أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جواد البشيتي - سنة على موت -هوميروس فلسطين-!















المزيد.....

سنة على موت -هوميروس فلسطين-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2733 - 2009 / 8 / 9 - 10:32
المحور: القضية الفلسطينية
    


31536000 ثانية انقضت على هَدْم "هيكل" الشِعْر الفلسطيني.. على موت محمود درويش، فَلْيَرْفَع له الموت قُبَّعته، وَلْيَنحنِ له إجلالاً واحتراماً.. لقد مات "آخر مَنْ يموت". مات الشاعِر الذي كان، وسيظل، شعور "أوَّل مَنْ يُقْتَل، وآخر مَنْ يموت".

"هوميروس فلسطين" مات؛ ولكنَّ "إلياذته" تبقى حيَّة، لا تموت أبداً.

قَلْبُ فلسطين، وطائرها خافِق الجناحين، توقَّفا عن الخفقان، فَخَفَقَ نجمها وقمرها وشمسها.. وأطْبَقَت على سمائها ليالي المحاق.

عندما نَفْقِد عزيزاً وحبيباً نَشْعُر أنَّ كل شيء جميل قد مات، فَنَكْرَه أنفسنا، ونَحْقِد على هذا الموت اللئيم الذي يغتالنا ونحن، على ما نظنُّ أو نتوهَّم، على بُعْد شِبْرٍ، أو شِبْرين، من "الهدف"، الذي من أجله عِشْنا، وعملنا، وعانينا الأمرَّيْن، ونَزَفْنا الدمع والدم، وأحْبَبْنا وكَرِهْنا؛ أوَلَمْ يَمُتْ مِنْ قَبْلِه، إذ سَمَّتْهُ "أفعى شارون"، "أخيل فلسطين"، قبل أن يَلْمِس "قباب طروداة"، التي قضى عمره مُبْحِراً إليها؟!

إلاَّ في موته، فـ "هوميروس فلسطين" إنَّما مات؛ لأنَّ كل شيء جميل قد مات من قبل، أو عندما مات كل شيء جميل، فـ "قوس قُزَح"، الذي من جمال ألوانه، ومن كل ألوانه، وُلِدَ محمود درويش، ذهب إذ ذهب نهار فلسطين، وأطبق عليها الليل والسواد، و"تحرَّرت" قصيدتها من "حُلْم الدولة"، ومن "الفكرة الأكبر والأعظم من الدولة"، لِيَحتلها، أيضاً، ويُمْعِن في تمزيقها، معنىً ومبنىً، أناسٌ لا يميِّزون "الجامع" من "الجامعة"، ولا "البعث" من "العبث".

مات زمانه، فمات؛ وهل للسَمَكِ من حياة في خارج الماء؟!

ذاك الزمن كان زمن محمود درويش؛ أمَّا هذا الزمن فزمن مهنَّد ونور، وهيفاء وهبي، وأشباههم من قادة وساسة.. زمنٌ أصبح فيه لكل عصابة نبي، ولكل صحافي ميليشيا!

مَنْ ينعى على نفسه بالفواحش في الشطر هذا أو ذاك لا يَحِقُّ له أن ينعى إلينا درويش، الذي نعاه إلى فلسطين إذ قال وهو ذاهِبٌ إلى الموت: "أنتَ منذ الآن غيرك"!

"هوميروس فلسطين" إنَّما جاء بآياته لغيرهم؛ لأولئكَ الفلسطينيين، وليس لهؤلاء الذين لا يثورون، ولا يشكون، لا يُغنُّون، ولا يبكون، لا يموتون، ولا يحبَّون.

جاء إليهم عاشقاً يَحْمِل في نظراته البحار والربيع وشجر الورد النابت من أحشاء الجمر الفلسطيني.

جاء إلى المثخنين بجراح الجسد، المختزنين فيها الشتاء والرعود والبروق والعاصفة.. والآلام التي منها وُلِد الكبرياء الفلسطيني.

