أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - حمزة الجواهري - مقترح لحماية البيئة من الملوثات الصناعية والمياه الشديدة الملوحة















المزيد.....


مقترح لحماية البيئة من الملوثات الصناعية والمياه الشديدة الملوحة


حمزة الجواهري

الحوار المتمدن-العدد: 671 - 2003 / 12 / 3 - 05:54
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


مقدمة:
في العراق الجديد، لا شك، الكل يراهن على مستقبل أفضل من خلال التنمية المتوقعة وفرص الاستثمار الوطني والعالمي في الصناعات البترولية والبتروكيماوية وصناعات أخرى متنوعة. في الواقع لا توجد صناعة من دون ملوثات للبيئة وخصوصا هذه الصناعات التي نراهن عليها، حيث تعتبر من أكثر الملوثات للبيئة وربما أكثرها سمية للإنسان والحيوان والحياة عموما.

ومن أكثر مشاكل الصناعة تعقيدا هو كيفية التخلص من النفايات الصناعية ومنع أثرها على البيئة أو على الأقل تخفيفه إلى أقل حد مقبول. لهذا الغرض بالذات تصرف الدول والشركات مليارات الدولارات لهذا الغرض ويتم إنشاء مختبرات ومعامل ضخمة، وتهتم الجامعات بهذه الملوثات بحيث أصبح الآن من أهم التخصصات وأكثرها إقبالا من قبل الشباب والأكاديميين هو أقسام البيئة، بشقيها هندسة البيئة وعلوم البيئة.
في العراق اليوم ولأول مرة بتاريخ العراق يتم إنشاء وزارة للبيئة على غرار الدول المتقدمة والصناعية عالية التطور في العالم. باعتقادي إن من أهم الوزارات التي تم تشكيلها هي وزارة البيئة، رغم إن أثرها غير منظور على المدى القريب، لكنه سيكون كبيرا جدا على المدى البعيد، حيث إن التلوث البيئي سيزداد ويتفاقم مع مرور الأيام وأتساع البنية الصناعية، بحيث يصل به الأمر في يوم من الأيام، أن يصبح كبيرا بشكل لا يمكن معه السيطرة على أنواع التلوث، من حيث الكم والنوع، إذا لم يتم احتوائها من الآن.

هكذا يصبح من الضروري التفكير من الآن بتهيئة الأرضية الصلبة، وإن صح القول، البنية التحتية لنظام بيئي متكامل يستوعب كل تعقيدات الصناعة وآفاق تطورها مستقبلا. ويتمثل ذلك بوضع البدائل المتاحة من مكبات لكل أنواع الملوثات البيئية، والعمل على تطويرها والتوسع بالدراسات المتعلقة بها من الآن، هذا بالإضافة إلى سن التشريعات التي تحمي البيئة ووضع الضوابط العلمية والهندسية لوسائل حمايتها.
كما إن العراق، حباه الباري عز وجل، بنعم كبيرة يحسد عليها، وربما هي السبب بكل آلام هذا الشعب الذي كان ينبغي له أن يكون من أسعد شعوب الأرض لو استغل جزءا يسيرا من موارده الطبيعية، ولكنه يعيش الآن كواحد من أفقر شعوب الأرض، وربما من أكثرها معانات من قبل حكامه، وكذا الحجم الكبير للمؤامرات التي حيكت ومازالت تحاك من أجل النيل منه وإذلاله.
فواحدة من هذه النعم، وربما من أكثرها أهمية على المدى البعيد، هو إن الطبيعة وفرت له أسباب ممتازة لحماية البيئة من دون أن يلتفت لها أحد، لحد الآن، على حد علمي.
حيث يوجد في العراق مكبات طبيعية خارقة بسعتها وبإمكانياتها لاستيعاب كل أنواع الملوثات البيئية من النوع السائل المتوقعة في العراق، ليس هذا وحسب، بل الأكثر من ذلك هو إن هذه المكبات يمكنها أن تساهم بتطوير البيئة واستصلاح الأراضي الزراعية وإعادتها لما كانت عليه من خصب في الأزمنة الغابرة، ومع الوقت وقليلا نسبيا من التخصيصات المالية، يمكن لها أيضا أن تنقذ مياه دجلة والفرات من الملوث الأزلي المتمثل بالملوحة التي تزداد كلما تقدمنا نحو الجنوب العراق، حتى يصبح من المتعذر على العراقي الجنوبي شرب مياه الأنهار لارتفاع ملوحتها.

