أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - التنظير لدولة غائبة















المزيد.....

التنظير لدولة غائبة


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 764 - 2004 / 3 / 5 - 08:58
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


من يقرأ بعض ما يكتب هذه الأيام وخاصة كتابات التنظير والتأسيس حول الدولة العراقية المفقودة، يصاب بصدمة عقلية وذهول لأن هذه المقالات تكتب عن واقع عراقي ساكن ومؤسسي راسخ دون أي جرح أو بتر أو قطع بنيوي على كل الأصعدة، والكلام عن دولة غائبة بلا مؤسسات، هو كالكلام عن سعر سمكة في الماء!

وهذه المقالات تتحدث عن وطن متخيل وهمي وافتراضي وترسم حدود/ وطن لا وجود لها/ له إلا في مخيلة معبأة بالكلمات. لا يوجد وطن في العالم بنته الكلمات مهما كانت قوة البلاغة ورونق الكلمات: الأوطان تتأسس على أرض الواقع، دولة ومؤسسات، وتشريعات، ومصدات، وبعد ذلك يجري الحديث عن التغيير، وعن صورة مغايرة، وهذه الطريقة في التفكير والتنظير هي بقايا الفكر السياسي الشمولي الذي لا يتحدث عن الظاهرة الحية بل ينقل من الذهن أو النص، لأن مرجعية هذا النمط السياسي المعروف ليس الواقع بل الايديولوجيا، وهو لا يسأل الواقع ولا يتأمله بل يسأل النص ويتأمله!
إنه نوع آخر من الفقه السياسي.
 
هناك من يتحدث اليوم عن وجهة نظره مثلا بمشروع ديمقراطي، وينسى أن الديمقراطية تتأسس على بنية اقتصادية اجتماعية فكرية متينة وان هذه هي التي تحدد ملامح هذه الديمقراطية.

وإذا عرفنا أن الاقتصاد العراقي سواء على مستوى القوى المنتجة أم على مستوى البنية الاقتصادية، أم على مستوى القوانين، هو اقتصاد مدمر، وأنه ينحدر نحو سياسة اقتصادية رثة تتسم بالانفتاح على الرأسمالية والسوق الحرة من خلال وكلاء محليين صغار هم جسر العبور نحو السوق الحرة، ويستتبع ذلك تفكيك مقومات البنى الثقافية والأخلاقية والتاريخية المحلية، وسيطرة شرائح رثة، طفيلية، وهيمنة النزعة الاستهلاكية وأخلاقياتها، اذا عرفنا ذلك يصبح الحديث عن مشاريع وتنظيرات  ووجهات نظر، من خارج هذه المواقع، ضربا من التنجيم والعبث وإضاعة الوقت.
 
إن  مأسسة ـ خلق مؤسسات ـ دولة ليست نتاج القوة الفكرية، مهما كانت قوتها، بدون أن تمتلك هذه القوة قاعدتها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية على الأرض، لأن الكلمات يتيمة بدون قوى محركة.

إن الواقع العراقي اليوم بكل ما فيه ليس هو الواقع بالأمس قبل سقوط الدولة الغول،ولم تعد نفس القوى القديمة تحركه،أو تتحكم فيه،ولا نفس البنية السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والتكوينات المحلية السابقة المحلولة، بل دخلت قوى ومؤسسات خارجية وداخلية مؤثرة وفاعلة وتمتلك القرار السياسي وهي وحدها التي تقود لعبة التغيير وهي وحدها تمسك بعصب الحياة، رغم وجود الأدوار الأخرى المضادة. وهذه الأدوار ليس عندها مشروع التغيير، بل تقوم بدور عرقلة المشروع الخارجي المدعوم بقوى محلية منتفعة.


كما أن الحديث، كمثال آخر، عن الطائفية بالمطلق، هو الآخر، في هذا الظرف، نوع من اللعب بالكلمات على أوتار قديمة، وهي تتحدث عن الطائفية كخطر في مجتمع مؤسس على قاعدة سياسية رصينة وقوانين وطبقة سياسية محددة الملامح، وصحافة حرة.. الخ... وتنسى هذه المقالات أن الطائفية كنشأة وولادة خلقت أول مرة في ظروف مشابهة، أي ظروف سيطرة قوى حاكمة خارجية أو دخيلة، ومن طبيعة الطائفة في كل زمان ومكان أن تنغلق وتتقوقع  وتأخذ شكل الجنين في الرحم الاجتماعي وتعيد إنتاج رموزها التاريخية بإفراط كرد فعل طبيعي على الشعور بالاقتلاع والتهديد أو الخوف منه بناء على خبرة تاريخية في النبذ والتهميش والإقصاء.

