أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - بعد أن تحول العراق من »وطن« إلي »كعكة« سباق دولي وعربي محموم علي قطعة من اللحم الحي لبلاد الرافدين















المزيد.....



بعد أن تحول العراق من »وطن« إلي »كعكة« سباق دولي وعربي محموم علي قطعة من اللحم الحي لبلاد الرافدين


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 789 - 2004 / 3 / 30 - 08:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مثلما حدث في فترة »حمي البحث عن الذهب« في أمريكا، حيث هرول الكثيرون متدافعين بالمناكب للحصول - بالمال أو بالذراع - علي موطئ قدم ربما تمتد تحته عروق هذا المعدن الذي يسيل له لعاب الكثيرين، تكالب المستثمرون ورجال الأعمال من كل حدب وصوب علي فندق »فنيسيا انتركونتننتال« بالعاصمة اللبنانية بيروت في الفترة من 17 إلي 19 مارس الجاري للمشاركة في »ملتقي إعمار العراق«، بعد أن تحولت بلاد الرافدين من »وطن« إلي »كعكة« يتلمظ الكثيرون لالتهام اكبر قطعة ممكنة منها.
الفارق الوحيد أن معظم الباحثين عن الذهب الأمريكي كانوا من المغامرين والأفاقين وقطاع الطرق الذين يمتطون جياد البحث عن الثراء السريع، بينما معظم المتقاطرين علي الفندق البيروتي الأنيق بحثا عن فرصة في قافلة إعادة إعمار العراق من كبار المستثمرين ورجال الأعمال وأصحاب الملايين والأسماء الرنانة الذين جاءوا بالطائرات الخاصة وأفخم انواع السيارات الفارهة.
ففي أضخم مؤتمر تشهده بيروت منذ انتهاء الحرب في لبنان، وفي أكبر مظاهرة اقتصادية عراقية - عربية - دولية خارج العراق افتتح رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ملتقي العراق الاقتصادي، بحضور 1500 مشارك من 30 بلدا عربيا واجنبيا يتقدمهم عدد من الوزراء العراقيين واللبنانيين والعرب وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين في لبنان.
وقد غصت قاعة الملتقي - علي رحابتها - بالحضور الذي كان معظمه من قيادات الأعمال في مختلف القطاعات الاقتصادية.. وحضر جلسة الافتتاح وزير قطاع الأعمال المصري الدكتور مختار خطاب ووزير الاقتصاد والتجارة السوري الدكتور غسان الرفاعي، ووزير التجارة الجزائري نور الدين بوكروح، والوزراء اللبنانيون مروان حمادة »الاقتصاد والتجارة« وفؤاد السنيورة »المالية« والدكتور علي عبد الله »السياحة« وعلي حسن خليل »الزراعة«.
أما الجانب العراقي فقد ضم من »الرسميين« عضو مجلس الحكم نصير الجادرجي والوزراء مهدي الحافظ »التخطيط« وكامل الكيلاني »المالية« وأيهم السامرائي »الكهرباء« وعبد الأمير العبود »الزراعة« وسنان الشبيبي »حاكم البنك المركزي« وحيدر العبادي »الاتصالات« وقادة الغرف التجارية والصناعية واتحاد المستثمرين العراقيين وجمعيات رجال الأعمال والمقاولين والمصرفيين العراقيين.
كما حضر أيضا سفراء كل من مصر والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والمكسيك وتركيا وأوكرانيا والجزائر والأردن وتونس والسودان وعمان.
وحضر جلسة الافتتاح كذلك الدكتور نبيل خوري، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، وهو أمريكي من أصل لبناني، وقد حرص في كلمته الموجزة - التي شبه فيها التحولات الجارية في العراق بالحرب الأهلية الأمريكية والثورة الفرنسية! - حرص علي توبيخ من تحدثوا قبله عن »سلطة الاحتلال« الأمريكية في العراق، قائلا إن الاسم الصحيح - من وجهة نظره طبعا - هو »سلطة التحالف«!

ورشة بناء
وقد استهل الملتقي رؤوف ابو زكي، مدير عام »مجموعة الاقتصاد والاعمال« التي نظمت هذا المؤتمر الحاشد بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتجارة في لبنان، ومصرف لبنان، والبنك المركزي العراقي واتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان، واتحاد المصارف العربية ومؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي »IFC«.
وقال رؤوف ابو زكي إن »مجموعة الاقتصاد والأعمال« أولت اهتماما كبيرا بحركة إعادة إعمار العراق، فعقدت ندوتين في عمان من قبل، وبعد ملتقي بيروت ستتابع الاهتمام ذاته في إطار الملتقي الاقتصادي العربي الألماني في برلين وفي إطار المؤتمر العاشر للاستثمار وأسواق رأس المال العربية.
أما سبب هذا الاهتمام الاستثنائي فهو أن العراق »مقبل علي ورشة إعادة بناء وإعمار شاملة تشكل بداية لمرحلة جديدة.. ومن خلال ورشة الاعمار الشاملة هذه توجه فرص أعمال واستثمار كثيرة وعديدة أمام الجميع ولو بنسب متفاوتة.. ولدي دول الجوار ميزات نسبية في التعامل مع العراق لابد من الإفادة منها لتفعيل حركة التبادل والتعاون والاستثمار.
ثم تحدث الدكتور جوزيف طربية رئيس جمعية مصارف لبنان ورئيس اتحاد المصارف العربية مؤكدا أن الموضوع العراقي بقضاياه المتشعبة »قد طغي علي معظم الأحداث في المنطقة وخارجها، وقد يمر وقت طويل قبل أن يتزحزح من موقع الصدارة في الاهتمام الذي يحوزه إقليميا ودوليا«.
وفسر طربية هذا الثقل الاستثنائي للملف العراقي بأنه »يعود بالدرجة الأولي إلي مركز الثقل الجيو استراتيجي الذي يمثله العراق، وكذلك إلي ثرواته الظاهرة والكامنة المؤثرة في حركة الاقتصاد العالمي، بحيث إن كل تطور أو تغيير يشهده هذا البلد سيكون مؤثرا بطبيعته وبنتائجه في المنطقة أو في العالم وغالبا فيهما معا«.
وفي هذا السياق يندرج موضوع إعادة بناء وإعمار العراق - من وجهة نظر الدكتور طربية - »كأحد أهم الركائز لإعادة بناء الدولة وهو محط أنظار ومتابعة علي الصعيدين الاقليمي والدولي، سواء علي مستوي الحكومات أو علي مستوي القطاعات والمستثمرين افرادا ومؤسسات«.
وقدر احتياجات إعادة إعمار العراق خلال السنوات الخمس المقبلة بمبلغ يتراوح بين 70 و100 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق بكثير »التقديمات الخارجية«.. وهو ما يبرز دور القطاع المصرفي »كواحد من أهم القطاعات التي يفترض أن تدير جزءا مهما من مرحلة إعادة البناء والإعمار« موضحا أنه إذا كان تطوير النظام المصرفي العراقي هو المدخل الفعلي إلي تحقيق النمو الاقتصادي في العراق فإنه »يجب أن لا ننسي أن مصارف العراق تواجه تحديات كل منها يتطلب جهودا متواصلة للتغلب عليها: أولها التحدي التكنولوجي الذي سيشكل تحديا دائما في ظل المنافسة التي ستقوم في القريب العاجل مع المصارف العربية والدولية القادمة إلي العراق، وثانيها التحدي الاقتصادي نتيجة الأوضاع الاقتصادية السائدة، وثالثها تحدي الرسملة والتمويل بسبب ضعف قاعدة الأموال الخاصة للمصارف حاليا وعزلتها الطويلة عن الأسواق الدولية، ورابعها التحدي الإداري حيث تلعب التقنيات الإدارية وكفاءة الموارد البشرية وحسن إداراتها عنصرا أساسيا لنجاح العمل المصرفي«.
وأكد طربية باسم اتحاد المصارف العربية أن العراق يحظي بأولوية في خطط الاتحاد للنهوض بمسيرة العمل المصرفي والمالي، قائلا إن أعضاء الاتحاد الذين يربو عددهم علي 300 مؤسسة مصرفية ومالية سيكون لبعضهم إسهامات موازية خاصة أن تطوير النظام المصرفي العراقي هو المدخل إلي تحقيق النمو الاقتصادي العراقي.

