أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - ابراهيم محمد عياش - الهجرة غير الشرعية الجزء 02















المزيد.....


الهجرة غير الشرعية الجزء 02


ابراهيم محمد عياش

الحوار المتمدن-العدد: 2386 - 2008 / 8 / 27 - 04:46
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


المقاربة السيكولوجية لظاهرة الهجرة السرية الحراقة:

في هذه الدراسة ارتئ الباحث التطرق إلى و جهة نظر بعض علماء النفس و علماء الاجتماع في تحديد المقاربة النفسية و السوسيولوجية لظاهرة الهجرة السرية.
اعتمد على نظرية التحليل النفسي في تفسير السلوك المنحرف و دينامكية الشخصية لديها باعتبارها المدرسة الأم في علم النفس ، و نظرية ماسلو Maslow 1943 لنظام الهرمي للحاجات Needs ،و نتطرق أيضا غالى وجهة نظر التيار الإنساني لمفهوم الذات لمعرفة دينامكية السلوك فيها من خلال نظرية الذات Karl rogerse لكارل روجرس ) 1902-1987( ،لكي نتعرف كيف يحدث عدم التوافق وكيف ينشأ السلوك المنحرف.
يهتم علماء النفس بدراسة مفهوم الذات بحكم أنه يمثل حجر الزاوية في بناء الشخصية ويشكل إطاره مرجعييً لفهمها ) نبيل سفيان،ص 111( . ومن هنا فالتطرق إلى مفهوم الذات يعد مفتاحاً مهماً لدراسة الشخصية الحراق وفهمها و هذا بالتركيز على الخبرات المدركة لديه و على ذاته الظاهرية وعلى نمطه الفريد في التوافق وعليه فإن تحقيق الفرد لذاته يتطلب أكثر من مجرد إشباع الحاجات البيولوجية والغرائز النفسية (منى،ص46 ) .
لقد استنتج لابين وجرين (1981) أن مفهوم الذات يوجه السلوك ويمثل القوة الدافعة له ، فالمفهوم الإيجابي يدفع بالفرد إلى مواجهة المواقف الحياتية بشجاعة وثقة ،و من جهة أخرى يشعر الشخص صاحب الصورة السلبية بالعجز الذي قد يوقعه في مغبة الاضطرابات والانحرافات السلوكية.
ولأن الشباب الحراڤ يتطلب فهماً واسعاً ودقيقاً لمفهوم الذات ، يرى كروقر وهانسن (Kruger and Hansen,1987) أن أولئك الأفراد الذين لا يستطيعون التكيف مع التغيرات والمشكلات الخاصة بالمراهقة يميلون إلى تطوير مفاهيم سلبية عن الذات وبالتالي يتبنون سلوكيات تتعارض مع معايير المجتمع .
) فهد ،ص8 (.
فقد اجمع أساتذة علم النفس – في جمهورية مصر- أن هجرة الشباب غير المشروعة لها دوافع نفسية وليدة البطالة والفراغ الذي يعاني منه الشباب مما يسبب لهم حالة من الضيق والاكتئاب النفسي وهذا هو ما دفع الشباب إلى الهجرة بحثا عن حياة أفضل في الضفة الشمالية للبحر المتوسط ، وهذه الظاهرة ما هي إلا تجليات الميكانيزمات النفسية جعلت الشباب يهاجر بطرق غير مشروعة، كالحيل الدفاعية التي يستخدمها الفرد للهروب من المشكلة ما. ومن هذه الحيل الإزاحة وهى دفع النموذج السيئ و في هذه الحالة التخلص من البطالة او الصورة السيئة التي كونها إزاء نفسه ، ومن اجل تبرير تصرفاته يلجئ إلى مكانيزم أخر يعتمد على التبرير أي أن الشاب عندما يسعى للهجرة غير المشروعة ويلقى بنفسه إلى التهلكة أو يقع في دائرة المحظور في القانون, يستعمل مبررات متعددة هروبا من المشكلة فيكون التبرير بهذا الشكل انه في حاجة ماسة إلى المال وأنه سافر بحثا عن الرزق وأنه لديه طموح وأنه يريد أن يكون مثل زملائه في المستوى المادي والاجتماعي و هذه الحيل الدفاعية تستخدم من الناحية النفسية من اجل التغلب على الصراع النفسي والخروج من دائرة الإحباط الذي يعيشه .

