أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبدالكريم كاصد - الأيديولوجيا لا تأسرني - حوار: عدنان البابليي















المزيد.....

الأيديولوجيا لا تأسرني - حوار: عدنان البابليي


عبدالكريم كاصد

الحوار المتمدن-العدد: 2771 - 2009 / 9 / 16 - 13:55
المحور: مقابلات و حوارات
    



عبدالكريم كاصد شاعر لم يستسلم للأيديولوجيا، ليعيد ترتيب أوراقه وأفكاره مع هوى السياسة. قصيدته ظلّت شامخة ونادرة الفكرة، جاذبة لا مجذوبة لمواقف تُحسب على كاتبها.
«شاعر خارج النص».. هو عنوان آخر ماكتب عن كاصد، بدا فيه متألقا واثقا من مستقبل الشعر، وهو من أهم الكتب التي تتناول سيرته وتجربته الشعرية التي تجاوزت خمسة عقود، رسخ فيها الشاعر أسلوبا شعريا يشار إليه بالبنان بين كبار التجارب الشعرية العربية.
«أوان» حاورت الشاعر في مكان إقامته في لندن حول كتاب جديد عنه، وحول مستقبل الشعر الذي يرى كاصد أنه لا يمكن التنبؤ به، حتى لمن هم أشدّ رسوخا في التجربة من الأجيال الأخرى، لكنه يرى أن الشعر كالحياة لا يمكن أن يتوقف يوماً، أما قيمته فهي نسبية تماما تختلف من قارئ إلى آخر، لكن هذا لا ينفي ما هو خاص في الشعر الذي يتطلب الكشف عن مهارات أخرى وإبداع آخر، لا يتعلق بالشعر وحده بل بالحركة الثقافية بمجملها في القدرة على الكشف عن الاتجاهات الجديدة والقصائد الجديدة التي يمكن أن تحفر مجرى حقيقياً في ثقافة المستقبل وفي وجدان القارئ.

1

يتميز عبد الكريم كاصد بانتاج شعري غزير بدأ في 1975 بمجموعة الحقائب . لو كنت بدات الان .. ماذا
ستضيف او ستحذف من حقائب ؟

* لماذا الحذف؟ كل قصيدة هي تجربة بحد ذاتها لها معالمها وسماتها وبناؤها الخاص الذي لا يتعلق بالشاعر في احيان كثيرة بل ببنية القصيدة ذاتها. العمل الفني له اقتراحاته البعيدة عن رغبة الفنان في الكثير من أجزائه. فهو رغم التصاقه بتجربة الشاعر إلاّ إنه من جهة أخرى له حدوده الخاصة وعالمه الخاص وإلا استحال إلى إنشاء يمكن أن يضيف إليه القارئ أو الشاعرما يشاء من أبيات أو مقاطع. قد يكون هناك شئ من عدم الرضى عن هذه الجملة أو تلك إلاّ إن ذلك نادراً ما يحدث، لا لأن القصيدة مكتملة بحدّ ذاتها وإنما لأنّ لها بنيتها الخاصة وحدودها بعيداً عن الاكتمال والنقص أي عن التقييم . ثمة نهايات تفرضها القصيدة نفسها وأبيات ترفضها القصيدة وقد يكون مسار القصيدة مفاجئاً للشاعر نفسه فهو كالقارئ قد لا يتوقع ما يكتبه إلاّ في سياقه العام أما التفصيلات فهي وليدة هذا المسار ذاته وحتى السياق العام قد يتأثر بالتفصيلات ويتخذ مساراً آخر.
منذ بداياتي ، لم أكن ذلك الشاعرالمأسور لايديولوجيتي شأن الشعراء الآخرين الذين أعادوا تركيب قصائدهم من جديد فجاءت باهتة مصنوعة وقد فقدت نكهتها الأولى بسبب شعارات سياسية فاقعة أو أفكار لم تعلُ على شعارات السياسية كثيراً.
أصدرتُ الحقائب بعد ستة عشرة عاماً من كتابة الشعر وهي تكاد تكون مختارات لشعري السابق الذي لم أنتق منه إلا هذه القصائد التي احتوتها هذه المجموعة.


