أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم محمد عياش - حتى لا ننقرض!















المزيد.....


حتى لا ننقرض!


ابراهيم محمد عياش

الحوار المتمدن-العدد: 2376 - 2008 / 8 / 17 - 06:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بعد كتابتي لموضوع الجن و المرض النفسي و عقلية المسلمين ، تلقيت رسالة اليكترونية من صديق يقول فيها الم تسمع عن ابن سينا؟ ، الرازي و ابن الرشد أجبته و أنا أقرء الإميل بلى سمعت عنهم و قرأت عنهم بل أكن لهم الحب و الود، دفعني هذا الشعور لأن ابحث في الموضوع وفعلت وخلص بحثي بهذا الموضوع الذي بين يديكم.
الدراسة الجيدة في المخطوطات العربية و الإسلامية تكشف عن كنوز من العلوم لم تكتشف بعد ومن أهمها الطب النفسي الذي مازال معتمد حتى اليوم.
و من الثابت أن منظومة الطب العربي و الإسلامي في عصر ازدهارها قد شكلت عبر مراحل مختلفة بدءا بترجمة علوم الأمم الأخرى وخاصة اليونان مرورا بالدراسة و الاستيعاب و التنقيع و النقد و انتهاء بالابتكار و ا لإبداع , هذا فيما يتعلق بالطب الجسديSOMATIQUE أما فيما يخص الطب النفسي فيكاد يكون للعرب و للمسلمين السبق في هذا الميدان حيث استند العلاج النفسي خلال عصور السابقة لهم إلى السحر و الشعوذة ورد أسباب المرض النفسي إلى قوى شريرة سكنت هذا الجسد و اقتصر العلاج في استخدام الرقي و التمائم و التعاويذ
وفي هذا المقام يقول الدكتور عبد الستار إبراهيم ** كانت هناك بعض الأمثلة المشرقة من الفلاسفة المسلمين ممن حاولوا أن يفهموا بعض المشكلات السلوكية بطريقة علمية دلت على فهم و احترام للروح العلمية. قد يكون من المفيد هنا عرض بعض عناوين المخطوطات : كتاب في الملاخوليا( أحمد بن أبى الأشعث) و مثال في مرض المرقية (توهم المرض hypochondria ) لسعيد بن أبى بشر, مقال في الملنخوليا لإسحاق بن عمران, مقال في فقدان الذاكرة(أبو جعفر الجزار), الرسالة الشافية في أدوية النسيان لإسحاق بن حنين, من علل اختلاف الناس في أخلاقهم و سيرهم وراء شهواتهم لقسطه بن لوقا, كتاب سياسة البدن , و فضيلة الشرب و منافعه و مضاره و ما يتولى للمكثر منه و ينفع للمقلل منه لمحمد رستم الطيب, الأرجوزة في تدبير النفس لأبن كمال باشا, طوق الحمامة لأبن حزم الأندلسي, القانون و أسرار الجماع, الأرجوزة في الباه, و الثلاثة لأبن سينا. و من المؤكد أن التاريخ الإسلامي يزخر بالكثير من أمثال هذه المخطوطات المجهولة *
و مجرد النظر في عناوين هذه المخطوطات سندهش من مدى قربها من موضوعات يتطرق لها العلماء المحدثون في مجالات بحوث الشخصية , و العلاج النفسي , و علم النفس الفسيولوجي و علم النفس الاجتماعي.

الرازي و الإظطربات النفسية :

كان الرازي أعظم أطباء العرب و المسلمين و اشهرهم في العصور الوسطي قاطبة بل وحجة الطب في العالم منذ زمانه و حتى العصور الحديثة ساهم في معالجة المرضى الذين لا أمل في شفائهم فكان بذلك رائدا في هذا المجال لقد رأى الرازي أن الواجب يحتم على الطبيب ألا يترك هؤلاء المرضى وان عليه أن يسعى دوما إلى بث روح الأمل في نفس المريض , و يوهمه بالصحة و يرجيه بها و إن كان غير واثق بذلك فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس.