فالطائفي لا يتخلى عن طائفيته ولا عن شعوره أو فكره أو طائفته بناء على مقال أو حتى مئات الكتب عن مضار الطائفية، بل هذا الفكر والشعور بالتهديد سينتفي عبر مشروع كامل للتغيير مؤسس على قاعدة فكرية وصناعية واجتماعية قوية وعلى مؤسسات تضمن حقوق الجميع في الهوية والولاء مع الاحتفاظ بالمواطنة كهوية سياسية ـ وليست قومية أو دينية ـ للجميع.

كما أن الكلام عن الأصولية ، كمثال ثالث، في هذا الظرف ومخاطرها، هو ضرب من الإنشاء اللفظي البائس الذي يفتقد لبعد النظر والحكمة والنظر العميق في زوايا الصورة المتشعبة: إن هذه الظاهرة الغربية المنشأ والتي نشأت أول مرة على نحو واضح في صراع كنسي أوروبي هي رد فعل على ظاهرة البروتستانت التي تعني:( المحتجون). أي نشأت في مناخ صراعي بين الطوائف وبين السيطرة الكنسية وبين السلطة.

فلا يمكن تجريد ظاهرة الأصولية من مناخها اليوم، والكلام عنها بهذه الطريقة السلبية دون الغور عميقا في جذور هذه الظاهرة، وهي بالمناسبة لم تعد ظاهرة دينية فحسب، بل ظاهرة سياسية: يمكن أن نجد الأصولي القومي، واليساري، والاخواني، وهناك أصولية نقدية في الأدب، وفي الثقافة عموما: أي كل من يؤمن بحرفيات الفكر واللغة.

هناك خطأ شائع قديما وحديثا، هو أن الفكر يعني الواقع: وهذه النظرة الأصولية السطحية تقوم على أساس ديني أول الأمر لكنها انسحبت على الفكر البشري عامة.

إن الفكر ليس الواقع بل هو فكرة عنه أو صورة مغايرة عنه. إن الفكر يقوم على أساس اللغة وهذه ليست أداة لرسم صورة حرفية للواقع، بل هي أداة للمقاربة. أما حين تتحول اللغة إلى صورة نمطية للواقع وتسمره في مفاهيم، فهي تسجنه، تغلقه: وهذه هي عقلية الأصولي والطائفي، يسارا أم يمينا.

على المستوى الأدبي: هذه النظرة الأصولية، أي الحرفيّة، هي مصدر الصراخ الحقيقي والمفتعل على بعض الأعمال الفنية والأدبية التي تخرج من هذه النمطية، بحجة خيانة الواقع.

هذه الصرخات تعتقد عن جهل أو قناعة عمياء أن الفن عموما عليه أن يكون أمينا في رسم صورة الواقع. إن هذا غير موجود إلا في الفقه الديني. إن لغة الفقه لغة تشريع وتثبيت وترسيخ ومسلمات.

لغة الأدب لغة خلخلة وزلزلة وتفكيك للسائد والمألوف وخلق صورة بديلة عنه وليست صورة حرفية وفي هذا قوته في التغيير. في هذه الحال( الحرفية) ما حاجتنا، كما يقول الرسام ماتيس، إلى إعادة إنتاج ما تنتجه لنا الطبيعة يوميا وبإفراط؟!

رغم أن كل شيء دمر في العراق، الأسلحة، والدولة، والمجتمع، والتاريخ، والمسار الطبيعي للتغيير، إلا أن اللغة التي نكتب بها هذه الأيام ظلت محصنة منيعة تتحدث عن واقع افتراضي متخيل، كأن كل هذه العواصف مرت فوق مقبرة!



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قديم يتفسخ وجديد لا يولد
- صورة كارثية قادمة للمجتمع المستشفى
- صلوا على أرواح موتانا وموتاهم
- باتريك سيل والشجاعة الملهمة
- الأسباب الخفية في الحملة على الحركة الإسلامية
- مساوئ الغرف المغلقة
- ماذا يعني ان تكون كاتبا في الوطن العربي؟
- خطاب الاجتثاث
- احتفالية ثانية بالشاعر رعد عبد القادر: سفر إلى أقاصي الجرح ف ...
- أوهام القبض على الدكتاتور( الأخيرة) ثلاثة قوانين للموت
- أوهام القبض على الدكتاتور14 مثقف التزوير، كريم عبد نموذجا
- أوهام القبض على الدكتاتور13 عقلية المافيا الثورية
- أوهام القبض على الدكتاتور 12 عفريت الفتنة
- أوهام القبض على الدكتاتور 11 المثققف المختلف، سعدي يوسف نموذ ...
- أوهام القبض على الدكتاتور 10 تفكيك فكر العاهة
- أوهام القبض على الدكتاتور9 النجاسات الثلاث
- أوهام القبض على الدكتاتور 8 العار والفرقة الناجية
- أوهام القبض على الدكتاتور 7 المحاكمة
- أوهام القبض على الدكتاتور6 أحفاد الدكتاتور
- أوهام القبض على الدكتاتور 5 الإمبراطور الحافي


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - التنظير لدولة غائبة