التجربة اللبنانية
ولم يفوت الدكتور طربية فرصة الملتقي للإشادة والتباهي بـ »التجربة اللبنانية« التي تمثل - في رأيه - »مثالا مذهلا لما يمكن أن يفعله القطاع المصرفي علي هذا الصعيد«. وأضاف أن »مصارف لبنان شكلت علي مدي السنوات الماضية قاطرة النمو الاقتصادي. فبعد حرب دامت 15 عاما وكانت في كثير من ظروفها مشابهة أو أسوأ من الظروف التي مر بها العراق في الأمس واليوم سواء من حيث تدمير البنية التحتية والأسواق التجارية وإدارة الخدمات العامة وانهيار المؤسسات الدستورية وفي ظل تحديات لا توصف، أعاد القطاع المصرفي اللبناني تحديث نفسه، في ظل سلطة نقدية كفء، فأدخل أحدث التقنيات المصرفية إلي أعماله، وكان المدير والممول والمساهم والمستشار في أنشطة رئيسية للصناعة والتجارة والزراعة والخدمات، كما نجح من خلال التمويل المباشر وعقد اتفاقات لخطوط تمويل مع مؤسسات عربية ودولية من توسيع إمكاناته وتعزيز خطوط التعامل المالي مع لبنان«.
وفي سياق هذه التزكية المشروعة لمصارف بلاده قال طربية إن »القطاع المصرفي اللبناني حقق نتائج باهرة، حيث تشيرا الإحصاءات للفترة من 1992 إلي 2003 إلي أن مجموع موجودات القطاع المصرفي ارتفع من 8.5 مليار دولار عام 1992 إلي حوالي 60 مليار دولار عام 2003، حيث أصبح حجم تلك الموجودات يفوق ثلاثة أضعاف الناتج المحلي، وهي نسبة فريدة من نوعها في المنطقة ويندر وجودها في العالم. كما قارب معدل الملاءة الوسطي للقطاع المصرفي 20% علما بأن المعدل المطلوب عملا باتفاقية بازل 8% كما بلغ معدل السيولة حوالي 40% وهو معدل مرتفع وفقا للمعايير الدولية. كما بقي القطاع المصرفي الممول الرئيسي للاقتصاد اللبناني بقطاعيه الخاص والعام، ففي نهاية 2003 بلغ مجموع التسليفات للقطاع الخاص المقيم 14.9 مليار دولار، فيما بلغ اجمالي التسليفات للقطاع العام 13.9 مليار دولار«.
وبعد »تسويق« النموذج اللبناني اختتم رئيس جمعية مصارف لبنان ورئيس اتحاد المصارف العربية كلمته »الافتتاحية« باستنتاج مفاده أنه »بين ما جري في العراق من حروب وتداعيات، وما يشهده لبنان من عودة قوية إلي دائرة الضوء وعودة بيروت كمركز مالي متقدم في المنطقة ثمة دروس مستفادة يفهمها اللبنانيون جيدا بفعل ما عانوه في الربع الأخير من القرن الماضي من حروب عسكرية ومن حروب لإعادة الإعمار«.
وبنفس »الشطارة« اللبنانية أمسك عدنان القصار رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان بالخيط نفسه قائلا للوفد العراقي »لقد عشنا معكم معاناة الشعب العراقي وعذاباته أيام الحصار وعشتم معنا أيام معاناة الشعب اللبناني وعذاباته أيام الحرب، وكنا ومازلنا معا في السراء والضراء، وإننا نتطلع معكم بتفاؤل إلي اليوم الذي يستعيد فيه العراق وشعب العراق سيادته وعافيته ودوره الكامل ويعود إلي احتلال موقعه بين أشقائه العرب وأصدقائه الاجانب، ويعود الاقتصاد العراقي تبعا لذلك إلي قوته وازدهاره، فالعراق قبل أن تنهكه الحروب المتتابعة كان أول بلد عربي اعتمد التصنيع وقامت فيه صناعة.. وبوجود عراق قوي الان قوة للبنان وقوة للعرب.
هذا علي صعيد المحبة والعاطفة، أما علي صعيد التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري فقد كانت السوق العراقية هي السوق الأولي بالنسبة للصادرات اللبنانية.
وانهي كلمته الموجزة بالقول بأننا »في العالم العربي لا تنقصنا الأفكار، ولا تنقصنا الموارد والطاقات، ولا تنقصنا الإرادات الصادقة »!!« فماذا ننتظر حتي نضع هذه الافكار، وهذه الموارد والطاقات، وهذه الارادات في سياق يخدم القضية العربية الشاملة.. وماذا ننتظر حتي يكون المال العربي وتكون الموارد العربية في خدمة التنمية العربية. لقد آن الأوان لنتصارح فيما بيننا ولنعلن للجميع أن رجال الأعمال العرب كانوا قبل السياسة وقبل اختلاف الأنظمة أول من أكد إيمانه بالتضامن العربي، بالتعاون العربي وبالمصير المشترك.. والقطاع الخاص العربي هو أول من نادي وطرح فكرة إقامة السوق العربية المشتركة.. لذا من المهم أن نري حكومات بلداننا العربية تدرك هذا الواقع وتعمل علي ترسيخ عناصر الجذب في مناخات الاستثمار وانفتاح اسواقنا العربية بعضها علي البعض الاخر وتشجيع العمل الاقتصادي العربي المشترك.
وياليت القادة العرب الذين سيجتمعون في تونس بعد ساعات يستمعون إلي هذه النصائح!