2

اين انت من الجيلين الستيني والسبعيني ثمة من يرى تاثرك وتاثيراتك بين هذا وذاك ؟

* أنا ابن هذين الجيلين لي بينهم أصدقاء حميمون. بدأت في الحقيقة النشر منذ أوائل الستينات. وفي عام 1967 نشرت لي مجلة الآداب قصيدة تضمنت مشاهد يومية لقوافل نازحين ، إثر هزيمة 5 حزيران، رأيتها بعينيّ : مشاهد لجنود عائدين مهزومين، عوائل ريفية تبحث عن أينائها وسط الجنود بوجوههم الذاهلة ولباسهم الذي بقعته الخنادق، نساء ضائعات يقدن أطفالاً شبه عراة. كانت هذا المشاهد تحدث في ساحة قريبة من جامعة دمشق التي كنت أواصل دراستي فيها آنذاك. منذ البدايات وأنا أمقت الحديث عمّا هوعام في حياتي اليومية فما بالك بالشعر. لا يعني هذا أن القضايا العامة ليست موضوعاً للشعر وإنما أنا أعني أن القضايا العامة لن تكون شعراً مالم تتخذ لها السمات الخاصة بها، المشبعة بتفصيلات الواقع وباختصار مالم تتحول إلى ما هو جزئيّ تفصيليّ في الشعر.
في الستينات وبعد سنة 1963 غادرت بغداد هرباً من المأساة التي حلت آنذاك تاركاً دراستي للغة الفرنسية في معهد اللغات. اختفيت زمناً طويلاً ثم التحقت بجامعة دمشق لدراسة الفلسفة فكانت لي علاقاتي الوثيقة بجيل الستينات هناك وغيره من الأجيال الأخرى : ممدوح عدوان، فايز خضور، محمد الماغوط، علي الجندي ، فاروق مردم، برهان غليون ، واسماء عديدة أخرى ما تزال تربطني بها أخوّة نادرة أذكر منها من غير السوريين رشاد ابو شاور، الراحل فوّاز عيد وآخرين.


3

هل يرى عبد الكريم كاصد أن وميض الشعر قد خفت في الذوات ، فلم يعد هناك شعراء مهمين في الاجيال الحالية ، بل لم يعد هناك من متلق .. أذن لمن يكتب الشاعر قصيدته اليوم ؟

* هل حقا لم يعد متلق هناك؟ أشك في ذلك. لا يزال للشعر دور كما أعتقد أو أتوهم أما العلاقة بالقارئ فهي تختلف من شاعر إلى آخر، كما أنها تحمل من التعقيد ما لايمكن إرجاعه إلى هذه العلاقة بالذات في تجريدها وعموميتها لأنها تحمل في طياتها الكثير من التفصيلات. فقد يبدو ما هو شعر ذو صلة بالقارئ ليس سوى إعلان مقيت في صيغة شعر، وما يبدو أنه بعيد عن القارئ ليس بعيداً حقّاً لو توفرت له الشروط الملائمة للنشر. وهذه العلاقة المرتبكة، الغامضة أحيانا،ً لم تكن غائبة عن الأجيال السابقة مادام هناك مستويات من الشعر والقراءة تختلف من قارئ إلى قارئ ومن جيل إلى آخر، ومادام هناك حشد كبير من الشعراء والقليل القليل من الشعر في أمة تمتد طولاً وعرضاً في أوطانها والمنافي. ولكن ثمة شعراء لهم القدرة على تجاوزمثل هذه الحدود والإشكالات إلاّ أنهم نادرون. وحتى هؤلاء ليسوا ببعيدين عن الشكوى من إهمال النقد لأعمالهم فمابالك بالأجيال الجديدة؟. إن من الصعب أن يتعرف القارئ على كل ما ينتج من الشعر ليتعرف على جيّده، لا سيما إن مساحة الشعر واسعة جدّا ومادته هي هذه المادة الشائعة: اللغة. كيف يصنع إنسان من المادة الشائعة شيئا نادرا؟ تلك هي معضلة الشعر وندرته. إنه الألصق بالإنسان والأبعد عن متناول يده حتى كاد أن يكون ثمرة محرمة، سحراً أو غرابة، سماويّاً وإن كان أرضيّا تماما. إن كتابة قصيدة، حتى وإن كانت قصيرة، تتطلب تجربة ومعرفة وخبرة تمتد ربما عشرات السنوات. الأبيات والقصائد الجميلة التي يرددها الناس أو أعتادوا عليها ليست بتلك الكثرة التي تجعل القارئ على ثقة واطمئنان لكل ما ينشر. وقد يمارس الخديعة الشاعر والناقد والقارئ معاً، حين يتقدم الشاعر لا بشعره بل بأبواقه وطبوله وإعلاناته، والقارئ حين يتقدم بشعارات حزبه أو طائفته أو قوميته، والناقد حين يتقدم ببراغماتيته في السلم الوظيفي الجامعي غير المعني بالشعر بل بوظائف الشعر. إنني إزاء مثل هذه الالتباسات أشعر بالتردد تماماً من التعميم وتقييم جيل كامل من الصعب الإحاطة بكتاباته التي يسهم فيها أيضاً شعراء هم قراء شعرهم ، بعضهم أطباء ومهندسون وربات بيوت لا يطمحون من الشعر إلا إلى التعبير عن ذواتهم.