بالنسبة للأمراض العضوية فهو يقوم بتقديم وصف مفصل للمرض يشرح فيه علاماته و أعراضه ثم يصف له العلاج المناسب فانه قد فعل الشيء نفسه بالنسبة لهذه الأمراض ومن الأمثلة على ذلك قوله ( الغم الشديد الدائم الذي لا يعرف له سبب و خبث النفس وسوء الرجاء ينذر بالملخوليا ) المنصوي211 ثم نراه يقدم له وصفا بليغا لهذا المرض فيقول ومن العلامات الدالة عليه :( حب التفرد و التخلي عن الناس بدون حاجة معروفة أو علة ظاهرة ، و ينبغي أن يبادر بعلاجه في بدايته ويستدل الوقوع في الملخوليا هو سرعة الغضب و الحزن و الفزع و يحب التفرد و التخلي) الحاوي /1/75 .
وينصح الرازي أصحاب هذا المرض بالسفر و الانتقال إلى بلد أخر مغاير لبلدهم في المناخ فيقول (إذا أزمن بالمريض المرض فانقله إلى بلد مضاد لمزاج علته فان الهواء الجديد يكون علاجا و قد برا خلق كثير من الملخوليا بطول السفر)المرشد 116 . وعن أعراض مرض الصرع يقول الرازي ( الكابوس و الدوار إذا داما و قويا ينذران بالصرع فبذلك ينبغي ألا نتغافل إذا حدثا وبادر بعلاجها على ما ذكرنا في موضع ) المنصوري 211 ومن أمثلة معالجات الرازي في هذا الشأن ما يلي :
استدعى الرازي لعلاج أمير بخارى Buxoro Viloyati الذي كان يشكو من ألام حادة في المفاصل لدرجة انه كان لا يستطيع الوقوف وعالجه الرازي بكل ما لديه من أدوية , و لكن دون جدوى و أخيرا استقر الرازي على العلاج النفسي فقال للأمير انه سوف يجرب عليه علاجا جديدا غدا و لكن على شرط أن يضع الأمير أسرع جوادين لديه تحت تصرفه فوافق الأمير ,و في اليوم التالي ربط الرازي الجوادين خارج حمام بظهر المدينة ثم دخل هو و الأمير غرفة الحمام الساخنة , و اخذ يصب عليه الماء الساخن وجرعة الدواء ثم خرج و لبس ملابسه وعاد شاهرا سكينا في وجه الأمير مهددا إياه بالقتل , فخاف الأمير و غضب غضبا شديدا و سرعان ما نهض واقفا على قدميه بعد إن كان لا يستطيع وهنا فر الرازي إلى حيث ينتظر خادم الأمير مع الجوادين فركبا وانطلق بسرعة وعندما وصل الرازي إلى بلده أرسل إلى الأمير رسالة شارحا فيها بأنه خشي طول مدة المرض , لجا إلى العلاج النفساني و اختتم الرسالة بأنه ليس من اللياقة أن يقابل الأمير بعد ذلك فلما عزم الرازي على عدم الرجوع , أرسل إليه الأمير مائتي حمل من الحنطة و حلة نفيسة وعبدا وجارية وجوادا ، و أجرى عليه ألفى دينارا سنويا (الحاوي 3-63 )