ثلاثية التحديات
وبعد كلمة مقتضبة من روجر جواردا الممثل المقيم للأمين العام للأمم المتحدة في العراق تحدث الدكتور مهدي الحافظ وزير التخطيط والتعاون الانمائي ورئيس الهيئة الاستراتيجية لإعادة الإعمار في العراق مشيرا إلي أن العراق يواجه اليوم ثلاثة تحديات كبري:
^التحدي الأول هو إنهاء الاحتلال الاجنبي واستعادة السيادة الوطنية وتطبيع الوضع العام في البلاد واسترداد موقع العراق وعلاقاته الدولية كبلد حر وعضو طبيعي في الأسرة العربية والدولية.
^التحدي الثاني هو إعادة بناء الدولة العراقية كدولة عصرية حديثة بما يتطلبه ذلك من اصلاح الهياكل التنظيمية للدولة واستحداث قوانين وتشريعات جديدة في جميع مناحي أداء الدولة السياسية والتشريعية والقضائية فضلا عن الأوجه المختلفة لتنظيم الحياة الاقتصادية.
^التحدي الثالث هو إعادة الإعمار وتصفية اثار الدمار التي حلت بالهياكل الاقتصادية والبني التحتية وأوقفت عجلة التنمية  والتقدم والناجمة عن سنوات الحرب والحصار الدولي.
وأشاد مهدي الحافظ بالنتائج التي أسفرت عنها المشاورات مع المنظمات الدولية والدول المانحة وأهمها تأسيس صندوقين دوليين للمساهمة في إعمار العراق.
أما عضو مجلس الحكم العراقي نصير كامل الجادرجي ورغم إشارته إلي القوانين التي اصدرها مجلس الحكم لتنظيم الشئون الاقتصادية علي ضوء »معطيات حضارية علمية في الانفتاح الفكري والاقتصادي بعد أن ظل العراق منغلقا لأكثر من أربعة عقود« - علي حد قوله - فإنه اعترف بأن الأوضاع غير مستقرة في العراق بعد وبرر ذلك بأن »عدم الاستقرار.. هو أمر متوقع من جراء التغيرات الجوهرية والانتقال المفاجيء من مرحلة الدكتاتورية إلي الحرية الواسعة، وعدم التزام القوات المحتلة بتنفيذ واجباتها لحفظ الأمن وفقا للمعاهدات الدولية. وتعهد بالعمل علي »عودة الأمن والاستقرار بأسرع ما يمكن«..

خبرة بيروت
وكانت الكلمة الختامية للجلسة الافتتاحية بطبيعة الحال لرئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري الذي واصل الإمساك بنفس الخيط الذي مده سابقوه من الكوادر اللبنانية. فشدد علي »ان انعقاد هذا المؤتمر في بيروت وبتنظيم قامت به مجموعة الاقتصاد والاعمال اللبنانية إنما يعبر عن روح المبادرة التي طالما اتصف بها اللبنانيون ويعزز الدور الذي قام به لبنان عبر التاريخ، حيث كان دائما موئل اجتماع العرب، وصلة الوصل بينهم وبين الغرب كما كان علي الدوام الحاضن للمبادرات التعاونية بين اخوانه العرب والمحفز علي التواصل والتعاون لمافيه خير الوطن العربي كله.
وأكد الحريري علي أن »خبرة لبنان الفريدة والناجحة في مجال إعادة الإعمار والإنماء تؤهله للعب الدور الذي تمليه عليه أواصر العلاقة القومية والأخوية التي تربطه بالعراق«.
ولم ينس الحريري »التذكير - في هذا السياق - بالدور المتنامي الذي يقوم به القطاع الخاص في لبنان، مما يؤهله أن يساهم أيضا في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام في العراق.. حيث له الباع الطويل في العمل فيه والتعاون مع قطاعيه العام والخاص، مستفيدا من علاقاته التاريخية مع القطاع الخاص العراقي والثقة المتبادلة بينهما«.
باختصار.. كان افتتاح المؤتمر الحاشد والمزدحم بأهم رجال الأعمال والاقتصاد اللبنانيين والعرب مظاهرة لتسويق الخبرة اللبنانية، ونموذجا »لشطارة« اخواننا اللبنانيين وقدراتهم الفائقة في هذا المجال.

