أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - وديع العبيدي - التجسس الإلكتروني على الأفراد ذرائع غير مقنعة وغايات غير مكشوفة















المزيد.....


التجسس الإلكتروني على الأفراد ذرائع غير مقنعة وغايات غير مكشوفة


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2538 - 2009 / 1 / 26 - 06:40
المحور: حقوق الانسان
    


العبارة التي يوردها ميلان كونديرا في روايته (الهوية) على لسان بطلته الرئيسية : " هل تبين لك أنك حتى في بطن أمك ، الذي يقال عنه – مقدّس- لستَ آمناً. أنهم يصورونك، يتجسّسون عليك... لن تفلت منهم حيّاً، هذا أمر يعرفه كلُّ الناس، ولكنك لا تفلت منهم حتى قبل ولادتك، كما لن تفلت منهم بعد موتك!".. تتضمن دلالة كبيرة في نقد )المدنية الحديثة)، عبر محاصرة الكائن البشري من كافة الجوانب وتحويله، بالنتيجة، إلى مجرد أداة (أسيرة)، بيد القوة السوداء الحاكمة.
في جدول النكات العراقية التي انتشرت أيام الثمانينيات، أن شخصاً رأى في المنام حصول انقلاب على الحكم، روى حلمه لأحد أصدقائه فوشى به الصديق لدى السلطات فأعدم. وكان تعليق ضابط التحقيق: علينا أن نضع (كامره) في رأس كل مواطن لنعرف بأي شيء يفكر في النهار وماذا يحلم عندما ينام. من المحتمل أن تكون هذه أحدى تأويلات رواية (قصر الأحلام) للكاتب الألباني إسماعيل كاداريه. لكن ذلك لا يخرج بالموضوع عن إطاره، فكرة السلطة والهيمنة والعبودية، الاستبداد والاستعباد.
*
أنماط التجسس التقليدية..
في ما يوصف بعصور الهمجية البشرية، كان الاعتماد الرئيس على الجهد العضلي (القوة الجسمانية) في تحصيل الحاجات الفردية والجماعية، وكذلك ضمان الأمن والاستقرار السياسي والعسكري. تلك المراحل اتسمت بسيطرة قوى الطبيعة على مفاصل الحياة. فكان الخوف من الطبيعة والمجهول مبرراً للاعتماد على العنف والعضل وبناء الجيوش. بيد أن تطور قدرات البشر العلمية والعقلية وإمساكهم بمفاتيح وأزرار كثير من أسرار الحياة الطبيعية والميكانيكية في المجتمعات المدنية لم يضع نهاية للخوف (من الآخر/ الغريب/ المجهول). ان الذي اختلف مع مرور الوقت، هو كيفية التعامل مع المجهول. بكلمة أخرى، كيفية الوصول إليه واستكناه جوهره وأبعاده. هكذا ظهرت فكرة العيون / (البصاصين)، أو المخبرين (المخابرات)، والوكلاء (الجواسيس). وكان هؤلاء يخترقون الأوساط المعادية بصفات العاملين في التجارة أو مسوح رجال الدين. ومنه أن الرسول ترك عمَّه في مكة ليكون له عيناً على تدابير قريش ضد المسلمين. وقد لقى كثير من الأوربيين الرحالة في البلاد العربية مصرعهم في القرون الوسطى وما بعدها أثر انكشاف أمرهم بين القبائل والشكّ في حملهم معلومات وأسرار تستخدم ضدّهم، وكان بين أولئك من كان في مهمة علمية أو بعثة ملكية كالبعثة التي أشرفت عليه ملكة الدنمارك إلى الجزيرة العربية. رغم أن بعضهم كان يتحدّث اللغة العربية ويتظاهر بالاسلام ويحجّ إلى مكة وبيت المقدس، وصولاً إلى جون (الحاج عبدالله) فيلبي ولورنس (ملك العرب). وفي بلادنا كانت الشبهة تجعل كل من يؤيد الانجليز (جاسوساً لهم)، أو يؤيد (ألمانيا) جاسوساً لها.
