أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قدري جميل - حول الديمقراطية والتنمية















المزيد.....

حول الديمقراطية والتنمية


قدري جميل

الحوار المتمدن-العدد: 768 - 2004 / 3 / 9 - 09:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في ندوة «الحرية والديمقراطية مقاربة في المفاهيم» التي أقامها المركز العربي للدراسات الاستراتيجية قدم الرفيق الدكتور قدري جميل يوم 7/3/2004 مداخلة «حول الديمقراطية والتنمية»، هذا نصها:

إذا كانت الديمقراطية هي تعبير عن مستوى تطور القوى المنتجة في مجتمع ما وكذلك مستواه الحضاري ـ الثقافي، فهي هكذا عامل مشتق وبآن واحد محدد لاتجاه التطور اللاحق.

فإذا كان مستواها أدنى من حاجات اللحظة التاريخية الملموسة، فإنها كشكل للعلاقات في المجتمع تتحول الى عائق أمام التطور اللاحق، أما إذا كان مستواها متناسباً مع مستوى التطور الاقتصادي ـ الاجتماعي فإنها تصبح حافزاً ومحركاً للتطور كله.

لقد وصل تقسيم العمل المعبر عن حجم المنتجين المنفصلين والمرتبطين ببعضهم البعض حداً كبيراً من العمق وهو مايزال يسير قدماً في هذا الاتجاه، وتشكل الثورة المعلوماتية الاتصالاتية الحالية مرحلة هامة ونوعية جديدة منه وهي تهيئ الإمكانية والضرورة لمشاركة عدد واسع جداً من الناس في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بكل جوانب حياتهم، وما إبعادهم عنها إلاّ كبح لكل التطور بكل إحداثياته.

لقد كان الاتجاه التاريخي دائماً يسير باتجاه توسيع الديمقراطية، وهذا ليس عطاءً أو منة، بل انعكاس لواقع موضوعي وضرورة اجتماعية.

مما سبق يتبين أن هنالك علاقة عضوية بين مستوى وشكل الديمقراطية، أي مستوى وشكل مشاركة الناس في اتخاذ قرارات المجتمع التي تمس حياتهم، وبين اتجاه تطور القوى المنتجة وشكل علاقات الإنتاج، أي بكلام آخر أن الديمقراطية هي شكل تفاعل البنية الفوقية مع البنية التحتية في المجتمع، ومن هنا دورها الحاسم في تعبيرها وفي تحديدها لاتجاهات التطور.

فيما يلي سنحاول بحث بعض جوانب هذه العلاقة كي نخلص الى استنتاجات حول العلاقة بين الديمقراطية والتنمية في بلدان مايُسمى بـ «العالم الثالث»:

1. ـ إن تخلف مستوى الديمقراطية من حاجات تطور القوى المنتجة يمنع النمو الاقتصادي نفسه، فالنمو كعملية داخلية تتفاعل فيها عوامل عديدة، رغم كونه مؤشر كمّي للتطور، هو تعبير عن توازن وتناسب ما محفوظ في المجتمع، وانعدامه بحد ذاته هو تأكيد على خلل في علاقة المجتمع بالدولة، فالدولة التي لاتستطيع تأمين نمو اقتصادي معقول، هي دولة تعاني من مشكلة مع مجتمعها، ومآل هذه المشكلة إما أن تعيد الدولة النظر بعلاقتها مع المجتمع، وهو مايُسمى بإعادة النظر بمستوى الديمقراطية وشكلها، وإما أن يعيد المجتمع النظر بهذه الدولة غير القادرة على تأمين احتياجات التطور المادي الاقتصادي، والتي تعتبر احتياجاته حاسمة في مسار التطور.

2. تميز اقتصاد العالم الثالث في النصف الثاني من القرن العشرين بانتشار الفساد والنهب فيه، والذي ترافق مع عملية توسع دور الدولة في العملية الاقتصادية والذي كان ضرورة تاريخية لتسريع تطوير الاقتصاد وخاصة بُناه التحتية.