مفاجأة سعودية
وتلت جلسة الافتتاح جلسات عن مهام وتحديات إعادة الإعمار في العراق تحدث فيها مهدي الحافظ ووزير المالية العراقي كامل الكيلاني وروجر جواردا الممثل المقيم للأمم المتحدة في العراق نيابة عن روس ماحرنتين الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، ونبيل خوري المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية وفارس حداد رئيس بعثة العراق بالبنك الدولي وإلياس سمعان مدير تنمية الإعمال بشركة بكتل السعودية.
كما ترأس الدكتور غسان الرفاعي وزير الاقتصاد والتجارة السوري جلسة عن التجارة مع العراق تحدث فيها الدكتور مختار خطاب عن برنامج الخصخصة في مصر، والامكانيات التي تستطيع أن تسهم بها مصر في إعادة إعمار العراق، وبالذات في مجال التدريب.
وتحدث في نفس الجلسة كل من كمال البصري مستشار وزير التجارة العراقي، ونور الدين بوكروح وزير التجارة الجزائري، وشريف أركومنت اكسوي رئيس مجلس الأعمال التركي - العراقي، والدكتور عبد الرحمن الزامل رئيس مجلس إدارة مركز تنمية الصادرات السعودية.
وكانت كلمة الزامل مثيرة ومفاجئة للكثيرين. فقد تساءل: ماذا يجب أن يعمل العراق لكي يشجع الاستثمار ويشجع القطاع الخاص؟ وفي الاجابة علي هذا السؤال المهم قال: »قد يستغرب البعض من زملائي المستثمرين والتجار والصناع الموقف الذي سأطرحه.. فالعراق في مرحلة اقتصادية استثنائية وانتقالية ولابد من استثنائه مما يطلب اليوم من جميع الدول العربية من دعوة للانفتاح«.
وبعد أن ناشد الحاضرين قائلا »أرجو ألا تزعلوا مني.. لأن أكثركم مصدرون.. وكل يريد جزءا من الكعكة وهذا حقكم«.. قال مسوغاته:
أولا: يجب علي الحكومة العراقية وضع حاجز جمركي بما لا يقل عن 20% للسنوات العشر القادمة.. لتشجيع المستثمرين للانتقال للعراق..
وأضاف: أن تجربة السعودية مع صناعة السيارات اقنعتني بأن أقدم هذا الاقتراح.. المملكة تستورد حوالي 200 ألف سيارة سنويا بمبلغ 12 مليار ريال تقريبا ولا يوجد مركز تجميع لسيارات يابانية أو غيرها.. وعندما سألنا اليابانيين والأمريكيين: قالوا: ضعوا 25% جمارك وسنأتي، وإلا فبواخرنا كبيرة وتحمل الاف السيارات في كل مرحلة وتكلفة نقل السيارة 500 ريال فلماذا التعب.. وهذا ما حصل.. والعراق سيمر بنفس التجربة في كل المنتجات فكيف يستطيع المنتج العراقي المنافسة.
إن الصناعة هي إحد الحلول الرئيسية للبطالة.. فابدونها لن تحل مشكلة البطالة وإنني علي يقين أن هناك مالا يقل عن 100 مستثمر سعودي ناجح في بلده ومصدر للعراق ولغيره مستعدون لتوسعة استثماراتهم واستخدام خبراتهم وتقنياتهم والاستثمار في العراق في حالة تطبيق هذا الشرط والشروط التالية.
ثانيا.. يجب علي حكومة العراق أن تصدر نظاما واضحا وإلزاميا لجميع أجهزة الدولة بإعطاء الأولوية لشراء المنتجات المحلية في كل مشروعات الدولة.
ثالثا - انشاء صناديق تنمية صناعية، وتنمية زراعية، وتنمية عقارية.. كل برأسمال لا يقل عن مليار دولار..
وبهذا الصدد قال الدكتور الزامل: »عندما بدأنا برامج التنمية في السعودية عام 1970 كان لا يوجد لدينا قطاع خاص وكلنا فقراء ونادرا ما تجد رجل أعمال كبيرا.. لذا قررت الحكومة أن أفضل أسلوب في نقل وتوزيع الثروة هو من خلال إنشاء هذه الصناديق.. فالصندوق الصناعي السعودي يمول أي مشروع صناعي جاد بنسبة 50% من رأس مال المستثمر ويشجع البنك التجاري بتمويل 25% من رأس المال والمستثمر يقدم 25% من رأس المال المستثمر.. وكانت النتيجة أن قد قام هذا الصندوق بتمويل حوالي: 200 مصنع و1800 توسعة لمصانع بحوالي 40 مليار ريال خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية.. هذا مع العلم بأن رأسماله كان 5 مليارات ريال وأصبح الان 11 مليار ريال نتيجة لاستثمار أمواله وما يتحصل عليه نتيجة الخدمات التي يقدمها.. أي أن الحكومة شجعت الصناعة وربحت أموالا.
.. وقناعتي أنه بوجود هذا الصندوق في العراق ستكون الطفرة الصناعية أسرع وتيرة في العراق مما هو عليه في السعودية وما نفذناه في 25 سنة في السعودية سينفذه العراق في عشر سنوات.
كما أن ما تقدمه الدول الكبري كإعانة للقطاع الزراعي لا يخفي علي احد. فأوروبا تقدم حوالي 40 مليار يورو وأمريكا حوالي 40 مليار دولار.. وسيقولون لكم تفادوا الدعم.. ونصيحتي للعراق ألا يستمعوا لهذا الكلام إلا بعد عشر سنوات من الاَن.. ولعلي أقرأ لكم ما يقوله الدكتور جوزيف ستجلتيز الحاصل علي جائز نوبل في الاقتصاد، وأستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا ورئيس مجلس المستشارين في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون ونائب رئيس البنك الدولي سابقا.. اسمعوه يقول: »بوصفي أحد الذين شاركوا في صنع السياسة الاقتصادية في الولايات المتحدة، أشعر بصدمة دائما للتباعد بين السياسات التي تعمل أمريكا علي حمل الدول النامية علي تطبيقها وتلك التي تجري ممارستها في الولايات المتحدة نفسها، وهي سياسات لا تمارس في الولايات المتحدة وحدها، بل في معظم الدول النامية والدول المتقدمة الأخري«.
ثم يضيف موجها كلامه للدول النامية الناشئة: »لا تكابدوا من أجل خرافة اقتصاد السوق الحر غير الموجود أصلا.. لا تنساقوا وراء الإطراء الذي تلقاه المؤسسات الأمريكية الخاصة لأنها إضافة إلي انتهاكها قواعد السوق الحر تعتمد علي الحكومة الأمريكية في بلوغ أهدافها.. إن علي الاقتصادات النامية النظر بحذر لا إلي ما تقول أمريكا بل إلي ما فعلته عندما كانت قوة صناعية ناشئة، وما تفعله اليوم«.
هذا الكلام.. في هذا الزمان.. وفي ذلك الملتقي بالذات.. كان نغمة نشاز، ولولا أن قائله سعودي بارز، ورجل أعمال له وزنه لجري اتهامه بأنه »يساري متطرف« أو »شمولي مندس«.. وقد كان منطقه العام ضد المنطق »الانفتاحي« ـ بلا ضابط أو رابط ـ الذي تروج له المؤسسات الأمريكية وزعانفها العراقية.
وبعد هذه الجلسة الساخنة كانت هناك جلسات أقل وهجا عن إعادة تأهيل وبناء قطاع الكهرباء والفرص في قطاع الاتصالات والفرص في الصناعة والزراعة ومستقبل قطاع البترول، والقطاع المصرفي في العراق، ومتطلبات وفرص الاستثمار والأعمال في العراق.
وكل جلسة تستحق تغطية مستقلة ومفصلة.