*
الدولة العصرية ومبدأ (للجدران آذان)
لقد أصبحت أجهزة (المراقبة وجمع المعلومات) جزء رئيسياً من الأجهزة الأمنية للدولة الحديثة. وبالغت بعض الأنظمة بتنويع وتصنيف أجهزتها الأمنية والاستخبارية وزيادة حجمها ومواقع انتشارها. ولعل المرحلة الأخطر بين ذلك، عندما أنيط بمؤسسات الدولة وأعضاء حزب السلطة والأهلين من الحرفيين والمتماحكين يومياً مع المواطنين، بمهمة جمع المعلومات وتبليغ السلطات دوريا بالتغيرات. وكان المخاتير وأصحاب المقاهي والنوادي العامة وسواق الأجرة في صدارة وكلاء الأمن. بل أن الدولة (الشمولية) سخّرت كل الإمكانيات المتاحة بيدها لجمع ما يمكن من معلومات عن الأفراد الخاضعين لها. واتخذت هذه مسميات متنوعة وتمويهية باختلاف الخطاب الاعلامي والأيديولوجي، كالحرس الوطني، الأمن المدني، البوليس السري، المخابرات والاستخبارات، حراس الثورة أو الجمهورية. ومن مظاهر تزايد أهميتها لدى أنظمة كثيرة ارتباطها المباشر بشخص رئيس الحكومة (الدولة)، وتحكمها في قطاعات الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة والمجتمع المختلفة. كما يظهر من انتشار صيتها خارج الحدود الاقليمية مثل وكالة المخابرات المركزية (CIA) في الولايات المتحدة الأميركية، و(KGB) في روسيا، و(B15) في بريطانيا، والموساد (إسرائيل)، والسافاك والباسداريه (أيران الشاهنشاهية والجمهورية)، والمباحث (مصر)، والمخابرات والاستخبارات (العراق وسوريا). وقد اشتهرت فضائح عديدة عن نشاطات هذه الأجهزة خارج حدودها الوطنية، لاسيما ما يتعلق باغتيال المعارضين السياسيين، وآخرها حادث اغتيال الكسندر ليتفيننكو (43 عاماً) المسؤول السابق في المخابرات الروسية في العاصمة البريطانية يوم الخميس الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي، والتي تشير أصابع الاتهام إلى الحكومة الروسية. والمفارقة هنا، أن التجسس على المواطنين، كان من التهم الجاهزة اللصيقة بالدول الاشتراكية إلى جانب انعدام الدمقراطية وحقوق الانسان. لكن أنها اليوم صفة عامة للدول الغربية ، والتي اتخذت من أحداث نيويورك 2001، ذريعة لتوسيع نطاقها وتضييق الخناق على الناس إلى حد مصادرة مبادئ الميثاق الدولي لحقوق الانسان الذي ميّز المدنية الغربية عن بقية بلدان العالم. ولعل السؤال الذي يخطر هنا، هو كيف تجري هذه الحوادث المريعة في ظل أجواء السيطرة والتجسس القائمة على أحدث الوسائل والأساليب الأمنية والتكنولوجية. وهو قريب من السؤال الذي تردد عن كيفية اختراق الطائرات الحواجز الأمنية المشددة للدفاع الجوي الأمريكي دون أن يشعر بها أحد!.
*
متحف المستقبل الالكتروني..
