أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - أعراس














المزيد.....

أعراس


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 2347 - 2008 / 7 / 19 - 07:36
المحور: الادب والفن
    


نضج الرمّانُ على صدرها وبان العسل في الشفتين. و ما زال الرجال يتراوحون ما بين طرق أبوابها والانضمام الى ولائمها التي لا تنتهي.
هل نسيتِ عناوين العشّاق أم أن الليل خيّم قبل الموعد المُعْلَنْ.
اجتمع عشائر باديتها ولوّحوا بقوائمهم. مَهْرُها لا يقل عن خمسين قصيدة. وبدأ "الحدّاؤون" يتنافسون على قلبها، من يجرأ اليوم على قطع أنفاس المساء؟ من يقدر على حرق قلوب العذارى؟.
وأخذ شباب الحيّ يطلقون العنان لقرائحهم الفتيّة. رقصٌ بلا نهاية، وهرمونات تتصاعد الى كبد السماء. وما تزال "القِرْبَةُ" تلعلع وتنادي .. تتحدّى ثقوب الربّابة وتنصت كلّما علا صوتها الدافئ من أصل الغدير. سبع ليالٍ والقصائد تترى لا تتوقف. شاعر ينثني لمواجهة الآخر بلا هوادة أو مجاملة، قلبها اليوم أغلى من كلّ الصفقات. وتوالى الرجال من كلّ صوب وحدب. مهرها خمسون قصيدة. مهرها قصور الشعراء المترامي بين السحاب.
ومن البعيد حضر أميرالقراصنة. كان قد سمع عن جمالها وحسنها. واصطف خانعاً بين الشعراء، كان بلا قلب أمير القراصنة. وكان على وشك نفي الحدّاءين والتعجيل بقتل الشعراء والعباد. وكان يهمّ على تقديم ثوب عرسها المرصّع بالذهب والدنانير. لكن نظرة رجاءٍ وتحدٍ لاحت من عينيها فأحجم في اللحظة الأخيرة. ولِمَ لا يحاول فرض سطوته بالحديث المنمّق والشعر كما يراه أهل البلدة غريبي الأطوار.
وشارف على قطف الرمّان من على صدرها. وشارف على ارتشاف مخزون العسل من على شفتيها. لكنها تمنعت ورفضت تسليمه ثرواتها قبل الحصول على قصائدها الخمسين. أُسقط في يد المجنون. وأمر باحضار الشعراء لكي يعلّموه بعض الشعر والكلام .. وآه يا زمان!
كانت مراكبه راسية عند شواطئها، وعسكره وبحّارته يجوبون مدينتها جيئة وذهاباً. ضاق ذرعهم بعجزه بعد أن كانوا قد اغتصبوا الصبايا وضاجعوا فتيات الليل. كانوا يشتاقون لغزوات أكثر ربحا وأكثر متعة. "ما بال هذا القرصان، أصبح قلبه ضعيفاً لا يقوى على قصف وردة". وكادوا يحيكون ضدّه المؤامرات وتحقيق انقلابٍ دامي. كان رجال البحر قد تعودّوا الغزوات السريعة المفاجئة. وها هو اللعين أمير القراصنة يتعلّم فنون الأدب وقرض الشعر وصفّ القوافي.
- مهرك غالي يا حسناء الشواطئ .. أنا لا أقوى على جمعه طِوالَ حياتي. قلبي يتمزّق يا جميلة، لا أقوى على مغادرة شواطئ الأدب هذه دونك. هاكِ خنجري، إغرزي طرفه في عمق القلب .. أريحيني من ذلّ عجزي يا قرنفلة، ثمّ أًُنثري ياسمينك فوق بقايا جسدي المعذّب. احرقي ما تبقّى من رفاتي واقذفي به الى أديم البحر، لعلّ الموج يبارك شجوني ولهفتي.
كشف له العشق والألم خبايا وأسرار الإنسان القابع في أعماقه. وكان المسكين على وشك كشف دُرَرِ الكلام، وما أصعب القوافي هذه الأيام. يسهل على القرصان اقتحام القلاع وتدمير البوارج والسفن على نسج قصيدة واحدة.
انحنى احتراماً لهؤلاء العمالقة الصغار، كيف تمكّنوا من إلحاق الهزيمة بسفنه وعسكره؟ فعلوا ذلك دون أن يطلقوا رصاصة واحدة، دون أن يشتموا أحداً. حققوا النصر بابتسامة وقصيدة!.
- أنت قادر على انتزاع جسدي وقتما تشاء أيها الأمير.
- إلاّ جسدك يا قرنفلة .. إلاّ جسدك، لن أغتصب الرحيق الذي شممت عِبْقَه من آخر المعمورة.
- آه أيها المعذّبْ، لقد حيّرتني. لقد أسمعتني أجمل قصيدة تمنّيت سماعها.
- البَيْنُ وقسوة قلبك هذبت نفسي ..
- هل تترك رجالك وتبقى الى جانبي، قُلْ نعم وأنا لك.
- لكن البحر يعيش بين جفنيّ .. لقد وعدت البحر جسدي. أخبرته وأقسمت أن أكون ملكه وطعاماً لسمكه. تعالي معي، أنت قادرة على تهذيب العواصف وكبح جماح الأعاصير.
- لا أقوى على ترك حدائقي. أنا مُلْكُ الشواطئ يا فارسي. وسال الدمع حارقاً طافحاً بين عينيها. وبكى قرصان الأمس، للمرة الأولى جرى الدمع على وجنتيه .. لثم يدها وأطراف أصابعها ثمّ صرخ بأعلى صوته:
- أحبّك.
سمع صدى صراخه الحيتان، وبكى الياسمين على شفتيها وتمرّد الرمّان على صدرها. حزم أمره وذهب مطأطئاً رأسه للمرّة الأولى نحو رجاله المجتمعين لدى سفينته منكّسة الأعلام. وكانت تشيّعه بنظراتها الجريحة، وهمست قائلة:
- أنت الشاعر يا سيد البحار. لقد مزقت قلبي وحكمت على جسدي بالعذرية، لن يمسّه أحدٌ غيرك.
وقبل أن تنطلق السفينة الى ما وراء البحار والمحيطات، تبادل الإثنان نظرات الرجاء للمرّة الأخيرة. كان الموج يتراقص في عينيه. وكان الياسمين يتمرّد في كيانها. الشهد على شفتيها يناديه، والرمّان على صدرها بدا منتصباً يناجي روحه المتقرّحة.
سمعت صوت صافرة القبطان، وأطلق الأخير سبع رصاصات في السماء؛ تحيّة لصاحبة حدائق الياسمين.
صوفيا



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شخصيّات عبر التاريخ (بوريس باسترناك)
- بصحّة الرفيق ستالين
- في حضرة الشيطان
- أحياناً تنفلت اللحظة
- فضاء روحك
- أنشودة الشرق
- العسل ومعاني العدم
- ستّون عاماً وعام يا وطني نكبة
- طقوس الغرام
- علبة الكبريت
- شتاء الوطن
- مراكبي 3 - 4
- مراكبي المجتمعات المهزومة
- اغتصاب


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - أعراس