أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - تكوين















المزيد.....

تكوين


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 2354 - 2008 / 7 / 26 - 09:13
المحور: الادب والفن
    



كانت الصحراء تأكل امتدادها كالصمت، وكان الليل يسكن جلد النهار...
قالت السماء ( رصاصها العاتي الساقط في قبر الذراعين): ما أقرب هذه الدار.كادت الجسور أن تموت من التعب، والتلال أن تهرب من مفاتن الريح. شربت هاتيك الأرض دمها الشاسع، الموحل كالبياض، واستلقى نهارها على طاولة الشفق السحيق...
قال الهواء: مازالت تنام في بداوتي أقراص المسافات، أيها الغيث المخنوق باللوعة، إني أراك تمتد لقاع الأسماء، الأسماء الشائكة كأسنان الكهف. فلا تؤاخذني.
قالت الأرض: إني أغور من النار.
قال الرب للنفط كن، فكان، وللخليج اختلاجا فاختلج، وللعمامة التواء، وللتبن وللرهبة، وللرغبة، وللبداوة وللغباوة، وللعراء...أخصبت الأرض اشتعل منها الخطو والباب، وارتدت لها عناقيد الجري، نام البور في قرته، واستكانت شهوة الحروب، وبكى الماء خلوته الصغيرة..ولما رأى الرب ذلك قال: لك البحار، فاسكن أنت مداها.
وكانت الصدمة.
اختلى الهواء بضجيج البراري، قالت ستائرها الطائشة: ما أصلب عود هاتيك العوادي. قال الرب : للقسوة أبوابها. وصارت في العباد عادة القسوة ( لمن يغني هذا الجدار الآكل تضاريس الأصدقاء ) بها تموت جدائل الكون وتسقط أغصان الهوادة.. قيل إن القسوة ولدت أول ما ولدت في برية الخوف. يومها خرج إبليس هاربا من قبضة الآلهة، وخرير الجنة، نزل بأرض الله الخانقة، قال: ما أعرق هذه البواكير الطليقة، وأقفر هذه المواسم الزائفة. ضاقت به أفواه المجرات،والحكايات الغريبة كأسواق البدو.قال : أي قارعة تؤويني، مرة أيها التعب الطازج أين تخبيء جنازتي؟ إنك تطرق يقظة الوجد، ومد عنقه لسائر البلاد والأمصار والطرائد المتكئة على كرسي القرى المدججة بالرعب وبؤس الغوايات،فالتوت كعناقيد من هدم.
قال الرب: إنك زئيرها. لك ولائمها الشاردة، وأنيابها المهجورة كالقلاع. أشرقت الخرائب في عينيه، ونزيف الشهوة القارس، نكح نفسه بنفسه، باض بيضات، رماها في كل الجهات، واستوى على الحطام..
قال الرب: إنا أعطيناك شوكة الثأر، فاقرع نوابض الأجراس...

كانت الشمس القديمة تصعد من مشرقها،وكان النفط يرفل في فزع الدهشة، يمتد امتداد العين والقلب، وزاغت ظهيرة الأهواء،، كان الوقت ينهد كالسرير، والشمس تلبس يومه وتمضي. بابها النفط ( النفط دابة هذه الأزمنة الملأى بمضارب الكآبات ورصيف المقاهي المليئة بثرثرة الرعاة، الحفاة العراة، الأجلاف، مصاصي الرقاب، البراميل المكتنزة كأكياس الصقيع )، وشكت الأرض إلى ربها، فقال للصدمة: كوني قيدها. فكانت خوذة الغروب. دبت الأغصان في خصر الأرض، واستوى العشب في خوابيها، يسند بعضه البعض. قال النفط: أنا الموكل بطوق الغيب، تروح الشمس أو تغتدي، لها أسري. قيل: ما أنت إلا معدن البلوى. قال: أنا بئر الصدمة، ركضها، وسالف الختم. تجيء هذه ( القرينة الكحلاء ) ذات الكوفيات والعقال فتركب الصحراء، ويخرج من عودها مجنون الهوام...

كان الشرق يستطيل كقوارب الرغبة الحالكة، تنعم بنداه أسوار الفجيعة، تنفث صهيلها المرابط في هامة الأحقاد، والآبار المحفورة كالأضداد، يعاقر في أماسيه الدم دمه، والأنس أنسه، والفجر مواقيت الفجور ( لا فرق بين عربي وعربي السافل أيهما كنت )..
وكانت الصدمة.
كان الشرق يرشق كأس القيظ وينام على حاسة الخراب، وتعب السطوح في شغب الطرقات، ورأى في ما رأى، أفعى كرأس البيداء تراوده الليالي كحلمة الظل، فسأل أهل الحال، قالوا: سلاما. واختنق صدى الشهوة في مرعاه. فشكا الرب وطأة العذاب. قال الرب: عدو يلقاك، فبأي آياتنا تلقاه...

