أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم قعدوني - أدونيس في مواجهة ديناصورات الثقافة العربية















المزيد.....

أدونيس في مواجهة ديناصورات الثقافة العربية


إبراهيم قعدوني

الحوار المتمدن-العدد: 2670 - 2009 / 6 / 7 - 10:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا يتوقف الشاعر والمفكر السوري أدونيس عن كونه مثيراً للجدل سواءً بطروحاته الفكرية التي قدمها في مؤلفاته بدءا من "ديوان الشعر العربي" إلى "الثابت والمتحول" أو عبر تصريحاته الإعلامية بين الفينة والأخرى، والتي قد لا تبدو جديدةً إذا ما تم إرجاعها إلى السياق الفكري الذي دأب أدونيس على إنتاج جمله المعرفية ومواقفه الثقافية وفق ثيماته.
إلاًّ أنّ ما قد يغري المتابع للشأن الثقافي هنا أن يمارس شكلاً أولّيَّاً من أشكال التحليل النقدي لمواقف عشرات المثقفين من تصريحات أدونيس الأخيرة والتي تحدث فيها عن انقراض الحضارة العربية. وربما يجدر بنا الاستدراك والتفكير ملّياً فيما أطلقنا عليه ("مواقف" العشرات) والتي تبدو أقرب إلى كونها انفعالات لا تستوفي شروط الموقف إلاَّ إذا اتفقنا على طابعها "الجماهيري" بالمعنى السايكولوجي، يمكنا حينئذٍ أن نعاينها في إطار الموقف الجمعي بما يتضمنه مصطلح الجمعي من أفخاخ لست بصدد رصدها.
وبحسب جورج طرابيشي في "التحليل النفسي لعصاب عربي جماعي" فإنَّ هذه الجماهير المثقفة تتبنى خطاباً ارتدادياً يتجلى في احتمائها بمظلة التراث في مواجهة حاضرٍ جارح أبرز سماته في موضوعنا هي استقالة "الخطاب الثقافي العربي" من نطاق الفعل التاريخي وانكشاف العجز المتفاقم عن ردم الهوة الحضارية وتراكم الرضّات الجارحة. يمكن التدليل على ذلك من خلال تتبع الحبر الذي سال والساعات التلفزيونية التي كرّست للبحث في "انتقاد" الفعل الأدونيسي في حالات أقرب إلى السطحية والطفولية منها إلى الممارسة النقدية المتأنّية.
لا يمكن لأدونيس أن يجلس مسترخياً في قصّابين إلى جوار أمه العجوز معتكفاً يأكل "البرغل بالحمًّص" وهو صاحب المشروع الحداثي - بغض النظر عن رؤيتنا لهذا المشروع - إلاَّ إنَّه مشروع مؤسس يرتكز إلى رؤية بحثية تنفر مما هو ماضوي وسلفي وتأخذ بعين الاعتبار خصوصية التراث الذي تنبع منه، مزاوجةً إياه بالتراث الإنساني العام، حيث يغدو الحلم الأدونيسي "حداثة الإنسان" لا "حداثة الشيء"، لذلك فهو لا يكف عن العبث بأعشاش الدبابير انطلاقاً من وعيه بالدور الرّياديّ للمثقف ومن أهميته (أي أدونيس) الأيقونية الطابع في راهن الحالة الثقافية.
بالتأكيد لا يتعلق الأمر بموضوعة "قتل الأب " فالأمر هنا مختلف لجهة أنَ منتقدي أدونيس هم أكثر "أبوية" منه حين يسوقون اعتراضاتهم "الأخلاقوية" و"الثقافوية " والموسومة "بحرصهم" على سمعة الثقافة والأمة و"بعتبهم" على أدونيس، وهو "الكبير" و "العاقل". ألا ينطوي الأمر على وصاية معلنة وعلى حسرة مضمرة تتلخص في ترك الطابق مستوراً؟
بيدَ أنّ مشارب أخرى كانت أكثر وضوحاً وقطعانية (من القطيع لا القطيعة) حين نعتته بالمهزوم حضارياً وبالمأخوذ ثقافياً والمتزلّف إلى نوبل .. إلى آخره مما تنوء بحمله قواميس رطاناتهم المكتنزة بقوالب محنطة من البلاغات والإقصاءات المهترئة التي كشفت حجم الجرح الذي نكأه الأخير وقدْرَ العنصرية التي تستحوذ على لا شعورنا الثقافي، خصوصاً وأنه قد اتخذ من كردستان العراق مكاناً لبث تصريحاته واضعاً نفسه في المرمى المباشر لجماعة "لماذا الآن ولماذا كردستان"! بينما مضى آخرون في اتهام تصريحات أدونيس بالكولونيالية وتبنيه صراع الحضارات مستفيدين من مساحات تمنحها صحف لم تتجاوز أزماتها الأيديولوجية، ومبشّرين بولادة النهضة والتنوير العربيين وهو ما نسمعه منذ النهضة البائدة، حيث لم يوفر شاعر سوري الأكراد ـ في معرض انقضاضه على أدونيس ـ واصفاً ما قد يعتبرونه نواة لحلمهم القومي "بمحمية أمريكية" لا أكثر! وهكذا نلاحظ كيف تختلط الأمور وتتشاكل في إطار الحالة الهذيانية والهيجانية.