"عاشق فلسطين"، و"عاشق بيروت لعشقه فلسطين"، حدَّثَنا عن معاني فلسطين على متن "سفينة نوح" المُبْحِرة من بيروت إلى حيث البقية الباقية من "القابضين على الجِمار" يموتون في عِزٍّ وسؤدد لِيَنْعَم غيرهم بعيشٍ من خزي وعار.

لَمْ يَعِشْ، ولَمْ يَمُتْ، إلاَّ من أجل أشجار الزيتون الفلسطيني، ومن أجل تلك الباقة من الأنبياء الطالعة من شقوق الصخر في فلسطين.

عاش ومات من أجل صُنَّاع الأسطورة.. أسطورة الدم الذي غلب السيف، وجَعَل "قوس قُزَح" عَلَماً لفلسطين.

عاش ومات من أجل "آخر الطلقات، وما بقي من هواء الأرض، ومن نشيج الروح".

عاش ومات من أجل الرجال الرجال، ولو كانوا أولئك الأطفال الذين بأجسادهم الطريَّة هزموا الهزيمة، وهدموا العار ليبتنوا من أنقاضه مجداً لأُمَّةٍ لم يبقَ من أمجادها غير ظلال، فغدت "الأمَةَ الذليلة" بعدما كانت "خير أُمَّةٍ أُخْرِجت للناس".

من أجل توحيد قبائل العرب في قبيلة واحدة، لها رب واحد، وانتماء واحد، وقدر واحد، عاش ومات درويش.

من أجل أشجار الزيتون.. أشجار الكبرياء النابتة من أحزان الأمة وجراحها.. ومن أجل تلك الباقة من الأنبياء الطالعة من شقوق الصخر في فلسطين، الذين لا يَزْنون بالكلمة، وبألسنة اللهيب يتكلمون، عاش ومات.

من اجل مَنْ حلمنا بهم زمناً طويلاً.. زمناً استنفدناه ونحن نستجدي ربَّ العالمين النصر على عدوِّه وعدوُّنا، وندخل الحروب بكل ما أوتينا من مواهب الخطابة، ونُعلَف في زرائب السلاطين، نركع ونسجد.. حتى ملَّنا السجود والركوع، لا عقل لنا، ولا رأي، ولا أقْدام.. كل جمعة، نُجلَد بخطبة غراء، تتوعد اليهود ودولتهم بالويل والثبور وعظائم الأمور.. وظللنا نغنِّي "إنَّنا إلى فلسطين راجعون"، فلم يبقَ لدينا من قول سوى "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون"!

ظللنا نحلم، ونطحن بطاحونة ما طحنت قط سوى الهواء، حتى جاء الجيل الذي لا يسامح ولا يغفر، فهزم الهزيمة المتأصلة في نفوسنا، رافضاً زماننا وعصرنا، فوُلِدَ من رفضه هذا الجمال المتوحش، الشرس، جمال الفهد الاستوائي الذي فكَّ السِحْر وقتل السَحَرَة.

من أجل "أطفال الحجارة" الذين بدمهم الوردي، وليس بدم أولئك المختلفين في جنس دم الأضاحي في العيد، كتبوا الأجمل من إلياذة هوميروس وملحمة جلجامش والماهاراتا الهندية والشاهناما الفارسية.

من أجل سكَّان جباليا وغزة، سكَّان القدس ونابلس والخليل ورام الله.. سكَّان المدن التي تعرف أنْ تموت، وتعرف كيف تقهر الموت، وتجبره على أن ينحني لها إجلالاً واحتراماً.. من أجل مُدُناً طمحت إلى امتلاك الشمس، فامتلكتها؛ واقتحمت البحر ولم تكتفِ باصطياد الأسماك على شواطئه؛ من أجل مُدُناً لها قناعة شجر الزيتون في القدس، وقلق المراكب في غزة، وشراسة العاصفة ووعد الفتح ووعيده في جباليا.. مُدُناً ليست من جنس تلك المدن التي تُؤْثر السلامة كالخراف والأرانب.. مُدُناً لا تسكن السفح؛ بل البرق والهاوية.

