أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمزة الحسن - صورة كارثية قادمة للمجتمع المستشفى















المزيد.....

صورة كارثية قادمة للمجتمع المستشفى


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 762 - 2004 / 3 / 3 - 09:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كمن ضُرب على رأسه فجأة، شعرت وأنا أقرأ التقرير السري الصادر من منظمة دولية عن وجود أكثر من خمسة ملايين يتيم في العراق اليوم، أي أكثر من سكان النرويج بمليون، وقرابة سكان الدنمارك، وبعض دول الإتحاد الأوروبي، وأكثر مرات من دول جزر المحيط الهادي، ويقترب من سكان دول الخليج كافة!

وعلى طريقتي الخاصة رحت أفكر في شكل وصورة ولون ورائحة المستقبل القريب وماذا سيحصل خلال السنوات القادمة، وكم دكتاتورا ينتظرنا في الطريق وقاطع دروب، وكم هم عدد ضحايا هذا الرقم المهول حين يجد هؤلاء أنفسهم في مجتمع تأسس على العنف العام: عنف لغوي، وتاريخي، وسياسي، وقبلي، وأخلاقي، وديني، وحزبي، وثقافي الخ...الخ؟

علم الإحصاء هو أحد العلوم الحديثة التي تعتمدها الدول كافة، المتحضرة والنامية في بناء خططها للمستقبل، وهو علم يدرس مراحل تكون الظاهرة الاجتماعية وطرق سيرها ومحطاتها واحتمالاتها، لا يعرفه كتاب الأوهام النرجسية الذين لا يشغلهم في الماضي والحاضر وفي المستقبل غير تأمل صورهم في بركة وحل أو مرايا مهشمة أو في مقالات بعضهم التي تنفخ الوهم المتبادل عبر رسائل التمادح الزائف، كأنهم يعيشون في وطن محصن من كل شيء، مبنى بناءً نموذجيا، بضمانات، ومؤسسات، ولا ينقص هذا المجتمع الفردوسي غير قصيدة شعر هنا، وهجوم على هذا هناك، وعطر مغشوش على بقايا مقال لا يصلح علفا لحيوان على وشك الموت جوعا.

متى  يخرج البعض من سجونهم الداخلية الصارمة الفتاكة إلى ضوء النهار لتأمل هذه الفاجعة وغيرها الكثير في الطريق وبذلك يتحقق حلم بعضهم النرجسي جدا في النبوءة والكشف وكتابة كتاب التوقعات التاريخي الذي يخطئ الهدف في كل مرة لأنه يقوم على أوهام وخزعبلات وعلى تصورات مقطوعة من سياقها الواقعي ومن لحظتها التاريخية ومن مجتمعها ومن طريقة التفكير المنطقي  ومن شرط الكتابة في كونها تأملا، وتحديقا، وإنتاج معرفة، لا إنتاج طوفان الأوهام التي يغرق فيها الكاتب والقراء والقارب وحتى النهر؟!

يوم كنا نحذر عبر سنوات  طويلة بأننا نتجه نحو هاوية خطيرة لا يجدي معها في السنوات الأولى حتى موت أو نفي الدكتاتور، لأنه رمز لوضع، لعقلية، لمناخ تفكير، لكارثة، لصورة من صور الوعي المشوه، لمرحلة قردية ممسوخة، وأننا نحتاج إلى مراجعة وفحص وإعادة تقييم جديدة لوضعنا، وطريقة تفكيرنا، والتخلص من زاوية النظر القصيرة عبر الثنائيات المعروفة، لأن الوضع أعقد بكثير من هذه الزاوية، وملتبس، ولا يمكن رصده بقراءة سطحية من هذا النوع، حين كنا نصرخ أحيانا من هول كارثة قادمة نراها تزحف تحت الجلد وتسري في الدم كالسم، كنا نجد صدى ذلك على شكل دخان يتطاير هنا وهناك كي لا أحد يرانا بوضوح، ونسمع طبولا هنا وهناك كي لا يسمعنا أحد، حتى أن أحدهم  وقد عرف بالعودة إلى الأساطير الشائعة حتى لو كان الحديث عن جنازة أو حفل ختان أو البطيخ أو طريقة إعداد عصير الزبيب، وضع إحصائية خرافية وهمية عن مقالاتنا التي تعرضت للمعارضة سابقا، والسلطة حاليا، وجد فيها كحاوي أو مهرج سيرك يخرج من عبه حمامة بيضاء فجأة، أننا (نتكلم عن المعارضة بنسبة95 بالمئة فقط لا غيرها!) والبقية عن السلطة!

