أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رباح آل جعفر - لقاء مع خالد الشوّاف على مشارف الثمانين














المزيد.....

لقاء مع خالد الشوّاف على مشارف الثمانين


رباح آل جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 2784 - 2009 / 9 / 29 - 04:34
المحور: الادب والفن
    


ما يزال أدبنا العراقي بحاجة إلى مسرح شعري .. وأستاذ يعلّم الجيل ، كيف ، ولماذا ينبغي أن نمسرح الشعر ، كما مسرحه أحمد شوقي ، في مسرحيات اشتهرت كـ ( مجنون ليلى ) ، و ( علي بك الكبير ) ، و ( كليوباترا ) ؟.. وكما مسرحه الإنكليزي شكسبير ، والفرنسي مولير ، والإسباني لوركا ، والألماني غوته ، والهندي طاغور .. فهذا المسرح الشعري في العراق ، لم يستطع أن يتقدم إلى الواجهة ، ومقاعده لا أرجل لها ، ومكبرات الصوت فيه تنهش لحم الجمهور .. ولا خطوة واحدة تصلح أن تكون إلى الإمام ، بل خطوتان إلى الخلف .
طرأ على فكري ذات مرّة أن يكون الشاعر خالد عبد العزيز الشواف ، هو هذا الأستاذ ، فهو الرائد المقتدر على أن يكتب دراسات مطوّلة في نظرية المسرحية الشعرية ، ويتصدّى لهذا الفن ، الذي أصبح تسفيهاً وسخرية ، وهو الممتنع على توظيف أشعاره ، كراقصات في المسرح الاستعراضي الهابط .
ذات صباح ربيع نيساني أخضر يتلبّس شقائق النعمان من سنة 2000، حملت إلى خالد الشواف ورداً ، وتمنيت له العمر الطويل ، وذهبت أقابله في منزله على غير موعد ، خالد ( من مواليد 1924 ) ، يومها لم تستطع الثمانين عاماً ان تكسر مقاومته للحياة ، أو تزعزع يقينه ، وكانت ذاكرته العربية بخير .. وعائلته الشعرية تتألف من اثنتي عشرة مسرحية ، منها : ( شمس 1952 ) ، ( الأسوار 1956) ، ( من لهيب الكفاح 1958) ، ( حداء وغناء 1963 ) ، ( ورقاء 1992) .. هي عصارة قلبه ، وخلاصة العمر الجميل كلّه .. ودواوينه وصلت إلى أربعة كانت حصيلة تجربته .. وتجربته ، نافورة خصب وعطاء .. نهر من النضارة الدائمة ، يتدفّق من الأزل إلى الأبد .
خالد الشواف ، بيئة شعرية تتوقف عندها كلّ الأزمنة ، وتقيم لها وزناً نقدياً ثقيلاً كلّ الأجيال الأدبية في العراق .. وأسرته أنجبت سلسلة من علماء ، وشعراء ، ومناضلين ، ظهرت تسميتها في كتب التأريخ والأنساب ، بصيغة ( بيت الشواف ) ، وعاش جزءاً من الزمان في البصرة ، حين عيّن أبوه قاضياً هناك 1939، وفي ثانوية البصرة كان خالد الضلع الثالث من مثلث أدبي ، يتصل ضلعاه الآخران ، ببدر شاكر السياب ومحيي الدين إسماعيل ، وهؤلاء الثلاثة شكّلوا حلقة أدبية في ثانوية البصرة ، كانت السبب الأول في نشر مواهبهم على الملأ ، وكان بعضهم إلى بعض ، محبّاً وظهيراً ، ثمّ تفرّقوا ، ولكلّ منهم اسمه ، وتوقيعه ، وشهرته .
حين التقينا ، لم تكن صحة خالد الشواف على ما يُرام .. لكنك تألف جداول الماء الصافية ، التي تترقرق على صفحة وجهه من اللحظة الأولى ، وتعجب بقدرته على إقامة التوازن بين جمره الداخلي ، وثلجه الخارجي .. وتحبّ هذا الصوت النديّ الرطب ، الذي يأتيك مجلجلاً .. لا ماتت نبرة التحدي فيه ، ولا حلّت محلّها نبرة الأسى والانكسار .
وحين جلسنا معاً ، خطر لي أن أسأله ببيت من الشعر لعمر أبي ريشة ، وهو يقول في إحدى قصائده : ( لمن تعصر الروح يا شاعر ... أما لضلال المنى آخر ؟! ) ، لكن الشواف بادرني بسؤاله : أنا ، يا صديق متعب ، فكيف ، أنت ؟، قلت له : أتقرأ ما يكتبون ، وإذا كنت تقرأه ، ألا تذكر خصائص الماء ، الذي قيل لنا : أنه بلا لون ، ولا طعم ، ولا رائحة .. أليست هذه خصائص هذا الهذر الذي نقرأ ؟!.