وخلاصة القول إن الرازي كان سباقا في الاهتمام بمعالجة أصحاب الأمراض النفسية فسجل بذلك المسلمين و العرب أروع الصفحات في تاريخ الإنسانية ,فقد كان اليونان يأمرون أهل المريض الذي يعاني ضعفا في قواه العقلية يحبسه في منزله . حتى يمنع أن يصل مرضه إلى المجتمع , وكانت أوربا في العصور الوسطى تعامل أصحاب هذه العلل معاملة سيئة :فكان هؤلاء البشر المعذبون يوضعون في سجون مظلمة و قد قيدت أيديهم و أرجلهم أو يعزلون عن العالم وعن أهلهم في المستشفى السجن )أو ( البيت العجيب ) أو برج المجانين أو القفص العجيب كما كانوا يسمونها أنذراك ويسلم أمرهم إلى رجال أفظاظ لا يعرفون إلا لغة الضرب و الشتم و التعذيب و ذلك مدى الحياة وكان مبعث ذلك لدى الأوربيين هو الاعتقاد السائد بان هذا المريض قد لعنته السماء عقابا له على إثم ارتكبه , فأنزلت به هذا المرض أو إن شيطانا ماكرا ضاقت به الدنيا فحل في جسم هذا المريض وعلى ذلك فانه يحل تعذيب ذلك الجسد أنه منزل لشيطان رجيم أي فهم خاطئ المسيحية . و قد ظلت أوربا على هذا الحال إلى قبيل القرن التاسعة عشر ,عندما قام طبيب فرنسي يدعى بينل مطالبه مجلس الأديرة بتحرير المجانين السجناء و تسليمهم لعناية و رعاية الأطباء .
البيمارستان أو المصحات:
خصص المسلمون في بيمارستانات أقسام لهذا المرض و كان العميل يعامل فيها معاملة كريمة تليق به كإنسان ,ومن الأمثلة على ذلك بيمارستان بغداد الذي كان رئيسه الرازي ، بحيث خصص لهؤلاء المرضى قسم قد تولى الرازي بنفسه مراقبتهم و الإشراف على علاجهم .
يذكر ان أبى اصبيعة في كاتب العيون عن جبرائيل ابن بختيشوع المتوفى سنة 870 م طبيب هارون الرشيد (حيث يذكر انه كان لهارون الرشيد جارية رفعت يداها فبقيت هكذا لا تستطيع ردها وعالجها الأطباء بالتمرين و الادهان و لم ينفع ذلك شيئا فاستدعى جبرائيل ابن بختشوع فقال له الرشيد أي شيء تعرف عن الطب ؟ فقال : ابرد الحار واسخن البارد وأرطب اليابس و ايبس الرطب ، فضحك الخليفة وقال هذا غاية ما نحتاج إليه في صناعة الطب ثم شرح له حال الصبية فقال له جبرائيل إن لم يسخط على الأمير فلها عندي حيلة، فقال : تخرج الجارية إلي هنا بحضرة الجميع حتى افعل ما أريده , و تمهل على و لا تعجل بالسخط أمر الرشيد إحضار الجارية فخرجت وحين أراها جبرائيل عاد اليها ونكس رأسه ومسك ذيلها كأنه يريد أن يكشفها فانزعجت الجارية ومن شدة الحياء و بالانزعاج استرسلت أعضاؤها و بسطت يداها إلى أسفل ومسكت ذيلها فقال جبرائيل :قد برئت يا أمير المؤمنين , فقال الرشيد للجارية : ابسطي يدك يمنة و يسرة ففعلت ذلك وعجب الرشيد وكل من كان بين يديه .
يفسر علم النفس الحديث حالة هذه الفتاة على إنها (حالة فصام )من نوع يسمى الفصام التشنجي أو الفصام التصلبي الذي يتميز سلوك صاحبه بالتيبس النفسي و الجسمي حيث يجلس المريض ساعات طويلة جامدا لا يتحرك وإذا رفع يده أو ذراعه فانه يبقيه لمدة طويلة كما لو كان منفصلا عن جسمه لذا تعتبر هذه الحالة احد الإضطرابات الحركية ذات الأعراض التكوينية النفسية و ربما تنتج عن الاستثمارات المستمرة الداخل منطقة غير محددة بالمخ حيث يزداد نشاط إلجاما امينو .