إن هذه المكبات تتمثل بثلاث تكوينات أرضية (طبقات أرضية) تعتبر ليست ذات قيمة اقتصادية تذكر في الوقت الحاضر ولا في المستقبل، وهي تلك تكوينات الجيولوجية التي تسمى بالدمام وإم الرضومة والسمسمة. حيث إن هذه التكوينات الجيولوجية تتمتع بميزات عدة تجعل منها مكبات مثالية لمعظم أنواع النفايات المحتملة وتستوعبها لآلاف السنين القادمة، وهذا ما سنأتي علية تفصيلا  في هذه الورقة.  

من الجدير بالذكر، هو إني كنت إفكر بهذا الموضوع منذ زمن يزيد على خمسة عشر عاما خلت، ولكن الذي كان يفل من عضدي بالعمل على نشر هذا الموضوع، هو الميول الإجرامية القوية للنظام البعثي، وقد أثبتت الأيام من أني كنت محقا بذلك، حيث إن النظام المقبور بعد ذلك بسنة أو سنتين، بدأ بالسعي لتجفيف الأهوار، وقد فعلها النظام المجرم ولكن بطرق أخرى. فهذا الأسلوب، الذي نقترحه الآن، لو أسيء استعماله، كان يمكنه أن يجفف الأهوار بكلفة قليلة جدا وكفاءة عالية. لكن الآن الوضع مختلف كثيرا عما كان عليه أيام الدكتاتورية البشعة، فكل ما نحتاجه هو وضع ضوابط علمية وهندسية للتحكم والسيطرة على المنشآت المتعلقة بهذا النوع من المكبات، وهذا، ما سنأتي عليه من خلال عرض الموضوع.

ما هي هذه التكوينات الثلاثة:

إن هذه التكوينات الثلاثة التي تصلح لأن تكون مكبات للمخلفات الصناعية السائلة وبزل عملاق لكل المياه العالية الملوحة، هذه التكوينات هي الدمام ويليه تكوين أم الرضومة ومن ثم السمسمة.
التكوينات الثلاثة تلك، ليس لها أية قيمة اقتصادية تذكر في الوقت الحالي، كما أسلفنا، حيث إنها تحتوي على مياه مالحة عالية التركيز إلى حد التشبع في ظروف الأرضية من حيث درجة الحرارة والضغوط. فملوحة هذه الطبقات تتراوح من 100.000 جزء للمليون من الأملاح إلى 200.000 جزء للمليون. إن هذه الملوحة العالية جدا تجعل من المياه غير مفيدة لشيء، هذا بالإضافة إلى كونها لا تحتوي على شواهد نفطية كما أظهرت نتائج عمليات الاستكشاف عن النفط، إلا ما ندر، والذي هو بحقيقته كان قد انتقل إلى هذه التكوينات كنتيجة لوجود تشققات أرضية قديمة جدا. وحتى لو تم إثبات إنها تحتوي على النفط، كما هو الحال في حقل شاه في دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن استعمالها كمكبات سوف لن يغير من الوضع بشيء، لأن سوف يكون ذلك بعيدا عن التجمعات الهيروكربونية. 

تحتوي هذه التكوينات الثلاثة على طبقات سميكة جدا وعالية النفاذية والمسامية، حتى إنها تحتوي على ما يشبه الكهوف الخاوية والكبيرة في كثير من الأحيان، وذلك كنتيجة للإذابة محتويات تلك الصخور بواسطة المياه عالية الحموضة. بكلمة أخرى إن مساميتها ونفاذيتها قد تطورت بفعل جيوكيمياوي عبر عصور جيولوجية قد امتدت عبر مئات ملايين السنين. حتى إن هذه التكوينات الثلاثة تعتبر من التكوينات المشاكسة أو المتعبة بالتعامل معها أثناء حفر الآبار في العراق وباقي مناطق حوض الشرق الأوسط الجيولوجي. إنها تسمى بمناطق السرقة Thieve Zones  لدى مهندسي وفنيي حفر آبار النفط، حيث إنها تأخذ كل سوائل الحفر مما يسبب الكثير من المشاكل أثناء عملية حفر الآبار. وفي كثير من الأحيان، يتم إلقاء عشرات الأطنان من الإسمنت لوقف امتصاصها لسوائل الحفر والإسمنت سواء المستعمل لغرض سدها أو لغرض تسميت البطانة الفولاذية للآبار. إن ضياع الإسمنت يتسبب بمشاكل جمة لا يمكن تجاوزها في كثير من الأحيان، بحيث يترك الكثير من العيوب المزمنة في الآبار منذ اليوم الأول لحفرها.

