فاطمه قاسم
الحوار المتمدن-العدد: 2365 - 2008 / 8 / 6 - 10:57
المحور:
القضية الفلسطينية
ها هو المأزق الداخلي الفلسطيني المتمثل بالانقسام السياسي , وتداعياته الإدارية والقانونية , والاجتماعية والنفسية , يعيد إنتاج نفسه في دورات متتابعة من التأزم , والتباعد , والضعف , وتقديم أثمان فاضحة بدون أي نوع من الانجاز , لدرجة أن هذا المأزق الداخلي الفلسطيني يتحول إلى معضلة وجرح نازف لا يتوقف , حيث أن الجرح كلما استمر مفتوحا كلما توازى معه النزف المستمر , بل العكس فان بقاءه مفتوحا يجعله عرضة للتعفن , والتسمم , وان درجة الخطر تزداد , وتهدد الجسد كله بالموت.
وعودة إلى تفجيرات شاطئ مدينة غزة التي حدثت منذ عشرة أيام
, والتي لقيت إدانة واسعة , وتم التعامل معها بردات فعل سريعة , لماذا وقعت تلك التفجيرات ؟ ومن الجهات التي نفذتها ؟ وهل الحدث كله وقع تحت البند الجنائي أم السياسي ؟وهل هو فردي عارض من نوع الأعمال الانتقامية, أم عمل منظم يشير إلى مرحلة جديدة ؟
كل هذه الأسئلة لا يوجد أجوبة لها حتى الآن , وكل مانراه ونسمعه ليس إلا مجرد تداعيات , وردود أفعال , وتوتر من داخل وبسبب المأزق نفسه , وهذا مما دفعني إلى وصف المأزق الداخلي بأنه تحول من العجز على القدرة لإنهائه إلى جرح نازف تزداد خطورته وقوته يوما بعد يوم .
وان هذا المأزق يتحول بالفعل إلى تهديد ليس فقط لمشروعنا الوطني , بل لكل المنطقة الحساسة المحيطة بنا , وخاصة في مصر والأردن وإسرائيل , وان هذه الأطراف رغم اختلاف تقييمها لهذا المأزق انطلاقا من مصالحها , فإنها ستحاول أن تمنع سلبيات هذا المأزق الداخلي الفلسطيني من إنتاج نفسه عند هذه الأطراف بأي شكل من الأشكال .
المأزق الداخلي الفلسطيني " الانقسام " الذي حدث منذ صيف العام الماضي , يودي تدريجيا إلى تخفيض سقف الطموح الفلسطيني , من دولة مستقلة قابلة للحياة في حدود الرابع من حزيران عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها , إلى مجرد الاستمرار في الحياة بحدها الأدنى , مثل الارتضاء بفتح معابر البضائع في قطاع غزة وبعض الأنفاق التي سرعان ما تنكشف أو تنهار على من فيها , ومعبر رفح في حدود الحالات الإنسانية , وتهدئة بسقف امني محدود بهدف منع الاجتياح الإسرائيلي ليس أكثر , أما في الضفة الغربية فسقف الطموحات يصبح مجرد استمرار السلطة الوطنية قادرة على تامين رواتب الموظفين " برغم تعالي أصوات بالتوقف حتى عن ذلك بحجة تحميل المسئولية لإسرائيل " وإدارة خدمات محدودة لان الاحتلال يعترض الطريق .
ولكن هذا السقف المنخفض للطموحات الفلسطينية بسبب الانقسام وتداعياته واستغلاله ببشاعة وقسوة من قبل إسرائيل , قد يؤدي إلى صعود الاحتمال الأقوى والأخطر وهو حدوث انفجارات غير مسيطر عليها , سواء في قطاع غزة المضغوط بالمشاكل المتفاقمة , أو في الضفة الغربية التي تفقد الأفق والأمل بسبب اتساع هجمة الاستيطان وتهويد القدس , وتصعيب الحياة اليومية إلى درجة الاختناق , والضربات القوية التي تتعرض لها الخطط التنموية والأمنية على يد الاحتلال الإسرائيلي .
