خضر سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2319 - 2008 / 6 / 21 - 02:13
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ليس لأحد ان ينكر التأثير القوي للاعلام المدروس على العقل البشري ,
وليس لاحد ان ينكر وجود نوايا متجددة من جهات معينة من العالم لغزو العقول
وتعديل طريقة التفكير و غسل الادمغة وتوجيهها لخدمة الاهداف الشخصية لهذه الجهات .
وليس لأحد ان ينكر ايضا ان الفئات المستهدفة في المجتمعات غالبا ماتكون فئة الشباب .. لأنها الفئة التي ستتسلم زمام الامور مستقبلا ...
لذلك فكرت بنظريّة معينة اسميتها : نظرية 90%
تتكلم النظرية في ان اغلب البشر يفكرون في نفس الاتجاه وبنفس الطريقة اذا تركوا على طبيعتهم , وذلك نتيجة قوانين المنطق البسيطة والبديهيات التي زرعت في عقولهم نتيجة وجودهم في هذه الحياة ..
وانا افترض ان كلمة الاغلب = 90%
وافترض ايضا ان الانسان يستخدم هذه البديهيات لاشعوريا عندما يترك على طبيعته .
مثلا : اذا كنت في سيارتك وقت الزحام .. و كنت تبحث عن مخرج لتتمكن من الوصول الى عملك بالسرعة القصوى ... فأنت طبيعيا ستفكر بالمخرج التالي مباشرة لانه :
1 - الاقرب اليك
2 - الاسرع للوصول في نظرك
3 – الحل الافضل للتملص من الزحام
هذه الاسباب وغيرها تدفعك لان تقرر ان تسلك المخرج التالي مباشرة .. فهي تتوارد الى ذهنك مباشرة وبشكل لا شعوري نتيجة لعمل عقلك بالقوانين المنطقية البسيطة .. وهذا مايحصل اذا سمحت انت لللاشعور ان يحكم قراراتك وهذا ما اقصد بأن بترك الانسان على طبيعته .. فهو لاينتبه الى انه يعتمد على التفكير السريع والمقولب داخل قوالب المنطق البسيط .. ولاينتبه الى انه يجب ان يأخذ وقتا اكبر في التفكير حتى يعتبر الجهد الذهني الذي قام به تفكيرا بحق..
ولكن هل يكون قرارك صائبا في العادة ؟
ستجد ان الاكثرية قد فكرت بنفس طريقتك بالتفكير و سلكت المخرج الذي سلكته فأصبح الزحام على المخرج بدلا من ان يكون على الطريق الذي كنت عليه ..
وهنا تتمنى لو انك بقيت في طريقك ولم تفكر بتغيير الطريق اصلا !
وقس على ذلك ..
لدي تجاربي الشخصية في الموضوع ..
التجربة الاولى : في يوم من ايام العمل حصل خطأ مع احد عملانا اثناء ايداعه لمبلغ ما في حسابه ..
فاعتبر زميلي ان العملية تمت بنجاح وبعد مغادرة العميل اكتشفنا وجود نقص في الصندوق ناتج عن نقص في المبلغ الذي اودعه العميل ..
فتوجب علي ان اجده لاحل المشكلة , فخرجت من مكتبي الى الممر .. لم اجده .. مشيت بلا هدى .. وتعبت ولم اجد احدا ..
ففكرت بأن اترك الخيار لعقلي ليعمل بالقوانين البسيطة كوني توقعت ان يكون هذا العميل ممن يتركون المجال للعقل البسيط ان يتحكم بقراراتهم .
فبدأت افكر كما يفكر الانسان الطبيعي وهو على طبيعته تاركا المجال لقوانين المنطق البسيط بأن تقودني ..
فوجدت نفسي في الكافتيريا خلف المبنى وامامي العميل المطلوب . لقد فكرنا بنفس الطريقة ..
التجربة الثانية : عندما كنت في الثانوية كنا نقف بجانب باب ساحة المدرسة وقت الاستراحة . لاحظت ان جميع من يخرج من الباب ينظر في نفس الاتجاه ..
