أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جمال الهنداوي - الصنمية السياسية ..ما بين الدخان الأبيض واليوم الأسود















المزيد.....

الصنمية السياسية ..ما بين الدخان الأبيض واليوم الأسود


جمال الهنداوي

الحوار المتمدن-العدد: 2614 - 2009 / 4 / 12 - 10:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


للأمم- كما للأفراد- مشاكلها..ودورات حياتها ..وعنفوانها وفتوتها وشبابها..ولها ايضاً ازمات منتصف عمر خاصة بها..وسنوات ترهل وتصدع وشيخوخة..وكما الافراد تماماً..لها سنوات ضعف وفناء واندثار.
وبتكثيف وتبسيط -بعيدا جدا عن الإخلال-يفصل المفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي بين ثلاثة مركبات تؤلف عالم الفرد والمجتمع ويصفها بـ:”أشياء” و “أشخاص” و”أفكار”.وينظر إلى أن الفرد يمر في مراحل نموه المبكرة بهذه المراحل الثلاث المتلاحقة متعرفاً فيها أولاً على “الأشياء” ثم يتعرف بعدها على “الأشخاص” ثم يتعرف أخيراً على “الأفكار”، وبنفس التعاقب تمر المجتمعات في تطوراتها الحضارية بهذه المراحل.وحين يهرم الفرد يمر بحالة نكوص عقلي وتقهقر فكري فيتراجع وعيه عائداً بتعاقب معكوس ليمر في نفس الطريق الذي سلكه ابتداءًً, وكذلك تفعل الحضارات حين تجتازها الأيام وتشيخ.
والمتمعن في الحالة العضال للاستعصائية المتعتقة والمتصخرة والمستحكمة والتي تضرب بأطناب دول المنطقة والمشكل الكياني الشامل الذي يمسك بتلابيب الأمة في الأساس المنطقي لوجودها, والمتجاوز لكينونة الأنظمة السياسية ليمتد نحو استهداف وجود المجتمع أو ماهية الدولة أو كلاهما, يصل إلى قناعة أكيدة وراسخة آن مجتمعاتنا تمر بمرحلة رجراجة ومتقلقلة مابين مرحلتي الأشياء والأشخاص في حالة نكوص وتراجع من نقطة لم تصل إلى مرحلة الأفكار مطلقاً.
وهذا الإشكال التاريخي ساهم في تشكيل وعي جمعي مأزوم بعقلية ملتبسة أدت إلى الافتقار إلى القدرة على التفريق ما بين المبادئ التي يضعها المجتمع كمثل عليا وما بين الأشخاص أو الرموز الإنسانية التي تجسدها..او العناوين التي تدعي تمثيلها ,وهذا هو الالتباس الأخطر الذي أدى إلى تخليق طبقة من الكهنوت السياسي المتصدي لاحتكار الشعارات التي تؤطر علاقة الأمة بمنتهيات القيم والمطامح العليا.
وهذا التصنيم شكل تاريخنا كتاريخ أفراد بالمطلق وليس تاريخ شعوب ومجتمعات, وربط كل فصوله وتحولاته المفصلية بأسماء الخلفاء والحكام وكرس لافتتان الشعوب بالزعماء الذين نجحوا في تسويق أمجاد وهمية وانتصارات كلامية والترويج للشعارات والأمنيات سبيلاً وأسلوباً للحكم وإعاشة الناس في حمى تفاؤلات زائفة وتعميم خطاب سياسي وإعلامي تسطيحي معتمد على صراخيات لفظية محمومة نظماً ونثراً وخطابة زاعقة ومن خلال" الأناشيد وعبر الحناجر والمنابر والميكروفونات" وكتابة ارتزاقية تملقية للتبشير بالزعيم الملهم الخارق لقوانين الطبيعة والقادر على صنع الأمجاد واجتراح المعجزات والذي سيؤم إخوانه الزعماء العرب في الصلاة في المسجد الأقصى بعد تحريرها,ولكن الكيف والمتى تعتبر هنا من التساؤلات المبنية على سوء ظن وطوية لا تمر بخاطر إلا كل من هو مشكوك في انتماءاته أو ولائه للثوابت العربية العظمى والكفر بالنعمة التي انعم الله بها على هذه الأمة
وهنا لا بد لنا من أن نعود إلى إحدى ومضات بن نبي العبقرية: "عندما يتجسد المثل الأعلى في شخص يظهر خطران أولهما أن جميع أخطاء هذا الشخص تحسب على عاتق المجتمع الذي جسم فيه مثله الأعلى وثانيهما أن جميع انحرافاته يقع وزرها أيضاً على المجتمع، وتظهر إما في صورة تنحية للمثل الأعلى الذي هوى، وإما بالارتداد عندما يعتقد أن تعويض الحرمان يكون باعتناق مثل أعلى جديد دون أن يفطن أحد في كل هذه الحالات إلى أنه حدث استبدال خفي لمشكلة الأفكار بمشكلة الأشخاص."
ولقد أدى هذا الاستبدال أو الإحلال إلى إلحاق أضرار كبيرة بالأفكار والمثل العليا للمجتمع عندما تصدى لتبنيها أشخاص لم يكونوا أهلاً لحملها. أو من خلال إلحاق القيمة أو المثال الأعلى للمجتمع بحكام وزعماء لمجرد تبنيهم خطاب سياسي وإعلامي متماهي مع هذه القيمة أو تلك الفكرة بغض النظر عن السلوكيات والمواقف التي اتخذتها تلك الأنظمة وكان لها وقع تدميري ومأساوي على الأفكار المتبناة ذاتها.
