أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سعد هجرس - -الشخص-.. الذى نحب أن نكرهه!















المزيد.....

-الشخص-.. الذى نحب أن نكرهه!


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2329 - 2008 / 7 / 1 - 10:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


ليس عيباً أن يعاني أى مجتمع من هذه المشكلة أو تلك، لكن المصيبة أن يتعامل المجتمع مع هذه المشاكل بصورة غير عقلانية، فيساهم بذلك فى استفحالها بدلاً من وضعها على طريق الحل.
ونحن لدينا جبال من المشاكل التى تتضخم وتزداد تعقيداً بسبب هذا المنهج غير الرشيد.
وإحدى سمات هذا المنهج الخاطئ هى أننا نميل إلى "شخصنة" الأبعاد فى "شخص" بعينه، سواء بالحق أو بالباطل، ثم نصب غضبنا على هذا الشخص الذى نحب أن نكرهه وأن ننفس سخطنا ونفرغ شحنة غيظنا فيه.
وهو منهج خاطئ لأنه منهج سطحى يهتم برؤية "الشجرة" ويتعامى عن رؤية "الغابة"، ويركز اهتمامه على "العرض" من دون الانتباه إلى أصل "المرض" ولذلك فإن اختزاله للمشكلة فى "شخص" ما حتى لو كان الشخص صحيحاً لا يؤدى فى أحسن الأحوال إلى ما هو أكثر من القضاء على هذا الشخص وهو أمر نادر الحدوث – مع الإبقاء على الظروف والسياسات التى تعيد إنتاج هذا "الشخص" بصورة أو أخرى .. وكأنك يا أبو زيد ما غزيت!
بل إن هذا المنهج "الشخصانى" ينطوى فى كثير من الأحيان على شكل من أشكال الإعجاب الخفى بهذا الشخص الذى نحب أن نكرهه.
وتفسير هذه المفارقة هو أن اختزال مشكلة طويلة عريضة تؤثر على البلاد والعباد في شخص بعينه يعنى إصباغ قدرات أسطورية على هذا الشخص "السوبر" الذى يستطيع أن يفرض مشيئته على دولة بأسرها، فما بالك إذا كانت هذه الدولة بحجم مصر فى الماضى والحاضر!
وهؤلاء الذين يتصورون أنهم ينكلون بهذا الشخص وينتقمون منه عادة ما يقعون فى فخ الدعاية المجانية له بالترويج لذكائه الحاد، حتى لو كان هذا الذكاء "جهنميا".
أى أنهم بدلا من أن يقوموا بتشريح ونقد سياساته على ثمانين مليون مصرى وأن يخرج لسانه لهم بعد أن يفلت بفعلته وتعجز جميع مؤسسات الدولة – موالاة ومعارضة – عن إيقافه عند حده.
هذه ليست صورة كاريكاتورية، وإنما هى صورة طبق الأصل للمشهد العام للمجتمع المصرى فى تعامله مع قضية الانفلات الجنونى لأسعار الحديد.
وهذا "الشخص" الذى نتحدث عنه ليس شخصا "افتراضيا" أو شخصيته خيالية وإنما هو إنسان من لحم ودم اسمه "أحمد عز" الذى تم اختزال قضية الأسعار الاحتكارية التى تقتل الاقتصاد الوطنى وتمص دماء ملايين المصريين فى شخصه.
وغنى عن البيان أنى لا أدافع عن أحمد عز، لكنى أختلف مع اختزال هذه القضية المعقدة فى صب اللعنات عليه. فهو فى الأول والآخر، وأيا تكن مهاراته الإنسانية أو حتى الشيطانية مجرد ترس فى آلة ضخمة ومعقدة، أو مجرد الجزء البارز من جبل جليد يختفى معظمه تحت السطح.
فهذا المهندس الصغير السن، القصير القامة، لم يشيد إمبراطورية الحديد التى يتحدث عنها القاصى والدانى بالقوة الغاشمة أو بانقلاب صناعى أو عسكرى جعل كل مؤسسات الدولة تذعن لمطالبه "الشريرة"، وإنما هو الإبن المدلل لهذه المؤسسات التى أنتجته هو نفسه قبل أن يقوم هو بإنتاج الحديد.
وبعبارة أخرى فإن إمبراطورية الحديد التى نتحدث عنها هى بنت سياسات اقتصادية واجتماعية تم اعتمادها وانتهاجها تحت لافتة "الانفتاح" الذى وصفه أستاذنا وتاج رأسنا الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين بأنه "انفتاح السداح مداح".
وفى ظل هذا المناخ "السداح مداح" ترعرعت أعشاب سامة كثيرة، وتوحشت طحالب وأسماك صغيرة تحولت إلى ديناصورات وأبقار مقدسة.
وبدلاً من طلعت حرب أصبح النموذج العصرى لـ "رجل الأعمال" هو مشايخ شركات توظيف الأموال ونواب القروض ومستوردى الفراخ الفاسدة ولصوص أراضي الدولة وقراصنة الخصخصة ومن على شاكلتهم.