غريب أمر بعض هؤلاء الكتبة الذين يجهلون أشياء باتت معروفة حتى لتلاميذ المدارس في أوربا وفي غيرها، وفي مقدمة هذه الأشياء والأفكار والمدارس الفكرية والفلسفية، هي إشكالية السلطة والفكر حتى أن  مفكرين كبارا أمثال ميشيل فوكو وفلاسفة الاختلاف( جيل دولوز، وديريدا وغيرهم) قد وضعوا مؤلفات كثيرة صارت جزءا من الوعي الشعبي العام في دول العالم المتحضر وفي وعي مثقفي العالم النامي أيضا، تؤكد كلها ،على تنوع وثراء، أن تطور الفكر البشري لم يتطور ولن يتطور في صراع مع سلطة السياسة فحسب، بل مع السلط كافة وهي سلطة الوعي والذاكرة والتاريخ والموروث والهوية والدين والمقاييس العامة والجسد والعائلة والمستشفى والمعارضة والصداقة.. الخ.

بل أن المفكر ميشيل فوكو قد أكد في أكثر من كتاب على أن الفكر البشري لا ينمو بمعزل عن السلطة ـ بالمعنى الواسع للسلطة، لا الحكومة فقط كما يفهم البعض! ـ  فهو إما في صراع معها أو في توافق وبهذه الطريقة تنتج البشرية في كل فترة أفكارها الجديدة، والمعارضة في كل زمان وفي كل مكان ( وهي أيضا سلطة) ليست منظمة ملائكية فوق النقد والمساءلة والحساب وحتى العقاب سواء كانت خارج السلطة أم في داخلها، لأن أية معارضة في العالم يفترض أن تكون رؤية مستقبل تقوم على الحرية والانفتاح وعلى قبول الآخر المختلف وعلى احترام مواقع النظر المعاكسة،وقد أثبتت الوقائع صحة تلك الاستنتاجات بوضوح شديد يعمي البصر هذه الأيام حين وُضعت تلك المعارضة على طريق المحك والاختبار، أي حين صارت سلطة، بعد أن تم قطع الطريق، مبكرا، على دعوات الحذر والمراجعة والفحص والقلق الفكري المشروع ميزة الفكر الحي المستقبلي، بل حتى حين انتقلت تلك المعارضة من مواقعها إلى مواقع السلطة اليوم نواجه من ذات الرموز التي باتت معروفة جيدا للقارئ والمتابع والمتخصص وحتى المغفل، برفض أية إمكانية للنقد والمساءلة والفحص والمراجعة والشك العلمي المنهجي الذي شرعت له دول كثير كحق معروف للسؤال والبحث والكشف، بحجج هي نفس الحجج القديمة بعد إعادة الطلاء والرائحة والنكهة!


مطلوب منا، حسب فكر السرايا والمصادرة والقمع والجهل والأمية الثقافية والسلوكية والفكرية والسياسية العامة، أن لا نفكر، لا قبل سقوط السلطة ولا بعدها، لأن واحدا هناك على حافة مزبلة يفكر لوحده، ولا نتخيل لأن واحدا يتخيل في مقبرة وكالة عنا، ولا نتوقع شكل المستقبل لأن شخصا واحدا يتخيله نيابة عن عقولنا عبر الكأس والدخان، ولا نشك لأن الشك في المسلمات إثم وجريمة وعوز ونقص ومرض وعقدة نفسية، حسب هذه الطريقة المفرطة في السوء وفي السذاجة وفي الرعونة وفي الغباء القاتل!