فلقد تم تطوير آليات تواطؤية لا واعية لتنفير وتحفيز إرادة الخضوع والاستكانة الموجودة لدى الناس من خلال ربط أفكار ذات أهمية قصوى لدى الفرد والمجتمع العربي مثل القومية والتحرر والانبعاث العربي والتصدي للقضايا المركزية التي تهم شعوب المنطقة برموز مثل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أو العقيد معمر القذافي ,والآن-وللغرابة-الرئيس البشير بل وحتى صدام حسين, لمجرد استخدام خطاب عالي النبرة ومحمل باستعارات وإيحاءات صدامية ومبشرة بانتصارات موعودة ومؤملة لا تستند إلى أي معطيات واقعية على الأرض .ودون الرجوع أو المرور بالنتائج الكارثية التي ترتبت على الممارسات الخاطئة من قبل تلك العناوين تجاه المطامح الوطنية..وتجريم أي انتقاد يوجه إلى تلك الرموز تحت طائلة التخوين والاجتراء والاعتراض على الثوابت الوطنية والقومية و الخروج على إرادة الأمة والمساس بالمقدسات والرمي بالزندقة السياسية .
فكل هذا التأليه والزعيق والاختزال المنظم للوطن في النظام السياسي الحاكم ومن ثم اختزال هذا النظام السياسي في شخص الحاكم الفرد لم تؤدي الا الى سلسلة من الصدمات التي عانت منها الشعوب العربية ومراكمة للنتائج السلبية التي أحدثتها حالات التجييش العاطفي الممنهج والتي تسببت في هزائم وآلام ونكسات وتراجعات واستلابات للعقل واحتجاز الشعوب في حالات وجد وهمية عبر الترويج لأوهام التقدم والأماني والأحلام وكل التخيلات التي أدت إلى جعل الأمة تبدو اقرب إلى قارب في عاصفة ويعاني من وطأة بوصلة فاقدة للسداد وتشير باستمرار إلى الحاكم كوجهة أحادية ومنفردة للخلاص.
إن طريق الخلاص يبدأ من فصل الأفكار والقيم عن الأشخاص وعدم تحويل ميراثهم وممارساتهم واجتهاداتهم إلى عقيدة سياسية ونموذج لابد أن نحتذيه حذو النعل للنعل ونسير عليه" خطوة بخطوة أو شبرا بشبر وذراعا بذراع "وخصوصا أن الشعوب ما زالت والى اليوم تدفع ثمنا باهظا لامتناع هذه الرموز والزعماء-بالذات- عن إفساح المجال أمام التداول الديمقراطي والسلمي للسلطة والافراط في سياسة قمع جميع أشكال المعارضة بانتظام واغراق وملئ السجون بسجناء الضمير والفكر الآخر ومصادرة الحريات وتقويض حقوق المواطنة .
أن تأليه الحاكم لم يكن بالتأكيد اختراعاً عربياً.ويجب ان نقر بأنه ليس مقتصراً على شعوب المنطقة..ولكن الاستمرارية الشديدة والمتقادمة والمقاومة لأي محاولة للفطام من هذه الطقوسية المؤسطرة للحاكم في الثقافة العربية ,رغم تقلص مساحات المجتمعات التي تمارس هذه الصوفية السياسية,حولت هذه الشخصانية المفرطة الى اشتراط حتمي لمستلزمات الحكم في النظام العربي وتحويلها إلى أسلوب عبادة مستمرة ودائمة لزعيم خالد عصي على التغيير على النمط البابوي,مع مراعاة الفارق الوحيد أن قداسة البابا يأتي بدخان ابيض أما الزعيم الثوري فيأتينا عادة في يوم اسود.





#جمال_الهنداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جامعة الدول العربية العاقلة
- قمة الوجاهة العربية
- هدايا عيد متميزة لايران
- دفاعاًعن الحوار...دفاعاً عن التمدن
- صدام حسين والبشير...وليل السودان الطويل
- علمانية الصحابة..سقيفة بني ساعدة نموذجاً
- الديكتاتورية العلمانية..حرية الرأي من فولتير الى المنسي القا ...
- فقه النكوص...الخطر على مستقبل الاسلام كحضارة وتأثير
- انه الاقتصاد..يا لغبائنا
- فقه الطغيان.. تداخل التاريخي بالمقدس
- لك الله يا غزة..
- فقه الانحراف..شرعنة النخاسة
- الوصاية الاعلامية ...قضية الحذاء
- العراق الخليجي
- الاخلاق والتكنو لوجيا
- قطر ..بين التجنيس وعشق القرضاوي
- اعمار الانسان يجب ان يسبق اعمار البنى التحتية
- ما احوجنا الى ارساء ثقافة التعايش؟
- الرئيس الامريكي المثالي
- هنيئاً لكم اوباما


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جمال الهنداوي - الصنمية السياسية ..ما بين الدخان الأبيض واليوم الأسود