تجاه المقصف , لدرجة ان الجميع لا ينتبهون الى اي شئ آخر سوى ذلك الاتجاه .. مما دفعني لاختبر النظرية بأن وضعت نقودا بجانب الباب الى الجهة المقابلة للمقصف .. فلو ان احدهم جال بعينه الى اليسار قليلا فقط .. لرأى النقود .. ولكن لم يرها احد .. لان الكل يفكر بنفس الفكرة .. المقصف في ذاك الاتجاه او هل هناك زحام ام لا ...
ما اثار حفيظتي لكتابة هذا المقال هو امكانية استغلال هذه الطبيعة البشرية لتوجيه تفكير الافراد دون ادنى شعور منهم
تخيلوا معي .. الموضة مثلا ..
عندما تصل صرعة جديدة الى اسواقنا .. يتهافت الجميع عليها دون الشعور بأن الآخرين سيمتلكون نفس القطعة ..
فترى بعد ايام ان الجميع يرتدي نفس القطعة .. ويستعجب الفرد منهم كيف انها انتشرت بهذه السرعة ؟؟
وهذا الفرد المستغرب لايعلم بأنه يفكر بنفس الطريقة التي يفكر بها الجميع كما اسلفنا في الامثلة السابقة ..
ولكن مع وجود فرق هنا ... الفرق هنا ان هؤلاء الناس مدفوعون ليفكروا بهذه الطريقة .
ما اقصده بأن زراعة فكرة معينه في الدماغ البشري تستلزم ان تزرعها مع تلك الافكار البسيطة والبديهيات
بحيث تكون ملازمة للتفكير في حالة استسلام الفرد لتفكيره البسيط , وزارع هذه الفكرة يعلم ان من طبيعة الفرد انه
يستسلم للتفكير البسيط واللاشعورعندما يكون على طبيعته .. فيقوم بزراعتها في هذه المنطقة ليحصد افضل تأثير ..
الموضوع اخطر من مجرد موضة ... فزراعة هذه الافكار قد يكون لاهداف سياسية او دينية مغرضة وهنا تقع الكارثة ...
لذلك .. يقول الشطر الثاني من نظرية ال 90% .... بأنه طالما ان اغلب البشر يفكرون بنفس الطريقة في الاحوال الطبيعية ... فأنه يمكن استغلال هذه الطبيعة البشرية في زرع الافكار و تغيير اتجاهات و طرق التفكير .
وبناء عليه .. اذا لم تكن تلك الافكار التي يفكر بها اغلب البشر بسيطة كالبديهيات والمنطق البسيط ... اذن هي افكار دخيلة على عقليتهم .. وهم مدفوعون – بدون ان يشعروا - لتحقيق مصالح منتجي هذه الافكار ..
اذن ... اذا وجدت ان اغلب الشعب يفكرون بشئ معين بنفس الطريقة .. وكان هذا الشئ اعقد من ان يكون من بديهيات العقول . فاعلم انهم قد تمّ التأثير عليهم ليفكروا بذلك الاتجاه .. وهم مدفوعون لذلك . لانه يستحيل على 90% من البشر ان يتفقوا على نفس الفكرة , احتمال ضعيف جدا .. خصوصا انها فكرة دخيلة ... الا اذا تم زرعها بالطريقة الصحيحة ..
والادهى ان هؤلاء – منتجوا الافكار – يعرفون كيف تزرع الافكار .. الاعلان المدروس الذي يحفز الدماغ هو المفتاح لزراعة الفكرة ... فهم يصنعون المواد الاعلانية .. بحيث ان المادة الاعلانية لا تملي عليك الافكار و تطلب منك الطاعة .. بل تحفز ذهنك وتستفزه للتفكير بحيث تصبح الفكرة في نظرك من نتاج فكرك انت .. دون ان تعلم بأنها فكرة دخيلة ..
