ابراهيم محمد عياش
الحوار المتمدن-العدد: 2366 - 2008 / 8 / 7 - 10:12
المحور:
الادب والفن
لست ادري كم الساعة الآن , فقد فتحت عيناي , فإذا بظلمة تكنفني من كل جهة , و نسيم الليل يلفح وجهي و أشباح الأشجار العالية واقفة أمامي كالشياطين .
و بعد لحظة , استيقظت من غفلتي فعرفت باني نمت في حديقة الحيوان و أنا أقرا كتابا .
فجأة رأيت مجموعة من غورلات حاملة السلاح تهرول صوبي فهربت و إذا بي اسمع .
هيـــه أنت لا تتحرك ؟
و بعد سماع طلقات الرصاص أغمي علي و لم أفق إلا و أنا في قفص الاتهام .
محكمـــة : كان هذا صوت الفيل , انه كاتب المحكمة ثم دخل الأسد و هو القاضي و بعده نمر مخطط و تمساح ساد الصمت بعد جلوسهم , فزار الأسد اقشعر لها جلدي و بدا يتكلم مع المستشاريه.
فإذا بي أرى الثعلب يتفحصني بعينيه الخبيثتين و قفز إلي وقال بصوت خفيف كالجاسوس .
إن مصيرك بيدي ،أنا ممثل النيابة و المدعى العام في محكمة الحيوان ما رأيك أن نعقد اتفاقا وكما لا يخفى عليك أنا الوحيد الذي يمكنه نبراتك و أستطيع قلب اتهامي لك دفعا عنك بشرط ان تنصبني ملك الحيوانات .
ـ نظرت إليه بدهشة و احتقار و قلت :
ـ تبرئني من ماذا؟
ـ تبرئني من ماذا ، أنا لم افعل أي شيء.
يعاود الثعلب القول : أيها الأحمق المغرور إذا ثبتت إدانتك و اغلب ظني أنها ثابتة سوف تنزع منكم السلطة و نضعكم في الأقفاص و هززت راسي بالرفض بعد أن شتمته :
ـ أنت محتال ، مخادع اغرب عن وجهي ؟
ـ أيها الأحمق ستدفع ثمن غرورك غاليا .
فجأة ساد السكون في القاعة و إذا بي أرى الحيوانات مصغية لمرافعة النائب العام و بدا ذاك المخادع ينظر إلي و كأنه يقول سترى أيها الغبي و بدا يتكلم .
سيدي الرئيس حضارات المستشارين : ان المجرم الماثل أمامكم هذا الإنسان , انه طغى و تجبر وظلم و قتل انه وراء هذا الجسم الجميل و الجلد الناعم يخفي حية رقطاء فيها السم الزعاف .
وهنا حدثت ضجة في القاعة فصاحت الأفعى :
ـ أنا احتج يا سيدي كيف يسمح لنفسه و يشبه بي هذا المجرم يا سيدي الرئيس خلقني الله بالسم لكي أدافع عن نفسي و هو اخترع السلاح ليقتل و يعتدي على المخلوقات .
ـ المعذرة , المعذرة لم اقصد إهانتك بتاتا فانا لا أكن للأفعى إلا الحب و الود .
و عاد الثعلب إلى إدانتي و أنا في القفص حائر مذعور .
ـ كنت أقول سيدي الرئيس هذا المخلوق افسد الدنيا و سعى في خرابها انه ظلم أخاه الحيوان عفوا بل سيده الحيوان .
و تطلب النيابة من عدالتكم أن تطبقوا عليه أقصى العقوبات دون أن تأخذكم به رأفة أو رحمة .
و هز الأسد رأسه كأنما ليقول :
ـ نعم بطبع مفهوم ...
هذا عرض موجز لحيثيات القضية و شخصية السيكوباتية للمتهم و لم يبق إلا تفصيل الجرائم التي اقترفها مع سبق الإصرار و الترصد .
لما صاح الفيل و نادى على المجني عليه الأول أحسست إن السهام أرشقت في صدري .
ـ المجني عليه رقم 1
رأيت خروفا قادم من بين صفوف الحاضرين وكي يقدم إدانته:
ـ يا حضارات القضاة أنا اطلب منكم أن تنصفو بني عمومتي من الخرفان ،تطبقوا عليه مثل ما كان يفعل بأسلافنا , و تسمحو لنا بفتح جزارة الإنسان و عندها تخيلت نفسي و هي معلقة من رجليها و راس موضوع على الجانب .
صاح الفيل المجني عليه رقم 2:
تقدم حمار متثاقل الخطوات و هو يلعب بشفتيه ويفرك عينيه بأذنيه و قال :
أنا لا أريد منكم إلى اتخذ لبني جنسي قطعنا من بني ادم نركب عليهم فقط .
شعرت بضحك و الخوف عندما تخيلت حمارا على ظهري و البعض منا يجر العربات ألطف بنا يا رب من هذه المحاكمة و توالى بعد الحمار كل من الطيور , الحشرات , الفاران . الكلاب و حتى القطط .
صاح الفيل رفعت الجلسة و الحكم المداولة .
ـ و صرخت أين الحكومة ؟ أين البوليس , أين رجال الأمن النجدة .
ـ دخل الفيل و صاح : محكمة .
وقف الأسد صائحا بالحكم :
قررت المحكمة حضوريا على المتهم الإنسان بسلب جميع حقوقه و تصادر جميع أمواله و تنزع منهم السلطة و يحل محلهم الحيوانات .
الحيوانات هائجة , الدخان يتطاير في المدينة , القنابل المسيلة للدموع , الكلاب الآدمية , و لا تسمع إلا طلقات النار و سارت الحرب الأهلية إلى جميع أنحاء البلاد .
و عاشت البلاد أيام عصيبة و عاصفة هوجاء , سفكت فيها الدماء أزهقت فيها الأرواح و انتهكت فيها الأعراض.
و أخيرا بدا الأمر يستتب و انطفأت النيران و انتصرت الحيوانات و أجريت الانتخابات حرة لأول مرة في تاريخ البلاد و فازت الأغلبية فوزا ساحقا و تسلم مقاليد الحكم حـــزب الحميــر .
لكن الحمير ليس لهم دراية بالسياسة فاهتموا إلا بالحفلات و القمار و الخمور و الرقصات و ساءت أمور البلاد فثارت الكتلة الكلابية و أخذت زمام الحكم و كما هو معروف الكلاب لا تعرف إلا لنباح ، و في هذا الجو من الفساد انتهز حزب القردة و قامو بانقلاب عسكري و سيطروا على البلاد .
و أخذت إلى المشنقة و وضع الجلاد الحبل حول عنقي و بيده الأخرى حرك مقبض الفجوة فسقطت من مقعد الحديقة ، فإذا بي استيقظ من نومي و عندها قلت .
ماهو الفرق بين دولة الحيـــوان و دولـــة الإنسان ؟
عن قصة قصيرة ليوسف السباعي.
#ابراهيم_محمد_عياش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