إن هذه التكوينات الثلاثة المتطابقة فوق بعضها تقع على عمق يزيد على 2500 قدم تحت سطح الأرض وتنتهي بحدود 6000 قدم من سطح الأرض. بالطبع إن هذه الأعماق التي وضعتها تتعلق بالمنطقة الجغرافية الممتدة مع نهري دجلة والفرات من شمال بغداد حتى جنوب العراق. حيث إن هذه التكوينات نجدها في كل مناطق الحوض الجيولوجي المسمى بحوض الشرق الأوسط الممتد من جبال زاكروس شرقا وحتى جبال السرات غربا، ومن الجنوب جبال اليمن وجبال عمان. ولكن المناطق التي تقع شمال بغداد، لا نجد هذه التكوينات  الثلاثة، حيث إنها قد اختفت بفعل عوامل جيولوجية قديمة جدا، وجاءت فوقها ترسبات أحدث بعد اختفائها، ولكن هناك تكوينات مماثلة كتكوين عليجي.

يظهر تكوين الدمام على سطح الأرض في أعالي الفرات  وبعيدا من ذلك، بالقرب من الحدود العراقية الأردنية، يظهر تكوين إم الرضومة الجيولوجي ومنه يستخرج الفوسفات والقليل من اليورانيوم الخام في منطقة عكاشات، ومن الجانب الثاني نجد الأردنيين ينتجون منه أيضا الفوسفات لاحتوائه على ترسبات الفوسفات الكبيرة جدا. ولكن هذه القيمة الاقتصادية له، فقط عندما يكون قريبا من سطح الأرض أو يكون قد ظهر فعلا كما هو الحال في منجم عكاشات والمناجم الأردنية.

فهذه التكوينات بطبقاتها موجودة، إذا، في معظم أراضي العراق وحيث يحتاجها العراقي، ما عدا منطقة واحدة، وهي تلك المتاخمة لكركوك وحقولها النفطية، حيث تكون هناك طبقات بديلة ولكن بحاجة إلى دراسة أوسع لتحديد مدى صلاحيتها لمثل هذا الغرض.

آبار المكبات للسوائل السامة:

لقد تم حفر عدة آبار في دولة الإمارات العربية المتحدة من قبل شركة أدكو لكي تستعمل كمكبات لسوائل مضرة بالبيئة من مخلفات عمليات حفر الآبار، وكذا الكثير من أنواع السوائل كمخلفات من عمليات الإنتاج المختلفة، وحتى كسرات الحفر التي تعتبر مواد صلبة، تم حقنها بهذه الآبار بسهولة تامة. تم تعميم هذا الأسلوب على جميع الشركات التي تعمل في صناعة استخراج النفط أو الصناعة البتروكيماوية في الدولة.
لقد استعمل هذا الأسلوب كأحد تطبيقات حماية البيئة وجزءا من برامجها الرائعة في هذه الدولة الفتية، وقد أثبتت نجاحا منقطع النضير.

إن آبارا من هذا النوع يمكنها أن تستوعب ما يزيد على عشرين ألف برميل لليوم الواحد من المياه دون الحاجة إلى وسائل ضخ لزيادة كميات السوائل التي يتم حقنها، وفي حال استعمال مضخات فإن الكميات يمكن أن تصل إلى خمسين أو حتى ستين ألف برميل يوميا ( أي ما يزيد على تسعة آلاف متر مكعب يوميا ).
هذه الآبار تعتبر ليست عميقة وتكلفتها قليلة للغاية، حيث حفر البئر الواحدة لا تزيد على نصف مليون دولار.
لكن هذه الآبار يجب أن تخضع لرقابة نوعية عالية لما لها من أثر كبير على البيئة، وخصوصا المياه الجوفية. فهذه الآبار يجب أن تكون بطانتها مغلفة بالأسمنت بشكل يمنع تسرب المياه الملوثة للطبقات العليا والتي في العادة تكون حاوية على المياه الجوفية، الخزين الإستراتيجي لمجمل أنشطة الحياة في حال الاعتماد عليها كمصدر لتوفر المياه في منطقة ما من العراق. إن السيطرة النوعية هنا تتمثل فقط بالتأكد من إنها محكمة ولا تسمح بالتسرب للسوائل من طبقة أرضية إلى أخرى، وذلك من خلال فحوصات خاصة يتم إجرائها على البئر بعد الانتهاء من حفرها وتبطينها.