وجهة نظر نظرية ماسلو(Abraham Harold Maslow):
وتعد نظرية العالم النفساني الأمريكي أبراهام ماسلو (Abraham Harold Maslow) (1908-1970م) من النظريات النفسية الهامة التي درست الإنسان من زاوية حاجاته البيولوجية ، الاجتماعية و النفسية ،حيث اقترح نظرية للنظام النوعي لتطور الرغبات .
و اعتبر أن رغبات الفرد تنمو تتابعيا هرميا من الأدنى إلى الأعلى على شكل هرميي تصاعدي .و يفضل ماسلو استخدام مصطلح حاجة NEED بدلا من كلمة رغبة او دافع DESIRE OR MOTIVE ويقسم احتياجات الإنسان إلى خمسة ) عطوف،ياسين ،ص175(
يقول ماسلو في هرمه المشهور "هرم الحاجات" "Hierarchy of Needs" .
وضع تسلسلا هرميا للحاجات الأساسية للإنسان منطلقا من أن عدم إشباع الحاجات الإنسانية يخلق توترا عند الأفراد يرغمهم على توجيه سلوكياتهم نحو العمل لتحقيق الأهداف الشخصية التي تبدو الأكثر فائدة لهم. وقد نظم ماسلو هذه الحاجيات بحسب أهميتها بدءا من الأكثر أهمية كالأتي:
1-الحاجات الفسيولوجية Physiological Needs مثل الحاجة للطعام والشراب والكساء والسكن والزواج وهي الحاجات الضرورية لاستمرار بقاء الإنسان على قيد الحياة. فإذا أمّن الإنسان ضرورات حياته المعيشية فسيبدأ بالبحث عن تحقيق غاية أو حاجة أخرى أعلى في الهرم.
2-حاجات الأمن Safety Needs (security) في النفس والمسكن والوظيفة. إن تهديد الإنسان في معاشه هو تهديد لحاجة أساسية في حياته وكلما ضمن الإنسان من خلال اللوائح والقوانين كفالة حقه في توفير حاجاته الضرورية كلما ازداد شعوره بالارتياح النفسي. حتى في مرحلة البداوة فإن هذه الحاجات تشبعها القبيلة بنظامها المبني على التكافل لأبناء القبيلة.
3-حاجات الانتماء Social Needs (affilation) للجماعة والمجتمع وتحقيق التوافق مع الآخرين من خلال الحب والمودة والبر. و في هذه المرحلة يمكن استنباط قاعدة اجتماعية تُعد من أهم الأصول التربوية وهي أن الإنسان اجتماعي بالطبع يميل إلى التجمع والتفاعل مع الآخرين.
4-حاجات التقدير Esteem Needs (Recognition) من كلمات ثناء وألقاب التكريم والتشريف. هذه الحاجة، كغيرها من الحاجات، يجب أن يتم إشباعها في محيط العائلة والمدرسة والمؤسسات التي يتعامل معها الفرد وفي بعض الأحيان شهادة التقدير قد تكون لها قوة في التأثير كحافز أكبر وأكثر في النفس من استلام الجوائز المادية.
5-حاجات تحقيق الذات Self-actualization Needs الرضا عن النفس والشعور بقدر كبير من السعادة الذاتية بعد تحقيق الأهداف. وهكذا فإن ثناء الآخرين والحصول على المادة لا يمكن أن توفر السعادة في النفس ما لم يشعر الإنسان بأن تقديره لنفسه من مصادر سعادته.يؤكد ماسلو في نظريته على أن الإنسان كلما حقق حاجاته الأولية فإنه يتطلع لإشباع حاجة أعلى فيتنقل من مرحلة إلى أخرى على التوالي إلى أن يشبع حاجاته من خلال تحقيق ذاته والكثير من أهدافه.
و يرى ماسلو أن تطور وتغير الحاجات الفرد يعكس خبراته في إشباعه الرغبة او إحباطها ،فإذا كان الفرد يمارس إشباعا ضئيلا لمعظم رغباته فإذا الإرضاء الدائم سوف يؤدي إلى ترسيخها و تثبيتها،و تصبح نقطة البدء اللازمة لاستثارة هذه الرغبات في علاقته بالناس و بالأشياء.فالفرد الذي أحبطت رغباته في الانتماء و الشعور بالكرامة و تحقيق ما يريد سوف يتأثر في سلوكه وعلاقاته مع الآخرين بهذا (الإحباط) وكذلك الإنسان الذي يتعود الإشباع المادي لرغباته قد يصبح الكسب المادي احد أهدافه الكبرى في حياته- عطوف،ص 174.
