أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - من يصغر مصر الكبيرة؟














المزيد.....

من يصغر مصر الكبيرة؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2628 - 2009 / 4 / 26 - 10:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يمكن إلا أن يشعر المرء بالدهشة والأسف حيال الحملات المصرية المتوترة على حزب الله، ومزاعم مؤامرة تتهدد الأمن القومي المصري على يد شبكة مفترضة بناها الحزب اللبناني على الأراضي المصرية. ليس من حق حزب الله أو غيره أن يمارس أنشطة تتعارض مع السيادة المصرية. وليس لحزب الله أو لغيره أن يقرر ما هو الصحيح مصريا. وحدهم المصريون أصحاب الشأن في ذلك. مع ذلك مؤسفة هذه الحملات الرسمية المصرية. لقد سيّست أمرا كان يكفي إطلاق يد القضاء المصري فيه، وكبّرت شيئا صغيرا، فكان أن صغّرت مصر وقللت من اعتبارها.
والحال، يبدو لنا أن مصر تعاني من داء عضال وقديم بعض الشيء، هو السبب الراجح لارتكاب أخطاء تنال من مصر وتصغّرها في عين الناس والدول حولها. الداء هذا حصيلة تضافر ثلاثة سلطات مستبدة تنيخ بثقلها على صدر مصر منذ ثلاثة عقود، فتخصم من استقلالها وسيادتها وتضيق من آفاق تطورها.
أولاها هي النظام الحاكم في مصر، والذي لطالما عامل شعبه بقسوة واحتقار. إن تطبيع العنف في التعامل مع المحتجين على سياساته أو مع عموم المصريين المحرومين من الحماية، والصيت الشنيع للأجهزة الأمنية المصرية أمور معروفة جيدا في مصر قبل غيرها. وفساد نخبة النظام ومحاسيبه أمر معروف بدوره. وفوق ذلك، يبدو أن النظام يعدّ جمال مبارك، نجل الرئيس الطاعن في السن، للرئاسة وريثا لأبيه. الاستبداد المسكون بهاجس الخلود يحتاط لنفسه فيجتهد حتى للتحايل على الموت. لكن مصر سوف تتضاءل أكثر إن ورثها جمال مبارك.
السلطة الاستبدادية الثانية هي سلطة الهيمنة الأميركية. منذ توقيع كامب ديفيد والصلح المصري الإسرائيلي تمحورت السياسة الخارجية المصرية حول الولاء للولايات المتحدة والسلام مع إسرائيل. وبدل أن يحرس السلام مصر تمركزت سياسة مصر حول حراسة السلام. ولم تعد لمصر سياسة مستقلة، ولو لأن التزامها بمعاهدتها مع إسرائيل يتفوق على أية التزامات أخرى لها حسب نص المعاهدة ذاتها. هذا تقزيم لمصر، يردها دولة عادية مثل غيرها، فاقدة للمبادرة المستقلة، وعاجزة عن الاعتراض على القوى المهيمنة في المنطقة أي الولايات المتحدة، وبالتبعية إسرائيل. ولعل سبب الحساسية المفرطة والمبالغ فيها حيال شبكة حزب الله المزعومة هو الشعور الذي لا يطاق بالعجز بسبب التقييد الأميركي الإسرائيلي لمصر.
السلطة الثالثة هي سلطة الإسلاميين في المجتمع المصري والنموذج الاجتماعي والثقافي الانعزالي الذي يحملونه. هذه السلطة خصم للنظام وخصم للأميركيين والإسرائيليين لكنها ليست حليفا للحرية. إنها محافظة ومتشددة اجتماعيا، وتثير تحفظ أو خوف قطاع من المجتمع المصري ليس قليلا، يشمل جميع الأقباط وأكثرية المثقفين المصريين وقطاعا من الطبقة الوسطى المصرية. ولدى الإسلاميين قانون جاهز للتطبيق هو "الشريعة الإسلامية"، ما ينزع سلطة التشريع من يد البرلمان. وهم يعممون نموذجا اجتماعيا يقوم على الفصل بين الجنسين وترجيح حصر النساء في أعمال بعينها أو في بيوتهن. والأرجح أن الرقابة على الثقافة سوف تكون أشد، ما ينذر بهجرة المثقفين والكفاءات من البلد أن دان الحكم للإسلاميين. ويسهم الإسلاميون في سد آفاق مصر لأنهم البديل الأقوى للنظام، الأمر الذي يجعل "النظام هو الحل" في عين قسم من المصريين، فضلا عن قوى دولية نافذة.