البيان الختامي
وبعد هذه الجلسات الحافلة صدر بيان ختامي أكد علي جملة من الحقائق أبرزها:
1 ـ الاهتمام العربي الكبير بعملية إعادة إعمار وبناء العراق وبعودته إلي البيت العربي والأسرة الدولية ليلعب دوره الطبيعي الذي يعكس قدراته وإمكاناته وموارده الطبيعية والبشرية.. وقد تجلي ذلك بالمشاركة العربية الواسعة التي شملت معظم البلدان والقطاعات.
كما جري التعبير عن مساندة الشعب العراقي لاستعادة السيادة الوطنية في نهاية يونيو القادم الذي سيفتح اَفاقا واسعة للفعاليات الاقتصادية.
2 ـ الرغبة العراقية الواضحة في إقامة علاقات عمل وتعاون ومشاركة مع الفعاليات الاقتصادية في البلدان العربية.. وقد تمثل ذلك بالمشاركة العراقية الواسعة في الملتقي وباللقاءات الجانبية الكثيرة التي عقدت بين رجال الأعمال العراقيين والعرب وتناولت مجالات الأعمال المشتركة والممكنة التي تبين أنها كثيرة ومتنوعة.
3 ـ وشكل الملتقي إطارا مهما للتفاعل والحوار وتبادل المصالح والاَراء والخبرات، وأسفر عن نتائج عملية ستظهر تباعا تمخضت عنها اتفاقات أولية وعقود عمل وتعاون كبيرة في مجالات عدة.. كما تم علي هامش الملتقي توقيع عقد اتفاق بين وزارة الكهرباء العراقية وإحدي الشركات الفنلندية لبناء محطتي توليد بطاقة 680 ميجاواط.
4 ـ إلي ذلك شكل الملتقي فرصة مهمة للمشاركين من دول عربية وأجنبية للاطلاع علي حقيقة الأوضاع السائدة في العراق سياسيا وتشريعيا وإداريا، الأمر الذي وفر لهم صور واقعية عن حقيقة الأوضاع في العراق.
5 ـ انطلاقا من ذلك، ومن النجاح الذي حققه الملتقي، دعت القيادات العراقية المشاركة مجموعة الاقتصاد والأعمال إلي تنظيم ملتقي العراق الاقتصادي الثاني في بغداد في إطار متابعة الاهتمام الذ ي بدأته بالوضع العراقي منذ بضعة أشهر.. وقد أبدت المجموعة استعدادها لذلك عند توافر الظروف الموضوعية.. ونحن نأمل توافر ذلك في أقرب وقت ممكن.. لكن بانتظار ذلك فإن المجموعة ستتابع نشاطها حول العراق وتسليط الضوء علي التطورات السياسية والاقتصادية الجارية في مناسبات عديدة ستنظمها.. وستكون المحطة الأولي في هذا المجال في إطار المؤتمر العاشر للاستثمار وأسواق رأس المال العربية الذي سيعقد بين 24 و26 يونيو المقبل في بيروت وفي هذا المكان بالذات.. إذ سيتم تنظيم ندوة خاصة حول العراق تشارك فيها الفعاليات القيادية العراقية الحكومية الخاصة بما يساعد علي متابعة ما بدأناه في هذا الملتقي.

الاستخلاصات والنتائج:
ومن خلال الجلسة الافتتاحية وجلسات العمل وما تخللها من مداخلات ومناقشات، يمكن استخلاص النتائج والتوصيات الاَتية:
أولا: إن العراق بدأ فعلا ورشة إعادة الإعمار، التي تتم في مخاض عسير وظروف صعبة وفي ظل تصميم علي المضي قدما في توسيع مجالات إعادة الإعمار بما يساعد علي تعزيز الاستقرار السياسي والأمني ومعالجة العديد من المشكلات الاجتماعية.
ثانيا: إن القطاع الخاص العراقي قد بدأ يستعيد دوره الفاعل بعد تكبيل نشاطه طوال أكثر من ثلاثة عقود.. وهو ينهض من جديد ويسعي إلي إعادة هيكلة مؤسساته إداريا وتقنيا وماليا بحيث يكون له دور وحصة في عملية إعادة الإعمار الشاملة.
ثالثا: لاحظ الملتقي كذلك أن العراق قطع شوطا ملحوظا في مجال إصدار التشريعات والقوانين المتعلقة بإعادة تنظيم الاقتصاد والمصارف والاستثمار.. وكذلك إقامة الاَليات الضرورية للنهوض بإعادة الإعمار والمتمثلة بتأسيس الهيئة الاستراتيجية في العراق وكذلك الصناديق الدولية المعنية بذلك.. غير أن المؤتمرين لاحظوا أن هذه التشريعات لا تزال في حاجة إلي المزيد من التوضيح وإلي معالجة بعض الثغر لاسيما علي صعيد التطبيق.
رابعا: سجل الملتقي تقدما ملموسا لعملية إعادة الإعمار في مجالات الاتصالات والكهرباء ومشروعات البني التحتية الأساسية، فضلا عن التقدم الذي حققته وزارة المالية لاسيما من خلال موازنة العام ،2004 وكذلك التقدم الذي حققه البنك المركزي في إعادة تنظيم الجهاز المصرفي والنقدي.
أما بالنسبة إلي الاستخلاصات العائدة إلي القطاعات التي تناولها الملتقي فيمكن استخلاص الاَتي:
1 ـ بالنسبة للتجارة هناك فرص كبيرة نظرا إلي ما يتمتع به العراق من سوق استهلاكية ضخمة وتفتقد إلي الكثير من السلع.
2 ـ بالنسبة للكهرباء أن حاجة العراق من الطاقة الكهربائية تقدر بما بين 18 و20 ألف ميجاوات يتوافر منها حاليا نحو 5 اَلاف الأمر الذي يوفر الفرص الكبيرة للاستثمار.
3 ـ بالنسبة للاتصالات هناك حاجات كبيرة في البنية التحتية وتطوير شبكة الكابلات الضوئية والبدالات المحلية والشبكة السلكية الأرضية وشبكة المعلومات البيانية.
4 ـ بالنسبة لقطاعي الصناعة والزراعة تم طرح مجموعة من المشروعات وخطوط الإنتاج أمام القطاع الخاص من خلال نظام الايجارة الذي تراوح مدده تبعا لكل حالة علي حدة، وثمة فرص استثمار واسعة ومتنوعة في هذين المجالين.
5 ـ بالنسبة للقطاع المصرفي لاحظ الملتقي أن القطاع يستحوذ علي اهتمام واسع ويشهد تحولات أساسية بعد فتح السوق ما يرتبط متطلبات جديدة لاسيما لجهة رأس المال والتقنيات والتدريب والتأهيل.. كما تبين أن القطاع مقدم علي العديد من المشاركات والتحالفات وعلي دخول مصارف عربية وأجنبية.
وتجدر الإشارة إلي أنه تمت علي هامش ملتقي العراق الاقتصادي لقاءات عدة بين المسئولين اللبنانيين والمسئولين العراقيين تناولت البحث في عدد من القضايا العالقة فضلا عن تطوير التعاون بين البلدين.
كما تمت لقاءات بين الوزراء العراقيين ومسئولين رسميين من بلدان عربية أخري.
وأخيرا يمكن القول بأن الملتقي حقق الأهداف المرسومة له من خلال تأمين هذا التلاقي بين القيادات العراقية والعربية والدولية وشكل إطارا للتفاعل وتبادل المعلومات والمصالح وإعطاء صورة عن حقيقة الوضع الاقتصادي القائم في العراق وعن اَليات التعاطي بمختلف المجالات وعن التشريعات والإجراءات الجديدة  المعمول بها مع الأمل أن ينعقد الملتقي الثاني في بغداد وفي أقرب وقت ممكن.