4

كيف ينظر كاصد الى الاجيال الشعرية الجديدة ، وهل لفتت انتباهك اسماء معينة ترى انها رسخت جذورا لمستقبلها الشعري ؟

* ما من مستقبل شعريّ يمكن التنبؤ به حتى لمن هم أشدّ رسوخا في التجربة من الأجيال الأخرى. كما أن الشعر كالحياة لا يمكن أن يتوقف يوماً، أما قيمته فهي نسبية تماما تختلف من قارئ إلى آخر، لكن هذا لا ينفي ما هو خاص في الشعر الذي يتطلب الكشف عنه مهارات أخرى وإبداع آخر، لا يتعلق بالشعر وحده بل بالحركة الثقافية بمجملها في القدرة على الكشف عن الاتجاهات الجديدة والقصائد الجديدة التي يمكن أن تحفر مجرى حقيقياً في ثقافة المستقبل وفي وجدان القارئ. لم تنقطع صلتي بالأجيال الشابة والكثير منهم على اتصال دائم بي. يرسلون قصائدهم إليّ ومجموعاتهم أحياناً قبل الطبع لأنظر فيها ويستقبلون ملاحظاتي برحابة صدر لأنهم يدركون جيداً أن ملاحظاتي باعثها المحبة والحرص. ولا تخلو قصائدهم من التماعات قد تحتاج زمناً لتنصهر بنار الشعر.


5

مسرحية ( حكاية جندي ) المثيرة للجدل من الانكليزية الى العربية , اثارت ردود فعل طيبة لدى الكتاب العرب ومتعالية لدى الانكليز . كيف كان هذا التباين ؟

* لقد لاقت المسرحية اهتماما كبيراً من قبل المشاهدين ولاسيما الأنجليز فقد امتلاً مسرح أولد فك الشهير طوال العرض بالقادمين لمشاهدة هذه التجربة المثيرة التي قدمت لغتين في آن واحد على المسرح. لقد صفّق الجمهور كثيراً للممثلين العراقيين حتى أن ذلك أحرج الممثلين الأنجليز أنفسهم، وقد انعكس ذلك واضحاً في المتابعات التي تناولت المسرحية بالنقد. ظن بعض النقاد الإنجليز انني ترجمتُ النص الإنجليزي وليس النص الفرنسي الأصلي . كما ظنّ بعضهم أنني ترجمتها باللغة العراقية على حد تعبيرهم أو باللغة الدارجة أو أنني كتبتها نظما كما كتبتها المترجمة الإنجليزية، ومثل هذا التخليط كثير في نقدهم، وهي متابعات لا تخلو من تسطيح. كما أن بعضهم لم يطرأ في باله أنني لم أترجم النص الفرنسي حرفيا بل أضفت إليه مقاطع كثيرة وادخلت فيه أحداثاً كثيرة وهذا ما فعلته المترجمة الإنجليزية ولم نلتق أنا وإياها إلاّ في نقاط معينة من المسرحية، وهي إن اعتمدت الدوبيت في كتابتها أي كتابة كل بيتين بقافية واحدة فأنني كنت حرّاً في اختيار الأساليب العديدة من نثر شعريّ وتفعيلة ونثر صرف وأشكال شعرية عديدة أخرى. مما أكسب نصي مرونة لم تتوفر في النص الإنجليزي كما عبر عن ذلك المخرج نفسه وبعض النقاد وهذا ما منح الممثل العراقي أيضاً مرونة في الحركة والإلقاء. كنت أفاجأ أحيانا ببعض الجمهورالانجليزيّ وهو يتبعني – لا أدري كيف عرفوا أني مترجمها أو كاتبها - ليعبروا لي عن شكرهم لي لما منحهم إياه النصّ من متعة رغم عدم معرفتهم باللغة العربية. فاجأتني يوماً المذيعة في راديو 3 أن النص الإنجليزي كان في مستوى الموسيقى التي صاحبت المسرحية أما النص العربي فهو الموسيقى بحدّ ذاته .