تؤكد نظرية ماسلو على أن الحاجة إلى الأصحاب والحاجة إلى التقدير والاحترام في محيط الأسرة والمدرسة ومكان العمل من الحاجات الأساسية للإنسان وأن الانتماء إلى الأندية والجمعيات والنقابات ليس بالأمر الكمالي في حياة الإنسان فهذه الحاجات تغذي نفسه من ناحية الانتماء إلى الآخرين.
وجد ماسلو من خلال ملاحظته لبعض الشخصيات التاريخية البارزة أن قلة من الناس هم الذين يصلون إلى مرحلة تحقيق الذات The level of self-actualization.
و تعد هذه المرحلة بحاجة إلى عمل دائم لأنها عملية مستمرة تتصف بالنمو والديمومة وتستدعي الحفاظ على مستوى الصحة النفسية والإنجازات التي سبق أن حققها الفرد.
لهذا فإن القائمين على شؤون الشباب كمدريات الشباب و الرياضة و مراكز الشباب و دور الثقافة يجب عليهم فهم هذا الهرم النفسي لأن شباب الجزائري مثله مثل باقي شباب العالم لديه نفس الجهاز النفسي.
فقد يكون منهم من فقد الأمن و الغذاء والحب سواء في الأسرة أو في إحدى مؤسسات التنشئة الاجتماعية، و قلة حيلهم وحاجاتهم تدفعهم إلى التمرد على معايير المجتمع و القوانين الدولية فيفكرون في الهجرة غير شرعية بأي وسيليه بغية تحقيق هذه الحاجات.
رأي النظرية الإنسانية في تكون السلوك المنحرف:
يشكل التيار الإنساني القوة الثالثة في علم النفس المعاصر بعد التحليل النفسي و السلوكية و يضم اتجاهات صاغها علماء ذوي خلفيات متباينة و رؤى مشتركة، و الحقيقة أن ذلك الاتجاه قد بدا بجهد طائفة من المعالجين النفسيين الذين يعرفون في الوقت الحالي باسم طائفة علماء النفس الإنساني Human Psychologists فأولو اهتمام بإعادة تفسير السلوك الإنساني على أساس أن الإنسان يتمتع بالقدرة على توجيه نفسه ذاتيا من خلال قدرته على التعلم الذاتي و توظيفه لقدراته و إمكانياته (عبد الستار .ص. 224ـ225( .
من ابرز روادها Carl Rogers كارل روجرز:1902-1987 عالم نفس أمريكي ، تلقى تعليمه في جامعة وسيكنسن وكلية المعلمين بجامعة كولومبيا، حيث انصب اهتمامه على علم النفس الإكلينيكي. منح درجة الماجستير بجامعة كولومبيا 1928 و الدكتوراه سنة 1931. عين في وظيفة هامة في مركز توجيه روتشستر Rochester Guidance center بنيويورك حيث طور مادة كتابه عن "العلاج الإكلينيكي للطفل المشكل" The Clinical Treatment of the Problem Child (1939). و في سنة 1940 انتقل إلى جامعة أوهايو حيث اصدر كتابه عن "الإرشاد والعلاج النفسي" "Counseling and Psychotherapy" سنة 1942. وبعد ثلاث سنوات عين روجرز في جامعة شيكاغو حيث أصبح مديراً لمركز الإرشاد. وفى سنة 1946 انتخب رئيساً لرابطة علماء النفس الأمريكيين.American Psychological Association ونشر روجرز أعمالاً أخرى مثل:" العلاج المتمركز حول العميل "وعدداً من المقالات التطبيقية في المجلات العلمية. -كمال دسوقي، ص1289-
بناء الشخصية :
يعتقد كارل روجرز أن الإنسان يولد مطبوعاً على الخير والانسجام والاتزان ولديه نزعة لتحقيق الذات والصيرورة لأن يكون، كما أنه يولد وهو مزود بعمليات تقييميه، والشخصية الإنسانية تتكون من ثلاثة عناصر رئيسة هي- سهير،2000،ص.129-
أ ـ العضوية : ويقصد بالعضوية الإنسان نفسه بجميع أبعاده البيولوجية ، بشحمه ولحمه ودمه وعظامه. فالعضوية تحاول باستمرار إشباع حاجاتها أثناء تفاعلها مع البيئة الخارجية، وبالأخص حاجاتها الأساسية من مثل تحقيق الذات التي تعتبر في رأي روجرز المحور الرئيس الذي تتمركز حوله جميع ديناميكيات الشخصية الإنسانية في الحياة.