الشيخ الرئيس ابن سينا فقد عني بعلم النفس عناية كبيرة حيث الم بمسائله المختلفة إلماما واسعا واستقضى مشاكله وتعمق في اقصرها ويعتبر ابن سينا أول الفلاسفة القدماء الذين ربطوا وظائف الإحساس و الخيال و الذاكرة بشروطه الفسيولوجية كما أن له فضلا كبيرا في توضيح أوجه الشبه بين إدراك الحيوان و إدراك الإنسان و إذا كان أرسطو قد سبقه إلى تصور النفس الحيوانية فان أحدا لم يسبق ابن سينا في إلقاء الضوء الساطع على علم النفس الإنساني التجريبي و لعل ابرز ما يميز علم النفس السينوي و يجعله عصريا إلى حد كبير , معالجته لمفهوم الوعي بالذات أو الشعور بالذات ؟ ذلك المفهوم الذي لم يسبقه احد إليه و يتلاءم مذهب ابن سينا مع النظرية السيكولوجية الحديثة الخاصة بالشعور و أقسامه و التي يعتمدها المحدثين حيث تجعل من الشعور قوة عاملة توحد الذات وتجمع أطراف الشخصية فيحس المرء انه هو الماضي و الحاضر و المستقبل فيذهب ابن سينا إلى أن الشعور بالذات يصدر عن النفس بأسرها كوحدة متميزة عن البدن وهذا الشعور بالذات يختلف تماما عن أي إدراك أخر فالإدراك العادي قد يحدث أو لا يحدث , أما الشعور بالذات فموجود دائما إلى أن صاحبه قد يكون واعيا به.
ومن إضافات ابن سينا الأصيلة في مجال علم النفس باعتراف عالم النفس الأمريكي هليجارد انه قد تعرف على ما يعرف اليوم باسم الأمراض الوظيفية في مقابل الأمراض العضوية و الأمراض الوظيفية هي أمراض نفسية الأسباب والمنشأ وتصيب وظيفة العضو وليس العضو ذاته كالتفكير بالنسبة للدماغ ومنها الأزمات و الكوارث و الصدمات النفسية إذ يقول وخبرات الفشل و الإحباط و الحرمان و القسوة والخضوع لحالات من الضغط النفسي و الاجتماعي. ينصح ابن سينا بالتزاوج بين العقاقير و الوسائل النفسية في معالجة الأمراض النفسية إذ يقول يجب مراجعة أحوال النفس من الغضب والغم و الفرح و اللذة و غير ذلك فان الأغذية الحارة مع الغضب مضرة وكذلك البارد مع الخوف الشديد أو اللذة المفرطة مضرة .
أن واحدا من اكبر علماء النفس الأمريكيين المعاصرين هو جيمس كولمان صاحب كتاب:
ABNORMAL PSYCHOLOGY AND MODERN LIVE .
تضمن حالة مرضية نفسية عالجها ابن سينا بطريقة مبتكرة أفادت علم النفس الحديث يقول كولمان: اصيب احد الأمراء بالملنخوليا la mélancolie , وظهرت أعراضها عليه اذ تخيل نفسه بقرة يجب أن تذبح ويتغذى الناس من لحمها وكان هذا المريض يخرج صوتا كصوت البقرة (الخوار) ويصيح اذبحوني , اذبحوني ولذا امتنع عن الطعام الأمر الذي أدى إلى ضعفه الجسدي ولما تم إقناع ابن سينا بعلاج هذا الأمير بدا علاجه بان أرسل رسالة يبلغه فيها بأنه ينبغي أن يكون في حالة نفسية جيدة حيث سيقدم الجزار قريبا لذبحه , ففرح المريض بهذه الرسالة وهيأه نفسيا للذبح وبعد فترة دخل عليه ابن سينا غرفته شاهرا سكينا كبيرا وقال أين هذه البقرة التي تريد الذبح ؟ فأجابه المريض بخوار كالبقرة ليعرفه، فأمر ابن سينا بان يطرح أرضا و تقيد يداه و رجلاه وبعد إتمام هذا الأمر تحسس ابن سينا كل جسمه ثم قال : إنها بقرة نحيفة جدا لا تصلح للذبح لذى يجب أن تتغذى وتسمن أولا ثم أمرهم بإطعام المريض بأطعمة جيدة ومناسبة فاكتسب المريض حيوية وقوة الأمر الذي جعله يتحرر مما اعتراه من أمراض و هذاءات وتم له الشفاء .