6

عودة الى " الشاعر خارج النص" .. ما حكاية هذا الكتاب لاسيما وانه جدير بالقراءة بحسب استطلاع اجريته . وكيف رتب لهذا الحوار الممتع والعميق الذي تضمنه الكتاب ؟

* ما أدهشني هو أن الجموسي الذي لا أعرفه من قبل والذي حل في لندن في مهمة ثقافية في السفارة المغربية لمدة سنتين، كان على معرفة دقيقة بشعري ولاسيما بقصائدي المنشورة في مجلة الكرمل، وإن لديه التصور الدقيق في ما يتعلق بشعري أو بالعملية الشعرية بشكل عام ولا سيما إنه، وهو المترجم والمفكر القدير، شاعر أيضا. وما استوقفني أكثر من كل هذه الأشياء التي ذكرتها هو رهافته في التعامل مع الشعر والتجربة الشعرية لديّ. إنني لم اكسب كتابا هو من أهم كتبي عن سيرتي وتجربتي الشعرية، بل كسبت أخاًعزيزاً. ما زلنا أنا وإياه نواصل نشاطنا المشترك معاً، ففي منتصف شهر كانون الثاني هناك فعالية جادة ستقام في المغرب وستضمنا معاً للحديث عن تأثير إليوت في الشعر العربي، وعن ترجمات شعره إلى اللغة العربية والموضوع الثاني هو ما أستناوله في هذه الملتقى في بحث طويل قد يكون كتاباً صغيراً،عبر ما ترجم لإليوت من أعمال صدرت في لغتنا. كما سيرافق هذه الفعالية التي أقامها اتحاد كتاب المغرب في القنيطرة ودار الحرف للنشر والتوزيع ولجنة مهرجان القنيطرة توزيع بضعة كتب صادرة عن دار الحرف بالمناسبة ومن بينها مجموعة شعرية لي بعنوان: (الديوان المغربيّ).


7

الفلسفة حاضرة في شعرك ، وفي سراباد تجد كثافة في هذا الاتجاه .. ثم ياتي كتابك الجديد ( الشاعر خارج النص ... حوار الفكر والشعر مع الحياة) , ليؤكد ان ثمة هاجسا فلسفيا يركن اليه الشاعر عبد الكريم , كيف ترى ذلك ؟

* تحدثت عن ذلك طويلاً في كتابي ( الشاعر خارج النص) . إنّ هاجس الفلسفة يظلّ حاضراً في أبسط جزئيات الواقع وأشكاله، لا سيّما وإن الفلسفة لم تعد تقتصر على ذاتها بموضوعاتها المحدّدة، بل امتدّت إلى خارجها مثلما امتدّ الشعر بدوره إلى خارجه لا ليحدث قطيعة مع ذاته بل ليؤكدها مثلما تؤكد الفلسفة ذاتها في ما هو غير فلسفيّ من موضوعات لم تتناولها من قبل. ومثلما للشعر مساحاته الغامضة ولاوعيه فإنّ للفلسفة أيضاً مساحاتها الغامضة ولاوعيها في نصوص الكثير من كتابها. ثمة وشائج عديدة بين الاثنين في حاضرهما مثلما لهما بداياتهما المشتركة وتاريخهما المشترك فيما بعد واختلافاتهما التي تقربهما من بعضهما وليس العكس.
ثمة أسئلة وتفصيلات لا حصر لها في الواقع لا في حاضره حسب وإنما في ماضيه الذي لم يعد وراءنا، على حدّ تعبير هيدغر، وإنما يتقدّم إلينا بصفته حاضراً ثقيلاً له أسئلته أيضاً.
أين يقف الشاعر من كل هذا؟ وهو الذي يتقدّم لا بصفته وعياً صرفاً وإنما بصفته لا وعياً أيضاً ، لقصيدته فعلها الفلسفيّ والاجتماعيّ في إثارة التساؤلات والشك حين تستنطق الأشياء والظواهر كاسرة الألفة إلى ما هو غريب وحقيقيّ في آن واحد.

