أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - ملامح شعرية في المجموعة القصصية -تفاح الظل- لياسين عدنان*















المزيد.....

ملامح شعرية في المجموعة القصصية -تفاح الظل- لياسين عدنان*


مصطفى لغتيري

الحوار المتمدن-العدد: 2302 - 2008 / 6 / 4 - 10:07
المحور: الادب والفن
    



بداية أود التأكيد على أن حديثي عن الشعر في هذه الورقة ، لا يمت بأية صلة لما دأب النقاد على الاهتمام به في متابعاتهم النقدية للدواوين الشعرية، من قبيل الإيقاع و اللغة و الصورة الشعرية ،وما إلى ذلك من الأمور التقنية ،التي تشغل بال النقاد و الدارسين ، محاولين من خلالها محاصرة الشعر في الزاوية الضيقة ليشبعوه فحصا و تنقيبا.. في هذه الورقة سأكون معنيا بشيء مختلف ، أقصد- تحديدا- تلك اللمسة السحرية التي يصعب التحدث عنها، و إنما يمكن الإحساس بها من طرف كل قارئ عاشق للمكتوب ، وهو يتلقى النصوص، فيشعر أن شيئا ما يدغدغ إحساسه و يحلق به في عالم مجنح ، مختلف و شاعري، فترتسم على شفتيه بسمة خفرة ، وبينه وبين نفسه يدرك أنه اكتشف سر اللعبة دون أن يبوح به ، فيسر في دواخله بأن ما يقرأه هو الشعر نفسه ، وقد تزيى برداء القصة ، أعني في كلمة واحدة و مركزة "روح الشعر" ، تلك التي نتلمسها مدسوسة في قصص بعينها ،فنتلمظ من خلالها نكهة الشعر و سحره الأثير .

فمنذ القصة الأولى التي نطالعها في المجموعة القصصية " تفاح الظل " لياسين عدنان نكتشف أن المسافة بين روح الشعر و النثر تضيق تدريجيا حتى تضحى لاغية و غير ذات معنى ، وهنا لا أتحدث عن صوغ الجملة مثلا ، التي حافظت في النص و غيره من نصوص المجموعة على سرديتها من بدايات القصص حتى نهايتها ، و إنما أستشف ذلك من خلال معطيات أخرى سأحاول تفصيل القول فيها ، فلنتأمل عنوان القصة الأولى مثلا ، " فرح البنات بالمطر الخفيف" ، هذا عنوان لا يمكن سوى أن يكون عنوانا ناجحا و مثيرا لقصيدة شعرية ، وهذا – بالضبط- ما يبدو أن السارد واع به في متن القصة، لدرجة جعلته يفكر فعلا في نسج تلك القصيدة التي يستحقها هذا العنوان .. القصة ككل تضرب في وهاد الشعر و عمقه ، إنها تحلق في أجواء رومانسية حالمة شفافة و شاعرية ، إذ لا يمكن أن تجتمع الطفولة و الموسيقى و السينما و الحنين في قصة واحدة دون أن ينبجس ينبوع الشعر من أعماق المكتوب، و يتدفق سيله ليروي كل من التجأ إلى روائه.

في قصة " حاطب الحب " ركزت القصة على الشخصية و جعلتها محور الحكي و محركه .. و كعادة القصة القصيرة كانت الشخصية هامشية و تعاني من أزمة التكيف مع الوسط الذي تحيا فيه ، و هي في القصة تمتلك سحرا مضاعفا من خلال نمط حياتها المختلف ، ذلك الذي لا يتماشى مع أعراف المجتمع و تقاليده ، بل تنهج لنفسها مسارا مختلفا ، مكتفية بذاتها إلى أبعد الحدود . وهي أي الشخصية الرئيسية في القصة ، حينما تتحدث عن الحب لا نكاد نفقه شيئا ، وكأنها تتحدث عن وجبة سريعة أعدت على عجل ، تضاهي تلك الوجبات التي اتخذتها طريقا سالكا نحو جسد الحبيبة .. هذه البلاغة المسفهة للمتداول و النازعة للقداسة عن أمور تكاد تكون حميمية ، بل و يتحدث الناس عنها بكثير من الوقار المفرط، هي – في رأيي- ما أضفى ملمحا شعريا عميقا على القصة.." يقول السارد " أنا مثلا شخص طيب و بسيط . يكفيني عشاء خفيف و كأس نبيذ و امرأة إلى جانبي في هذا البرد لأحس بلأنني ملك. لكن أمينة لا تعرف كيف تلعب دور زوجة الملك . ومع ذلك أحبها." ص13.

أما في قصة المرآة فقد اختار القاص موضوعته بعناية و حرص على تأثيثها بما يحافظ على نار الشعر متأججة .. لقد شد انتباهي تعامل السارد مع المرآة ، إذ كان توظيفه لها جميلا و موحيا ، وبالتأكيد سيعلق بذاكرة القارئ لمدة طويلة بعد الانتهاء من قراءة القصة.. هذه المرآة التي تجيد لعبة تبادل الأدوار ، و قد يكفي تأمل هذا المقطع الباذخ من النص للبرهنة على ما ذهبنا إليه .. يقول السارد " و كنت كلما غادرت الجدة غرفتها الصغيرة ذات الروائح المبهمة العتيقة تسللت إلى الصندوق . أستخرج اللوح الزجاجي السحري و أنعزل به في أحد أركان الغرفة لأتفرج على ابتسامتي . أبتسم للمرآة مبتهجا ، والمرآة تبتسم في وجهي ، و أنا أفرح و أتذكر دعوات الجدة ثم أنساها ، و المرآة تبتسم في وجهي و أنا ابتسم على صفحتها و الأجنحة الصغيرة البيضاء التي تحلق بها الملائكة في سماء الله تنبت في غفلة من جسدي ، فإذا بي أحلق في سماء أخرى و أحرض شفتي على الابتسام . كانت الجد تحبني و تقبلني في فمي و تدعو لي بالعز " و سير بغيت لك العز يازين التبسيمة".ص 18.

