أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - باب الفتنة














المزيد.....

باب الفتنة


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 2299 - 2008 / 6 / 1 - 09:07
المحور: الادب والفن
    



زعموا أنه حدث منذ زمن بعيد انقلاب ما في دائرة الوقت، فارتجت الساعات، وخرج الفقراء واهتاجت الأرض، أغلقت مواعدها، اشتاق العصف للعصف، والناب للناب، واحتدت الغابات كلوعة الصبايا، أو كالمدائن العارمة، أورقت التحايا كالعناقيد تمر من وهجها الليالي المصفحة تذيب عرصاتها، والتقت الأقدام بالأقدام، النعال بالنعال، اشتعلت مياه النار بالنار... قالت الخسارات للمسافات : هيت لك، والصهيل للغارات: تكلمي...
كان الرجال والنساء والنوق والأطفال والأنعام، ودوائر القتل تنشر صريرها، تفلت من غدوة العائدين القادمين، تأكل أوطارهم فوضى هادئة تمسح دموع الحقل، وتعتلي هوة السرير، الشامات للشامات والأوراس للأوراس، والصعيد للصعيد والصحراء للصحراء و"الأرواس للأرواس"، صرخة مملوءة تنفرج عن الزلزال، وتسرق ومض الغزاة الآكلين عبء البلاد... وخرج الفقراء أغرابا، أسرابا، تغويهم عين شمس تلبس غلالا بديعة تتهادى في الأفق، وأمنيات غريرة تبسطها في سرة الكبرياء الصاعدة...

قالت الريح ( لا شرقية ولا غربية ): حان حين الوقت، وانتهت مواسم الضرع. وقال العبد لله: هذا موعد الغروب. والقلب للقلب: هذا مهب الخروج. ارتج الرحيل في عتبات الكون. أكل الدهر ، شرب، وجاءت رطبه واستوت هجيرة الركض على العرش، انكسر الوقت، وجاءت الشهوات جارفة كأنما تغرس أقدامها في المذبحة..

كانت السماء متوردة تداعب في ضيقها ضفائرها المتهدلة، والأرض تلهو بموانيء الأعناق، دربا فدربا، غربا فغربا، وشرقا فشرقا تأكل بوارق الفقراء ذعرها الشامخ، وتوقد موجها كالحراب القديمة، تدك غموضها ، وتقول ليومها: أهلا يا كوكب هذا العشب المغدور..
من أقصاها للأقصى تتناسل الصحراء كالنسيان، أو الوباء، جاءت قبائل المرينيين الرحالة، وذرية المرابطين، والملثمون، والمكلومون، والموحدون، وحداة الرواسي.. جاؤوا غداة جاء الرحيل يلتقط خيمات حرائق رغيدة، تلعب في سعة الخوف، وتهرب لاشتعال النصر: الحائط للحائط، الموت للموت، والحياة قبل الحياة، والندامات العريقة للاقرار تهدي وحشتها للقريب والبعيد، والقاصي والداني .. وتلك الأسياف تداولها بين الناس تمضي سادرة في مجاري من رهبة تصطلي قباب الأدارسة السائبة، وهي تعرف علامات اضطراب الملك..

كانت الحارات تخفق كالمنارات تطل من بيتها لجاراتها، تلتقط سواحل الرعد المتوحد وتجلس في القامات، ثغورا تفتح وجدها لله وللعصافير البليلة... ولما كان الفقر سيدها ، كانت تغرس صرختها في فناء الدار وتطل من ثقبها لتراه في عريه الخالص كالكبريت، وتشتهي لوعة الهدير الراخص يضع الرجل على الرجل كالسهر العابر، أضرمت شغبها واجتباها النهر.. عزاء وحيد كان يمنحها الهواء، وتخضوضر المدن العائمة في صدرها... هكذا يكون الزهو الصقيل.. وللمرة الصاخبة تستطيل أثوابها ، تبصق في نهارها المستتر كالخوف المقصوص. قالت لترابها: يلبسني نفاسك. واختزلت أنقاضها.