[ARC] هو الاسم المختصر [Arts Electronic Centre] لمتحف المستقبل [Musem of Future] في النمسا العليا [Upper Austria]. وتلصق به لفظة [Arts] فنون، لدعم التجارب الجديدة [Enterprice] في التعامل مع الأجهزة الالكترونية وتوظيف الكمبيوتر لاختراق مجالات حياتية جديدة. وقد أنشئ قبل ربع قرن ليكون أحد ثلاثة مراكز من نوعها في العالم إلى جانب شيكاغو (الولايات المتحدة الأميركية) وطوكيو (اليابان). يتضمن المتحف نماذج لامكانيات عملية متعددة، منها: الرسم الالكتروني باعتماد الحركة أو الذبذبة الصوتية، حيث ترتسم نموذج مظلل أو نقاط أو محيط دائرة أو دوائر جراء حركة ذراع أو حدوث صوت. إضافة إلى إمكانية مشاهدة (مراقبة) جوية لأماكن معينة بوضع جهاز يلبس على الرأس يتضمن ناظور وحاكية، ويمكن للشخص ربط نفسه بحزام طائر، يشبه ما يلبسه متسلقو الجبال والأماكن المرتفعة، مربوط بنقطة في السقف ويمكن التحكم به بأزرار إلكترونية لتغيير الارتفاع والاتجاه والدوران والتقدم نحو الأمام أو التراجع، بما يتيح للشخص رؤية الأماكن (المنظورة). ومنه جهاز يستخدم الأشعة السينية لرصد أماكن الحركة والتجمعات لأكثر من شخصين في أي مكان في المدينة. وتظهر صورة كتلة قاتمة طولية أو مستعرضة على شاشة كبيرة، تبين حركتها ووقوفها. وهو من الأجهزة التي حصل عليها العراق في حرب الثمانينيات وكانت تستخدم في الخطوط الأمامية (ضابط الرصد) وكانت ترصد مساحة كيلومتر مربع أمام قاطع الوحدة، مبينة حجم القوة واتجاه حركتها. ومن النماذج المعروضة، أجهزة مراقبة الطرق الخارجية في الولايات المتحدة الأميركية، عبر كامرات مثبتة في أقمار صناعية موجهة. وقد عرض برنامج أمريكي لرصد الجريمة، ملاحظة البوليس في حجرة المراقبة اضطراب حركة سيارة على أحد الطرق الخارجية وانحرافها يمنة ويسرة، وبعد اشتباه المراقبين أوعزوا لأقرب مركز بوليس لمتابعة الموضوع، فانطلقت طائرة بوليس مزودة بأجهزة متقدمة استطاعت تصوير الأشخاص داخل السيارة وتسجيل الأحاديث الدائرة بينهم وكانا رجلاً وامرأة يتشاجران ، وكانت المرأة حامل، وتطالبه بالتوقف. تدخلت الشرطة وأوقفت السيارة وتم معالجة الأمر.
*
التجسس العام..
- مباني المنشآت والأسواق..
ان وجود كامرات مراقبة في أماكن عامة أو خاصة، أمر قد يعرفه الكثيرون، لكن ما لا يعرف، هو طبيعة الإمكانيات والخصائص الالكترونية لهذه الأجهزة. النموذج الأولي والذي صار تقليدياً هو ما يستخدم في الأسواق الكبيرة والمنشآت والفنادق العامة ويقوم (موظف) خاص بمراقبة شاشات كمبيوتر متعددة تنقل زوايا ومداخل وبوابات المبنى أو مجريات بعض الحجرات. وقد ترتبط بعضها بأقمار إتصالات صناعية شأن تلك المركّبة في قاعات المحكمة العراقية التي تتولى محاكمة أركان النظام العراقي السابق. ومن المسائل العادية اليوم وجود حجرة سيطرة (حراسة) إلكترونية في كثير من المرافق الرسمية والعامة والسجون ومراكز الشرطة التي تنقل ما تصوره الكامرات المركّبة في أمكنة بعيدة.
- طرق المواصلات والتقاطعات المزدحمة..
بعض الأجهزة المركبة على طرق (المواصلات) الخارجية (أو الداخلية) لا تكتفي بتسجيل رقم العجلة ونوعها ولونها، وانما تصوير الشخص خلف مقود القيادة، وبهذا يمكن التعرف إذا كان السائق هو مالك السيارة المثبتة معلوماته لدى البوليس أو شخص آخر. أما السيطرة الإلكترونية داخل المدن، والجاري في مدن أمريكية وبلدان غربية عديدة، فلم يعد خافياً. ومثله الأبنية والمنشآت المراقبة إلكترونيا، سواء حملت علامة تنبيه [CCTV] أو لم تحمل. الكثير من محلات البيع والفنادق تستخدم أجهزة المراقبة والتصوير، والمؤسف استخدامها لغير أغراضها، سيما ما يتعلق بمشاهد العري ونشر أفلام (بورنو) مركبة، مما وضع بعض الأشخاص تحت طائلة القانون، مثل الممثلة الايرانية زهرة ابراهيم. ولا ننسى كثير من الأشرطة التي عرضها الاعلام الأمريكي في خضم حملته الدعائية ضدّ أسلحة العراق الذرية أو صور صوتية أو تلفزية لاجتماعات مزعومة لجهات معينة.