تكشف معالجة هذه الحالة أن ابن سينا قد شخصها تشخيصا سليما : بأنها حالة
ملخوليا بأعراضها المعروفة كما أدرك معنى مصطلح الهذاء أو الظلالة احد الأعراض المميزة للذهان العقلي أو المرض العقلي المرادف للجنون والمنهج الذي استخدمه ابن سينا في علاج هذه الحالة ومثيلتها هو المنهج نفسه المتبع في العلاج النفسي الحديث و بذلك يكون لابن سينا السبق في هذا المجال .
أوحد الزمان :
هو أبو البركات أوحد الزمان هبة الله بن علي بن ملكا، أو ملكان، نسبة إلى بلد في العراق، فيها كان مولده، طبيب عالم مشهور من يهود العراق في أوائل القرن السادس الهجري. أسلم في أواخر حياته. وكانت وفاته في حدود السنة 547 هـ .
من آثار ابن ملكا (كتاب العبر) قد تناول ثلاثة أقسام: هي المنطق، والطبيعيات، والحكمة الإلهية. ومنها (مقالة في سبب ظهور الكواكب ليلاً واختفائها نهاراً)، كما له (اختصار التشريح) و رسالة في العقل وماهيته .
ومن نوادر الطبيب أوحد الزمان أن مريضا من بغداد كان يعتقد أن على رأسه جرة , و انها لا تفارقه أبدا فكان كلما مشى يتحايد المواضع التي أسقفها قصيرة و يمشي برفق و لا يترك أحدا يدنو منه حتى لا تميل الجرة أو تقع على رأسه و بقى هذا المرض شهور طويلة رغم العلاج الذي تلقاه من الأطباء كثيرين دون نفع و انتهى أمره إلى أوحد الزمان. ففكر انه ما بقي شيء يمكن أن يبرا إلا الأمور الوهمية فقال لأهله : إذا كنت في الدار فأتوني به ثم أمر احد غلمانه بان إذا دخل عليه المريض و شرع في الكلام معه و أشار إلى الغلام بعلامة بينهما أن يسرع بخشبة كبيرة فيضرب بها فوق راس المريض على بعد منه كأنه يريد الجرة التي يظنها على رأسه و أوصى غلاما أخر و قد اعد معه جرة في أعلى السطح انه إذا رأى ذلك الغلام قد ضرب فوق راس صاحب الجرة أن يرمي الجرة التي عنده بسرعة على الأرض و لما كان أوحد الزمان في الدار و أتاه المريض شرع في الكلام معه وحادثه و أنكر عليه حمله للجرة و أشار إلى الغلام الذي عنده من غير علم المريض فاقبل إليه و قال و الله لا بد لي أن اكسر الجرة و أريحك منها ثم أدار تلك الخشبة التي عنده و ضرب بها فوق رأسه على علو ذراع وعندها رمى الغلام الأخر الجرة من أعلى السطح فكانت لها انفجار عظيم و تكسرت قطعا كثيرة فلما رأى المريض ما فعل به و رأى الجرة المهشمة تأوه لكسرهم إياها فتحرر من ذلك الوهم و برئ من علته تلك .