في الواجهات الرابطة بين " المرينيين" والمراعي الهاتفة، تألفها الأهواء، كان الخيط عباءة الملائكة القادمين يلبسون صنادل الأحواز أو الغرباء، يطرقون الثكنات وضيعات الهوى وماشية المهاد الأثير، جنازة للجنازة، ورؤوس الأقفال تتهدم كسوق المشائين بالقهر. أكلت السفائن غرقها، الأعداء وحدهم وقفوا كالأرمدة، تقتل بياضها القارات الشائكة، إذ يتآخى المد بالمد، والقد بالقد، وتستطيل المئذنة ويذهب الغضب في الأعالي بعيدا..كان الجند ، كانت الشرطة في السر والجهر، نزف الدم، فار الحلم، وألقت سماء العصيان عصاها السحرية ونجومها الزاهرة، تشبه اللحظة أكناف المجزرة. أوقدت ربوها طواحين الأدارسة، وأبواب المحاور والمسامير والجلود المدبوغة والطوالع الصغرى الخجولة.. يا لكبرها، وأعشاش الفتوح. خوخة تنام في بابها وتغسل أسمالها. جاءها الرصاص، الرصاص الناطق باسم الأمن والعساكر اللقيطة.. دس الأعداء موتهم في مرايا الفقراء، ومضى الجند، واستبيحت الأشجار والياسمين الطليق تسافر في رائحته قلائد البراءة العنيدة..
المرابطون، الموحدون، المتشددون، الباعة المتجولون، الخوارج، المتطرفون، المتقلبون، الانقلابيون، المتعددون، المتوددون... كان اللون واحدا يرسم عرائسه في أشتات الصباح ويلبس متاريس البحر، فيه تدب أعتاب الطلقات حتى مطلع الفجر.. يبنون حرمة النهر وحنين البدايات في طين هذه الأطلال الهمجية، تمنحها الطاعة والأغلال.. أيتها المدينة القارسة استيقظي.. كان القتل لا لون له، تلتاع من عوده الترائب، وبوارج العادات في بناء السطوح والنقش على الزليج، الجسد الوحيد العاري الملتف برنين الأسماء الحسنى وجبال النسيان اليمنى، تتعب في موادها أقراص المصفحات والمماليك الراقدة على السفاح... هكذا الأسرار كانت تمشي تقطر منها خيول الثأر وأساطير الخوف والغزارات الواقفة في سواد المخافر والأحذية العسكرية الثقيلة... لا تلد المدية غير المدية، والمدينة غير المدينة.. الثلج هذا البياض، هو الموت الطريق إليه.. وفي كل مرة يموت الفقراء، تأتي المدائن وتقول لسمادها: أيتها الفجوة، ملتقى الأوزار، إنا أخطأنا في حق الأنبياء..

كانت المدينة ساقية. جاء النعي من كل الجهات، واشتد الشد، وضاق الحال، كان الوقت باكرا. وجاء الملائكة، وقالوا:
ـ إن الآلهة غير مسؤولة عن ذلك.

1990.



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باب القران
- باب العداوة
- ذكر ما جاء في باب التفويت
- باب التدشين
- لماذا تأسيس نقابة بالتعليم العالي
- بصدد الجدل الدائر حول الإطار النقابي للتعليم العالي: -إصابة ...
- في أن تحويل إطار نقابة التعليم العالي إلى -جمعية- أمر مقصود ...
- في حضرة الإمام مولانا الغلاء
- في الحاجة إلى تأسيس نقابة للأساتذة الباحثين بالتعليم العالي
- رسالة مفتوحة إلى الوزير الأول
- ما تحت جلباب الإصلاح الجامعي ( 1 )-المراقبة- و-المعاقبة-المس ...


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - باب الفتنة