- مراقبة شوارع المدن وساحاتها الداخلية
يوجد نوعان من مستويات مراقبة المدن. الأول وهو ما سبق الإشارة إليه في متحف المستقبل الإلكتروني والذي يكشف مناطق الحركة والتكتلات البشرية (في الليل- مثلاً) داخل المدن الكبيرة، ويمكن الإفادة منه في الأحياء التي تتكرر فيها أحداث العنف أو اختراق قرار حظر التجوال الليلي في ظروف معينة، أو مفاصل ازدحام السكان أو السيارات. وتعتمد لذلك أجهزة خاصة مركبة في أبراج التلفزة العالية أو النقل الفضائي أو الأقمار الصناعية. وتمتلك كثير من الدول (المتقدمة) أو الساعية في ركابها كالهند وباكستان أقمار صناعية لأغراض التجسس أو الاتصالات الفضائية. أما الثاني، فهو يعتمد أجهزة ذات قدرة تشخيصية دقيقة لنقل الصورة والصوت، تركّب في شوارع وأحياء داخل المدينة، مربوطة بأجهزة كمبيوتر ضخمة وشاشات سكرين متعددة داخل حجرات السيطرة والمراقبة في دائرة الشرطة المعنية. وهي شائعة في كثير من مدن العالم الكبيرة، والتي يشار لبعضها في المحلات العامة [CCTV Control Area]. وقد أشار رئيس الوزراء البريطاني في معرض تعليقه على تردي سلوك التلاميذ والطلبة وانتشار كتابات معيبة على الجدران، في صيف العام (2006)، إلى نصب كامرات مراقبة في بعض الأماكن العامة. وقد نشرت الصحف مؤخراً تحت عنوان [MICROPHONES TO SPY ON STREET CHAT] خبراً مفاده أن أكثر من ثلاث مائة كامره إنصات يتم تركيبها في هولندا. تتضمن أجهزة إنصات عالية يجري تركيبها مع الكامرات في الشوارع ويمكنها التقاط أصوات على مائة يارد. والغاية منها السيطرة على حالات اعنف قبل وقوعها. ويعلق مسؤول في الداخلية البريطانية : وأنت تمضي في الشارع تتوقع أن بإمكانك عمل مناظرة خاصة. إذا لم تستطع أن تضمن ذلك،- وهنا يمكن أن يكون شخص يتحدث من الصنف الذي ينبغي حماية المجتمع منه. وهذا يعني إحكام السيطرة على السور. يذكر أن كامرات المراقبة الحالية تمسك ما يزيد على ثلاث مائة حالة يومياً في لندن.
- شبكات الحماية الالكترونية للمدن..
وظيفة هذه الشبكات بالدرجة الأساس حماية فضاء المدينة من أي محاولة اعتداء خارجي بالأسلحة التقليدية أو التكنولوجية الحديثة. وتستخدم لأجل ذلك مجسات إلكترونية ذات قدرات تحسس دقيقة لمختلف التغيرات والتوترات من درجات تهديد محددة، يتم تركيبها في أقمار صناعية موجهة أو أبنية عالية تغطي البقعة الجغرافية للمدينة. وهي بذلك تشترك مع أجهزة الأرصاد الجوية واستقبال الايعازات الخاصة بحركة الطيران بوظائف جديدة أكثر تعقيداً وتنوعاً. وتأتي هذه الاجراءات بعد أحدث العنف التي شهدتها مدن أميركية أو هجمات الغاز في عاصمة اليابان. ان البرنامج الذي وقع عليه الرئيس الأميركي والممثل الأسبق رونالد ريغن في الثمانين هو برنامج دفاعي حمل إسم (حرب النجوم) [STARS WAR] وهو الإسم الذي حملته ودارت حوله كثير من أفلام هوليود للصغار وللكبار، يبدو قابلاً للتصديق عندما يتأمل المرء الخيال (العلمي) البعيد لإجراءات الحماية والأمن الغربية والذرائع والإشاعات التي يتم تسريبها بين الحين والآخر، لتبرير انتهاكاتهم الحياة البشرية بعد انتهاكهم قواعد حماية البيئة.