إن شروط السيطرة النوعية التي وضعها معهد البترول الأمريكي لهذا النوع من الآبار قبل البدء بتشغيلها، تعتبر من أحسن المواصفات القياسية للنوعية ويكمن الاطمئنان لها تماما في حال تطبيقها بشكل كامل وصحيح.

إن هذه الآبار يمكنها أن تستعمل لطمر حتى بعض المخلفات الصلبة لو تم سحقها بشكل جيد ومن ثم مزجها مع الماء، فقد أثبتت هذه الآبار على إنها يمكن أن تستوعب كميات هائلة من مخلفات الحفر من دون اللجوء لإنعاشها من جديد لكي تستوعب الكميات التي كانت تستوعبها أصلا، حيث إنها غالبا ما تحتاج لمثل هذه العمليات لإنعاشها وإعادتها لسابق كفاءتها بالعمل.

إن عمليات الإنعاش لمثل هذه الآبار غاية بالسهولة حيث إنها تحتاج فقط لحامض الهيدروكلوريك بنسبة 28% أو 15% يتم حقنها في البئر، ولو تم توزيعها بشكل جيد على الصخور المراد إذابتها وذلك باستعمال تقنيات متقدمة، فإن النتائج ستكوم باهرة جدا، وربما ستكون في حال أحسن مما كانت عليه في اليوم الأول لحفرها. في حال استعمال مثل هذه الآبار كمكبات لسوائل تحتوي على مواد هيدروكربونية، فإن استعمال حامض الهايدروكلويك قد لا يفي بالغرض لوحده، فإننا سنكون بحاجة لبعض المذيبات العضوية المناسبة بحسب الحالة التي نتعامل معها والأسباب التي أدت إلى تدهور قابلية هذه الآبار لاستيعاب السوائل المحقونة فيها. التقنيات والمواد التي تحتاجها مثل هذه العمليات متوفرة بأسعار مناسبة جدا.

إن تصميم هذه الآبار يختلف من منطقة إلى أخرى وحسب المعطيات الجيولوجية المتوفرة، والتي غالبا ما تكون غير متوفرة قبل البدء بأعمال الحفر، ففي هذه الحالة يمكن الاعتماد على نتائج الحفر وما ستوفره من معلومات جيولوجية لاتخاذ القرار المناسب أثناء عملية الحفر نفسها مع الاحتفاظ بالتصميم الأساسي للبئر.

الملوثات الصناعية:

إن معظم الملوثات للبيئة والناتجة من مخلفات الصناعة بأنواعها، غالبا ما تكون سائلة أو تحويلها إلى الحالة السائلة من خلال عمليات إضافية، وفي أغلب الأحيان تحتاج إلى تهيئة مسبقة وكجزء من أي مشروع صناعي. في واقع الحال إن حماية البيئة وبرامجها يجب أن تدخل في أي مشروع صناعي منذ اليوم الأول، وأن تهيأ له كافة الوسائل، ضمن التصميم الأساسي لأي مشروع صناعي مهما كان، وهذا يدخل ضمن العقود التي يتم إبرامها مع الجهات التي ستقيم المشروع.

إن موضوع البيئة وحمايتها، مسألة تضامنية من قبل الجميع سواء كانوا منتجين محليين أو أجانب، وحتى منتج القطاع العام، عليهم جميعا الالتزام بها كما الالتزام ببنود الدستور أو القانون المعمول به في البلد، لذا فإن أي عقد مهما كان شكله يجب أن يتضمن تلك القوانين التي تحمي البيئة والإنسان، ولا يتم التعاقد مع أية جهة كانت، إلا إذا كانت البيئة على رأس البنود المتعاقد عليها.

إن الملوثات بحالاتها الثلاث السائلة والصلبة والغازية يجب أن يتم التعامل معها من خلال التصميم الرئيسي لأي مشروع كان، فيجب على المصممون أن يأخذوا بنظر الاعتبار هذه الأشكال الثلاثة والتعامل معها من خلال إضافة منشآت مناسبة لتحويلها من حالة لأخرى مناسبة، بحيث وسائل طمرها تكون متوفرة دون أن تخلف أضرارا على البيئة من أي نوع كان.