من أجل أطفالِ المخيَّم ورُضَّعه، الذين قتلهم قتلة الأنبياء بدم بارد.. فعلَّمونا الأبجدية العربية..، علَّمونا أنْ نكون عرباً، فحتى نكون عرباً لا يكفي أنْ تكون عيوننا سوداء، وأنْ نرتدي كوفية وعقالاً وعباءة مصنوعة من وبر الجمل.. لا يكفي أن نتمنطق بالخناجر المعقوفة، ونحفظ ألفية ابن مالك، وكتاب الأغاني، ومقامات بديع الزمان الهمذاني.. ونشرب القهوة المرَّة.

من أجل أولئك الذين حيَّاهم درويش إذ قال: إنَّ من أحذيتهم خلقوا أُفقاً لأمَّة ابتلاها الله بذوي آفاق تَسَع كل شيء ولا يسعها شيء!

لقد كانوا صنَّاع الأسطورة.. أسطورة الدم الذي غلب السيف.. وأنهى عهد ممتهني حراسة القبور والنعوش والليل.. عهد كُتَّابٍ على رصيف الفكر يتسكعون.. عن التفكير عاطلون، في مطبخ الباب العالي يأكلون، وفي زريبته يُعلفون، وبسيفه الطويل يضربون.. منذ قرون وقرون كفُّوا عن التفكير، وفي خارج التاريخ ظلَّوا يسكنون. كسَّروا أقلامهم، وهدموا معبدهم، ومزقوا شريعتهم، وأدمنوا الركوع والسجود، وقضوا العمر في حراسة السواد والسود.

لقد احترق المسرح وما مات الممثلون.. ظلوا على قيد الحياة، ولكن.. مخصيو اللسان والفكر، أحصنة من خشب يركبون، وأشباحا وسراباً يقاتلون، وبلا كلل في جثة القتيل يبحثون.. عن الحقيقة يبحثون. عندهم استوى الفكر والحذاء. فبئس الفكر ونعم الحذاء.

لَمْ يَعِشْ، ولَمْ يَمُتْ، من أجل بَشَرٍ، أو عَرَبٍ، من حَطَبٍ وخَشَبٍ، في "وادي الدموع" يُصلُّون ويتعبَّدون، وعن "ورود الوهم" يبحثون، لعلَّهم غير أصفادهم يَجِدون.

"هوميروس فلسطين" مات، فًَلْيَدْفِن الموتى هذا الحي إلى الأبد!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العبوس.. عربياً!
- موت -الخبر-.. في الجريدة اليومية!
- هكذا يُحارَب -التوطين-!
- إذا لم يكن من -التطبيع- بُدٌّ..
- إذا سلَّمْنا ب -نظام القضاء والقدر-.. فهل إرادتنا جزء منه؟!
- أوَّل غيث -التطبيع الجديد-.. -مقالة-!
- ماركس إذ بُعِثَ حيَّاً!
- -الشيخ جرَّاح- هو -رودوس- التي تتحدَّى أوباما!
- لِيُعْقَد في -بيت لحم- ولكن ليس في -بيت العنكبوت-!
- من -أزمة الحل المرفوض- إلى حل -الحل المفروض-!
- الأهمية الحكومية ل -المعارَضة- عندنا!
- ما وراء أكمة -صُلْح- أوباما مع المسلمين!
- اقْضوا على اللاجئين.. تَقْضون على -حق العودة-!
- شتاينماير الذي هزَّ رأسه!
- ما بين -رجل الإعلام- و-رجل الأمن-!
- المخاطر الإسرائيلية.. كيف يمكن أنْ تُواجَه أردنياً؟
- المستوطنات في أسواقنا وبيوتنا!
- تخطِّي الرأسمالية.. أما زال ممكناً؟
- الزمن في حياتنا اليومية!!
- يوم اسْتُعيدت -السيادة العراقية-!


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جواد البشيتي - سنة على موت -هوميروس فلسطين-!