هذه الطبقة المتوحشة، التى تسمى فى أدبيات الاقتصاد السياسى الحديثة بـ "الرأسمالية الرثة" أو "الرأسمالية المبتذلة" – كمقابل للرأسمالية المشتغلة بالإنتاج وبالتالى المهتمة بالعلم والبحث العلمى والابتكار – كانت هى المستفيد الأساسى من فترة "التحول" التى شهدتها البلاد بعد حرب أكتوبر، فهى التى استثمرت دماء الشهداء وسقطت فى حجرها ثمار العبور العظيم!
وشجعها على ذلك التلكؤ الشديد فى إصدار تشريعات لحماية المستهلك. وعندها خرجت هذه القوانين إلى النور، بعد سنوات من التسويف والمماطلة والالتفاف، صدرت عرجاء ومنزوعة الفاعلية بحيث احتجنا إلى تعديلها. وعندما ذهبنا إلى هذا التعديل كانت المواءمة تستدعى أن يبتعد عن الكواليس أولئك الذين تحوم حولهم شبهات التورط فى ممارسات احتكارية.
لكن هؤلاء بالذات تصدروا المشهد ليكونوا الخصم والحكم! "تعارض المصالح"، ذلك الداء العضال الذى أصابنا منذ سنوات ولايزال يؤدى إلى اختلاط الحابل بالنابل من جراء زواج المال والسياسة واختفاء الحدود الفاصلة بين المال العام والمال الخاص.
وكانت هذه السطور تتناول هذه الظاهرة المخيفة منذ سنوات عديدة. وكان معظم المسئولين يستغربون هذا المصطلح فى بداية الأمر، ويقومون بتسفيه المخاوف التى طرحناها فى حينه.
الآن .. تغيرت الصورة نسبياً، وأصبح الكثيرون يتحدثون عن تعارض المصالح. لكن الحديث شئ والواقع شئ أخر. والمهندس أحمد عز هو أحد الأمثلة الصارخة لهذا التضارب في المصالح.
وعندما قلت له رأيي بهذا الصدد، فى حوار دعانى إليه الزميل أسامة سرايا رئيس تحرير "الأهرام" منذ أكثر من سنة، اعترف بوجود مشكلة لكنه استدرك قائلا: إنها مشكلة أكبر منه.
وهى بالفعل كذلك وإن كان هذا لا يمنع مسئوليته عن استمرارها على الأقل من زاوية أنه رئيس لجنة مهمة فى البرلمان وأمين التنظيم بالحزب الحاكم. أى أنه يستطيع – لو أراد – أن يقود حملة داخل الحزب ومجلس الشعب لإصدار تشريع وخلق آية لمنع هذا التعارض فى المصالح.
وهذا هو بيت القصيد. فالممارسات الاحتكارية، التى يكتوى ملايين المصريين بنيرانها وتكسب حفنة قليلة مليارات كثيرة من ورائها، ليست فى الحديد فقط. وهذه الممارسات الاحتكارية ليست مجرد طمع حفنة من "التجار الجشعين" حسب التعبير الممجوج الشائع، وإنما هى الثمرة المرة للافتقار إلى آليات جادة لمنع تعارض المصالح، والافتقار إلى تشريعات حاسمة لحماية المستهلك وحماية المنافسة ومنع الاحتكار، والافتقار إلى مناخ صحي للإفصاح والشفافية والحق العام فى الحصول على المعلومات.
وبدون توحيد الجهود من أجل تقنين هذه الآليات وتلك مناخ تعارض المصالح والرواج بين المال والسياسة بحيث أنه إذا اختفى "أحمد" سيكون لدينا "الحاج أحمد" وإذا ذهب "أحمد عز" ستخلق هذه السياسات "حسن عز" و"مرقص عز" و"كوهين عز"!





#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعاع أمل: رئيسة جمعية أهلية ترفض «التمويل الأجنبي»
- تصوروا: كيسنجر يرفض دبلوماسية العضلات الأمريكية!
- تأملات عبر المحيط الأطلنطى (2)
- تأملات عبر المحيط الأطلنطى: يوم الاعتذار القومى
- فتنة ملوي.. واستراتيجية المصاطب!
- عشاء ساخن جداً مع سفير كندا
- أجريوم .. شكرا
- سر أجنحة كلمات الأبنودى
- قنبلة طلخا... الموقوتة
- عش الدبابير !
- عصر الاضطراب (1)
- -طوارئ- .. فى الزمان والمكان فقط
- هوامش على دفتر النكبة (3)
- أزمة رئاسة مجلس الدولة: ضعف البصر له حل.. وعمى البصيرة ليس ل ...
- ثلاثية التراجعات
- اعتذار ل »دمياط«.. ورسالة حب ل »رأس البر«
- مطلوب تفسير من وزير الصحة
- هوامش على دفتر النكبة (2)
- دمياط تتحدى دافوس !
- هوامش على دفتر النكبة


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سعد هجرس - -الشخص-.. الذى نحب أن نكرهه!