ب ـ الخبرة : يقصد روجرز بذلك عالم البيئة أي عالم الخبرات المتجددة والتي يعيشها الفرد وهي دائماً في حالة تغير مستمر. وهذه الخبرات تشمل خبرات الفرد في عالمه الداخلي والخارجي في نفس الوقت.
فالفرد يدرك بعض هذه الخبرات إدراكاً واعياً ملموساً وبعض هذه الخبرات لا يدخل في مجال إحساسه الواعي وخصوصاً تلك الخبرات التي لا تنسجم وحاجات الفرد الأساسية. ويؤكد روجرز على أن ما يدركه الفرد في المجال النفسي هو الشيء الوحيد والجوهري، وليس ما هو قائم وموجود فعلاً في الواقع الخارجي. ففي رأي روجرز لا تهمنا الظاهرة كما هي في الخارج حقيقة، وإنما يهمنا كيفية رؤيتنا لها.
لأننا لا ندرك الظواهر كما هي في الواقع وإنما تخضع لعمليات التحريف والحذف والإضافة أثناء مرورها بأدمغتنا. فقد يدرك الشاب ما مثلاً الفيزا التي تفرظها السفارات على أنها قيد بعث على الشعور بلإختناق وبالتالي على الهربة . فنحن لا يهمنا طبيعة قوانين التأشيرات بل كيف يراها الشاب العاطل عن العمل الم شح للهجرة غير الشرعية.وهناك بعض المواقف التي قد يدركها بعض الشباب على أنها حقره وهي ليست بالحقرة فعلاً.
ولكن المهم هو كيف يدركها الفرد. فالشاب يتصرف على ضوء إدراكه للأشياء وليس تبعاً لطبيعتها وحقيقتها.
ج ـ الذات : تتكون الذات أثناء تفاعل العضوية مع البيئة، ونلاحظ أنه أثناء تكوينها تقوم باستيعاب مثل وقيم الأفراد الذين تتفاعل معهم، خصوصاً القيم والمثل التي تنسجم مع حاجات العضوية، وفي نفس الوقت ترفض استيعاب القيم التي لا تنسجم مع أهداف العضوية أو أنها تقوم بتحريفها وتشويهها لتتمكن العضوية من الاحتفاظ باستمراريتها وثباتها، حيث تعتبر الذات أن الخبرات والقيم التي لا تنسجم معها عبارة عن تهديد لها.
تطور السلوك غير السوي والسلوك:
في عام 1955 أدخل روجرز ثلاثة مفاهيم في نظريته للشخصية وهذه المفاهيم هي :
1 ـ الحاجة للاعتبار الإيجابي من قبل الآخرين.
2 ـ الحاجة إلى الاعتبار الذاتي.
3 ـ شروط التقدير أو القيمة وهي الحد الذي يساعد الفرد على تجنب بعض خبرات الذات والسعي وراء بعضها الآخر بناءً على استحقاقها أو عدم استحقاقها لاعتبار الذات.
يؤكد روجرز أن مفهوم الذات هو جوهر الشخصية وأهم عامل فيها، لذا فإن أي إحباط يعوق أو يهدد إشباع الاحتياجات الأساسية للفرد وعلى رأسها تدعيم صورة الذات، ينتج عنه تقييم سيئ للذات، وبالتالي نقص في احترامها. ولا يؤثر الحرمان والإحباط في اضطراب الشخصية، إلا إذا ارتبطا بمفهوم الذات وفكرة الفرد عن نفسه، لذا فإن أكثر ما يؤدي إلى الاضطراب هو التهديد الذي يمكن أن يأخذ أشكالاً مختلفة ولكن يكون موجهاً إلى بناء الذات دائماً. ففي بعض الأحيان عندما يجد الفرد نفسه أمام ظروف لا تتوفر فيها عوامل التكيف السليم تبدأ المتاعب النفسية وسوء التكيف في الظهور. ويحدث ذلك عندما يتشدد الكبار ويقسون على تصرفات الطفل بشكل يهدد تقدير الذات واحترامها. بالإضافة إلى التهديد بفقدان الحب (الصمادي وآخرون، 1993 ، (Corsini, 1984.