وهكذا فالرهان يبدأ منذ اليوم الأول بتحدي كل أنواع الملوثات وتوفير البنية التحتية الكافية للتخلص منها.
إن الكثير من الملوثات يمكن أن تتحول إلى الحالة السائلة بسهولة ويسر وبتكاليف بسيطة، لذا يصبح استعمال هذا الآبار كمكبات لطمر الملوثات من أهم البنى التحتية التي ستوفرها الدولة للمستثمر المحلي والأجنبي على حد سواء، وهي التي تمثل، في حقيقة الأمر التحدي الحقيقي للحكومة بإدارة مجمل ملفات الاستثمار في البلد بنجاح دون أن يكون لها أثر على البيئة مستقبلا.

استصلاح الأراضي وبزل المياه المالحة:

إن ما يسمى بالنهر الثالث أو النهر العظيم في العراق، هو من حيث الأساس ينشأ من تجميع مياه البزول على مدى حوض دجلة والفرات من وسط العراق وجنوبه ومن ثم يصب هذا النهر في الخليج. إن مياه هذا النهر تذهب هدرا في الخليج، وهي مياه غير صالحة للسقي. هذا بالإضافة إلى إن جميع الأراضي الزراعية التي لم تستطع أن تبزل مياهها المالحة لهذا النهر مازالت محرومة من فرص الاستصلاح، وهي أراض واسعة جدا، وتركها يعتبر ضياعا لأراض زراعية يمكن أن تدر على العراق خيرا وفيرا إذا ما تهيأت لها وسائل الاستصلاح، وهي سهلة ومحصورة فقط بإمكانية توفير بزول لمثل هذه الأراضي.

إذا هناك عنصرين لموضوع البزول، أولها هدر المياه بكميات كبيرة جدا، بحيث يصبح حجم النهر الثالث في البصرة بحجم شط العرب، وهذه المياه يجب أن يعمل على إنقاذها من الضياع وذلك بتحليتها لكي يعاد استعمالها في كل شيء. وثانيها، هو إن هناك أراض واسعة من العراق تكون صالحة للزراعة بعد أن تركها ملاكها من زمن بعيد، ولكن بمجرد توفير البزل المناسب لها، ستعود للإنتاج الزراعي من جديد. هذا بالإضافة إلى حقيقة إن هذا النهر يعتبر من أكبر المعوقات لإعادة المياه إلى الأهوار لمستواها الذي كانت عليه قبل حفر هذا النهر.

إن إمكانية حفر مثل هذه الآبار في أي مكان، سيوفر الفرصة لمثل هذه الأراضي للعودة كأراضي صالحة للزراعة دون اللجوء لتوفير توظيفات مالية ضخمة وهي غير موجودة أصلا في الوقت الحالي، وإن وجدت فإنها يمكن أن توظف في مجالات أخرى.

ولكن في حال ربط مثل هذه التقنية بالبزول مع إنتاج الطاقة الكهربائية وإلزام منتجي الكهرباء من تنقية مياه البزول المالحة، سيكون بالإمكان إعادة هذه المياه للاستعمال مرة أخرى لأغراض الشرب أو الزراعة، وبذات الوقت يمكن بزل المياه الشديدة الملوحة فقط والناتجة من هذه العملية في تلك الآبار.

إن ما أود أن أصل إليه هو إن البزل في هذه الآبار يجب أن يقتصر على المياه الشديدة الملوحة فقط وذلك للإقلال من هدر المياه في العراق والتي سوف لن تكون وفيرة جدا في المستقبل مع زيادة رقعة الأراضي الزراعية والاستعمالات المنزلية والصناعية التي ستتنامى بشكل سريع جدا مع الوقت. لذا يحب أن يرتبط هذا الأسلوب للبزل بتوفير منشآت تحلية المياه لأعادتها للأغراض المختلفة، أو حتى إعادتها للأنهار من أجل تقليل ملوحتها أثناء تقدمها نحو الجنوب. لذا أقترح أن تربط مسألة البزول بإنتاج الطاقة الكهربائية.

