قيادة ايت يزدك المشهورة من قبل بمعتقل تزممارت ميدان لممارسة السلطة التقليدية

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

الحوار المتمدن-العدد: 2446 - 2008 / 10 / 26 - 01:26
المحور: حقوق الانسان
    

أحدثت ملحقة ايت يزدك التابعة لدائرة الريش الإدارية لضرورة أمنية فقط. لذلك يعجب المتتبعون من اهتداء مهندسي التقطيع الإداري بوزارة الداخلية المغربية إلى جعلها أكبر وحدة ترابية من حيث المساحة بشمال إقليم الرشيدية. و على سبيل القياس تكاد الملحقات الأمنية كلها تغطي تراب جماعتين محليتين قرويتين على الاقل!
يمتد المجال الإداري للقيادة من الممر الجبلي الاستراتيجي تيزي ن تلغمت شمالا إلى المدخل الشمالي لخانق زعبل جنوبا ،و من مقسمات الماء بين حوض زيز وكير شرقا إلى فج تمكورت غربا، و إلى مقسمات الماء بين حوض غريس و زيز من ناحية الجنوب الغربي. تضم ملحقة ايت يزدك خمس جماعات محلية قروية ، كرس تيعلالين، النزالة، زاوية سيدي حمزة، سيدي عياد، امزيزل.
و لما كان الإطار الإداري المشرف على ملحقات الدوائر الإدارية بالمغرب يدعى القائد، فإن المجال الترابي للملحقة يعرف بالطبع بالقيادة. والقيادات بما هي مؤسسات تقليدية طاغية تعود إلى العصر المريني. و للجنوب المغربي تجربة قوية في التعامل مع القيادات . ونشير في هذا الصدد إلى سكان تافيلالت و خاصة العنصر الإفريقي منهم (الحراثين ) باتوا يتذكرون محنتهم و اضطهادهم في عهد القائد أبوعلي (باعلي)، الذي تعامل معهم كما لو كانوا دواب لجر المحراث و سقي الأرض.
ولم تنج جنبات الأنهار التي تنبع بجبال الأطلس الكبير الشرقي من الترهيب المستمر، لا لشيء سوى أن الطريق التجارية الرابطة بين فاس و أفريقيا جنوب الصحراء عبر سجلماسة كانت تعبرها. و لبيان دور الطريق التجارية نشير إلى أن الدول المتعاقبة على حكم المغرب لا تضمن استقرارها ما لم تسيطر على المنطقة و تعين قائدا يقوم على أعمالها. و كيفما كان مستوى النجاح في السيطرة على المنطقة يظل من المتعذر على الأفراد عبور الممر الاستراتيجي تيزي ن تلغمت بفعل التواجد الدائم لقطاع الطرق . و لدرء كل خطر وارد ينتظم التجار في قوافل كثيرة العدد للتمكن من العبور في ظروف سليمة من الاعتداء.