كذلك يبدأ الانحراف النفسي عند العضوية عندما تبدأ باستشراب سلوكيات الآخرين وقيمهم التي لا تنسجم مع طبيعتها لا لسبب إلا لإرضاء الآخرين حتى يسمحوا في إعطائها الحب المشروط. وإذا ما استمرت العضوية على هذا الوضع فإنها ستتمرن على الفصل ما بين الذات والخبرة، وتتخلى عن الخبرات الحقيقية وتتبنى قيم الآخرين، على حساب الذات. مثال: يرى روجرز أن لدى بعض الأطفال حاجة أساسية للبكاء وذلك لتدريب الحبال الصوتية في الحنجرة، لذلك نجد بعض الأطفال يبكون لا لسبب إلا لتدريب حناجرهم، هنا والدا الطفل سيحاولون بشكل أو بآخر منع الطفل من أن يعيش خبراته ولو تطلب ذلك إيقاف حبهم له. وحتى يستطيع الطفل الحصول على حاجاته الأساسية من الوالدين، كان لا بد من إرضائهم، وليتم ذلك فلا بد للطفل من التخلي عن خبرته وتبني قيم الآخرين وسيلجأ إلى الكبت وبذلك يصبح سلوكه غير منسجم مع ذاته، وغير أصيل. وهذا بداية الانحراف النفسي.
وجهة نظر مدرسة التحليل النفسي في تفسير السلوك المنحرف:
صاحب هذه النظرية هو الطبيب النمساوي سيجموند فرويد (Sigmond Frued 1856-1939)، حيث أصبح طبيباً عام 1881، يعمل في مختبرات أرنست فون بروك في معهد الفيزيولوجيا في النمسا. إلا أن فقره المادي دفعه لترك البحث العلمي ليتجه للعمل في الميدان الطبي. حيث غادر المعهد عام 1882 ليعمل طبيباً باطنياً وباحثاً في علم الأعصاب. عام 1885 ذهب إلى فرنسا ليتدرب على يد تشاركوت (Charchot) أستاذ الطب النفسي في باريس، وتعلم على يديه التنويم المغناطيسي. عام 1886 عاد فرويد إلى النمسا ليمارس الطب والعلاج بالتنويم المغناطيسي. عام 1890 بدأ فرويد يمارس طريقته وصديقه جوزيف بروير (Bruer) في العلاج القائم على التفاعل اللفظي بين الطبيب والمريض، ونشر معه دراسات حول الهيستيريا. عام 1900 أسس فرويد ما يعرف بجماعة التحليل النفسي، عام 1905 أصدر فرويد كتاب "تحليل الأحلام" كما أصدر العديد من المؤلفات إلى أن توفي بنوبة قلبية عام 1939 (Corsini, 1984).
مكونات الشخصية:
افترض فرويد أن الشخصية الإنسانية تتكون من ثلاثة عناصر رئيسة هي : الهو والأنا والأنا الأعلى.
فالهو (Id) في رأي فرويد هي مصدر الطاقة النفسية والدوافع الإنسانية، ومقر اللبيدو (Libido) التي يعتبرها مصدر الطاقة الجنسية. كما يعتبرها مصدر غريزتي الحياة والموت، واللتين يعتبرهما فرويد مصدر النشاط الإنساني. فالهو في رأي فرويد تمثل النبضات والدفعات الحيوانية والشهوانية التي لا تعرف حدود الواقع أو المنطقية أو المعقول. والأنا (Ego) وهي مركز الشخصية الإنسانية ومصدرها وهي مقر تحليل المعلومات واتخاذ القرارات، حيث من خلالها يتصل الفرد مع عالم الواقع، فهي مصدر الضبط والشكل الذي يبدو عليه الفرد أمام الآخرين. تنمو الأنا من خلال تفاعل الفرد مع المحيط، حيث يتعرف الفرد على حدوده وطاقاته وإمكاناته وقدراته، وبالتالي يطور مفهوماً لذاته بناءً على تلك القرارات. وتعمل الأنا عادة على ضبط دوافع الهو ونوازع اللبيدو، فهي تمثل الحكومة التي تشرف على تطبيق القوانين والتشريعات لضبط الأمور.