الآن ندفع قليلا من كثير قادم نتيجة الجريمة العلنية التي ارتكبها هؤلاء الجهلة بحق شعبهم ومستقبله وبحق أنفسهم أيضا لأن ظلم النفس هو جريمة حسب كل الأديان والقوانين، حين عرقلوا بوادر تفكير مستقل من خارج حقول السياسة وأحزابها وحلقات زارها، وعرابيها، وإسطبلاتها.

إن تحويل الفكر البشري إلى مقدس، أي إلى فقه، هو أحد أفدح الأخطاء الكبرى في تاريخ الشعوب، ونحن ندفع إلى اليوم وغدا ثمن تقديس ومأسسة أحزاب اليسار والأخوان والقوميين والإسلاميين للفكر السياسي، مع أن هذا مثل أي نشاط بشري آخر هو مجموع فرضيات قد تكون صحيحة اليوم وغير صحيحة غدا ولا علاقة للأمر قطعا بالشرف والمبادئ.

خمسة ملايين يتيم، وبعد عشرين سنة يكون هؤلاء في موقع المسؤولية، أو في السجن، أو في المصحات العقلية، أوفي مراكز صنع القرار، قضاة، أو شعراءً، أو مفكرين، أو نشالين، أو جنرالات مجروحين من ماضي الآباء، وعلينا أن نتحسب للآتي قبل أن يخرج علينا حاوي أرانب جديد من سيرك آخر ليطلب منا أن نسكت ليكون هو المغني الوحيد في حفل التشابه، ولا نفكر كي  يفكر وحده في محفل القطيع، ونجلس على مقاعد مكهربة كي يرقص هو على مسرح مخطوف، ونتبرع بلساننا للكلاب كي نكون جمهورا بلا ألسن، لأن لسان الحاوي يخرج الأعاجيب الدخان والفكر والنبوءة والطيور ومنه تخرج الأزمنة والجثث!

بعد 20 سنة يكون هؤلاء آباءً لعشرين مليون طفل، ويومها، مع كوارث أخرى، التلوث والعنف، نكون قد أنتجنا، بالصمت، والخرس، والزجر، مجتمعا هو بكل صدق وقسوة وأمانة ينطبق عليه وصف المسرحي هنريك أبسن: المجتمع المستشفى وعلى صورتنا اليوم تماما!



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صلوا على أرواح موتانا وموتاهم
- باتريك سيل والشجاعة الملهمة
- الأسباب الخفية في الحملة على الحركة الإسلامية
- مساوئ الغرف المغلقة
- ماذا يعني ان تكون كاتبا في الوطن العربي؟
- خطاب الاجتثاث
- احتفالية ثانية بالشاعر رعد عبد القادر: سفر إلى أقاصي الجرح ف ...
- أوهام القبض على الدكتاتور( الأخيرة) ثلاثة قوانين للموت
- أوهام القبض على الدكتاتور14 مثقف التزوير، كريم عبد نموذجا
- أوهام القبض على الدكتاتور13 عقلية المافيا الثورية
- أوهام القبض على الدكتاتور 12 عفريت الفتنة
- أوهام القبض على الدكتاتور 11 المثققف المختلف، سعدي يوسف نموذ ...
- أوهام القبض على الدكتاتور 10 تفكيك فكر العاهة
- أوهام القبض على الدكتاتور9 النجاسات الثلاث
- أوهام القبض على الدكتاتور 8 العار والفرقة الناجية
- أوهام القبض على الدكتاتور 7 المحاكمة
- أوهام القبض على الدكتاتور6 أحفاد الدكتاتور
- أوهام القبض على الدكتاتور 5 الإمبراطور الحافي
- أوهام القبض على الدكتاتور 4 نقد الأساطير الاجتماعية والمرايا ...
- أوهام القبض على الدكتاتور 3 ذهنية القبو الحزبي


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمزة الحسن - صورة كارثية قادمة للمجتمع المستشفى