و كانت إمارة بيني مدرار التي بنت مدينة سجلماسة سنة 140 هجرية أول دولة تهتدي إلى تنظيم القوافل التجارية. و بعد هذا التاريخ بقليل بنت مدينة كرس لوين بالأطلس الكبير الشرقي بجوار الطريق التجارية المذكورة. و لا يعني ذلك أن بداية التجارة الصحراوية صادف القرن التاسع الميلادي، ذلك أن بعض الأدلة تفيد أن النشاط التجاري تزامن ووصول اليهود إلى أعالي زيز و استيراد الإبل من إيران في القرن الخامس الميلادي. ويعنينا هنا أن تجارة القوافل جعلت المنطقة دواما مهددة بالخوف و الترهيب. و بعد تراجع تجارة القوافل ابتداء من القرن الثامن عشر الميلادي الذي وافق و صول الوفود الأولى من قبائل ايت يزدك بدا الإنسان يهتم بالأرض بدل(الزطاطة) أي حراسة تجار القوافل حسب المعنى الأمازيغي للكلمة. و رغم ذلك لم يتخل المخزن المغربي عن المنطقة لدورها الاستراتيجي كمعبر إلى واحات تافيلالت. وحسبنا أن السلطة المركزية في القرن التاسع عشر عينت الشيخ إبراهيم يسمور اليزدكي قائدا على أعالي كير و زيز وملوية. و نشهد حسب ما يحكى عنه أنه عمل على تغيير الوضع بالمنطقة ببناء القرى المحصنة بالأسوار و الأبراج، وتشجيع أيت يزدك على ضمان أمن المجال بالدفاع الذاتي و استصلاح الأراضي بجنبات المجاري المائية. وسيرا على نهج القواد لم يدم الشيخ إبراهيم على حاله، حيث تمرد على السلطة المركزية بفاس و استقر الرأي على القضاء عليه. و لم يغفل المستعمر الفرنسي بدوره أهمية المنطقة الاستراتيجية. فبدون التحكم فيها يصبح تصدير تمور تافيلالت و معادن الرصاص المتواجد بكثرة في مناجم حوض كير أمرا مستحيلا. و يحكى أنه منذ احتلال مركز كرامة سنة 1914 شرع ضباط الحماية في الاتصال بقرى تيعلالين بحثا عمن يقود الأمور بواد زيز. و في التقطيع الإداري لسنة 1919 كان الإعداد لإحداث مشيخة بواحة بتيعلالين موفقا. و في التقطيع الإداري لسنة 1930 أي بعد احتلال مركز الريش سنة 1922 و احتلال أموكر والسفوح الجنوبية لجبل العياشي سنة 1929، ظهرت ثلاث قيادات بالمنطقة،قيادة ايت يزدك المسندة للقائد عدي وبيهي نايت رهو وتضم تيعلالين و أعالي زيز، وقيادة الكرس و النزالة ومركز الريش المسندة للقائد حسن بن حمو وقيادة زاوية سيدي حمزة و هي قيادة اعتمدت في تعاطيها للأحوال الشخصية على الشريعة الإسلامية بدل العرف الأمازيغي. وفي التقطيع الإداري لسنة 1947 أحدث قيادة ايت موسى وعلي المسندة للقائد موحى أوعسو حطاب إلا أنها لم تعمر سوى خمس سنوات لتعود أعالي زيز إلى القائد عدي وبيهي سنة 1952. و مع استقلال المغرب أحدثت قيادة الريش ثم قيادة ايت يزدك ابتداء من سنة 1976. و دون الاسترسال في التفاصيل الصغيرة نسجل أن وضع قيادة ايت يزدك ظل تقليديا عتيقا على مستوى يجعل البعض يقر بأنه لا يربطها بالحداثة سوى السجلات والمكاتب و الهاتف وسيارة المصلحة. و لا نلقي بالكلام على عواهنه فالقيادة تبالغ في الاعتماد على سلطة الشيوخ والمقدمين وشيوخ الشرف و كل من تسول له نفسه مراسلة القيادة سريا وشفويا. و الغريب أن هذه الألقاب مأخوذة من الزوايا و رباطات التصوف الطرقي لكن معناها تغير لأن الفرق بين الزاوية والقيادة شاسع بشكل لا يصح معه القياس. و من أوجه الفرق أن شيوخ السلطة المحلية ومقدموها خدام أوفياء للقائد لا يغادرون صغيرة ولا كبيرة إلا أحصوها و بلغوها في الحين بينما شيوخ الزوايا ينقطعون لإطعام الطعام على حبه و إصلاح ذات البين