مداخلة »العالم اليوم«
وفي الجلسة الختامية وبعد تلاوة البيان الختامي طرحت »العالم اليوم« السؤال التالي:
»لاحظنا أن البيان الختامي تجاهل عددا من الفجوات:
^فجوة بين الجو المعطر للمنتدي والمملوء بالوعود والأحلام الوردية وبين المناخ المشبع بالبارود في العراق.. الذي ازداد تفجرا بالذات فترة انعقاد المنتدي »لاحظ أن عملية تفجير فندق في العاصمة العراقية بغداد يحمل ـ بالمصادفة العجيبة ـ اسم »جبل لبنان« حدث يوم افتتاح الملتقي«.
^فجوة بين الخطاب الرسمي للمنصة وبين التساؤلات المتشككة للشركات والأفراد العراقيين الجالسين في القاعة »قال أكثر من مستثمر عراقي إن أرقام ممثل شركة بكتل والبنك الدولي غير صحيحة وأن القطاع الخاص العراقي ليس له دور يعتد به في إعادة الإعمار وأن 90% من المنشاَت الخاصة العراقية لا تعمل حاليا وأن كثيرا مما تبقي لا يحصل إلا علي الفتات حيث ضرب أحدهم مثالا بتوريد الوجبات الغذائية لقوات الاحتلال الأمريكية.. فالشركة الأمريكية التي اقتنصت هذا العطاء تحصل علي 15 دولارا للوجبة الواحدة، وقد أعطتها لشركة عراقية من الباطن مقابل دولارين للوجبة فقط«!
^فجوة حتي بين خطابين رسميين للمسئولين العراقيين.. فبينما اعترف مهدي الحافظ مثلا بأن هناك ازدواجية في السلطة وما اسماه تقاسم للصلاحيات وبأن هناك مجالات ليس للطرف العراقي أي دور فيها.. وأن مجلس الحكم بالتالي ليس ممسكا بكل الأوراق، أصر مسئولون اَخرون علي أن كل الأمور تماما!
^فجوة بين الوعود الدولية والاقليمية والمحلية وبين الإنجاز علي أرض الواقع الملبد بعدم اليقين.
^وأخيرا وليس اَخرا فجوة بين مفهوم »الإعمار« وبين واقع »الاستعمار« فمتي وأين كان هناك ازدهار اقتصادي وبناء تنموي في ظل وجود قوات احتلال أجنبية، وكيف يمكن توقع أي تنمية في غيبة أهم شروطها وهي الأمن والاستقرار؟!

الحافظ.. يرد
انتهي سؤال »العالم اليوم« وران صمت مطبق علي القاعة الفسيحة في فندق فينيسيا لثوان ثقيلة.. قطعه الدكتور مهدي الحافظ بقوله:
»الوفد العراقي يضم تيارات مختلفة.. وإذا كان أحد الزملاء قد عرض رأيا مختلفا فهذا ممكن في ظل وضع استثنائي تمر به البلاد.. وقد أكدت من اليوم الأول أن العراق بلد محتل، وأن السلطة مزدوجة.. وهناك أمور يمكن أن نختلف عليها.. ولكن الأمر الذي يجب أن نتفق عليه أن خيارنا الوطني هو استعادة السيادة ونقل السلطة في إطار جدول زمني محدد.. وقد جرت الموافقة علي قانون إدارة الدولة وهذا إنجاز كبير.. كما جرت الموافقة مؤخرا علي أن تكون الأمم المتحدة شريكا مباشرا وهذه خطوة كبيرة جدا لم يكن ممكنا الاتفاق عليها من قبل وكان الأمريكيون يرفضونها رفضا قاطعا.
وهذا يعني أن الوضع الدولي والاقليمي يسير لصالح الاستراتيجية العراقية.. وإذا كانت هناك دول اختلفت في السابق مع أمريكا حول شن الحرب علي العراق فإنها جميعا توافق علي استعادة العراق لسيادته.. وقد اتفق العرب لأول مرة علي تطبيق هذه الخطة بأسرع وقت.
وبالتالي فإن ما نحن بصدده ليس »فجوات« وإنما »وضع استثنائي« موجود في البلد يتطور ضمن استراتيجية وطنية معروفة«.
وشاء الدكتور حيدر العبادي وزير الاتصالات العراقي أن يرد علي سؤال »العالم اليوم« ويضيف إلي تعقيب الدكتور مهدي الحافظ فقال إن هناك تنوعا في العراق حاليا وأن السلطة بها ائتلاف سياسي وبالتالي فإنه من الممكن أن توجد مواقف متباينة.. وقد لاحظتم أن مجلس الحكم به أعضاء اعترضوا علي الدستور المؤقت.. وفي الوضع الحالي لا يخمد الرأي المخالف.
أما بالنسبة لنقل السيادة للعراقيين.. فإنه يجدر القول بأن الإدارة الأمريكية في مأزق حقيقي بسبب الوضع غير المستقر لها في العراق.. وقد ثبت لها أن العراقيين لا يريدون استبدال نظام دكتاتوري باحتلال أجنبي.. وقد قررنا »التعامل« مع الاحتلال وليس »التعاون معه«..
وأضاف الدكتور العبادي قائلا: إن السلطة سيتم نقلها إلي العراقيين في أول يوليو المقبل.. لكن هذا سيكون انتقالا من الناحية القانونية فقط ولا يعني جلاء القوات الأمريكية فوجود القوات الأمريكية مرتبط بموضوع الأمن.
ومع ذلك فإن العملية العراقية تسير إلي الأفضل.. وقد قررنا أن نسير إلي الأمام في عملية البناء وألا ننحرف عن مسيرتنا بسبب العنف الذي يظهر بين الحين والاَخر »الذي أسماه العبادي بالعمليات المؤسفة والإجرامية« وسنثبت أننا قادرون علي الإصلاح السياسي والاقتصادي.