مهما حاولت بالاقناع المباشر ستجد من يعترض على افكارك .. ولكن بالاعلام المدروس .. واستفزاز العقل و دفعه للتفكير بالاتجاه الذي تريده ... ستجد من يدافع عن فكرتك دون شعور منه .ويصبح من يعارض افكارك منبوذا لان من استفززت عقله يظن انه استنتج الفكرة بذكاءه ,
بالمناسبة : هل تعرف كيف يمكنك ان تصبح منبوذا من قبل 90% من الناس ؟
1 – 90% من سكان بيتي يفضلون مسلسلا معينا , وقد اكتشفت انهم مدفوعون لمشاهدته نتيجة تأثير الدعايات الخاصة به على التلفاز .. وبعد محاولاتي العديدة لاكتشاف ما يميز هذا المسلسل عن غيره .. لم اجد شيئا يذكر ..
والان انا منبوذ في بيتي لانني لا املك ذوقا في تقييم المسلسلات – حسب زعمهم - .
2 – 90% من شباب حيينا يفضلون الذهاب للحلاق الفلاني , لانه خبير بقصات شعر المشاهير .. ولا استغرب احيانا اذا رأيت ان هؤلاء الـ 90% كلهم بنفس قصة الشعر بنفس اليوم و نفس المكان .. فهم مدفوعون لاختيار هذا الحلاق بالذات لانهم مدفوعون لتقليد مشاهير الفن والرياضة . وعندما ابدي انتقاداتي لما اراه .. اصبح منبوذا ومتهما بقلة خبرتي بالموضة .
3 – 90% من شباب منطقتنا يفضلون التنزّه في شارع معين .. مدفوعين اليه لما فيه من الخدمات المجانية والتي لم اجد لها تفسيرا واضحا غير ان احدا ما يريد من جميع الشباب ان يقضوا اغلب وقتهم في هذا الشارع . فقد زود هذا الشارع بالاضاءة الجيدة والمقاعد المريحة والمطاعم المنتشرة وخدمة الانترنت المجانية و المناسبات والحفلات العامة التي تقام هناك . وعندما ابدي لاصدقائي عدم رغبتي في الذهاب اليه .. يتركونني ويذهبون بدوني .. وهكذا اعود منبوذا من جديد .
4 – 90% من شباب بلادنا يفضلون احدث تكنولوجيا الموبايلات والتلفونات , وهم مدفوعون بسبب الدعاية و الخصائص الجديدة للتليفون والتي قد لاتمت لفكرة الاتصالات بصلة .. وعندما ابقي تيلفوني دون تغيير لسته اشهر متتالية اتهم بأنني رجعي وعدو التكنولوجيا .
5- 90% من شباب منطقتنا العربية يفضلون السفر الى الغرب متوهمين بالرواتب العالية و الاعمال الجيدة ومتع الحياه .. مدفوعين بما نراه في الافلام الغربية والبهرجة الاعلامية والغزو الثقافي الغربي , وعندما احاول اقناع صديقي بالتخلي عن اوهامه ينبذني ويلقبني بـ " قاطع الارزاق " .
6 – 90% من سكان العالم مبهورون بكرة القدم .. تنفق الملايين سنويا على الافرقة لتبقى على المستوى الذي سيبقي العالم مستمرا في دفع المليارات لحضور المباريات مباشرة او عن طريق الاشتراكات في القنوات الحصرية
وهذا عدا عن حديث الناس عنها كما اصبحت شغل الشباب الشاغل .
لاتقل لي انها رياضة .. فهي مجرد ركض عشوائي في ملعب .. اذا كنت تسمي هذه رياضة فماذا تسمى الاولمبيات ؟
ولاتقل لي أنها لعبة شعبية او لعبة الفقراء .. فهي لم تنظم بهذا الشكل و لم تخصص لها هذه الميزانيات الضخمة لانها لعبة الفقراء ..
بل هي اداة لتخدير الفقراء و نهب جيوبهم ...
بالاضافة الى ان اغلب مشجعي كرة القدم لايلعبونها كرياضة .. انهم مدفوعون لمشاهدتها .
ماذا سيقول عني اصدقائي بعد ان انتقدت اعزّ ما يملكون ... كرة القدم ؟
#خضر_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