*
التجسس الشخصي..
- التجسس الاداري الحكومي..
البيروقراط.. كلمة تعني الجهاز الاداري. ولكن دلالتها اليوم تشير إلى الروتين وانتشار الأمراض الادارية في التعامل مع الأشخاص. وتتخذ (الأوراق) مرموزاً رئيساً في تمثيل الإدارة والموظف. لكن تراكم هذه الأوراق بشكل يتجاوز الحاجة وحدودها والمنطق العام هو ما يسيء إلى الشخص وعملية الادارة على السواء. تتوفر كل شعبة إدارية اليوم على كم هائل من الاستمارات والنماذج لكل حالة وغاية وخصيصة. ولغرض معين قد يتعين على الشخص إملاء أكثر من إستمارة وملف. وليست المشكلة في الاستمارة، التي تعتبر تسهيلاً واختزالاً لكثير من الجهد والكلام، وأقرب للدقة عند إملائها الصحيح. المشكلة في تضمين الاستمارة أسئلة واستفسارات شخصية لا تتعلق بطبيعة المعالملة وكثير من هذه الأسئلة، تمسّ الحقوق والحريات والمعتقدات الخاصة، أو بيانات أولية عن حياته وعنوانه وعمله سابقاً ونسبته الأثنية [ethnic race]، مما يدخل في باب المعلومات الأمنية، ناهيك عن طلب أرقام هواتفه في البيت والعمل والشخصي وعنوانه الالكتروني، وأحيانا أسماء وهواتف أصدقائه المقربين. وتتكرر هذه المعلومات مع كل معاملة ودائرة ومراجعة. وليس على المواطن غير الرضوخ والتوقيع على إقرار بصحة المعلومات وقبول مقاضاته وحرمانه من الحقوق عند مخالفتها الحقيقة. وقد استمرأت الشركات الخاصة والمؤسسات الأهلية تقليد إستمارات الحكومة في معاملة المراجعين، ولأتفه الأسباب، وكثير من البسطاء يقعون في مغبة تقديم معلومات لا ضرورة لها ويمكن أن تستخدم ضدّهم من قبل جهات لم يتصلوا بها. وإذا كانت دوائر الحكومة تتمتع بضمانات حماية معينة، فالمؤسسات الأهلية تتعامل في أفق مفتوح، مع سلسلة شركات ومؤسسات تتجاوز حدود الدولة إلى مؤسسات أجنبية.
الملاحظة الأكثر أهمية هنا، هي الصلاحيات التي تمنحها الدولة (بحكم القانون) لنفسها لمراقبة نشاط الفرد الاقتصادي وعملياته البنكية وملفاته الأمنية أو الصحية.

- الداخلية وبنك الجينات..
لم تعد المعلومات والاستمارات الأمنية وتقارير المخابرات والشرطة المحلية والدولية تشبع نهم أو جوع السلطات الأمنية في التجسس على المواطن والاجتهاد في صنع حلقات خناقات جديدة تلتف حول رقبته وليس حول رجليه ويديه، وذلك هو بنك الجينات [Bank of Gens]. فبحسب مستودعات هذا البنك، يمكن الاستدلال إلى كشف أي جريمة خلال ساعات قليلة. أن أي قطعة ثياب أو شعرة أو قطرة دم أو إفراز سائل أو أداة مستخدمة في جريمة تكشف هوية جينات الفرد القائم بها، وبالتالي، فوجود ملف جيني لكل شخص لدى البوليس يساعد في الاستدلال عليه. ويلقى هذا الأمر معارضة هو الاخر من ناشطي حقوق الانسان، ويحذرون من عواقب التشخيص أو الاستخدام الخاطيء لهذه المعلومات. سيما بعد اتهام سلطات الداخلية شخص بمسؤولية جرم معين، ثبت أنه لم يكن موجوداً في البلاد خلال وقوع الجرم. ومع ذلك تسعى الدول لاستكمال ملفات بنوكها الجينية لأكبر عدد من مواطنيها. وهنا يظهر أثر التعاون الحميم بين مؤسسات الصحة والداخلية من وراء قفا المواطن. وإذا اعترض، فمن يسمعه.