أما الأنا الأعلى (Super Ego) فتمثل مجموع القيم والمثل العليا والمعايير الاجتماعية، التي يكتسبها الفرد من الوالدين، والمؤسسات الدينية التي تعمل على زرع هذه القيم. وفيها ينمو ويستقر ضمير الفرد الذي يحدد مفاهيم الحرام والحلال، ومفاهيم الخطأ والصواب، وما يجوز وما لا يجوز. وفي رأي فرويد تتطور الأنا الأعلى فيما بعد عندما يستطيع الفرد إدراك هذه المفاهيم (Corsini, 1984 ).
تتفاعل هذه المكونات في رأي فرويد على شكل منظومة حيث تزود الهو الشخصية بالدافع والطاقة النفسية لتحقيق الرغبات وتضع الأنا الأعلى الضوابط والقوانين التي تحمي المجتمع من هذه الرغبات، تأتي الأنا لتتوسط فيما بين دوافع الهو ومتطلبات الأنا الأعلى ليحل الصراع بشكل منطقي ومعقول بحيث يرضي الطرفين. لذا تعمل الأنا على خلق حالة التوازن (Corsini, 1984). فعلى سبيل المثال تمد الهو المراهق بالطاقة النفسية للبحث عن لذة الجنس وبأي شكل من الأشكال، عندها تتدخل الأنا الأعلى التي تقول له حرام ولا يجوز وغير مقبول من المجتمع الذي تعيش فيه. وفي هذه اللحظة تتدخل الأنا لتقول للفرد فكر في الزواج الذي بوساطته تشبع حاجاتك الجنسية وترضي شروط المجتمع ومطالبه.
ديناميكية الشخصية :
يرى فرويد أن وظيفة الأنا التوسط بين دوافع الهو وضوابط الأنا الأعلى. كذلك يؤمن فرويد بمبدأ حفظ الطاقة الذي يقول : إن الطاقة لا تفنى ولا تتبدد وإنما تتحول من حالة إلى أخرى، لذلك إذا قامت الأنا بدفع بعض مشاعر الهو إلى اللاشعور فإنها لا تخفت ولا تنتهي وإنما ستتحول إلى نمط آخر من أنماط السلوك. ولتتمكن الأنا من التوسط بين الهو والأنا الأعلى ستستخدم ما يعرف بحيل الدفاع أو ميكانزمات الدفاع وهي :1 ـ التسويغ : وفيه يحاول الفرد إعطاء مبررات منطقية ومقنعة للآخرين لفشله في تأدية واجبه كأن يبرر عدم دراسته ليلة الامتحان بأنه كان عنده ضيوف.
2 ـ الكبت : وهو محاولة تناسي الدوافع ودفعها إلى عالم اللاشعور كأن يكف الفرد عن مواجهة الطرف الآخر ويحاول تناسي الأمر.
3 ـ الإزاحة : وهو محاولة الفرد توجيه اللوم إلى شخص آخر غير مصدر القلق الحقيقي كأن توجه الأم غضبها إلى أطفالها بدلاً من زوجها.
4 ـ التقمص : وهو محاولة الفرد تقليد شخص يتمتع بصفة محببة لديه ويكون هذا الفرد عاجزاً عن امتلاك تلك الصفة. كأن يحب الفرد أن يكون عادلاً ولعجزه يحاول تقمص شخصية تاريخية.
5 ـ الإسقاط : لعجز الفرد عن مواجهة نفسه بحقيقة ذاته فإنه يلقي ما بنفسه على الآخرين فالبخيل يتهم الناس بالبخل.
6 ـ رد الفعل المعاكس : ليخفي الفرد حقيقة ذاته يلجأ إلى إظهار عكس مشاعره فالبخيل في طبعه قد يتظاهر بالكرم المبالغ فيه.
7 ـ النكوص : وهو العودة إلى مرحلة سابقة من مراحل النمو الجنسي. فالمراهق إذا أحس بالفشل فإنه يتقهقر إلى مرحلة كان فيها سعيداً جداً ألا وهي المرحلة الفمية. فحين الأزمات يلجأ الفرد إلى سلوكات تذكره بالمرحلة الفمية كأن يلجأ إلى التدخين أو الأكل.
8 ـ التسامي : هو تفريغ الفرد للطاقة من مجالات غير مرغوبة أو محمودة في مجالات مرغوبة ومحترمة كتفريغ الطاقة الجنسية من خلال الصيام والرياضة.