تحت وطأة ثلاث سلطات كهذه، كيف يمكن لمصر ألا تكون مريضة! في عصر جمال عبد الناصر كانت مصر تعاني من الاستبداد، ودرجة من التقييد الثقافي، لكنها كانت دولة سيدة مستقلة ومجتمعها متفتح بقدر لا بأس به (من أفضال الحركة الوطنية المصرية في طورها الليبرالي بعد ثورة 1919). وفي زمن أنور السادات تراجع الاستبداد الحكومي، لكن رهنت سيادة البلاد للأميركيين، وحاز الإسلاميون بتشجيع من نظامه في البداية نفوذا اجتماعيا وسياسيا مهما، ذهب الرجل في النهاية ضحية له. أما في عهد مبارك الحالي فقد وقعت مصر تحت وطأة السلطات الثلاث معا. ودام العهد زمنا طويلا، يعادل حتى يومنا مجموع ما حكم عبد الناصر (18 عاما) والسادات (11 عاما). وهذا خانق. فالتغيير حاجة حيوية للمجتمعات، قبل أن يكون مطلبا كماليا لأية مجموعات اجتماعية. المجتمعات التي تتبدل أطقمها السياسية بين حين وآخر تمنح نفسها فرصة اختبار جديد للعالم، فتتجدد وتتنشط. هذا يصح حتى على بلد ألف تبدل أطقمه السياسية مثل أميركا، وهو من باب أولى أصح على مصر التي لم تألف هذا التبدل.
مقيدة سياسيا بنظام مستبد وشائخ، وسياديا بهيمنة أميركية ومعاهدة تطلق يد إسرائيل وتغل يدها، واجتماعيا وروحيا بأصولية مجتاحة، لم يعد من سبيل أمام مصر سوى مزيد من التصاغر.
والتصاغر هو ما يكمن خلف التهويل المخجل من شأن مجموعات صغيرة (ينبغي تفكيكها ومعاقبة المسؤولين عنها) تستهدف أمن مصر القومي وسيادتها واستقرارها!
مصر أكبر من ذلك. أو هذا ما ينبغي.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصعود الإسلامي وأزمة التقدم العربي
- في السياسة والثقافة وأزمة العام الوطني
- انفصال الإخوان المسلمين السوريين عن جبهة الخلاص.. ماذا بعد؟
- في نقد الأصولية
- ليس الدولة أن تفهم غير لغة القوة
- بصدد التبعات الاجتماعية والسياسية المحتملة لتحرير الاقتصاد ف ...
- الثقافة العربية وغياب الموضوع
- في أربعين صالح بشير.. المثقف المنفصل
- نظام عربي أكثر تكافلا، علاقات عربية أقل -أخوية-
- بصدد النقاش حول تعليق الإخوان المسلمين السوريين نشاطهم المعا ...
- في شأن سورية وأكرادها و..المستقبل
- -رابحا على طول الخط-.. رحل فارس مراد
- هل يصبو الإنسان إلى الحرية؟
- الإخوان المسلمون السوريون وتعليق النشاط المعارض.. ماذا بعد؟
- أصول ثقافية للعسر السياسي العربي
- سورية موضوعا مستقلا للمعرفة!
- في شأن -الأخلاق الموضوعية- لمقاومة الطائفية
- الرحيل الأخير لصالح بشير
- أربعة وجوه للمسألة الغربية
- نقد مفهوم التقدم كشرط لبلورة نقد تقدمي


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - من يصغر مصر الكبيرة؟