أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أديب حسن محمد - جماليات الشعر في ..طريق بلا أقدام للشاعر حمزة رستناوي















المزيد.....

جماليات الشعر في ..طريق بلا أقدام للشاعر حمزة رستناوي


أديب حسن محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2760 - 2009 / 9 / 5 - 19:09
المحور: الادب والفن
    



تمثّل التجارب الشّعريّة الأولى فرصة سائحة لمعايشة تجربة الشّاعر في بواكيرها الأولى ,حيث تكتنز النصوص عفويّة لافتة ,و تبتعد اللغة عن الزخارف الشّكليّة جانحة صوب المعاني و الأفكار التي تنبثق عن مكامن الموهبة و الإبداع في الذات الشّاعرة ,و حيث هناك نوع من التحدّي لإثبات التّميّز و الخصوصيّة و التجديد ,هذه المفردات التي تشكّل هاجس أي شاعر يغامر بنشر مجموعته الشّعريّة الأولى ,
و التي يطمح الشّاعر من خلالها لطرح صورة فنّية لما يعتمل داخل أعماقه من عواطف و انفعالات تجاه العالم الذي يمنحه و يتحدّاه
في هذا الإطار تجئ المجموعة الشّعريّة للشّاعر الدكتور حمزة رستناوي و المعنونة "طريق بلا أقدام"لتقدّم لنا شاعراً متمكّناً من أدواته ,
ممتلكاً لرؤية كاملة و واضحة حول نهج قصيدته التي تتناغم و تتلاقى ضمن دائرة كبيرة يديرها الشّاعر بمهارة و إتقان.

* الإيقاع و دوره في المجموعة

يبرز الإيقاع في المجموعة كركن أساس تبني عليه النصوص
حيث أن المجموعة مكرسة بكاملها لقصائد التفعيلة
فطغيان الإيقاع يؤدي إلى إخفاء الكثير من جماليات التصوير الشعري في المجموعة, فالإيقاع يشكّل هاجسا في حد ذاته إذ يلعب دورا مركزيا في تدفق الشعر و ارتباط الجمل و إدخال النصوص في نوع من الغنائية الراقصة أو التقرب من إيقاع الملاحم الشعرية التي يحاول الشاعر محاكاتها.
هذه اللوثة الإيقاعية يضبطها الشاعر في بعض الأحيان بنجاح ملفت , حيث يتواشج المعنى مع الإيقاع
"النهر النائم في وكره
يمضي
كي يوقظني
الخلق نيام
و الماء المتبعثر مني
يهذي حتى يقضى حتفه " ص22
و في أحيان أخرى يعيق الإيقاع اندياح الشعر في فلوات المعاني , و لا سيما عند التركيز غير المبرر على استخدام القافية بشكل ملح و دون مبررات فنية مقنعة:
"أأكون جسرا فوق نهر الصحو
يوقظه المطرْ
يوم يمر من الحياة مجرجرا
قلبي المعمد بالنهرْ"
نلاحظ هنا البون الشاسع بين الجملتين و القافيتين, ففي حين جاءت الجملة الأولى ذات قافية مناسبة لسياق الصورة الشعرية,جاءت القافية الثانية مجبورة, و لمجرد التناغم الموسيقي دون خدمة فنية تذكر.
و رغم هذه الملاحظات لا يخفى على القارئ ذلك الإحساس بلذة النغمة في أغلب نصوص المجموعة, و لا سيما عند اختيار التفعيلة المناسبة مع الغرض الذي تتناوله القصيدة.


* خصوبة الخيال و غنى القاموس الشّعري :

من أهم سمات مجموعة "طريق بلا أقدام "استخدام الشّعر للعديد من المفردات و التراكيب الجديدة أو لنقل قليلة الاستعمال, أزاح عنها الشّاعر غبار القواميس ,و ووظّفها في القصيدة التي منحها قدرا كبيراً من الشّاعريّة من خلال تخصيصها بمكان ملائم في بنية و رؤية القصيدة, مما ساعد هذه المفردات على التو اشج و التداخل في السّياق اللّغوي الفنّي دون نتوء أو بروز يشي بغرابتها المحضّة

"قد ينبت المزراب بالأعفان
و الأقزام يستكفون بالترديد
تمطرهم سماء القحل بالأحجار و الكتب القديمة"
"دقات بائعة السهاد
تهدد المسكين في قبو الدياجي
نازفات العمر تقبع في حجاج القهر " ص71

هذا الشّغل اللغوي يترافق مع خصوبة في سهوب الخيال المترامية في أعماق لا وعي الشّاعر ,حيث تعتمد القصيدة على مجموعة من الأنساق المتخيّلة ,و التي تحلّق بالمعاني في فضاءات لطالما تمنّت الروح الإنسانية ارتيادها.فمع الخيال تتحوّل المادة البشرية إلى أثير خالص, و يكف الشعر عن كونه مجرد فعل فني جمالي,ليتحول إلى مطيّة تبتعد فيها النفس الإنسانية عن قالب الجسد, و قوانينه الحاكمة و المعيقة و لعل هذا النهج يتبدى منذ عنوان المجموعة: "طريق بلا أقدام"
و الذي يعبّر عن التصورات المسبقة للشاعر الذي أراد سلوك طريق لم يسبقه إليها أحد من قبل:
"و تساقطت مدن الثواني
في رمال الوجد
حتى غابت الأمشاج" ص8
"أضغاث من الأحباب
يطليهم غبار العابث القطبي في زمن البلى" ص9


*توظيف التراث و التناص مع القرآن الكريم.