المحبط في الأمر أن الرجل يأتيهم بأفكار فلا يلقى منهم سوى إنشاءً سطحياً وعلكاً ولوماً وتخندقات لا يمكن فهمها سوى بوضعها في إطار العصابية الجمعية والتي لا تفضي سوى عن قراءات عاطفية وغير منصفة لفكر الرجل ومواقفه التي ملّ وهو يكررها. وقد شاهدنا ذلك في مناسبة قريبة حين أطلّ على أثير فضائية المشرق عبر مداخلة هاتفية كي يشرح لمقدمة البرنامج وضيفيها الأديب خيري الذهبي والروائية سمر يزبك أنه حين تحدّث فيما تحدّث إنّما عنى مؤسسات لا أفرادا وأنه حين عبّر عن رؤيته لدمشق كمدينة "مكتملة الأفق" لم يصدّر حكم قيمة بقدر ما كان يدلّل على ضآلة الأفق المتاح لجهة اكتمال المشهد بإحكام مقارنة ببيروت المستعصية على الإغلاق أو الإتمام. بالتأكيد لم تبرئه توكيداته من تنطعات خيري الذهبي وأستذته التي لزمها الكثير من التماسك حينذاك. مع شديد الاحترام لشخص الرجل إلاً أنّه لم يبدو منصفاً ولا عقلانياً إذْ أسّس فرضيته انطلاقاً من رفضه تقبُّلَ رأي آخر لا يرى في دمشق كحالة أو كمحيط ثقافي مدينة جديرة بالغزل، عكس ما دأب الكتّاب على الاتكاء عليه في مروياتهم! حتى غدى شاعر من القامشلي في أقصى الشمال الشرقي السوري على سبيل المثال أو ربما من صعدة في اليمن يتغزل بدمشق قبل أن يزورها! فما بالك باكتناه المدينة وفك أقفالها التي يبدو أن الذهبي يحتكر امتلاكها بينما لم يلامس أدونيس هذه المفاتيح كما قال!
أمَّا سمر يزبك فقد تخلّت عن تضامنها المضمر مع أدونيس في تلك الحلقة لتبث خيبة أملها في النهاية من أن "أدونيس" قد تورّط في "المعمعة" إذْ نعت الكتّاب والمثقفين العرب بأنهم الشريحة الأكثر سوءاً حين يتم الحديث عن أزمة الحضارة العربية، ولا أعتقد أن هذا رأي أدونيس فقط، فمعظم الكتاب العرب يرددون هذا الرأي خصوصاً وأنه لا يتعلق بهم شخصياً! (ينصح هنا بمراجعة رواية السوري فواز حداد الأخيرة "المترجم الخائن " والتي قد تساعد في تقبل رأي أدونيس في الكتَّاب العرب عموماً والسوريين على وجه الدقة في فضاء الرواية).
سيكون عليه أن يردّ ويجيب يا سمر، فهو ليس كائن فضائي كما أنّ ردّه يعكس اتساقه مع مشروعه الفكري والثقافي إذ يخاطب كائنات تراثية وقابعة في الماضي لكنها إمّا تنكر هذه الحقيقة عن قصد، أو أنها لا تعيها والأمر سواء. لربما يقدِمُ أدونيس على أخطاء في معرض ردوده، وقد ينزلق إلى المستنقع الذي يطيب لآخرين المكوث فيه، وربما متعة أن يشاركهم إياه من يرونه "نجماً". لكنّه من غير المتوقع أنْ يركن إلى مصيرٍ نخبوي تقليدي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تاريخ وسياقات الحالة الأدونيسية؛ والتي هي أيضا يجب ان تكون موضع نقد لا تمجيد، لكننا نركز على تسجيل اعتراض على تأويلات جائرة تتلقفها المنابر المجوفة كمادةٍ دسمة.
لم يكن ماقاله الرجل محبطاً بحسب ما رأته يزبك بقدر ما بدا إقراراً بواقع الحال وترفّعاً عن الإنكار الزائف والكسول الذي يأتي على المثقف كما تأتي النار على الهشيم.
وجاء الضيف الأخير عبر الهاتف لينطبق عليه المثل القائل "إجا ليكحلها عماها" بيير أبي صعب وعبر لعثماته المرتبكة ونكوصه القومجي غير المفهوم ليقول بأن "أدونيس نبي" ويجب على النبي أن يكون كلامه محسوباُ! "أدونيس غلّط"!!...إلخ من جمل اصطفت وتداعت دون أن تأتي بما يشكّل رأياً معرفياً أو ثقافياً.
ملخّص القول أن الجميع يريد من الرجل أن يتحنّط وأن يدخل الجوقة بهدوء، هل هي جوقة أم قطيع؟ يحتمل كلا الأمرين تفكيراً مليّاً، أليس كذلك وهم يطالبونه تارةً ويرجونه تارةَ أخرى (بحسب مواقعهم في التراتبية الثقافية والإعلامية) بالتخلّي عن أساس الفعل الثفافي وجوهره النقدي؟ المهم أنه علق! ولكن شيئاً من الحظ يقف إلى جانبه حيث أن منجزه الثقافي والشخصي إن شئنا يمنحه امتياز التعالي على الجماهيرية وإمكان القسوة على إرهاصاتها المازوشية، ما يفتقده غالبية منتقديه.
لن تنتهي المسألة عند هذا الحد بكل تأكيد نظراً لسببين رئيسيين على الأقل، أولهما هو الخواء الذي يطبع المشهد الثقافي منذ عهد ليس بالقريب، وثانيهما رمزية أدونيس في هذا المشهد الطفولي والضغائني، وقد يمكن إضافة ثالثٍ نافل يتمظهر في إعلام مجوّف يبحث عن صيف ساخن وسط ركود عالمي.