9 ـ التعويض : يلجأ الفرد إلى التعويض عن مشاعر النقص لديه من خلال التركيز على نشاط يظهر فيه تفوقه وإبداعه. فمثلاً طه حسين ركز على الجهود العقلية وأبدع في الأدب تعويضاً عن فقدانه البصر.
10ـ الإنكار : عند فشل الفرد في تقبل الحقيقة يحاول عدم تصديقها فينكر حدوثها كالأم التي فقدت ابنها فإنها لا تصدق وفاته في البداية.
11 ـ التخيلات والأوهام : وفيها يميل الفرد إلى تركيب صور وخيالات وهمية يركب فيها أو يتخيل نفسه في مواقف وإشباعات لم يكن بمقدوره أن يحققها في الواقع ومنها أحلام اليقظة والأحلام الليلية.
12 ـ العدوان : وهو نزعة الفرد نحو تدمير الذات أو الآخرين أو الممتلكات كطريقة للتنفيس الانفعالي والتعبير عن الدفعات المكبوتة (Shilling, 1984 , Marsella Consini, 1983)..




تنظر مدرسة التحليل الى أسباب السلوك المنحرف على أنه اضطراب في الشخصية، حيث تفشل الأنا بالتوسط بين دوافع الهو وتوقعات الأنا الأعلى. إنه شكل من أشكال انهيار الشخصية وفقدان الأنا القدرة على القيام بوظائفها.
بشكل عام يمثل السلوك المنحرف طريقة سالبة لتحقيق دفعات الهو، بحيث يسلك الفرد بطريقة مضادة لما يمثله المجتمع من قيم ومعايير و بالتالي يتعرض الشباب قبل مرحلة الحرقة لضغوط نفسية وهذه الضغوط ناتجة عن عدم الرضي على الذات بسبب عدم قدرته على تحقيق أهدافه ، وينتج عن هذه الوضعية آثار جانبية سلبية على نمو شخصيته وتوازنها حيث تنتج عدة حالات من عدم التوافق النفسي والاجتماعي . وقد خلص كل من نوردنماك Nordenmark وستراند Strandh في دراستهم حول الوظائف النفسية لدى الفرد المتوافق نفسيا و اجتماعيا ، إلى أن العمل يعزز الوظائف التالية:
1- التمتع بإيقاع بيولوجي منتظم.
2- اللقاء والاتصال الاجتماعي.
3- يعزز النمو الاجتماعي، المتمثل في المشاركة في تحقيق المصلحة العامة.
4- تحقيق الذات- المكانة والهوية
5- أداء وممارسة أنشطة معتادة
وبالتالي يتضح أن العمل فعالية في ذاته حيث أن هناك من يتقاضون تعويضات عن البطالة خاصة في الدول المتقدمة ومع ذلك لا تخلو تلك الفئات تقريبا من نفس الآثار السيكولوجية الموجودة لدى العاطلين، إذ أن غياب مفهوم الدور في الحياة الخاصة والاجتماعية للفرد يؤزم علاقاته بمحيطه ويشعره بعدم السعادة وبوضعية المستهلك الذي لاينتج شيئا، وهي وضعية تتميز بكونها تؤدي إلى حالات شديدة من الاكتئاب فيلجأ العاطل عن العمل إلى الهروب من الواقع والانعزال واللجوء إلى ما هو مخالف للقوانين في حلتنا هذه مخالفة القوانين الدولية و هذا بالتسلل الى دول أوروبا بدون تأشيرة . ولعل محاولات الانتحار الجماعي بقوارب الموت من طرف العاطلين تلخص هذه الوضعية.
يتبع في الجزء الثالث.- القاربة السوسولوجية-



#ابراهيم_محمد_عياش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهجرة غير الشرعية : الجزء الأول
- حتى لا ننقرض!
- معلومات يجب أن تعرف !
- الجن والمرض النفسي و عقلية المسلمين
- المحاكمة الكبرى
- النظرية الإنسانية في العلاج النفسي
- الأمن الصناعي
- حكاية السينما 5
- حكاية السينما4
- في بيتنا رجل
- التطور من المنظور الأنثروبولوجي
- حكاية السينما 3
- مراحل اكتساب اللغة
- الشائعات
- حكاية السينما 2
- على من نطلق الرصاص
- حكاية السينما
- شيء من الخوف


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - ابراهيم محمد عياش - الهجرة غير الشرعية الجزء 02