وإذا عدنا الى الأدبيات الاقتصادية والسياسية لبدايات تلك المرحلة لرأينا تحذيرات جدية من خطر ماحدث لاحقاً من نهب وفساد ونشوء فئات اجتماعية جديدة هي نتاج لهما، وكانت هذه الأدبيات تنطلق من رؤية أن عملية إعادة الانتاج في المجتمع هي عملية واسعة ومعقدة ومركبة، وإذا لم ينظر لها على أنها تفاعل وتكامل وتناسب مراحل الإنتاج بالمعنى التكنولوجي الضيق والتبادل والتوزيع والاستهلاك فإن ذلك يحمل خطر أن تدور الحلول ضمن إطار المرحلة الأولى من عملية إعادة الإنتاج أي الإنتاج بالمعنى الضيق مهملة المراحل الأخرى مما سيسمح بنشوء فئات جديدة ترث امتيازات الفئات البائدة دون أن ترث ملكيتها، حتى أن بعضهم ربط منذ ذلك الحين ضرورة الديمقراطية في المجتمع وتوسيعها مع ازدياد دور الدولة في الحياة الاقتصادية لمنع النهب والفساد عبر مراقبة الناس لعملية الإنتاج والتوزيع.

3. وهنا لابد من الإشارة إلى قضية أساسية وهي أن النموذج النيوليبرالي الاقتصادي والذي يروج له على أنه حامل للديمقراطية، هو في الظروف التاريخية الملموسة اليوم وفي الواقع هو حامل لبرنامج تقييد واسع للحريات السياسية ولعودة إلى الوراء حتى عن المستوى الهش والضعيف للديمقراطية إن وجدت في بعض بلدان العالم الثالث.

فالتجربة التاريخية التي جرت في أوروبا الغربية وسار فيها النموذج الاقتصادي الليبرالي مع تأمين مستوى معين من الحريات السياسية، كانت تعبيراً عن توازنات اجتماعية محددة حصّل فيها المجتمع على هامش واسع لاحق لحركته وجرى كل ذلك في ظرف تاريخي لم يتكرر ولا في أي مكان آخر، بل العكس هو الصحيح في بلدان العالم الثالث، فأينما طبق النموذج الاقتصادي النيوليبرالي فقد أنتج أمرين:

- انخفاض في النمو، في نهاية المطاف، إلى ما تحت الصفر، مع ما يحمله ذلك من أخطار اقتصادية ـ اجتماعية وحتى سكانية.

- مزيد من تقييد للحريات السياسية وتراجع عن مستويات سابقة للهوامش الديمقراطية السابقة.

4. ولكن وعي ومعرفة مخاطر النموذج الليبرالي ـ الاقتصادي كحامل لبرنامج العولمة المتوحشة في بلدان الجنوب، يجب أن لا يعني بأي حال من الأحوال التبرير لاستمرارية الأوضاع القائمة من حيث مستوى الهوامش الديمقراطية، فالفئات المستفيدة من عمليات النهب والفساد والتي تُخرج من دورة الاقتصاد الوطني فاقداً كبيراً، لو وظف فيه لأمّن مستويات نمو معقولة، هذه الفئات تدخل في صدام من حيث مصالحها مع مصلحة تطور المجتمع، وهي في إصرارها في الإبقاء على الأوضاع كما عليه مستفيدة من نفوذها في جهاز الدولة، إنما تخلق الأرضية والمبررات لهجوم النموذج النيولبيرالي وانتصاره الممكن بشعاراته الديماغوجية بغض النظر عن أن نتائجه وأداءه سيكونان أسوأ بكثير.

إن الممارسة تثبت أن المدخل للنمو الاقتصادي اللاحق لا يمكن أن يتم عبر جهاز الدولة فقط، فإذا لم يجر إشراك قوى المجتمع في هذه العملية عبر استنباط الأشكال الديمقراطية المناسبة والمتقدمة، لا يمكن الحديث عن أي تقدم حقيقي في هذا المجال.

5. حتى اليوم كان يمكن الحديث عن «نمو بلا تنمية» في بلدان العالم الثالث، وهو ماجرى فعلاً في كثير من الأحيان، فذلك النمو الاقتصادي الذي لاينعكس إيجابياً على مصالح غالبية الناس في المجتمع لا يمكن أن يتحول إلى تنمية، والسبب في ذلك طبعاً هو اختلال عملية التوزيع وتمركز الثروة المستمر في أيدي قلة قليلة. وكان النمو في هذه الحالة شرطاً ضرورياً للتنمية حتى ولو لم تتحقق.