بين الأشخاص والقبائل وتعليم الأطفال. و من ذكريات الشيوخ إلى حدود التسعينات من القرن الماضي يعنيف المواطنين بالضرب و تقديمهم تحت إشراف القائد للتحقيق ، في أسوأ الأحوال، كما حدث بمشيخة زيز العالي يوم الجمعة21 غشت 1987 لما اتهم الشيخ احد الطلبة الجامعيين بالتطرف الديني والتعامل مع دولة إيران! ليتم تعنيفه في مخافر الدرك بالرشيدية بدعوى ساقطة و تهمة باطلة. و في بحر الثمانينات من القرن الماضي استفز القائد أحد أساتذة التعليم الابتدائي لا لشيء سوى أنه يتطوع أحيانا ليؤم بالناس قي إحدى القرى النائية. و دون الحفر في مواضع تاريخ الانتهاك بالمنطقة فإن قيادة ايت يزدك استمرت في تضيق الخناق على المواطنين، و لا تفتأ تتدخل في المؤسسة العرفية و تنسحب في الميدان في حال النزاع بين العشائر حول أرض الجموع كما حدث بين ايت تيقرت و ايت تجرسيفت قرب مركز الريش. و من غرائبها أنها تطالب مؤسسات التعليم الابتدائي بتزويدها بأسماء الأساتذة و أسماء آبائهم و أمهاتهم وزوجاتهم و انتمائهم السياسي والنقابي! و كانت جمعية التواصل لمديري التعليم الابتدائي أوصت بالكف عن تزويد السلطة بالمعلومات الشخصية للأساتذة إلا أن القيادة ظلت على ضلالها القديم حيث أمرت أحد أعوانها باعتراض سبيل مدير مجموعة مدارس مولاي إسماعيل بغرب الريش ليهدده صباح يوم الخميس 16 أكتوبر 2008 بحضور شاهد عيان. و لا ندري هل عينت القيادة شرطة إدارية لتهديد رؤساء المصالح والمرافق العمومية إن لم يزودها بأسماء الموظفين و أسماء زوجاتهم و انتمائهم السياسي والنقابي. و نذكر أنه في السنة الماضية ضيقت الخناق على مسيرة نسوية احتجاجية و كذلك فعلت مع ايت يحيى وسكان قرية الند المحتجين و كل مسيرة احتجاجية تدخل تراب القيادة. و لا تزال الجمعيات التنموية تعاني من مضايقات القيادة، حيث لا تستلم وصل إيداع ملفها القانوني إلا بعد مضي أكثر من سنة على تأسيسها خلافا لما هو في مضمن في قانون تأسيس الجمعيات المغربي. و من نتيجة المقاربة الأمنية بشكلها العتيق، ظلت أربع جماعات محلية بتراب قيادة ايت يزدك تشكو من تخلف التنمية البشرية حيث فاق فيها مؤشر الفقر 30 في المئة . وتعاني الجماعات المحلية أيضا من التدهور البيئي و من العزلة و الهذر المدرسي والتخلف. و نذكر أن وضع الحريات العامة بتراب القيادة سيء للغاية لذلك وقع عليها الاختيار في بداية السبعينات من القرن الماضي لتحتضن معتقل تازممارت. صحيح أن تخلف التنمية بهذه المنطقة مرتبط بشكل مباشر و غير مباشر بالمعتقل المذكور، و يقينا أن كلنا يعترف بناهية دور المعتقل قبل سنوات إلا أن دور قيادة ايت يزدك لا يزال تقليديا. و لا جناح على هذه الملحقة إن أدركت أن رياح التغيير تهب على البناء التحتي بسرعة و على البناء الفوقي ببطء. قد يتساءل الكل عن ما علاقة القيادة بالبناء الفوقي؟ نجيب أن القيادة بناء فوقي بتصورها العتيق الذي تعكسه ممارستها البائدة. إنها بناء فوقي بمجموعة من المفاهيم بتضورها الداعي إلى الاعتماد على الشيوخ والمقدمين و استقبالها لأطر جلهم من ذوي السوابق. إنها إشارة لا يستدعي شرحها النبش في قبور السلف. فالمعرفة تذكر والجهل نسيان. وإن الجهل هنا خير من معاناة المعرفة في تراب ملحقة ايت يزدك الصنهاجية.

#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)       Ait_-elfakih_Lahcen#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات