أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد مضيه - الثقافة العربية في فسطين البدايات والإعاقات (4من 4)















المزيد.....

الثقافة العربية في فسطين البدايات والإعاقات (4من 4)


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 2366 - 2008 / 8 / 7 - 10:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمة جديد الكاتب " رواد التنوير في فلسطين"
( عوامل إعاقة
نستطيع الحكم على سعة القفزة التي أنجزتها الثقافة في فلسطين خلال أقل من ربع قرن، وذلك إذا ما تذكرنا أن كتاب نجيب عازوري " يقظة الأمة العربية " قد وزع سرا على نفر محدود من الفلسطينيين، لدى صدوره عام 1905. عبأت حركة التنوير الفلسطينية طاقة ثقافية كفيلة بإنجاز تحول اجتماعي عميق في فلسطين لولا عوامل إعاقة مضادة عملت كوابح أضعفت قوتها الدافعة باتجاه التقدم. أخطر هذه العوامل قيام الفجوة بين الحركة القومية في فلسطين وبين الحركة الثقافية. فقد تميز تاريخ الكفاح الفلسطيني عبر امتداده الطويل باستبعاد الثقافة وتغييب المثقفين، او وضعهم ديكورا تجميليا. شمل التنكر للعلم منهجية الكفاح الوطني، خاصة ميداني التنظيم وإدارة الصراع القومي والاجتماعي . سنجد أن عمليات المقاومة للغزو الوافد قد انتهجت أسلوب الفزعات وخضعت دوما لقيادة ميدانية محلية تجهل شروط القيادة ، فتملأ فراغ الجهل بأساليب القسر والإكراه والمناورات.
على أن الفكر التنويري من جهته انطوى على توجه خفف كثيراً من تأثيره على الحركة الشعبية. من جهة ، جاء الفكر النهضوي العربي الجديد تعبيرا عن حلم إصلاحي اختزل في إنجاز مشروع نهضوي ينطوي على إضافة الديمقراطية والعلم إلى الحياة العربية. مجرد إضافة خلواً من أي صراع فكري -إجتماعي، وبدون هدم البنى القائمة التي لا تصمد فوقها البنى الجديدة المتخيلة. إن إمعان النظر في فكر هذه المرحلة يكتشف خلوه من النظرة النقدية للواقع الاجتماعي والسياسي. لم يدخل في سجال مع السائد، وبالطبع لم يعارض البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة. كما انحصر الفكر الجديد في عدد من المدن –القدس وحيفا وغزة وبيت لحم- حيث بقيت بقية البلدات وكل الأرياف داخل محاجر منيعة. فلا غرابة أن تظل مزدهرة الاتجاهات الثقافية التي تغلف المرارة و السقم بمحلول من السكر.
لم تحمل الفكر النهضوي حركة ثورية أو طبقة صاعدة تبحث لنفسها مقاماً تحت الشمس. لم تكن حاملة المشروع النهضوي طبقة مناهضة للطبقة المهيمنة تنشد تجميع القوى المقهورة من أجل الإجهاز على القديم المهتريء وتجديد الحياة والمجتمع. جرى رصد الخطر والتعبير عن القلق، لكن المنورين ممن وردت أسماؤهم وغيرهم ظلوا حقبة طويلة لا يتوجهون إلى الجماهير الشعبية، والفلاحين على وجه الخصوص. توجه الخطاب النهضوي بالذات إلى الحكام واريستوقراطية العائلات. لم تنبثق النهضة وحركة التنوير عن تبلور طبقة ثورية تتأهب لقلب الواقع الاجتماعي. لم توجد طبقة أو شريحة تحمل برنامج التغيير وبناء علاقات اجتماعية وأنماط اقتصادية جديدة. يضاف لذلك انتشار الأمية على نطاق واسع وتقليد الانسحاق والتبخيس المريعين للفرد والكتل الاجتماعية، وهو ما ميز أوضاع الشرائح الواسعة من المجتمعات العربية، ومنها بالطبع المجتمع الفلسطيني. كان الحكم المستبد ينكر آدمية البشر وأفتى فقهاء الظلام بأن من يحكم يطاع، وأن من يعارض الحاكم يعتبر خارجاً على الجماعة.
من جانب آخر كان طغيان الأمية حاجزاً حال بين ثقافة المنورين وأوسع قطاعات الشعب. وفي بحثٍ قيمٍ أعده الراحل غسان كنفاني عن الأوضاع الاجتماعية في فلسطين قبيل ثورة الثلاثينات، تبين أنه بعد 13 سنة من الاحتلال البريطاني لفلسطين، (أي في1930) يعترف مدير المعارف في تقريره: "لم تتكفل الحكومة منذ الاحتلال حتى اليوم بنفقات كافية لبناء أية مدرسة في البلاد". وفي 1935 رفضت الحكومة 41 بالمئة من طلبات الالتحاق بالمدارس التي قدمها عرب. وفي 800 قرية عربية كانت موجودة في فلسطين كان هناك 15 مدرسة للبنات فقط و269 للصبيان، ووصلت 15 فتاة قروية فقط إلى الصف السابع الابتدائي. وكان هناك 517 قرية عربية لا مدارس فيها للذكور ولا للإناث، ولا توجد أية مدرسة ثانوية في القرى العربية. وبالإضافة لذلك كانت الحكومة " تراقب الكتب وتعارض كل صلات ثقافية مع العالم العربي، وهي لم تفعل شيئاً لرفع المستوى الاجتماعي بين الفلاحين ...". في عام 1931، إذن، كان المتعلمون بين مسلمي فلسطين251 بالألف بين الذكور و33 بالألف بين الإناث، 715 بالألف بين الذكور المسيحيين و441 بالألف بين الإناث. (وكانت النسبة 934 بالألف بين ذكور اليهود و787 بين إناثهم!".
ويضيف غسان الى هذه الأرقام المروعة ان الثقافة الريفية السائدة في فلسطين كانت مثقلة بالوعي البائس الذي تحبطه قرون مديدة من القهر القومي والطبقي، قد أدت مجتمعة إلى إنشاء "مؤسسة كاملة" للاستسلام والقدرية والخنوع عكست نفسها بالأمثلة الشعبية السائدة. لم يتعمق المنورون في هذه الظاهرة المتناقضة مع دعوة التغيير والتنوير، ولم يبلغ مسامعهم أساليب العلم ومنهجيته بشأن العمليات الاجتماعية، وإدارة الصراعات المحلية والقومية. وتجلى ذلك بأوضح ما يكون في عملية التربية بالذات. عول المنورون على حجم التعليم وليس على نوعيته. كان اعتقادهم أن فتح المدارس أفواج المتعلمين كفيل بتبديد الاستبداد وإشاعة الديمقراطية. انتشرت مدارس الذكور والبنات وتكاثرت الجامعات ، لكن مظاهر التخلف وانتهاك حقوق المرأة والرجل لم تتوقف، او لم تنخفض حسب معدل انتشار التعليم. " التعليم لا يجعل الإنسان أكثر أخلاقية ولا أكثر سعادة ، ولا يغير الأهواء اوالغرائز الوراثية. وإذا ما طبق بشكل سيء فإن ضرره أكثر من نفعه" حسب تقدير غوستاف لوبون اول باحث في علم النفس الاجتماعي في القرن التاسع عشر. وهو يؤكد أن" اكتساب المعارف التي لا يمكن استخدامها هو الوسيلة المؤكدة لتحويل الإنسان إلى متمرد". لكن لوبون تحدث عن التعليم الجيد المقترن بالتطبيقات العملية، والذي يطور القدرات المهنية. ومنذ سنوات الطفولة فإن تعويد الطفل على حرية الاختيار والتفكير الجيد بدل التلقين والتطبيع والترويض، هو الذي يصنع الأجيال اللمتطلعة للحرية، والمبدعة في إنتاج المعرفة.
أدرك قطاع من المثقفين الفلسطينيين قيمة الثقافة العملياتية في وقت مبكر في تاريخ النضال الفلسطيني، وقد لعبوا دوراً بارزاً في بلورة وعي متقدم. و نشأت علاقة بين الأدب الشعبي الفلسطيني، وكذلك الأدب الفصيح في المدن، وبين حركة النضال الفلسطينية أسفرت عن تعميق الوعي في مناطق معينة من فلسطينن ونشأت علاقة جدلية من طراز رفيع بين الثقافة الوطنية والجماهير الواعية بالمخاطر المحدقة ، لكن لم يتسن لهذه العلاقة أن تتواصل وتنتشر كي تعطي ثمارها، فتداركتها النكبة بعد اكتمال الإعداد لها.
شرعت النضال ثقافة المقاومة واحتفظت بسمتها المقاومة حتى بعد مرور قرن من الزمن وبقيت تعاني الانكسارات، الأمر الذي يفشي علة او عللاً مستعصية عجزت الثقافة الوطنية عن استئصالها. أضيف لذلك علل فرختها طبيعة الثقافة المقاومة. فالنظام العربي الاجتماعي السياسي القائم قد طور ثقافة لا علاقة لها في الواقع بالإسلام ولا بالثقافة العربية الكلاسيكية، ولا حتى بتلك المنبثقة عن عصر اليقظة العربية في النصف الثاني من التاسع عشر، اللهم إلا من حيث المظهر. إنها ثقافة هجينة نشأت في العقود الماضية عبر المقاومات متعددة الأشكال ضد السيطرة الخارجية، المتعددة الأوجه والأشكال أيضا. كانت فزعات، أو مجرد استجابات عفوية ونزوية للعدوان الثقافي للامبريالية. فعلى سبيل المثال ابتكر العدوان الكولنيالي على مشارف القرن العشرين أكذوبة رسالته الحضارية التمدينية. بالمقابل ركز مثقفو الحركة الوطنية العربية على الماضي الحضاري للعرب وابرزوا بعض إبداعات الحضارة العربية الإسلامية في العصر الوسيط. كان هذا جيدا لفترة قصيرة يشعر الجماهير أن أجدادهم أبدعوا حضارة ساهمت في تقدم البشرية . ولكن استمرار التغني بالأمجاد يغدو تعويضاً مرَضيا لعجز ووهن. وجدت البرجوازية العربية، التي انتكست بمشروع النهضة، في التغني بأمجاد الماضي بديلاً عن إنجازات الحاضر ولتبرير القعود في كنف الهيمنة الأجنبية. هذا ما شكل جوهر تجربة العرب الجماعية التاريخية في العصر الحديث. ومن آليات عمل النفسية الاجتماعية أنها تبتكر عوامل الدفاع الذاتي لتوفير التماسك والاستقرار النفسي للفرد أو للجماعة بوجه العواصف الوافدة . وغالباً ما تكون العوامل من القيم والأدوات المحافظة المتوفرة، وبذا تتدعم قيم المحافظة وقد زالت قاعدتها الاجتماعية من الوجود بفعل التغيرات التي فرضتها العلاقات التجارية الجديدة. وبالنتيجة تشكل نسق ثقافي هجين يخدم غرض المواجهة، يمكن وصفه بثقافة المواجهة في أشكالها المختلفة أو ثقافة الضد، تدفع المجتمع إلى توجيه طاقاته الفكرية والنفسية كلها لحماية الذات ودفع الأذى عنها، بدل العناية بتجديدها وتثوير أسس بقائها. هذا النسق يدور حول تبجيل الذات ورسم صور مخادعة للآخر، فتفشل المواجهة العملية معه وتنتكس المواجهة.
هذه العتاصر الثقافية تتلون كالحرباء كي تنجح في أداء رسالتها. وبعد كل نكسة تسفر عنها الأسقام تتشكل في هيئة جديدة مقبولة،أو الإيعاز بأشكال جديدة من التضليل وتشجيعها. ولدى تواصل الغفلة عقوداً وهزائم متتالية تغدو العاهة نوعاً من ثقافة الإعاقة. ان تتالي النكسات في الصراع مع الغزوة الصهيونية قد ولد حالة اهتياج انفعالية مناقضة للعقلانية. تتعطل لدى الجماهير ملكة التفكير السليم، وتتركها تنقاد، مسلوبة الإرادة مشحونة بغريزة الانتقام وثقافة الضد. والهيجان وعدم الرشاد تحت مخدر الانفعالية يفضيان ، ولا بد إلى هزيمة جديدة تتسبب بالمزيد من قضم الأرض ومضاعفة تعقيدات الحالة الفلسطينية، وانخفاض سقف مناوراتها. فالثقافة الفلسطينية انفعالية ترتبك وتنزلق بسهولة في التظلم والندب. وتبقى ثقافة مقاومة ولا ترقى إلى رسالة التحرير، بمعنى السيطرة على الواقع وتوجيهه في مسار التغيير.
ثقافة الضد ثقافة غريزية تسف كي تدنو من الهمجية التي تجسدت في أفعال " المقاومة " الأخيرة، والتي افتقدت المعايير الإنسانية لثورة وطنية تستقطب التضامن والتعاطف الدوليين. إن ثقافة الثورة المضادة قد شوهت القيم وزيفت المفاهيم . فقدت مفاهيم "الشعب"و"الثورة " و"الديمقراطية " وكل مفاهيم التقدم والتغيير معانيها الأصلية المتعارف عليها بين شعوب العالم، ولف ضباب اليأس شرائح واسعة من الشعوب العربية، وفقدت المفاهيم معانيها الأصيلة وبات الزيف يغطي أديم الحياة الفكرية. وفي ظروف التردي وافتضاح العجز عن المواجهة اعترى الجماهير حالة من الاستخفاف والتندر واللامبالاة. تبذلت مفاهيم السياسة والقومية والتراث وفقدت قيمتها التعبوية للجماهير العربية. تدرك الجماهير الواسعة أن الدول الإقليمية العربية برز معظمها نتيجة اتفاق سايكس بيكو، وكانت الدول في مرحلة انهيار السيطرة الكولنيالية مشاريع وحدة قادمة لم تنجز، ومع الزمن تحولت في نظر الجمهور إلى صنائع التآمر الامبريالي- الصهيوني. ومع تفاقم العجز والتردي باتت الدول والنظام العربي بأجمعه تواجه بالسخرية. فهي في نزاعات مستدامة. وأكثر المناطق نزاعات بينية هي المنطقة العربية في الشرق والغرب. فكل خطوة تتخذها دولة باسم حرية القرار الوطني تعتبرها الدول المجاورة انتهاكا أو تقويضا للأمن الوطني والقومي. وهذا صحيح، نظراً لأن تلك الخطوة والإجراء جاءت ضمن مخطط معاد لتفسيخ التضامن العربي .
واصلت الثقافة الفلسطينية تقاوم وتتعثر، لتتسع الفجوة بين أصحاب الديار والدخلاء المستوطنين، تلك التي تحدث عنها بقلق شديد محمد روحي الخالدي ونجيب نصار ونجيب عازوري وغيرهم من المنورين. أذكت قيم الثقافة الوطنية في فلسطين الحماس الشعبي وأحدثت حراكا اجتماعياً، وطرحت رؤية متقدمة ربطت بصورة جدلية مقاومة الخطر الصهيوني بتصفية السيطرة الكولنيالية والاستعمار الجديد وبتصفية إرث التخلف. والحركة الصهيونية، إذ اعتمدت منذ البداية تكتيك المبادرة بالهجوم بدل انتظار الخصم داخل الثكنات، وضعت نصب الأعين إضعاف خصومها وربما سحقهم إلى الأبد إن أمكن. وعت الصهيونية في وقت مبكر أن أي نظام عربي أو إسلامي ذا نظام سياسي قوي أو متماسك ويمارس سياسة مستقلة، يشكل خطرا مباشرا أو محتملا، حتى لو ارتبط معها بمعاهدة سلام أو حسن جوار. الوضع الأمثل والذي يحقق لإسرائيل أمنها المطلق هو أن تصبح كل دول المنطقة طائفية أو عرقية أو مذهبية او عنصرية مثلها. وهذا ما نواجهه اليوم ، ومن تداعياته غزو العراق وغزو لبنان وتفكيك عرى التضامن العربي بخدعة عرب الاعتدال.
بسبب الهزائم وما ولدته من توترات تشظت الجماهير العربية بين اتجاهات إيديولوجية متعددة ومتناحرة. كما ساعد النظام التعليمي على إشاعة ظاهرة "التثبت حول الذات" ، وهي ظاهرة تفتت النسيج الاجتماعي وتلغي من المثقف إحساسه بأنه ثروة وطنية، المكان الطبيعي لموهبته هو البناء الوطني وتنوير درب عملية التحرر. في غياب التصورات الذهنية والرمزية المشتركة، و الأخلاقيات التضامنية والمواطنية، يتحول الشعب إلى أفراد لا رابط بينهم سوى المصالح الخاصة، لا يشعرون بالألفة ولا الثقة المتبادلة ولا الفائدة من العيش المشترك. إذا زالت الإرادة الموحدة وانقسم الشعب إرادات، تزول إمكانية بناء نظام سياسي بالمعنى الحقيقي للكلمة. الشعب نظام أخلاقي وثقافي وقانوني، أي وعي وطني أو مواطني يولد إرادة واحدة. ودور المثقفين هو بالضبط تمتين اللحمة ودعم إرادة الوحدة برؤية عقلانية واضحة وتأمين التواصل مع الرأي العام الواسع وللأدب والفن والسينما والمسرح وكل وسائل الثقافة أو ينبغي أن يكون لهما دور رائد في هذا المجال
طور النظام العربي الاجتماعي السياسي القائم ثقافة لا علاقة لها في الواقع بالإسلام ولا بالثقافة العربية الكلاسيكية، ولا حتى بتلك المنبثقة عن عصر اليقظة العربية في النصف الثاني من التاسع عشر، اللهم إلا من حيث المظهر. عبر ردود الأفعال والرفض فقدت الثقافة السائدة القدرة على الفعل التحرري ولم تعد تعيش حرية المقاومة للسيطرة الأجنبية، ولا تشكل شرطا تكوينيا ومشروعا لبناء ذات مستقلة فعلية. وهي ثقافة مضادة تعبر عن الاستلاب، إي عن إرادة الفعل المستقل والواعي الموجه بأفق واضح المعالم ، محدد الأهداف.
الوضع العربي المتدحرج إلى الهاوية يغري إسرائيل بالتعنت ورفض دفع مستحقات السلام. فهو وضع مرتبك وقاصر. الوضع العربي يستحيل أن يجبر إسرائيل على الانطلاق في درب السلام العادل. انه يضع القضية العربية عامة والفلسطينية على وجه الخصوص أمام مأزق. هكذا ظلت قيم التخلف تتحايل وتتقنع، تتغذى من الواقع الاجتماعي والسيطرة الأجنبية، لتمثل ألغاما تتفجر بالنضال الفلسطيني في منعرجاته ونقاط تقاطعه. لم تُجتث قيم استلاب الجماهير وثقافة الانسحاق، ولم يحدث القطع الحاسم في الوعي الاجتماعي، بما يكرس منهجية التخطيط الاستراتيجي والواقعية السياسية في الممارسة، ويوطد نزعة التحديث في النشاط السياسي أو الفكري و الاقتصادي و التعليمي، بحيث يستنير النضال الوطني بتفكير استراتيجي يفعّل العلاقة الجدلية بين الاستراتيجية والتكتيك، وبين الفكر والممارسة.
لن يكون هناك أمل في تعزز نهج الديمقراطية واضطراد التغيير التقدمي في بلد عربي بدون نهوض عربي شامل ، على الأقل في المشرق او المغرب، بمعزل عن حل القضايا الوطنية الكبرى، وفي مقدمها القضية الفلسطينية، وتوسيع هامش مبادرة الدول والشعوب تجاه الاستراتيجيات الاستعمارية الخارجية. التحرر مقرون بالديمقراطية والتنمية والتضامن او التوحد، وكلها مظاهر لعملية التغيير التقدمي في العالم العربي.
ولتحقيق انعطافة حاسمة في هذا الاتجاه لا بد من إخضاع برنامج المقاومة لقيم الأخلاق الإنسانية أولا، ثم لبرنامج بناء القوة الذاتية، وهو ما "يجعل من بناء الحرية الشخصية، أي بناء الوعي والضمير والإرادة عند كل فرد، ومن وراء ذلك تأسيس الفعل الأخلاقي، وتاليا الثقافة، شرطا للحرية الخارجية"، حسب تعبير المفكر العربي الدكتور برهان غليون.
وحيث أن التغيير الاجتماعي عملية معقدة، موضوعها الأساس هو الإنسان، فمن المستحيل إنجاز ثورة اجتماعية بدون إحداث ثورة في الوعي الاجتماعي. يستحيل إحداث تغيير اجتماعي لا تنجزه الجماهير ذات العلاقة، يلهمها وعي الواقع بلا تفكير رغبي، يلم بآليات حركة الواقع وبدينامياتها. التغيير الاجتماعي، في جوهره، حركة جماهيرية مستقلة تنهض من هيئات أهلية تمارس وتنتظم ديمقراطيا وتدرب الجماهير على الاختيار الحر والالتزام بالنظم والقوانين. يمكن انتزاع الديمقراطية وتثبيتها في الممارسة الاجتماعية إذا أخلصت قوى التغيير الاجتماعي لقضية الديمقراطية ومفاهيمها ومارستها في النشاطات العملية. يشترط التقدم بتنامي دور العقل في حياة البشروإدارة العمليات الاجتماعية. ضمن هذه السيرورة ينحسر حيز الذاتية والانفعالية والنزوية، وتجتث عناصر الخرافة والأوهام والشعوذات من التفكير العام، فتخلو الساحة للتفكير الموضوعي والواقعية السياسية. البشر، وهم يجتازون جسر التحول الثقافي يكفون عن الخضوع للقهر ويتمردون على الحرمان ويهجرون الخرافة بعد أن ينبذوا منظومة المفاهيم التي تبرر تهميش البشر وازدراء إراداتهم واستعبادهم ماديا وروحيا فيشرعون انتزاع ما باتوا يرونه حقا لهم كفِلتْه الشرائع وحقوق الإنسان. وإذا تحولت العملية التعليمية عن التلقين والتطبيع والتكييف مع اوضاع المحافظة المهيمنة، وانتهجت أسلوب تربية العقل وحرية الاختيار فإنها ـ التربيةـ تغدو إحدى وسائل التحول الاجتماعي الجذري ن نحو إشاعة الديمقراطية والتنمية البشرية والمادية تسريع عملية التقدم.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رفيقنا الذي رحل عنا
- الثقافة العربية في فلسطين البدايات والإعاقات 3من4)
- الثقافة العربية في فلسطين( 2من 4) مقدمة جديد الكاتب -رواد ال ...
- -الثقافة العربية في فلسطين ( 1من 4حلقات) البدايات والإعاقات
- خنق الماركسية من خلال احتضانها
- نكبة تفرخ نكبات وكوارث
- النضال الطبقي في البنية الكولنيالية-3
- النضال الطبقي في البنيةالكولنيالية
- من ركام المحنة تنبت العقلانية
- النضال الطبقي في البنية الكولنيالية
- خطورة الفساد تتجاوز إهدار المال العام
- الأرض في المشروع الصهيوني
- الاحتلال يعزز مواقعه في العراق ... ولو بصعوبة
- احترام مشاعر الجمهور وعقله
- أجل، إسرائيل بحاجة إلى مبرر
- نموذج لعدوانية العولمة وإرهابها
- الإيديولوجيا كالهواء نتنفسه ولا نشعر به
- السلطة والفصائل تستنكف عن تحريك المقاومة الجماهيرية
- أوضاع الفلسطينيين تتدهور للأسوأ
- التعليم قد يؤدي دور أداة التقدم والديمقراطية 3من 3


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد مضيه - الثقافة العربية في فسطين البدايات والإعاقات (4من 4)