اتحاد المستثمرين
وكان الرد علي سؤال »العالم اليوم« هو الكلمة الختامية للمؤتمر.. بيد أن إسدال الستار علي المؤتمر كان بمثابة بوابة لفتح حوار متجدد مع رجال الأعمال العراقيين الذين قال كثير منهم إن السؤال الذي طرحته »العالم اليوم« جاء تعبيرا عن بعض هواجسهم.. وبالمقابل كان من الأهمية بمكان استطلاع رأي هؤلاء الذين »أيديهم في النار« غير الجالسين علي كراسي السلطة.
توجهنا بالسؤال إلي أمين عام مجلس شيوخ العراق ورئيس اتحاد المستثمرين العراقيين رعد عودة الحمداني وكان سبب اختيارنا له هو أنه يجمع بين الصفتين صفة رجل الأعمال وصفة رجل السياسة.
سألته: بماذا تفسر ـ يا سيد حمداني ـ الاضطراب الأمني في بغداد بالتزامن تحديدا مع انعقاد ملتقي العراق الاقتصادي في بيروت؟ وهل هذا الاضطراب المتصاعد رسالة إلي أحد؟
أجاب: يجب أن يعرف العالم أجمع أن شعب العراق شعب مسالم أَبي يحترم تقاليده الوطنية والدينية، وأن العراقي لن يقتل العراقي بالتالي.. فالعراقيون يريدون العيش بأمان بعد أن عانوا من الويلات طويلا.. حيث فقدوا الأب والابن من جراء الحروب المتعاقبة.. وكأن ذلك لم يكن يكفيهم حيث أصبحوا اليوم يقاسون أيضا من ويلات الاحتلال.
ليس هذا فقط.. بل إن الاحتلال جعل العراق كذلك ساحة مفتوحة مستباحة من الجميع.. وأولي مسئوليات الاحتلال بحكم القوانين الدولية هي المحافظة علي الأمن.. لكن القوات الأمريكية تقاعست عن القيام بهذه المسئولية.
سألنا: بصفتك رئيسا لمجلس الشيوخ العراقي.. هل تري دورا لهذا المجلس في الحفاظ علي الأمن إذا ما تم تكليفه بذلك؟
أجاب: أوضحت الأمانة العامة للمجلس منذ تأسيسه أن شيوخ العراق مارسوا هذا الدور بعد سقوط البلاد في براثن الاحتلال خاصة بعد 9 ابريل الماضي.. واستطاعوا أن يحافظوا علي الأمن في مناطقهم علي الرغم من غياب السلطة وانعدام الأمن بسبب عدم وجود شرطة أو أي جهة قانونية.
لكن هذا الدور أصبح مستحيلا بسبب سياسة المداهمات التي تشنها قوات الاحتلال وقيامها بتجريد المواطنين من السلاح.
ونحن مستعدون للقيام بحفظ الأمن إذا ما تم إسناد هذا الدور لنا تحت مظلة العراق الموحد.. وقد تفاوضنا بالفعل مع قوات الاحتلال وقلنا لهم إننا لسنا عملاء لكم.
قلت: عرفت أن قوات الاحتلال الأمريكية اعتقلتك برغم أنك تشغل منصب أمين عام مجلس شيوخ العراق، وأن هذا الاعتقال تسبب في بتر ساقك.. ما صحة ذلك؟
نعم.. تم احتجازي في سجون الاحتلال لمدة 98 يوما في ظل أسوأ ظروف يمكن أن تتخيلها.. وصدقني أن هذا الاعتقال لم يسبب لي ألما نفسيا لأنني أعرف أنهم قوات احتلال، وأن احتجازي وسام شرف علي صدري.. لكن المؤلم حقا هو أن اعتقالي كان مثالا لمصادرة حريات الناس بناء علي وشايات جواسيس ضعاف النفوس يعتبرهم الأمريكيون مستشارين لهم.. سيلعنهم التاريخ.
سألت: هل تصف لنا ظروف الاعتقال وطبيعة المعاملة التي لقيتها علي يد قوات الاحتلال؟
أجاب: ذهبت إلي الاعتقال ماشيا علي قدمي وخرجت معوقا بعد بتر ساقي.. والسجن لا يحتاج إلي وصف وحسبنا الله علي من كان السبب.
سألت: لاحظت في مؤتمر بيروت عددا من المنظمات والاتحادات التي يزعم كل منها أنه يتحدث باسم رجال الأعمال.. هل يتقاطع عمل اتحاد المستثمرين العراقيين الذي ترأسه مع هذه المنظمات؟
أجاب: كلا.. نحن نؤمن بأن التكتلات المهنية المتعددة ظاهرة صحية بشرط أن تعمل هذه المنظمات لصالح الشعب العراقي، وليس لدينا أي تقاطع مع أي منها، بل نحن نمد أيدينا نحو كل من يعمل لبناء العراق الجديد.
سألت: كثيرة هي المؤتمرات التي تعقد تحت شعار إعمار العراق وبنائه بيد أن ما نشاهده في الواقع هو المزيد من تردي الأوضاع في العراق.. هل ظهرت أي نتائج إيجابية لهذه المؤتمرات المتعددة التي عقدت في أكثر من عاصمة عربية وهل تحقق أ ي من الأهداف التي تحدثت عنها شعارات هذه المؤتمرات؟
أجاب: أنا أؤيد رأيكم في الحقيقة، وقد حضر اتحادنا أغلب هذه المؤتمرات ولم نجد أي نتائج ملموسة في الواقع أو أي ترجمة فعلية للكلام المعسول الذي يتردد بكثافة في البيانات الختامية لهذه المؤتمرات.. ورغم ذلك فإنني أري أنها مفيدة للتوجه الذي تدعو إليه هذه الملتقيات.
واستثني من ذلك المؤتمر الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان بضيافة المملكة وتحت رعاية عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية، وأسفر عن نتائج ملموسة منها رصد مبلغ 500 مليون دولار لدعم الشعب العراقي من البنك الإسلامي ومبالغ أخري من المؤسسات التمويلية العربية، كما حصلنا علي موافقة عمرو موسي والدكتور أحمد جويلي علي تأسيس شركة عربية قابضة لأجل إعمار العراق.
قلت: لكن.. هل لمستم تجاوبا فعليا من مستثمرين عرب لإقامة مشروعات استثمارية في العراق رغم الظروف الأمنية المتدهورة لديكم؟
قال: يسعي كل مستثمر إلي تحقيق الجدوي الاقتصادية لمشروعه بطبيعة الحال.. لكننا كعراقيين ملزمون بالمساهمة في بناء بلدنا وإعادة إعماره مهما كلف الثمن ورغم كل الظروف.. أما الأخوة العرب فقد وجدت لدي بعضهم الرغبة الصادقة في العمل بالعراق.. ونحن كاتحاد للمستثمرين العراقيين رحبنا بذلك وأكدنا لهم التزامنا بتوفير الأمن لهم.. ومن أجل تنفيذ هذا الالتزام بالفعل وليس بالقول فقط قررنا إنشاء شركة أمن يخصصها اتحاد المستثمرين العراقيين لتوفير الأمن للمستثمرين.
سألت: ما أهم المشروعات التي تدرسونها وكيف سيتم تنفيذها في ظل هذه الظروف وما رأيكم في المشروعات التي تم تنفيذها مثل شبكة التليفون المحمول؟
أجاب: نحن نعمل علي مشروعات خدمية كثيرة منها بناء مجمعات سكنية، وإعادة تأهيل الطرق والجسور، والقيام باستثمارات سياحية، وإنشاء مصرف عراقي، والمساهمة في إعادة تأهيل محطات الكهرباء، وبناء مستشفيات.. كما ندرس حاليا مشروعا عملاقا للنقل والاتصالات فضلا عن قطاع السكك الحديدية.
أما شبكات التليفون المحمول.. فأعتقد أنها لم تكن علي المستوي المطلوب.. ويشكو الكثيرون من سوء أدائها مما يستوجب إعادة النظر بها.

