خضر سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2282 - 2008 / 5 / 15 - 10:16
المحور:
الادب والفن
اليوم 8/05/2008
عائدا من العمل كعادتي ..
ركبت الحافلة متجها الى منطقة سكني .. وكانت الحافلة ممتلئة بالركاب .. لامجال الا للبقاء واقفا ..
وكما تعودت .. كان المكان المفضل لي هو الوقوف خلف السائق مباشرة .. لانه المكان الملائم للتشبث في حال ان السائق كان ممن يتميزون بـ ( دعسة ) قوية على مكابح الحافلة ..
كنت اضع سماعاتي على اذني .. استمع الى بعض الاغاني الاجنبية ..
وكنت قد ادرجت اغنية من نوع ( heavy metal ) والتي تحتوي على موسيقى صاخبة جدا و كلمات شيطانية
وصراخ بشكل مفزع ...
لست من معجبي هذا الفن .. ولكنني اردت ان اسمع ما يقول هؤلاء الناس من منطلق فضولي ليس الا .
وبينما كنت احاول فك طلاسم هذه الاغنية .. انتبهت لاحد ما يجلس قبالتي .. وهو يلوح بيده امام وجهي للفت انتباهي
اعتقد انه كان قد ناداني ولكنني لم اسمع لفرط الصراخ الواقع في اذني ..
بعدما نظرت الى وجهه .. شعور غريب خالجني .. اظن انني قد رأيت الشيطان !!!
شاب .. يرتدي السواد .. شعره طويل مسدل الى كتفيه .. يمسك بيده غيتارا داخل حقيبة جلدية
نظراته حارقة .. وتحيط بعينيه هالة سوداء .. فمه جاف .. وشفتاه متشققتان .. وله لحية خفيفه
تمتد حتى تصبح متشعبة بشكل رث في اسفل ذقنه ... يداه نحيلتان جدا .. وعروقه نافرة من يديه ووجهه
اسنانه ناصعة البياض .. ولكنها متداخلة في بعض المناطق ..
سمعت كثيرا عن هؤلاء الناس .. فقد قرأت كثيرا عنهم .. وبناء على قراءاتي فأغلب مستمعي هذه الاغاني هم من (عبدة الشيطان) كما يسمونهم ..
سحبت السماعة من داخل اذني لاسمعه .. ولكنني لم اسمع سؤاله .. كانت الموسيقى الصاخبة قد تركت اثرا في اذني منعني من السماع ...
وحركت حاجبي موحيا له بأنني لم اسمع مايقول ..
فقال لي : " هل تسمع الــ ( heavy metal ) ؟؟
اومأت بالايجاب مستغربا كيف انه سمع نوع الموسيقا التي اسمعها مع وجود بعض الضجيج داخل الحافلة
وبالرغم من ان سماعاتي صغيرة ولا يمكن لك ان تخمّن ما اسمع وهي في اذني ..
ولكنه استرسل في الكلام قائلا :" شئ جميل ان الشباب قد بدأت بالتوجه نحو هذا النوع من الفن .. فلقد اكتفينا من الوان الفن الاخرى الهابطة .. "
لاأدري مالذي جعلني وقتها راغبا في التظاهر بأنني من معجبي هذا الفن .. قد يكون الفضول نفسه
فقلت له : " وهل انت من عشاق هذا الفن ؟ "
فقال :" منذ ستة سنوات .. وانا من معجبيه المخلصين .. ولكن قل لي : من المغني الذي تفضله ؟ "
أحرجني السؤال لانني لا أملك اجابة .. ولكن اسعفني اسم الفرقة التي كنت استمع الى (فنّها ) منذ دقائق ..
فذكرت له اسم الفرقة .. فاستهجن قائلا : " يبدو انك مستجد .. مازال امامك طريق طويل "
وبدأ بسرد اسماء لفرق و مغنيين محاولا ارشادي الى الطريق الصحيح ..
كأن ذكر لي ان المغني الفلاني رهيب و موسيقاه على المستوى المطلوب .. لاعجب انه قد مات وعاد للحياه كما قالت الاساطير ..
وان الاخر رائع ومؤثر جدا .. وكلماته ملتهبة تخرج ما يخفي القلب في باطنه من مشاعر دفينة ..
وهكذا ....
وقد ابديت الاهتمام اللازم لضمان استمراره في الكلام .. ولكنه تكلم باندفاع دون تردد ... يتكلم كالواعظ الحكيم .. كلامه لايناسب سنه ابدا ..
لااخفيكم انه قد بهرني بطريقة كلامه .. واسلوبه .. ولو انني كنت فعلا ارغب في ان اكون من اتباع هذا الفن
لكنت قد اقتنعت فورا بأن هذا الشخص هو المنقذ والمرشد ..
وكأنه فعلا كان (يوسوس) لي لأسير على الطريق الذي اختاره لي ..
وقد احس بقرب انتهاء الحوار لانه اقترب من المكان الذي يقصده .. فسألني عن مكان نزولي أملا في ان يكون نفس مكان نزوله حتى يكمل الحوار ..
وقد استاء عندما عاجلته بالنفي ..
ولكنه نظر الي بعين الامل واخبرني بـوجود مكان في شارع الوكالات يعلن فيه عن حفلات صاخبة في احد المسارح المحلية وطلب منى الحضور ..
وبعد ان توقفت الحافلة .. نظر الى بنظرة جهنمية .. وقال لي : "على الوعد .. وحتى نلتقي !! "
واختفى ...
مانوع الصدفة التي جعلتني التقي بهذا الشخص في نفس اليوم الذي سولت لي نفسي فيه ان استمع للاغاني الشيطانية؟
مالذي جعلني اقف امامه مباشرة في الوقت الذي كنت اسمع فيه تلك الموسيقى ؟
مالذي ادراه بما اسمع وقتها ؟
مالذي دفعه للحوار معي في هذا الموضوع في حين انه ليس المكان او الوقت المناسب للحديث خصوصا في مواضيع( الفن )؟
لماذا بدا الامر وكأنني تائه عن طريقي وقد وجدت مرشدي ؟
لماذا كان اسلوبه قريب لفعل الوسوسة ؟؟
مالذي يدفعني الان للتفكير بجنون .. ان هذا كله ليس صدفة .. بل هو ترتيب للقاء مع الشيطان ..
وقد حان موعد هذا اللقاء وقت ان دفعني فضولي وقررت ان اجرب عبور هذا الجسر الشيطاني ..
لا ادري لعلي كنت مرهقا في هذا اليوم ...
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