يشكّل التراث و لا سيما التراث الديني الإسلامي مادة خصبة ينهل الشاعر من معينها الذي لا ينضب و ينجح في ترصيع النصوص بمشاهد و شخوص من عمق التاريخ الإنساني الزاخر بشتى المواقف المعبرة, هذا التراث الغني الذي لا يحضر ضيفا ثقيلا على النصوص بقدر ما يصبح جزء لا يتجزأ من رؤية القصيدة, و هذا ما يجعل من المواءمة بين الماضي و الحاضر من أهم سمات أسلوب الشاعر.
يحضر التراث في هذه المجموعة بشكلين أساسيين:
- الأول: اللفظة المباشرة أو الجملة المتقطعة:
كما في العبارات التالية
- كفى بالله شهيدا
- تستوصي بها خيرا
- خرجت نساء الأرض من ضلعك
و يكون اعتماد الشاعر هنا على الهالة السحرية و القدسية التي تملكها هذه العبارات.
- الثاني: محاكاة الأسلوب التراثي:
و هذا ما نشاهده بكثرة في قصائد المجموعة:
- أسماء تحرسها قبيلة زنبق
- يتطاير ظلي , و الحمأ المسنون.
أو كما في المقطع التالي:
- في زاوية العمر الفاني
- أشعلت الموقد شيبا أسود
- و نذرت الباقي قربانا
- في غمرة صحوي
- حتى أبتدئ الخط المسند.
و نستطيع أن نتلمس العلاقة الوشيجة التي تربط هذا المقطع بالتراث من خلال الألفاظ:
العمر الفاني- قربان- غمرة- الخط المسند.
الغاية من استحضار التراث هو فضح سوداوية الواقع الحالي الذي تعيشه الأمة مقارنة مع الماضي المجيد الزاخر بشتى ألوان المكارم و البطولات
و يشكل القرآن الكريم المرجع التراثي الأخصب الذي يستظل الشاعر في أفياء مفرداته, و ينهل من بيانه و مجازاته, دون أن يشعرنا بإسراف في نقل المعاني, و دون أن ينسى الجرعة الملائمة و الكافية لعافية القصيدة , و خصوصيتها.



* ملامح الصورة الشعرية:
يقدم الشاعر في مجموعته الأولى قصائد حبلى بالصور,حتى لا يكاد يمر مقطع واحد, إلا و يزيّن بشتى أنواع الصور: الانزياحية و المجازية و الرمزية و المباشرة الفنية , و إن ولع الشاعر بألوان الصور الشعرية جزء لا يتجزأ من أسلوبه الخاص, و نادرا ما نقرأ عملا أول يتسم بالخصوصية, بالطبع التصوير الفني في القصائد ليس مجانيا, أو لاستعراض العضلات اللغوية و إنما يجيء متسقا مع النمط الذي يكتبه الشاعر:
"أرقب كل من جاؤوا
إلى جرف يباركه البلاء
نسج القتام ستائرا سوداء
أرخاها فغم الأولياء.
جدل البداية في متاهات العماء
لا..
لم تكوني غير شمع
في عباب النور يبحر عاشقا
و متيما حد الفناء" ص67
ففي هذا المقطع القصير تتزاحم الصور الشعرية..فالدمع تبلد
و الجرف يباركه البلاء
و القتام ينسج الستائر
و الشمع يبحر عاشقا
و رغم طول النصوص ووفرة الصور الشعرية
فإن الكثافة تحضر غالبا لتشد المعنى إلى بؤرة جاذبة, دون أن تسمح لها بالتبدد في فضاءات التيه و الشرود, فالشاعر يقظ بقدر ما هو غارق حتى أذنيه في عشق الخيال الذي يجيء ساحرا, مانحا غبطة غامضة تظلل النصوص.
تجتمع الصور الشعرية المفردة في مركب واحد هو الصورة/ الحالة و التي تتسم بالشمولية, و تحتوي فكرة النص فنيا. و في القصائد / الومضات تفلت الصورة الشعرية أكثر فأكثر من إلحاح الوزن دون أن تتخلص منه بالمرة,و تخرج إلى الوجود ما يسمى بالقصيدة الصورة كما في الومضة التالية:
"يتراقص القنديل في صدري
ينوس فأرتوي
أرجوك لا تهمل بقية ظلمتي
لا تنطفي...لا تنطفي "ص35
فالصورة الشعرية هنا تقوم على عنصر المقابلة بين القنديل الذي ينوس في الصدر / الضوء ككناية عن بصيص الأمل, و بين العتمة في الجانب الآخر من هذه المقابلة الصورية كنقيض و ضد.
و هذا التعاكس هو الذي يؤديه الوظيفة الجمالية للتصوير الشعري, و يفتح أمامه احتمالات الولادة المتجددة في براري المعاني
* الحضور الصوفي في المجموعة

