خضر سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2278 - 2008 / 5 / 11 - 06:17
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
عندما كنت مع صديق لي في أحد المجمعات التجارية الكبرى في عمان
دخلنا بالصدفة الى قسم العاب الاطفال .. فكنا نعبر قسم العاب الفتيات ..
العرائس والدمى منصوبة على الجانبين بأشكال مبهرجة ومنمقة والوان سحرية ومحصنة داخل علبها بواجهات شفافة تظهر للطفل محتوى العلبة ..
وبأسعار تفوق التصور بأشواط .
استوقفني منظر أب و أم وابنتهما .. والتي قدرت عمرها بعمر اختي الصغيرة والتي لاتتجاوز العشر سنوات فقط
لاادري لماذا ذكرني هذا المنظر بطفولتي ...
فقد كنت اطلب من والدي ان يشتريا لي لعبة عندما نذهب الى السوق ..
وكنت أجري لأختار اللعبة .. وانادي أمي لتشتريها لي .. وبعد أن أبكي .. وأرتمي على الارض
كانت أمي توبخني .. ثم تشدني من يدي للبيت واستمر بالبكاء حتى يصرخ أبي في وجهي وتضربني أمي وأنام ..
ومن حينها و كلما ذهبنا الى السوق .. أقف وانظر الى الالعاب .. فقط ..
وامتنع عن البكاء خوفا من العقاب .. واتذكر غضب ابى وصراخه علي ... وضرب امي ..
فأبلع غصّتي خوفا من التوبيخ .. مستسلما لحسرتي وقهري .
والتزم الصمت حتى نصل الى البيت ثم انام على ذكرى تلك اللعبة ..
والغريب ان ابي وامي كانا يعتقدان انهما قد حلا مشكلتي .. لانني لم اعد ابكي طلبا للعبة .. بل لم اعد اطلب العابا اساسا .
لنعد الى المشهد الذي اراه الان بعد 20 سنة ..
تمشي الام والاب في ممر العاب البنات .. وتتبعهما بنتهما الصغيرة .. لقد توقفت لاراها للحظة .. تخيلتها نفسي
ثم انتظرت لارى كيف ستقهر نفسي من جديد ..
انها هادئة جدا .. تنظر الى العرائس حولها بهدوء ..
لابد وانها – مثلي - من الاطفال الذين وبخوا على بكائهم طلبا للعب . مع العلم بأن اللعب من ابسط حقوق الطفل .
لابد وان اهلها قد حرموها من كثير من الالعاب التي تحبها لانها غالية الثمن واكتفوا بشراء العاب اخرى رخيصة لم تطلبها .
توفيرا على انفسهم .. او لعدم قدرتهم على دفع ثمن مرتفع للعبة كهذه .
لابد وان اهلها – وبطريقة معينة – اقنعوها انها قد كبرت على اللعب .. فــ "هذه العرائس يا ابنتي للاطفال الصغار!!"
ومع ذلك .. رأيت في عينيها لهفتها الشديدة للحصول على احدى هذه اللعب ..
مع ان المسكينة تحاول ان تخفي لهفتها وحسرتها .. ولكن لايمكن للاطفال الكذب .. فكل مافي قلوبهم ظاهر في وجوههم البريئة ..
تحاول ان تخفي لهفتها على تلك الدمية .. حتى تكون عند حسن ظن والديها والذين اقتنعا – خطأ – بأن ابنتهما قد كبرت ولم تعد تهتم باللعب .
تمشي مع والديها بين الدمى .. تمتد يدها الصغيرة لتلمس احداها .. تتظاهر المسكينة بأنها تتفحص فقط كما يفعل والديها .
ثم تحس بنظراتهم تجاهها .. فتعود لتسحب يدها عن اللعبة ..
وتتذكر بأنها كبيرة على اللعب .. وتكابر على طفولتها بحجج واهية زرعها فيها والداها ..
يمكنك عزيزي القارئ تخيل مشاعر تلك الطفلة وخواطرها وقتئذ ..
والابوان يتفحصان الالعاب .. ببرود .. وكأنهما ليسا بصحبة طفلة ..
ولا ينتبهان الى انهما كان يجب ان لا يمّرا خلال هذا القسم بصحبة ابنتهما مع علمهما انهما لن يشتريا لها شيئا ..
انتظرت ان يدرك الابوان غلطتهما .. انتظرت ان يسألاها ان كانت تعجبها أي من هذه العرائس ليشترياها لها واحدة منها .
ولكن هذا يظهر كاحتمال بعيد المنال ..
انتظرت عل وعسى ان يفكرا بفكرة مجنونة كأن يعداها بشراء واحدة اذا جدت واجتهدت في المدرسة ..
ولكن ... لاحياة لمن تنادي ..
ثم يغادران المكان .. وتتبعهما البنت الصغيرة بخطوات بطيئة مترددة .. تنظر الى الوراء .. ثم تسير .. ثم تنظر الى الوراء ..
وكأنها تودع الدمى .. لانها لن تراها مجددا ... تنظرالى حلم طفولة قد قتل في مهده .
لعنتُ الاسواق والمعارض .. ومصانع الالعاب .. وتجارتها . والدعايات التلفزيونية على قنوات الاطفال..
والدراسات ونظريات التسويق التي تخطط للايقاع بالمشتري
حتى ولو كان عن طريق العبث بمشاعر الطفولة ..
طريقة عرض الالعاب تغري الاطفال .. وتدفعهم للضغط على ابائهم لشرائها وهذا هو مخطط التاجر
ولكن ماذا لو كان الابوان من النوع الذي رأيناه منذ قليل ؟؟
ماذا تفعل بطفل يتحسر و ينظر بحرقة الى لعبة ... ولايجرؤ على طلبها من اهله ايضا ؟؟
لاالوم اكثرية الاباء على هذه المشكلة .. فليس من المعقول ان تشتري لابنك كل ما يريده
ولكن رجاء
راعي مشاعر ابنك و تجنب المرور في اقسام الالعاب اذا كنت لاتنوي شرائها ..
ولا تصدق ابنك عندما يوافقك على ان سعرها غال او انها غير مناسبة .. فقط انظر الى عينيه وسترى تلهفه للحصول عليها ..
ولا داعي لان تضرب او تصرخ على ابنك وتحرمه من الالعاب لانك لاتقدر على ثمنها . فهذه ليست مشكلة الطفل بل مشكلتك انت . فاذا كانت الالعاب غالية جدا بالنسبة لك , ووجدت ان ابنك قد تعلق بها .. اخبره بأنك ستشتريها له في المساء وبعد ان تأخذه للبيت ..
عد لوحدك واشتري لعبة شبيهة بها بسعر مناسب .. ثم عد لابنك بها. بسيطة !!!
لاتعتقد ان شراء الالعاب في المناسبات فقط كافي , كافئه على جهوده في مدرسته وسلوكه الحسن في البيت ,
ولا مانع من مفاجأته بين الحين والاخر بهدية يحبها . فهو- بعد كل هذا - يبقى ابنك ..
ومع مرور الوقت علمه ان يوفر من مصروفه حتى يشتري العابه بنفسه .. وبهذا تنتهي المشكلة ..
اما بالنسبة لاكثرية محلات الالعاب .. والعاملين على تسويقها .. اللامبالين بمشاعر الطفولة ..
فلا كلام لي معكم .. اظن ان القارئ العزيز يعلم ما سأقوله فيكم ..
لذا اترككم للقارئ الكريم .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