- التجسس الطبي..
كلما زاد اعتماد الالكترونيات والتقنيات الحديثة في المعالجة والحفظ والاتصال زادت نسبة التجسس واحتمالات سوء استخدام المعلومات ضدّ الشخص. تبدأ العملية كما أشار إليها كونديرا منذ أسابيع الحمل الأولى، حيث تلزم المرأة الحامل بمراجعة دورية للطبيب الاختصاص، تستمر ما بعد الولادة، إلى سن الثلاثة سنوات في المرحلة الأولى، وحتى سن دخول المدرسة في المرحلة الثانية. ان المعلومات التي يخزنها الكمبيوتر (الطبي) في ملفة الشخص لا حدود لها، ولا توصيف لأبعادها ما يختص بأجهزة الجسم المختلفة ووظائفها، وخصائص الجينات الوراثية التي مستودع تاريخه السلالي وتصنيفه النفسي والعقلي والجسدي. تبقى هذه المعلومات في ذاكرة الكبيوتر والمتعاملين معها، ولا يعرف عنها الشخص أو عائلته شيئاً، ولا يخامر أحداً الشكّ، في السؤال عنها أو الاطلاع على تفاصيلها، إن لم يكن من أهل الاختصاص، وتقوده إليها الصدفة. مثل هذه الصدفة يختلقها الدكتور علي القاسمي في قصة (أخضر العينين) والتي تدور حول علاقة بين هيام وكمال الفائق الجمال، بالمقارنة بوالديه الدميمين لدى تعرفها عليهم، فيخامرها الشك والفضول لتقصي الأمر. [إذن، ستلعب هيام دور المفتش السرّي شارلوك هولمز، وستبحث عن مفاتيح السرّ. ستضع يدها عليه. ولا بدّ أن تبدأ من حيث يجب أن تبدأ. من المستشفى الذي ولد فيه كمال. ستطلع على تفاصيل ولادته/ (ص47). وبينما تجلس أما حاسوبها وهي تتفحص شبكة المعلومات الدولية بحثا عن عناوين مستشفيات الولادة في مدينة إيست لانسنغ في ولاية مشيغان حيث درس أبوه، تذكرت أن إحدى صديقات الطفولة تقيم هناك في مشيغان، وقد تستطيع مساعدتها إن هي طلبت منها ذلك/(ص48). وصلها الجواب وراحت عيناها تكرع الرسالة كرعاً وتقرأ: " يمثل كمالك هذا أوج معطيات تكنولوجيا الجينات والهندسة الوراثية في أمريكا قبل ربع قرن. ركّبه الباحثون في مستشفى مشيغان التجريبي، استجابة لقائمة طويلة من المتطلبات والأمنيات التي طرحها والده على مجموعة الباحثين، وتشتمل على جميع المواصفات الجسمية والنفسية المثالية، وطبعاً لقاء مكافأة مجزية.."/(ص49)]. كم من الناس يخطر لهم وتتاح لهم مراجعة ملفات أزواجهم الجينية قبل الولادة كما فعلت هيام؟ وهل ذلك ممكن بهذه السهولة؟. لا بدّ أن قوانين خاصة بهذا المجال سوف تحدد ذلك. ويستمر الكاتب إلى ذروة المكاشفة. [ لا بدّ أن الباحثين شخّصوا كل المورّثات الطبيعية للغيرة والرضى، والحزن والفرح، واكره والحبّ، ففرزوها ونزعوها من كمال. ترى هل عاد بشراً سوياً وهو محروم من جميع المشاعر البشرية التي تجعل من الانسان إنساناً، أم أنه مجرد إنسان آلي يتحرك وفق برنامج منطقيّ عقلانيّ؟.. هل سأتزوج إنساناً يشاركني مشاعري أم كائناً مركّباً تركيباً اصطناعياً في المختبر؟ /(ص50)].