في علم النفس الحديث تفسر حالة مريض بغداد هذه على أنها حالة أعراض هلاوس Halluacination هلاوس هستريا ملانخوليا la mélancolie و هي نوع من هستريا hysteria الشائعة لدى الذهنيين و النادرة بين العصبيين وتعرف الهلاوس على إنها مدركات حسية خاطئة لأنها لا تنشا عن موضوعات واقعية في العالم الخارجي بل عن وضوح الخيالات و الصور الذهنية بحيث يستجيب لها المريض كوقائع بالفعل وقد تكون هذه الهلاوس بصرية سمعية أو ذوقية أو حتى الشمية وهي في حالتنا هذه هلاوس بصرية .
و قد استخدم أوحد الزمان في علاجه لهذه الحالة ما يعرف بالعلاج بالإيحاء و هي طريق لعلاج أعراض المرض تساعد على تحرير المريض من اعتقاده الفاسد.
وقد اشتهر أيضا من أطباء العرب في الطب النفسي و معالجته الطبيب مثل سكرة الحلبي نسبة إلى مدينة حلب بسورية .
ومن أمثلة معالجاته النفسية ما يلي :
مرضت جارية نور الدين زنكي مرضت مرضا صعبا ، فطال مرضها . و احضر اليها الحكيم سكرة الحلبي فوجدها قليلة الأكل متغيرة المزاج .
فقال لها : يا سيدتي دواؤك عندي وسوف تبرئين بسرعه إنشاء الله تعالى , فقالت افعل فقال ارجو منك الصراحة التامة إذا سألتك فقالت نعم. فقال :عرفيني ما جنسك فقالت فارسية وما كان دينك ؟ نصرانية فقال فعرفيني ما كان أكثر أكلكم ؟ فقالت : لحم البقر فقال : يا سيدتي وهل تشربين من النبيذ الذي عندهم فقالت : نعم ، فقال : ابشري بالعافية وذهب إلى بيته وطبخ لها من لحم البقر المغطوس في لبن و ثوم و فوقها رغيف خبز. فمالت نفسها إليه و صارت تجعل اللحم في اللبن و الثوم وتأكل حتى شبعت , ثم بعد ذلك اخرج من كمه قنينة صغيرة وقال : يا سيدتي هذا شراب ينفعك فتناوليه فشربته وطلبت النوم , وغطيت بفرو فعرقت عرقا كثيرا و أصبحت في عافية و أمر لها بهذا الأكل يوميا فشفيت.
في ضوء علم النفس الحديث نجد أن سكرة الحلبي في علاجه لجارية نور الدين محمود قد استخدم نظرية الذات التي قال بها كارل روجرز و تسمى أيضا بنظرية العلاج المتمركز على العميل حيث أجرى مقابلته مع المريضة في جو طليق سمح l empathie ولم يقدم لها تشخيصا اوحلا للمشكلة و إنما أدلى لها بنصيحة و أصغى إلى إجابتها عن أسئلته وهذه الطريقة تختلف عن التحليل النفسي psychanalyse في انه ليس من الضروري أن يفهم المريض اصل المشكلة في الطفولة فكل ما يفعله المعالج هو إطلاق الحرية للمريض وتهيئة الجو للتعبير عن متاعبه وبهذه الطريقة لا تحتاج إلى عدد كبير من الجلسات وتستخدم في الحالات التي لا تحتاج إلى بحث عميق في الماضي والتي لا ترتبط بطفولة المريض أو حياته البعيدة وتجدر الإشارة على أن تغيير النمط الغذائي قد لعب دورا في تحسن حالة الفتاة حيث تعافت بعد رجوعها إلى النمط الغذائي الذي اعتادته في بيئتها الأولى ومن المعروف أن هناك علاقة وطيدة بين الذوق و السرور حيث أن الفرد قد يتعرض عند تغيير غذائه بما يعرف بمقت الطعام , و ربما يستتبع ذلك فقدان الشهية .