* شاعر من سورية



#إبراهيم_قعدوني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أقتربت نهاية حماس ؟
- الشعارات لا تولّد كهرباء يا أحمدي نجاد
- مديح الكراهية تتعرض لتابوه ليس من السهل اختراقه - حوار مع ال ...
- استدراج الشعر الي منطقة شبه مهجورة: التنزيل للشاعر خلف علي ا ...
- Yanniالكائن اللَّيليّ وصورتها وخمس مقطوعات ل
- أنا رجل لا أصلح للحب
- تنورة جينز لخصر السنة الجديدة
- طاعون الفلوجة
- جدّي وجدَّتي....ذاكرة شتاءاتٍ مضت .
- لا شيء أفعله هذا الصباح
- مكابداتٌ لا يحيط بها الكلام
- ما نقشه العامري فوق منديل اضاعته ليلى -
- - كنت أمحو جانبي من سبورة الجهات-


المزيد.....




- بريطانيا: فرض عقوبات على إسرائيليين متشددين بسبب أعمال عنف ف ...
- السعودية.. وفاة و20 حالة في العناية المركزة بتسمم غذائي بمطع ...
- السعودية تكشف جنسية وافد عربي ابتز فتاة ودردشتهما -مموهة-
- الأردن.. الملكة رانيا تكشف عن نصيحة الملك الحسين لها عندما ت ...
- من هو المرشح الرئاسي الذي قد يستحوذ على دعم الشباب في تشاد؟ ...
- المشروب الكحولي الأقل ضررا للكبد
- المشكلات الصحية التي تشير إليها الرغبة الشديدة في تناول الحل ...
- أنطونوف: اتهامات واشنطن بتورط روسيا في هجمات إلكترونية على أ ...
- انجراف التربة نتيجة الأمطار الغزيرة في هايتي يودي بحياة 12 ش ...
- الجزائر تطلب عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن المقابر الجم ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم قعدوني - أدونيس في مواجهة ديناصورات الثقافة العربية