وغير الولادة، فأن كثير من المعالجات والتداخلات الجراحية تجرى اليوم مباشرة أو غير مباشرة بالأجهزة الالكترونية واستخدام تقنيات الكمبيوتر لحفظ المعلومات وتسفيرها. وبالتالي فأن السجل الصحي والمرضي للشخص موجود في ذاكرة الكمبيوتر الموصول بشبكة الأنترنت، ويستطيع العاملون في الجهاز الصحي والمتوفرون على كلمة السرّ [pass word] أو الكود [code]، وعندها لا يصعب عليهم شيء. وإذا كان قراصنة الكمبيوتر يخترقون أجهزة البنوك والسلاح اليوم، فمن يمنعهم من اختراق أنظمة الصحة والتلاعب والمتاجرة بها. بالمقابل، تتداول بعض دول الاتحاد الأوربي فكرة [medical card] الكارت الصحي لكل شخص يتضمن عليه كافة ملفه وبياناته الصحية وتاريخه المرضي، لتلافي فترة الانتظار ريثما يتم ارسال ملفه الصحي من مستشفاه الأصلي عند تعرضه لحادث طارئ، ويقلل من الروتين والعمل الاداري. ويشبه هذا الكارت البطاقة الشخصية أو البطاقة الخاصة بالبنك لسحب النقد والاطلاع على حسابه الشخصي. لكنه يواجه معارضة لسهولة سوء استخدامه في هذا الحال.
*
العلم والمصداقية الأخلاقية..
انحراف وظيفة العلم من خدمة الانسان إلى الاضرار والتنكيل به والاعتداء على حقوقه أحد المبادئ التي انطلق منها تيار معاداة الكنولوجيا والذي تبلور في تيار مناهضة العولمة. وقد مرّ هذا الانحراف بثلاثة مراحل أو أنماط:
1- عبودية اقتصادية (الرأسمالية الامبريالية).
2- عبودية تكنولوجية وإلكترونية (واستخدامها لأغراض تضرّ بالانسان وكيانه).
3- انتهاك الحرية والحقوق الشخصية (عبر تضمين الملفات الرسمية معلومات لا ترتبط بغاية الاستمارة- ولأغراض أمنية استخباراتية).
لقد بذلت الجماعات المناهضة جهوداً جبارة في وجه عجلة الامبريالية والتكنولوجيا الرأسمالية وباستخدام الاعلام والأدوات السلمية منذ السبعينيات في الدفاع عن البيئة وفضح التجارب النووية والأسلحة الممنوعة وصولاً إلى مناهضة الأغذية الصناعية [] إلى اجتماعات قمة الثمانية. اضطرت معه الدول المضيفة إلى التكتم على مواعيد الاجتماع أو أماكنها أو منع الناشطين من دخول البلاد واعتقال أعداد منهم، أو استخدام قوات أمنية تزيد على أعداد الناشطين عشرات المرات. لكنها في نفس الوقت عمدت إلى تشويه عمل أولئك الناشطين، واتهامهم بالقيام بأعمال عنف، والاضرار بالممتلكات العامة، لمجرد تنظيف الطريق من المعارضين لسياساتها وممارساتها الشوفينية التي وضعت المجتمع البشري والمدنية الغربية على محك امتحان إليم وطريق اللا رجعة. أن دول العالم مجتمعة لا تعرف ماذا تعمل لوقف تدهور البيئة والغلاف الجوي، وكيفية حماية حدودها من العنف الدولي ووقف انتشاره وتماديه في الشرق الأوسط، ومصير القرية العالمية الالكترونية المخترقة من كل الجوانب.