و قد أدرك الطب العربي أثار الحالة النفسية للإنسان في وظائف أجهزة الجسم المختلفة فالحالة النفسية في الانقباض و الفرح و الهم و الغم و الخجل تؤثر تأثيرا مباشرا في سلوك الإنسان وقد تؤدي إلى الجنون و فقدان العقل و الأمراض النفسية الشديدة التي يحتاج علاجها إلى بحث دقيق وعميق وهذا ما فعله الأطباء العرب المسلمون وطبقوه في أقسام الأمراض العقلية فكان يخصص لهم قسم في كل بيمارستان يتلقى فيه المريض عناية خاصة من أطباء حاذقين و مهرة في فنون العلاج النفسي وقد بلغ الاهتمام بهؤلاء المرضى درجة كبيرة حتى كانت أقسامهم في بيماريستانات بغداد و دمشق والقاهرة و قرطبة تفرش بفرش من القطن يتوفر فيها الهدوء و الهواء الطلق و النور يشرف عليهم أمناء الصحة les infirmières يتعهدونهم بالأشربة المسكنة و المرطبة و يغذونهم بمرق الدجاج و أنواع الألبان بينما الموسيقى تصدح خلفهم بألحان شجية و في بيمارستان حلب خصص لكل مريض خادمين ينزعان عنه ثيابه كل صباح و يحممانه بالماء البارد و يلبسانه انظف الثياب و يحملانه على أداء الصلاة و يسمعانه قراءة القران .
وقلت لصديقي الم تفهم قصدي؟ انتهى وقت البكاء على الأطلال !
إذن ماذا حدث لأمتي؟ ماذا جرى للعقل الملسم؟
هل لهذه الدرجة نجح التيار الديني الرديكالي في تحويل العقل المسلم إلى وحل من التخلف والتهافت والضعف والاستسلام للخرافات والخزعبلات والتمسك الشاذ بأفكار غير علمية وغير منطقية وغير عقلية، مع العلم أن القران انزل على العقل ...لأنه مناط التكليف بالعبادة ! هل أحيل العقل المسلم للتقاعد وحصل على معاش مبكر وهو الآن بلا عمل إلى حد أنني صرت أؤمن أن عالم الإسلامي اصيب بشيزوفرينيا الجماعية.






#ابراهيم_محمد_عياش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معلومات يجب أن تعرف !
- الجن والمرض النفسي و عقلية المسلمين
- المحاكمة الكبرى
- النظرية الإنسانية في العلاج النفسي
- الأمن الصناعي
- حكاية السينما 5
- حكاية السينما4
- في بيتنا رجل
- التطور من المنظور الأنثروبولوجي
- حكاية السينما 3
- مراحل اكتساب اللغة
- الشائعات
- حكاية السينما 2
- على من نطلق الرصاص
- حكاية السينما
- شيء من الخوف


المزيد.....




- بآلاف الدولارات.. شاهد لصوصًا يقتحمون متجرًا ويسرقون دراجات ...
- الكشف عن صورة معدلة للملكة البريطانية الراحلة مع أحفادها.. م ...
- -أكسيوس-: أطراف مفاوضات هدنة غزة عرضوا بعض التنازلات
- عاصفة رعدية قوية تضرب محافظة المثنى في العراق (فيديو)
- هل للعلكة الخالية من السكر فوائد؟
- لحظات مرعبة.. تمساح يقبض بفكيه على خبير زواحف في جنوب إفريقي ...
- اشتيه: لا نقبل أي وجود أجنبي على أرض غزة
- ماسك يكشف عن مخدّر يتعاطاه لـ-تعزيز الصحة العقلية والتخلص من ...
- Lenovo تطلق حاسبا مميزا للمصممين ومحبي الألعاب الإلكترونية
- -غلوبال تايمز-: تهنئة شي لبوتين تؤكد ثقة الصين بروسيا ونهجها ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم محمد عياش - حتى لا ننقرض!