و لا تشذ قصة " درس عذري " عن هذا النهج ، إذ يعمد القاص إلى نسج قصة رومانسية ، يكون السارد / الأستاذ طرفا فيها ، بعد أن يكتشف علاقة عاطفية بين تلميذ و تلميذة .. يقحم نفسه بنوع من الاستيهام و كأنه الثالث المرفوع .. ففي الوقت الذي تفرحه هذه العلاقة تحزنه كذلك ،فيسعى لا شعوريا نحو هدمها مدفوعا بعقدة الطوطم الضاربة بجذورها في أعماق اللاشعور الجمعي للإنسان ،و التي تحيل على الصراع المرير بين الذكور من أجل الظفر بالإناث .. ينغص السارد على العشيقين لحظات صفاء يحيانه داخل الفصل ، ويتسبب في تفريقهما على الأقل حينما يكونان داخل حصته ، بيد أنه سرعان ما يعض على أصابع الندم ، حينما يكتشف متأخرا أنه كان يحبهما مجتمعين ، و أن تفريقه لهما لم يساهم سوى في إصابته بأرق، تزداد حدته كلما تذكر أنه تسبب في ضرر لم يكن يقصده ، خاصة و أنه لم يفز من الغنيمة بنصيب.

في قصة "فيلم حلمي طويل" يتحالف الحلم مع السارد من أجل بناء عالم يضارع عوالم ألف ليلة و ليلة ، يزخر بأصناف من النساء و السارد المحتفي بنفسه محشور بين هؤلاء الحسناوات ، فهو الرجل الوحيد بينهن ، وقد تمادى السارد في ذلك يؤازره مكر الخيال المجنح، فتمتد يد الحلم الطويلة نحو الماضي لتستدعي شخصا أثيرا على قلب السارد ، وهذا الشحص ليس سوى معلمته ، التي كانت موضوع حبه الأول ، يقول السارد" لكنني كنت أحبها حبا آخر ، لن أخفي عنكم شيئا . فقد كنت أشتهيها . ليس كما يشتهي الطفل كرزة حمراء أو تفاحة ناضجة. بل كما يشتهي الذكر الأنثى كنت أشتهيها" .

هذه العوالم الحالمة و الشفيفة ، التي تحفل بها القصة تعمق – بلا ريب- الإحساس بالملامح الشعرية، التي تستحوذ على أجواء النص ، فتذكر القارئ بأن كاتب المجموعة قادم إلى فن الحكي من ربوع الشعر و لا يزال في نفسه شيء منه.

وفي قصة تفاح الظل نجد السارد متوترا مرتبكا ، قد أربكه اقتحام مفاجئ لفتاة لغرفته، فيحاول جاهدا نقل أحاسيسه التي فجرها هذا الاقتحام، و هو معني جدا بنقلها في قصة بعد أن فكر في القصيدة .. لنتابع هذا المقطع الجميل الذي نلمس من خلاله ملامح الشعر تتدفق من بين ثنايا القصة يقول السارد" كانت بنتا صغيرة بوجه صبوح ساحر . بجسد ضئيل ملفوف على الدوام في وزرة مدرسية بيضاء . لكن لمعة الذكاء في عينيها و ورد الخجل المتفتح على الدوام في وجنتيها كان كافيين لأتورط . لم يكن حبا في الحقيقة ، بل فرحا أبيض دافئا و لذيذا . فرح بها . و بحضورها الشفيف. كنت أحسها نسمة منعشة أسعد بها في الصباحات و هي تلفح وجهي و تتسرب عبر فتحة القميص لتدغدغ جسدي كله . في محاولاتي السابقة كتبت كثيرا من الكلام . شيء كالشعر كنت أصف فيه حضورها البهي و طبيعة إحساسي تجاهها قبل تلك الزيارة" ص30 .

وهكذا يمكن لنا أن نتتبع ملامح الشعر في المجموعة القصصية "تفاح الظل " دون فتور أو ملل ، يحرضنا على ذلك الأحاسيس الشفيفة و اللمسات الفنية المحتفية بمكامن الجمال فينا ، متمثلة في تلك النظرة الشاردة و الابتسامة الخفرة و الالتفاتة المفاجئة و الدهشة المتوترة تجاه الذات و العالم .. ولعل ما توقفنا عنده في قراءتنا العجلى هاته لنصوص المجموعة، كان كافيا ليمنح القارئ تصورا واضحا إلى ما قصدناه و نقصده بملامح الشعر في قصص ياسن عدنان.

*ألقيت هذه الورقة خلال الملتقى الأول للشعر و الشعراء بمراكش.



#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة جدا من - مظلة في قبر-
- حوار مع مصطفى لغتيري بمناسبة صدور -تسونامي-
- -الشيء ونقيضه -ثنائية فلسفية عميقة تؤثث ديوان -بين -ذراعي قم ...
- المفارقة والسخرية في مجموعة (تسونامي)*
- قصص قصيرة جدا من تسونامي
- قراءة في حب على طريقة الكبار لعزالدين الماعزي
- المغرب بلد قصصي بامتياز
- السخرية والغرابة في رجال وكلاب لمصطفى لغتيري
- حوار مع رئيس الصالون الأدبي المغربي
- عندما يطير الفلاسفة
- حوار
- بيت لا تفتح نوافذه لهشام بن الشاوي


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - ملامح شعرية في المجموعة القصصية -تفاح الظل- لياسين عدنان*