8

زرت العراق ومدينتك البصرة .. لكنك قفلت راجعا وأنت المغترب من عقود .. ترى متى يعود شعراء مهمين مثل كاصد الى بلدهم ؟

* أعتقد أن هذا مرهون بظروف عديدة تتجاوز رغبة الشاعر في العودة أو عدمها. السؤال مطروح وكأن هناك وضعاً مثالياً أو حتى اعتيادياً للعودة. كيف تتم العودة وسط هذا الاحتراب الطائفي والقومي والقتل اليوميّ والمليشيات التي اندمجت بالسلطة فلا تعرف أين حدود السلطة وأين حدود المليشيات. بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المتردي والخدمات السيئة، والنهب وثمة هناك ما هو أسوأ: هذه المحاصصة البغيضة التي لا يمكن أن يتقبلها عقل. والتي لا يمكن أن يجد المثقف موضعاً له وسط إعلانها الفاضح إلا بصعوبة بالغة حتى بالنسبة إلى المقيمين هناك. لقد بقي خيرة المثقفين العراقيين هامشيين. فمن هو من المثقفين الذين نعرفهم من أصبح حقا له دوره المؤثر في االعملية السياسية الجارية الآن؟ لقد ذهب البعض ضمن توجهات حزبية أو وظيفية وهذا لا يقاس عليه إذا ما تكلمنا عن مجتمع مدني حق.. لقد كتب لي صديق عاد إلى العراق إنه الآن أشبه بالعاطل على حدّ تعبيره "لأنهم تحاصصوها بينهم " ويتمنى لو أنه استعاد وضعه أيام كان معارضاً، وإن كان يأسف لمثل هذا الشعور. ومن عادوا تحولوا إلى مستشارين تابعين، ولم يمارسوا دورهم كمثقفين بل كمقاولين. إنني أسال: ما الخطوات التي اتخذتها السلطة لمعالجة مثل هذه المشكلة القائمة؟. إن هناك من الصراعات ما يشغل السلطة لا عن هذه المشكلة وحدها بل حتى عن التفكيرفي كلّ ما له علاقة بالناس. في البصرة لم ألحظ حتى حديقة واحدة ليتنزه فيها الناس.


9


الرجوع الى البصرة .. في حفل تكريم خاص للشاعر عبد الكريم كاصد ، ماذا تخلله ، هل زار كاصد أماكن طفولته ، هل استعاد ذاكرته في هذه الزيارة ، كيف راى العراقيين هناك ، كيف تلقى قصائدهم؟