*
ان جملة منظومة الأطر "التجسسية" المحيطة بالفرد المعاصر في المدنية الغربية اليوم، بالإضافة إلى بقية المؤسسات التي تقتسم قطاعات الحياة والنشاط الاقتصادي والثقافي العام، تجعل من الشخص [دمية] صغيرة معلقة في فضاء بمجموعة متعددة من الخيوط والمجسّات من كافة جهاته. قد يعتقد البعض أن هذه الأطراف لا تعيق حركته أو أنها تدعمه وتحميه، لكن الأثر النفسي لمجرد شعور الشخص بأنه تحت المراقبة، يكفي لتصعيد وتيرة التوتر لديه. وتأكيد مسألة أنه تحت الاشتباه المستمر حتى تثبت براءته. في القوانين التقليدية لم يكن ممكناً التعرض للفرد بكلمة أو فعل بدون إذن رسمي خاص ونص قانوني، أما اليوم، فثمة إذن عام، ويوميا تحصل الشرطة على صلاحيات متزايدة في التعرض للمواطنين، بذريعة الأمن العام. هذه الصلاحيات المتزايدة لأجهزة الأمن والجيش هي في نفس الوقت اختزال لحقوق المواطن وانتقاص حريته الفردية وتحديد نشاطه ووضع وجوده وكيانه في خانة الاشتباه والمهانة، بينما يحمّل بالمقابل مسؤولية كل ما يجري ، بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأخيراً.. ألا تضع الجرائم والأحداث التي وقعت حتى اليوم، الممارسات والاجراءات الأمنية المتواصلة في محل تساؤل وارتياب، وتفرغ مبرراتها المزعومة من أي مصداقية؟.
26 نوفمبر 2006
هوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- قضى المطرب العراقي المنولوجست عزيز علي ثلاث سنوات في سجن العمارة (في الأربعينات) إثر الادعاء عليه، بعلاقته بألمانيا الهتلرية.
- في يوم الرابع عشر من تموز 1958 تم اجتياح مقر السفارة البريطانية في بغداد والعثور بقوائم أسماء بعض الشخصيات، أشيع بين الأهلين بأنهم جواسيس.
- إسماعيل كادريه – (قصر الأحلام)- رواية.
- د. علي القاسمي- (صمت البحر)- مجموعة قصصية- دار الثقافة- الدار البيضاء- 2003.
- ميلان كونديرا – (الهوية)- رواية- ترجمة د. انطوان حمصي- دمشق- 1998- ص44.
- نشرت وسائل الاعلام قصة موت العميل الروسي السابق الكسندر ليتفيننكو بعد تعرضه للتسمم أثر تناوله وجبة (مسمومة) في مطعم وبار (Itsu) في البيكاديللي وسط لندن في الأول من نوفمبر. وقد عثر على آثار [polonium 210] السامة في المطعم ومكان قريب من سكنه. ولم يفلح الأطباء في إنقاذ حياته لتشبع جسمه بمركبات الغازات السامة التي أوردت الصحف تفاصيلها.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمركة والأسلمة.. وما بينهما (2)
- الاسلمة.. والأمركة (1)
- روبنسن كرويز في تل حرمز
- نظرة نحو الخلف...
- من داود بن يسي
- المريض العراقي
- أنا الخطاب.. أنا الآخر - في آلية الحوار-
- مات إله الشياطين
- رسالة لم تصل إلى جلجامش
- ابحث عن رصيف يحتمل موتي..
- أنسى..
- مدينة الحوار المتمدن
- الموت.. دورة المطلق الحميمة
- سيرة و مكان
- قراءة في مجموعة [إمرأة سيئة السمعة]
- الطائر الذي يغني من داخل القفص
- العنف.. ثمرة ثقافة سيئة
- الاشتراكية..تحرير الفكرة من العصبية والدولة
- وأذكر أني عراقيُّ.. فأبكي!..
- العنف الاجتماعي بين الهمجية والمرض النفسي


المزيد.....




- اليمنيون يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة
- عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل غانتس ونتنياهو متهم بعرقلة صف ...
- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...
- ممثلية إيران: القمع لن يُسكت المدافعين عن حقوق الإنسان
- الأمم المتحدة: رفع ملايين الأطنان من أنقاض المباني في غزة قد ...
- الأمم المتحدة تغلق ملف الاتهامات الإسرائيلية لأونروا بسبب غي ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - وديع العبيدي - التجسس الإلكتروني على الأفراد ذرائع غير مقنعة وغايات غير مكشوفة