قيل: لما كان مولد الحجاج ( الساقط، الخائن ألق العتبات.) مادت الأرض تحت الأركان، وسمع الناس جلجلة تشق غبار السماء، وتمضي في الأعالي بعيدا يأكل رمادها الأصداء، هرب الطير من وكناته، وارتجت الأنفاس في ربق المدائن، وأطلقت الآلهة عنان الرمل، أغمضت الظلمات شغف الأسواق، وابتلت الطرقات بفوضى من أهوال، وتهادت الجبال كأنما القيامة تدق أوتارها. كانت الشياطين تشرب أنخابها، وترقص ليلتها حتى مطلع الفجر، ووسعت مخالبها شجر الكون.. قال الرب: لتكن هذه الجزيرة خرقة من النار. إني جاعل فيها من ينقر أحشاءها ويغلق هواها، ويفسد فيها، ويطلق يد اليباب، ويغرق أهلها في الدماء... أطرقت الكائنات، وقالت : أنت الرب. الجلل ما أنت رأيت. لك انقباض الموج وانغلاق الساق على الساق...

كانت الجزيرة أعرق في الويلات، تنفطر لياليها كالأصفاد، وترتج السنون جثثا، جيلا فجيلا تساقط الأحقاد، وتملأ طواحين البوح، جاءها السيف من مغازل الجهات،بعثر القهر أرزاقها، ونام الرعب على مفاتنها يسرق منها الكلأ والهواء. كان الناس لا يتنادون إلا بالإشارة، قبورا تمشي على ضفاف الحياة. مات الفرح في غرة الصبايا وتداعت بهجة الدوالي من خطاها،أينعت الرؤوس، وكانت الأقدام، كانت الشرطة، كانت الميليشيات كان المغول والتتار، وكان البعث وكان النشور، هربت الأنهار من مجراها، وغيضت أحجار الذكريات، وقال الرب: لتهبط هذه الأرض للأسفل العظيم.

قيل لما وضعت أم الحجاج حجاجها أجهش بالقتل، واعتراها الذعر، وكانت لشدة الوضع تصرخ فتهتز لصراخها أرجاء فارس والروم وجهات المعمور... ليلتها أغلقت الآلهة أبواب السماء، ومحت التوبة من سجلاتها، ولم يبق في الأعالي غير غضب الآلهة يستنفر عرق العداوات، وأسراب البوم المرابطة في مضارب الجزيرة... وولد مشوها: عينان غائرتان كالخنزير، ورأس كرأس الثور، وقرون كقرون الكبش، وذنب كذنب الإبل، وقوائم كقوائم البعير، وملامح قارسة كالأعداء..( قيل وكان قد أبى أن يقبل ثدي أمه أو غيرها، فجاء الشيطان أهله في صفة طائر أسود فوقع في فناء الدار، ولما رآه الأهل فر الطائر من الفناء، فإذا قطرة دم تدفقت مكانه على الأرض، وفي اللحظة وقع في سمعهم دوي صوت يجلجل: إنه : خيط من ذريتي..)... وفي تلك الليلة رأى "الجابر الصباح" في ما يرى النائم شعره ( المستعار ) يتساقط تساقط الثلوج. كانت عيناه مطفأتي القرار، يطل من زجاج نافذته الواقي من الرصاص فيرى غسيل فناء يتصبب كالعرق...قال العارفون: لا يرعى الذئب الشاة.. سلطان كان قد مر، ومال تالد يفنى. قد قرب زوال هذا الملك.

وكان أن صارت الجزيرة حطب نار موقدة، صال فيها السيف، وكبر الجرح، حتى إن الحي يمر على الميت فيقول: ليتني كنت ترابا. وكان العباد تأخذهم الرهبة من ظلالهم، فاض الدم، واستفاض القتل... قال الرب:
ـ لا تذهب دماء عبادي هدرا. فقال للنفط جارها، فجاراها النفط.

1990.



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الولدعديشان
- تلخيص جراح قديمة
- العربة
- سبعة ( رجال )
- بلاد
- باب انقلاب الحال
- باب-عبس وتولى-
- باب التلقيح
- ساعة ألم مضافة للزمن المغربي
- ديموقراطية في سبيل الله
- مثل الدجاجتين
- باب الفتنة
- باب القران
- باب العداوة
- ذكر ما جاء في باب التفويت
- باب التدشين
- لماذا تأسيس نقابة بالتعليم العالي
- بصدد الجدل الدائر حول الإطار النقابي للتعليم العالي: -إصابة ...
- في أن تحويل إطار نقابة التعليم العالي إلى -جمعية- أمر مقصود ...
- في حضرة الإمام مولانا الغلاء


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - تكوين