إن إنتاج المياه باستعمال الأسلوب الحراري يعتبر غير مجدي من الناحية الاقتصادية لو أقتصر على إنتاج المياه الحلوة فقط، ولكن حين يرتبط بأغراض أخرى كإنتاج الكهرباء وأغراض استصلاح الأراضي والبيئة مرة واحدة ستكون الجدوى الاقتصادية عالية جدا. إن الطاقة الحرارية الناتجة عن احتراق الوقود في المحركات التوربينية، يمكن استغلاله في عملية إنتاج المياه الحلوة بشكل فعال وكميات هائلة، وذلك من خلال إضافة بسيطة لمنشآت إنتاج الطاقة، ستكون هذه المنشآت تنتج المياه الحلوة.
من المعروف إن الكفاءة الإجمالية للتوربينات الغازية، مثلا، لا تتجاوز 35% في حال إنتاج الطاقة الكهربائية منها، لكن لو ارتبطت بتحلية المياه ستكون الكفاءة بحدود ال 80% أو أكثر قليلا.
وهكذا يمكن إنشاء محطات إنتاج الطاقة الكهربائية على أو بالقرب من البزول الفرعية، وسيكون هذا النظام بمثابة إنقاذ لمياه الأنهار من الهدر، وذلك من خلال إضافة كلف قليلة على المنشآت لتحلية المياه بأسلوب التبخير المعروف والذي أثبت جدواه من الناحية الهندسية والاقتصادية. علينا أن ننتبه إلى حقيقة إن جميع محطات الطاقة الكهربائية في العراق قد تم إنشائها بالقرب من الأنهار وذلك لوجود التغذية بالغاز الذي يستعمل كوقود، والذي يتم توفيره من خط الغاز الموازي للخط الإستراتيجي، والذي يغذي أيضا محطات تقوية الضغط في الخط.  فمسألة الربط ستكون سهلة جدا وغير مكلفة على الإطلاق.

وهكذا يمكننا إنشاء نظام متكامل لحماية البيئة واستصلاح الأراضي والبزل وإنتاج الطاقة الكهربائية وتوفير المياه الحلوة في آن واحد.
______________________________________________________
*مهندس نفط مختص بإنتاج وتطوير حقول النفط والغاز.
ساهم في جميع برامج حماية البيئة ضمن إمتياز شركة أدكو أكبر منتج للبترول في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ملاحظة: المعلومات التقنية التي وردت في هذا الموضوع تعتبر عامة بالنسبة للمتخصصين في هذا المجال، أقصد المجال النفطي، ولكن قد يكون هناك ما هو جديد بما يتعلق بإمتدادات التكوينات الثلاثة موضوع الاقتراح، والتي لا تتوفر إلا بملفات وزارة النفط العراقية، والتي يتعذر الوصول إليها في الوقت الحالي بالنسبة لي. ولكن مهما كانت هذه المعلومات، فإنه لن يغير من المحتوى ولكن ربما سيزيد من رقعة المساحات التي يمكن أن تحفر بها مثل هذه الآبار.



#حمزة_الجواهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استئصال الطائفية والعنصرية ضرورة موضوعية 1 &2
- دوفلبان، أهو شاعر أم عديم المشاعر؟
- عندما يتحول الشعراء إلى قتلة، دو فلبان يدعو إلى ضم البعثيين ...
- البرنامج السياسي البائس – العودة للحكم الطائفي العنصري
- المشروع العربي المرعب لإعادة البعث للعراق
- ردا على علاء اللامي والخبير النفطي مجهول الهوية
- النفط العراقي بين الهواجس المشروعة والتطير – خامسا أسلوب لتح ...
- النفط العراقي بين الهواجس المشروعة والتطير – رابعا الخصخصة ف ...
- دول الجوار توصي بنزع الأكباد بعد قتل الأطفال
- النفط العراقي بين الهواجس المشروعة والتطير- ثالثا أشكال الاس ...
- النفط العراقي بين الهواجس المشروعة والتطير - ثانيا الثوابت ا ...
- النفط العراقي بين الهواجس المشروعة والتطير- أولا تجاوزات الب ...
- ليتهم ينقبون عن النفط على حسابهم ليطمئن الأخ علاء اللامي على ...
- الحرب على الإرهاب والأخوة الأعداء
- اتضحت معالم المؤامرة الإيرانية في العراق الجديد
- الأتراك قادمون، فأين المفر؟
- نظام ديمقراطي أم العزف على أوتار مقطعة؟
- أخطر مؤامرة على العراق تنفذ على يد غسان سلامة والأمم المتحدة
- سلاما إلى أرض العراق – 3 - إرهاب بين النهرين
- سلاما إلى أرض العراق – 2 - ثرثرة فوق النهرين


المزيد.....




- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...
- مقتل عراقية مشهورة على -تيك توك- بالرصاص في بغداد
- الصين تستضيف -حماس- و-فتح- لعقد محادثات مصالحة
- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - حمزة الجواهري - مقترح لحماية البيئة من الملوثات الصناعية والمياه الشديدة الملوحة