ولاية أمريكية!
وبين التفاوت الشديد بين الوعود البراقة التي انطلقت من منصة ملتقي العراق الاقتصادي والشكاوي المتشككة التي ترددت بين جنبات قاعة فندق فينيسيا.. توقفت أمام سؤال أحد المستثمرين العراقيين لوزير المال العراقي عن سبب تبعية الجمارك لوزارة الداخلية وليس لوزارته كما هو الحال في معظم أنحاء العالم.. فرد عليه الوزير بكلام كثير وتبريرات قد نتفق أو نختلف معها.. لكن عضو مجلس الحكم نصير الجادرجي لم يعجبه رد الوزير فأمسك بالميكروفون وقال معقبا: المسألة ببساطة أن الجمارك تتبع وزارة الداخلية في أمريكا.. ويبدو أنهم يعتبرون العراق مجرد ولاية أمريكية.
هل تعليق عضو مجلس الحكم.. يلخص الوضع.. والمؤتمر.. وكل شيء؟!
ربما...



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مفتوحة الى أصحاب الجلالة والفخامة والسموالبقية فى حيات ...
- بين -الدير- و-الشيخ- .. -ياسين- يدفع فاتورة الاستشهاد جرائم ...
- رئيس الحكومة صاحب المزاج العكر .. أول ضحايا لعنة العراق
- من لا يقـــدر على - بــوش- وزعــانفــــه فليقــــذف نــادر ف ...
- من لا يقـــدر على - بــوش- وزعــانفــــه فليقــــذف نــادر ف ...
- العربى مريض .. فمن يكون - بوش - : الطبيب أم الحانوتى ؟
- صاحبـــة الجــلالة تنهـض من تحـت الأنقــاض
- بمناسبة انعقاد المؤتمر العام الرابع للصحفيين مـصــــر تستـحـ ...
- حــرب - الكــاتشــب - و - النفــط - للفــوز بالبيت الأبيــض
- انتبهوا أيها السادة : تهويد التاريخ بالاحتيال بعد تهويد الجغ ...
- أمريكا فى مواجهة العالم
- صـحفـــى مصــــرى .. بــدرجــة شيـــخ قبيــلة فى العــــراق!
- ســـــنـة ســــوداء للصـحـــافـــة
- مضــاعفــات انتقــال المبـــادرة مـن - المـركـز - إلى -الهام ...
- الحجاب- الفرنسى .. و-النقاب- الأمريكى!
- رحلة طــائــر جميــل.. في غـابــة لا تعـتــرف إلا بالغــربان
- ثقافة الاحتفاء بالصغائر والتفريط فى الكبائر
- تراجيديا ثلاثية المثقف والسلطة والمال كاتب كبير .. مات ثلاث ...
- لماذا تسلل رئيس الدولة الأعظم إلى عاصمة الخلافة العباسية مثل ...
- لا تفكـــروا فى الـذهــاب الى لنـــدن .. يــوم الأربـعــاء !


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - بعد أن تحول العراق من »وطن« إلي »كعكة« سباق دولي وعربي محموم علي قطعة من اللحم الحي لبلاد الرافدين