرفة ، أو في سماوات الفن المشعة بالجمال السرمدي ؟
كان الشعر ولا يزال يعد نفسه ممثلا ً خاصا ً للكون .. سفيرا ً فوق العادة ، فلقد برز إلى الوجود من ذات المادة الأزلية التي شكـّلت الكون َ( ويمكن أن ندعوها الملموس الظاهر ومعناه الباطن في جديلة واحدة ) بل لعله – أي الشعر - قد رأى أن كل ما في الكون محض ُ قصائد َ وإن تزيت بأزياء مختلفة : ثمة موسيقي تنبع من حركة الأجرام السماوية ، وهناك صور جمالية لا تنفد في كل بقعة لون وشكل من ألوان وأشكال الوجود ، حياة ً كانت أم جمادا ً . ليس الشعر هو ما يكتبه الشعراء حسب ُ ، بل إن ما يكتبه هؤلاء ليس إلا غيضا ً من فيض ، والشعراء العظام منهم يدركون هذه الحقيقة بكل جلاء ، لذا تراهم يخترقون قشرة السطح الوجودي نافذين إلى الأعماق حيث يلتقي الضد ضديده دون أن يفني أحدهما صاحبه .. انظر مثلا ما يقوله أبو العلاء :
ويعتري النفس َ إنكار ومعرفة وكل شئ له نفي وإيجاب ُ
هذا الرصد الأمين لطبيعة الكون التي تحمل في أحشائها بذرة التناقض هي التي أهابت بالشاعر بودلير أن يكتب ديوانا كاملا ً عنوانه " أزهار الشر " دون أن يرى في ذلك خروجا ً عن غرض الجمال ، بل لعل تودوروف كان قمينا ً بأن يفيد مما كتبه بودلير ليؤكد به مبدأه في الشعرية ، هذا المبدأ الذي بدونه يكون القول مجرد رصد لتاريخ ، أو شرح لفكرة ، أو عرض ِ حال ٍ لمتكلم . ليس هذا فيما رأى تودوروف – ومن قبله الشكلانيون الروس – شعرا ً بل نثرا ً عاديا ً وإن وضع على رأسه طاقية الوزن ، أو أدخل قدميه في ُخفي ّ قافية . الشعر فيما رأى تودوروف بنية ٌٌ أو هو نسق لفعل معرفيّ / جمالي ّ ، وليس مجرد كلام موزون مقفـّيَ حتى وإن كان له معنى – حسب قدامة بن جعفر – فدعني أستنج من مفهوم تودوروف أن هذا الفعل المعرفي الجمالي هو كذلك بقدر ما يغير من وعي كاتبه جنبا ً إلى جنب قارئه . وليس هذا بالأمر الهين ، بل هو ثورة تتضاءل أمامها عديد من الثورات السياسية . وبهذا الاستنتاج يمكنني أن أخالف صديقي الراحل د. غالي شكري الذي حمل على الشعرية بوصفها – من وجهة نظره – مجرد ترجمة لشعار " الفن للفن " سيء السمعة [6] فالشعرية في واقع الأمر لم تكن كما حكم عليها الماركسيون الأرثودكس بدعة ً تحمل ضلالة ً مآلها النار ، بل كانت مجلى لتحول النموذج الإرشادي paradigm المفترض [7] لمركز الثقل الثقافي في القرن العشرين . كانت النظرية الأدبية قد غادرت أرضية الفلسفة إلى دهاليز التاريخ ، ثم إلى غرفة اللغة تباشر منها مهام إدارة النقد الأدبي . غير أن فلسفة اللغة حين تبينت أنها بعض تعبير عن القدرات العقلية للبشر ، ما لبثت حتى أسلمت القياد للأحق بمنصب رئيس مجلس الإدارة في شركة الفلسفة : العقل ، ذاك الذي عكف على ذاته أولا ً بالفحص والتحليل ، متناولا ً ثانيا ً الفرع الإبستومولوجي بالإصلاح والتعديل ، معيدا ً ثالثا ً لمصطلح المادة اعتباره بعد أن كشف له المخ والجهاز العصبي عن علاقتهما " الملموسة " بالوعي الإنساني .
ترى أين يكون موقع الشعر في هذا البناء الجديد ؟ لعله يقبل ( أو لا يقبل ) بمنصب العضو المنتدب ، أو المراقب العام .. بالنظر إلى طبيعته التي تأبي عليه أن يكون له رئيس ، حتى لو كان هذا الرئيس ُ هو العقل َ ذاته ، وإن قبله صاحبا ً وصديقا ً . وهاهو ذا الشعرُ يعلنها واضحة على لسان عمر الخيام :
عاشر من الناس كبارَ العقول
وجانب الجُهـّال َ أهلَ الفضول
واشرب نقيع السم من عاقـل ٍ
واسكب على الأرض دواء الجهول










هوامش :
1 - الفتوحات المكية – السفر الثالث – تحقيق عثمان يحيي ، إبراهيم مدكور - الهيئة العامة للكتاب 1974 ص 120
2 - السابق ص 218
-3 k.Popper and J.C. Eccles : The Self and its Brain – Berlin , 1977
4 - ثاناتوس : إله الموت عند الإغريق
5 - هوبنوس : إله النوم
6- غالي شكري – برج بابل " النقد والحداثة الشريدة " – الهيئة العامة للكتاب 1994 ص 123
7- للمزيد من التفاصيل حول النموذج الإرشادي ، أنظر:
- Kuhn, T.S. , The Structure of Science Revolutions : Chicago University . ,
Second edition 1970











#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يرتعب المتدينون من كلمة الحرية
- متى يعتذر الغرب للشعب المصري
- المرأة العربية في المخيال الجمعي
- مقاربة مصرية لرباعية الإسكندرية
- رواية أن ترى الآن لمنتصر القفاش
- النقد الذاتي قطار المصريين إلي الديمقراطية
- عوليس الحمساوي وارهاب العودة للبيت
- الولاء لمصر ولو كره الفرس المعاصرون
- كل ضد إلى ضده
- مياه الأمن القومي بعد إنفلوانزا الخنازير
- هل يستقيل الكاتب من ديوان العولمة ؟
- الإسكندرية والتهاب العصب الخامس
- من عصاها تهرب الحواسب الكونية
- قصيدة : نسخة وذراها الخروج عن النص ِ
- لماذا لا يطلب الأخوان السلطة في مصر
- كتاب البلطة والسنبلة - إطلالة على تحولات المصريين
- غرام الأسياد بين الكفيل والأجير
- النصر الحمساوي بلغة الخبراء العسكريين
- حرب غزة : ثقافة الإبادة الجماعية ضد ثقافة الإنتحار الجماعي
- إلى أين يذهب أهل غزة ؟


المزيد.....




- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش ...
- أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا ...
- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...
- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي بندق - الشعر سفيرا ً فوق العادة