* التكريم الذي أقيم لي لم تقم به سلطة بل زملاء أدباء ممثلون باتحادهم اتحاد الأدباء العراقيين رأوا أن الضرورة تستدعي مواصلة مهرجان المربد بشكل آخريسعى إلى التخلص من كل ما علق به من مظاهر تبجيل في الماضي ليكون مهرجان أدباء لا مهرجان سلطة. وهذا الاختيار بطبيعة الحال لا يمكن تحقيقه دفعة واحدة، فقد تتخلله عقبات شتى، ولكنهم مصممون على اختيارهم الذي يبقى هو الاختيار الأنقى، وسط ما يطالعنا من مفارقات بغيضة في الواقع العراقيّ.
لقد أتاحت لي زياراتي المتكررة إلى العراق أن أرى الواقع عن قرب، مثلما أتاحت لي استعادة ما كان ماضياً بعد أن استحال وهماً لزوال أيّ أثر يدل عليه، غير أن هذا القول لا يعني انني فقدت أثاري جميعاً، فلايزال ثمة أصدقاء وأهل وبشر أستعيد من خلالهم ملامح وطني التي قد تختفي هنا أو هناك ولكن من الصعب محوها في الذاكرة والواقع إلا إذا استحال الواقع واقعا آخر مغايرا لما نعرفه تماما وهذا محال. إنني لا أعترض على انطباعات الآخرين السلبية عن الناس ولكنني أحذر من التعميم وترحيل ما هو تقييم خاص بالسلطة وميليشياتها إلى الناس وكأن هناك مطابقة بين الأثنين وهذا أخطر ما يكون في التقييم عندما تُلبس وجوه الناس أقنعة السلطة وهم ضحاياها؟.
لم تقتصر زياراتي الثلاث على البصرة وحدها بل زرت بغداد أيضاً، وشاركت في نشاط ثقافي هناك. وفي البصرة لم أترك مكانا عزيزا لديّ لم أزره وقد كتبت عن ذلك العديد من القصائد ولا ازال أكتب عن مشاهداتي حتى كتابة هذا المقابلة، كما إنّ لي كتاباً سيصدر بعنوان(باتجاه الجنوب شمالاً) يضمّ فصولاًعديدة عن زياراتي هذه، وقبل ايام أنجزت قصيدة كاملة هي ديوان كامل عن محلتي الصغيرة في البصرة ولم أكن أتصور أنني سأكتب عنها مثل هذه القصيدة الطويلة التي تشكل ديواناً وهي المحلة الصغيرة التي تبدو وكأنها بلاتاريخ أو ناس لبساطة أهلها ومرورهم العابر دوما في الحياة، كما الظلّ.


10


لغتك الانكليزية المتألقة وعيشك في المنفى الانكليزي ، أضاف " سحنة" انكليزية الى ملامح قصائدك ، أم أن الشرق مازال يلغي التجارب الجديدة ؟

* اللغة الإنجليزية نافذة واسعة للإطلالة لا على تراث الشعر الإنجليزيّ وحده، وهو الشعر الغنيّ حقّا بتجاربه وشعرائه الكبار، وإنما على الكثير من تجارب الشعر في العالم، من خلال الترجمات المتلاحقة التي لا تنقطع أبداً والتي تحتوي أحياناً على الأعمال الكاملة للعديد من شعراء العالم، ومن بينهم شعراء الشرق العظام الذين لم نتعرف عليهم، بشكلٍ كافٍ، في لغتنا وهم الأقرب إليها، بل في اللغة الأنجليزية من خلال أدق الترجمات وأفضل المترجمين ممن كرسّوا حياتهم لفهم أسرار اللغات الأخرى. ولا أجد أي تناقض في محبتي لهذا الشعر الغنيّ في تنوعه ومحبتي لتراث الشرق الذي أنتج جلال الدين الرومي، وعمر الخيام، وأبي العلاء المعري، والمتني، وكبير، وطاغور وغيرهم ممن كان لهم الأثر الكبيرعلى أعظم الشعراء في اوربا كإليوت وإيكليوف وآخرين ولايزال هذا الشعر مثار اهتمام الغرب من خلال الانطلوجيات والترجمات لمختلف ثقافات الشرق الذي يشهد تجارب جديدة ولعل أفضل مثال لذلك الشاعر الكوري كو أون والشاعرين اليابانيين:سانتيوكا الذي ترجمته إلى العربية منذ سنوات، وشنكيشي تاكاهاشي وهو شاعر من شعراء الزن.





#عبدالكريم_كاصد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترجمات إليوت إلى اللغة العربية
- ما أوسع المقبرة.. ما أضيق الجبل!
- نوافذ
- مرثية
- أربعون فدّاناً- ديريك والكوت
- هنالك في مالمو
- شهادة أم شهادتان: القسم الثاني
- شهادة أم شهادتان: القسم الأول
- قصائد قصيرة
- شجرة الرمّان..شجرة طفولتي
- الضحك
- الرحلة الأخيرة إلى المربد
- البناؤون
- حوار حول حكاية جنديّ
- الطريق إلى عدن
- مصالحات الشاعر
- خفّة الشاعر التي تُحتمل
- دليل الطيور
- أيتها السعادة تعالي لنبكي
- رحيل 1978 عبر الصحراء


المزيد.....




- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...
- مقتل عراقية مشهورة على -تيك توك- بالرصاص في بغداد
- الصين تستضيف -حماس- و-فتح- لعقد محادثات مصالحة
- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبدالكريم كاصد - الأيديولوجيا لا تأسرني - حوار: عدنان البابليي