لعل الملمح الأبرز من ملامح مجموعة "طريق بلا أقدام" هو ذلك الحضور الكثيف للصوفية: رؤى و مواقف و شطحات فالرؤية الصوفية كما هو معروف تعتمد على المشاركة مع كل من المعجم الصوفي و الموقف الصوفي لخلق النص الصوفي , و هذا ما نجح به الشاعر حمزة رستناوي , فأفلتت قصائده من الوقوع في قبضة اللفظة الصوفية الأحادية , إلى ما يسمى اللحظة/المشاع, أو حدس الطقس الذي تتجاوز فيه الصور اللا هبة. و تتضافر أدخنتها في الموقف الصوفي الصادق و الشفاف و البعد عن التكلف يتوضّح هذا المنهج بيّنا و مشرقا في قصيدة: مغامرات عابر الأزمان
و التي أهداها الشاعر إلى المتصوف الكبير الشيخ محي الدين بن عربي
"ولهان قد وهب المساء وجوده
أضحى ظلالا تقتفي صوت الأزلْ
ترك الصحاب مخاصما ما حوله
أفكاره حبلى تترجمها الجُمَلْ " ص26
مثل هذه الشطحات تحيل النصوص الصوفية إلى مادة مشعّة و متوهجة و ينتاب القارئ شعور غامض و إحساس باللذة و الجمال عندما يغوص في تركيبة المعاني المحلّقة و التي ينصب الشاعر فخاخها بمهارة تدل على شاعرية متأججة تتخذ شكل بروق خاطفة و مشاهد جاذبة:
"بَعُدَ الصدى و الصوت غافله الفنا
اجتاز خطّ الأفق قد لمح الشررْ
لما تعثر بالجبالِ و بالقمرْ" ص28
و تشرق الصوفية كذلك في محراب الأنثى تارة بشكل مراثي عذبة و حزينة كما في قصيدة" أسماء"
"أسماء في قلبي بقايا
من نزاع الموت تأكلها الحياة فتزدهر" ص52
و تارة أخرى على هيئة وصف مكين لعوالمها الساحرة اللا مرئية التي تستهوي الشاعر و تدخله في مداراتها و أفيائها كما في" قصيدة طريق بلا أقدام عنوان المجموعة
"تمشى, تخبئ في بواطن شمسها
طيرا من اللذات أتعبة الطريقْ
سرب من العتمات يقتحم المصير إلى غدير الروح
يحجب ما تبقى من معالمها عتيقْ" ص64

* لغة غير مألوفة و لكنها غير مستهجنة, و دائرة من المعاني التي تراود الفكر, و الوجدان و أشياء تسبح في هلام القصيدة لاستعادة شكلها , هذا بعض مما تغرينا به مجموعة طريق بلا أقدام التي تقدم شاعرا ينضم بثقة إلى أبناء جيله التسعيني
الذي باب يشكل علامة فارقة في مسيرة الشعر السوري الحديث.
**
طريق بلا أقدام-شعر
د.حمزة رستناوي
دار آرام – دمشق- ط1 - 2001
الصفحات 73 من القطع الصغير



#أديب_حسن_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعر قامشلي
- إسلام ضد الإسلام
- حروب الانترنت..بين الثقافة والسخافة
- قامشلي ..وردة الجهات
- قراءة في كتاب:رسائل حب بالأزرق الفاتح للدكتور محمد صابر عبيد
- قراءة في مجموعة ياسر مراد-شذرات من ذاكرة مفقودة-
- شمس وبوش و...حسين خليفة
- العودة إلى الحوار المتمدن
- وزير الأمل
- مقاربة أولية لتجربة جيل التسعينيات الشعري في سورية
- تمهّلْ صديقي
- حجر في زرقة الأبد
- قصيدة ماغي
- حوار مع الشاعر الكردي أديب حسن محمد أجراه نضال بشارة
- ماجدة الرومي..فقط لو كنتُ لبنانياً..!!
- أنا هؤلاء
- هل حقاً كان الماغوط شاعراً كبيراً الجزء الثاني
- هل كان الماغوط حقاً شاعراً كبيراً
- قفا نضحك
- ويسألونك عن الأنفال


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أديب حسن محمد - جماليات الشعر في ..طريق بلا أقدام للشاعر حمزة رستناوي