ولكن هل يمكن القول بذلك اليوم؟ الأرجح لا يمكن. لماذا؟

- إذا كان مؤشر النمو هو مؤشر كمي، فالتنمية هي مؤشر نوعي.

- وإذا كان مؤشر النمو هو مؤشر بسيط، فالتنمية هي مؤشر مركب.

- وإذا كان مؤشر النمو هو مؤشر اقتصادي بحت، فالتنمية هي مؤشر اقتصادي ـ اجتماعي ـ سياسي.

واليوم في ظل الأزمة العميقة التي تعصف بالنظام الرأسمالي العالمي والتي تضطره إلى رفع معدلات نهب بلدان العالم الثالث، يمكن القول أن كل احتياطات «النمو بلا تنمية» قد استنفذت وتعقد الموضوع وأصبح «لانمو بدون تنمية»، أي أنه إذا كان في السابق من الممكن تأمين معدلات نمو ولو ضعيفة في ظل سياسات اجتماعية منحازة لأقلية من ذوي الثروة، وفي ظل سياسات داخلية تمنع تطور الديمقراطية للناس، فإن ذلك اليوم أصبح مستحيلاً وأية دولة تريد أن تستمر في أبقاء مبرر وجودها، وهو قدرتها على حل قضايا المجتمع، أصبح غير ممكن بالنسبة لها حل قضايا النمو دون حل حزمة القضايا الاجتماعية ـ السياسية الملازمة للموضوع. وفي ذلك تعبير واضح عن شكل التجلي الحالي لقانون تناسب القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، لذلك فإن الخيار الحالي إما دولة وطنية قادرة على حل مشاكل المجتمع، وإما مجتمع قادر على إيجاد الدولة المناسبة لحل مشاكله ولا مفر من ذلك، ويبقى الخيار الأول هو الخيار الأقل كلفة وزمناً، أما الخيار الثاني فهو خيار وإن كان من المحتم الوصول إليه إذا استحال تحقيق الخيار الأول. إلا أنه خيار أكثر كلفة وزمناً والوصول إليه لن يكون طريقاً مستقيماً.

وهكذا إذا كانت الديمقراطية شرطاً ضرورياً للتنمية فإن الشرط الكافي لها هو التوزيع العادل للثروة بين الأجور والأرباح، مما يخلق كل الضمانات الضرورية للتطور اللاحق.



#قدري_جميل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبر الصراع في الحوار نعيد بناء حركتنا وننتهي من مرحلة الصراع ...
- الوحدة ضرورة سنصل إليها عاجلاً أم آجلاً
- موقفان للمواجهة
- الماركسية اليوم
- الشيوعية قادرة أن تعود لتقف من تحت الرماد
- حول الثابت والمتغير
- ظرف دقيق وخطير تمر به البشرية والمنطقة وبلادنا
- كان هدفنا منذ البداية : إعادة تكوين ذلك الحزب الشيوعي الذي ي ...
- إن الانعطاف الذي توقعناه وتحدثنا عنه قد بدأ *!
- ميثاق الشرف- نقلة نوعية في حياة الحركة الشيوعية في سورية
- إزالة الخلل بين الأجور والأسعار ضرورة للاصلاح الاقتصادي
- ملاحظات أولية على برنامج الإصلاح الاقتصادي
- واقع الحركة السياسية وآفاقها
- المأزق الأمريكي.. من الانهيار الاقتصادي.. إلى الانتشار العسك ...
- الإصلاح الاقتصادي بين الأبيض والأسود
- وجهة نظر حول تطوير وتفعيل دور الجبهة الوطنية التقدمية: الظرو ...
- من أجل نظام انتخابي فعَّال ومتقدم
- النمو والنهب.. ضدان لايجتمعان
- إزالة الخلل بين الأجور والأسعار.. ضرورة للإصلاح الاقتصادي
- العولمة بعد 11 أيلول 2001 شلالات الدم.. لن توقف الانهيارالرأ ...


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قدري جميل - حول الديمقراطية والتنمية