الانفجارات غير المسيطر عليها وارد حدوثها بقوة نتيجة تضافر عوامل متعددة , ابتداء من حالة العجز وعدم القدرة من مغادرة الانقسام , وفقدان الأطروحات السياسية السائدة لمصداقيتها , وصولا إلى الحصار والإحباط والفقر والاحتياج , وهناك سوابق في تاريخ التجربة الفلسطينية , حين انفجرت الانتفاضة الأولى في نهاية عام 1987 ثم انتفاضة النفق في عام 1996ثم انتفاضة الأقصى في العام 2000 ثم مسلسل الاختراقات الأمنية التي قادت إلى الوضع الراهن , وأحب أن اذكر أن الأوضاع عند انفجار تلك الانتفاضات والتطورات لم تكن أسوا مما هي عليه ألان , بل على العكس هناك تراكمات أكثر سلبية صنعناها بأنفسنا مثل إضعاف حصانة الشرعية الوطنية واستطالة هذا الخلاف الذي فشلنا حتى الآن في السيطرة عليه أو إدارته بطريقة اقل نتائج تدميرية .
ويجب أن نتذكر أن الروادع كانت قوية جدا ممثلة بقوة وبطش الاحتلال ولكنها لم تحول دون وقوع تلك الانفجارات الشاملة , بل إن الانفجارات غير المسيطر عليها المحتملة قد تكون الأكثر عنفا , وقد تفتح من جديد ملفات كنا نتمنى أن تندثر من أجندتنا الوطنية , مثل ملفات الثار الفردي والجماعي , وربما تدخل أطرافا على اللعبة, في أجواء قابله لذلك مثل الأجواء التي نعيش بها لم تكن موجودة سابقا , وبطبيعة الحال :
فانه لا يكفي أن نتوقع الاحتمالات بل لا بد من جهود جادة ومتفوقة لتلافيها أو التخفيف من خسائرها , ومطلوب بإلحاح الآن إعادة تركيب المشهد الفلسطيني , لان المشهد بوضعه الحالي يبدوا شاذا وغير عاديا , وعنصر الشذوذ في المشهد أننا نقوم بإفراغ شحنات الإحباط السالبة ضد بعضنا , حتى ليبدوا كما لو أن العدو , الاحتلال الإسرائيلي قد سقط سهوا من حساباتنا , وان مصطلحات مثل الاستقلال , والدولة , والمقاومة , والوحدة , والحوار , والائتلاف الوطني , قد سقطت بشكل نهائي من قاموسنا السياسي اليومي , وأننا نتوعد أنفسنا بالمزيد من تدمير الذات , ونبحث عن فرص للانقضاض على انجازاتنا لتحطيمها , هذا المشهد لا يمكن التعامل معه بقبول وجدية من أي طرف وربما الأطراف الخارجية تحاذر , وتتخوف , وتدس أيديها , وتستغل , وتخرب , وتعبث , ولكن هذا المشهد الفلسطيني الراهن لا يفرض على الآخرين الجدية في التعاطي مع حقوقنا , ومشروعنا الوطني , وأهدافنا العادلة , ولذلك فانه يتوجب علينا أن نعيد تركيب المشهد , وصياغة أولوياته , بحيث نعود في نظر الآخرين أصدقاء وأعداء على حد سواء , شعبا له قضية وحقوق وأهداف , وليس استمرار السجال والتناحر على المصالح , والحضور في لحظة عارضة بلا أفق , إننا نرى اشد الأعداء حولنا يتحاورون , لذا لماذا هذا الهروب من الحوار ؟
ولماذا هذا الخوف الذي يصل إلى حد الشعور بالرعب من الحوار.
إعادة تركيب المشهد معناه إعادة الاعتبار لشرعياتنا الوطنية , ولأجندتنا الوطنية , ومعناه الاتفاق على ما يجب أن نفعله حتى في الوقت الضائع والذي قد يطول , ومعناه أننا شعب ولدينا حقوق نريد الحصول عليها من مغتصبها وهو الاحتلال الإسرائيلي وليست المكاسب الوهمية والمتوهمة من بعضنا , التي نواصل بسببها شن الغارات الداخلية والتي تدمر كل شيء ,
فهل يمكن أن نستعيد الوعي ونعيد تركيب المشهد على هذا النحو .
#فاطمه_قاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