لملم الطاووس المتكبر جناحيه ، وانطوى على نفسه ، يتأمّل احتمال البحر الذي لا يأتي .. وأنا استوحيه واسأله ، وأنتظر منه ، بعد ثمانين عاماً من الشعر والألم ، أن ينفعل ، لكنه لم ينفعل ، وأن يغضب ، لكنه لم يغضب ، وأن يصرخ ، لكنه لم يصرخ ، وجدت العراق يتشكّل في قصائده ، كما تتشكّل اللؤلؤة داخل المحارة .. وعلى ضفاف حنجرته ، كما يتشكّل العشب على ضفاف نهر كبير .
كان هادئاً ، وعميقاً ، ومتوازناً .. طلبت منه في تلك اللحظة ، أن يعيد إلينا قناديل الحب ، ونار الكتابة ، واستمعت إليه ، وهو يحدّثني عن لمحات عابرة من بداياته .. وكانت كلماته تتساقط ، مثل المطر ، على أرض شقّقها العطش ، وهو يقول لي : أذكر أن فرقة يوسف وهبي المسرحية قدمت إلى بغداد ، تعرض عدداً من مسرحياتها ، وكنت ، آنئذٍ ، في الثامنة من عمري ، فطلبت من بعض أقربائي أن يتيحوا لي فرصة أن أرى عرضا من عروضها ، وأذكر أني شاهدت مسرحية ( أولاد الفقراء ) ، على مسرح ( سينما رويال ) ، وكان يوماً من عمري .
أضاف لي : كتبت الشعر سنة 1938 ، ونشرت أولى قصائدي سنة 1940 ، حتى إذا بلغت العشرين من عمري ، وجدت نفسي أفكّر في كتابة مسرحية شعرية ، وخطرت عليّ الخواطر ، ورأيت أن تكون هذه المسرحية في إطار تأريخي يمثّل فترة من فترات تأريخ العراق القديم .. ذاك أني كنت مولعاً بمطالعة الكتب التأريخية ، واستقرّ في فكري أن اكتب مسرحية شعرية ، موضوعة الأحداث والشخوص ، أي ليست واقعية تأريخية ، وفي جو درامي مقتبس من إحدى فترات التأريخ البابلي ، وهكذا وجدتني ، والكلام ما يزال لمحدّثي ، شرع في كتابة تلك المسرحية الشعرية ، التي سمّيتها ( شمس ) ، ثمّ أكملتها في غضون عامين ، وكنت ، يومئذٍ ، طالباً في كلية الحقوق .
شدّني إلى خالد الشواف ، هذا المتحرّك كالنحلة المجتهدة ، قوله : إن كلمة ( شاعر ) في اللغة العربية هي من أجمل الكلمات .. فهي تربطه بنهر لا ضفاف له ، إسمه ( الشعور ) ، أي تربطه بألوف الاحتمالات .. وتعطيه ألوف الخيارات .. إنه يرفرف بأجنحته مثل طائر خرافي ، ثمّ يختفي فجأة .. وطوال اللقاء ، كان الشعر يهجم علينا كغمامة ، أو كمكتوب غرام قادم من كوكب آخر .. يهجم مثل تفاصيل حبّ قديم .
تركت الأستاذ الشاعر خالد الشوّاف ، يواجه الليل ، والريح ، والحظ .. وخرجت من عنده ، أسأل نفسي ، والآخرين : لماذا لا يرفع الجيل المسرحي في العراق صورة للشواف في كلّ مكان ؟!.



#رباح_آل_جعفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفكرات يوسف العاني في عصور مختلفة
- قيس لفتة مراد .. عاش ميتا ومات حيا !!
- تذكروا الزهر الشقي .. عزيز السيد جاسم
- لا هو موت .. لا هو انتحار
- أباطيل يوسف نمر ذياب في زنبيل !!
- مصطفى محمود .. المفترى عليه
- عبد الغني الملاح يستردّ للمتنبي أباه !..
- مدني صالح يدفن زمان الوصل في هيت
- ( صانع ) بلند وحسين مردان .. صفاء الحيدري لا عذاب يشبه عذابه
- أبو جهل يتوحم على دمائنا
- عندما تغضب الكلمات
- علي الوردي وأنا في حوار من الأعظمية إلى الكاظمية
- عبد الوهاب البياتي .. الأول في روما


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رباح آل جعفر - لقاء مع خالد الشوّاف على مشارف الثمانين