أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم ازروال - قراءة في - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك - لعلي حرب- حين يصير التفكيكي تنويريا















المزيد.....



قراءة في - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك - لعلي حرب- حين يصير التفكيكي تنويريا


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 2156 - 2008 / 1 / 10 - 11:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قراءة في " هكذا أقرأ ما بعد التفكيك " لعلي حرب
حين يصير التفكيكي تنويريا

ابراهيم ازروال
يعد كتاب ( هكذا أقرأ مابعد التفكيك ) لعلي حرب ، لبنة أخرى في البناء الفكري والفلسفي لهذا المفكر التفكيكي الغبحداثي . لقد واظب علي حرب طيلة أزيد من ثلاثة عقود على نقد الفكرانيات والإيديولوجيات الرائجة في المشهد الثقافي بالشرق الأوسط ، وعلى ترسيخ قراءات و مقاربات و ومنهجيات جديدة في التعامل مع المستندات النصية والواقعات الاجتماعية والسياسية والإشكاليات الأنطولوجية والوجودية . فقد قدم براهينه وأسانيده الفكرية والمنهجية والمفهومية للتدليل على إجرائية ونجاعة العقل التداولي والمنطق التحويلي والتوليدي ونقد النص ، وعلى لا اجرائية نقد العقل ومنطق المماهاة والمطابقة والعقل الإيديولوجي كما تجسد ذلك في المشاريع الفكرية لبعض مفكري الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العقلانيين (أشير هنا إلى نقده لمحمد عابد الجابري وحسن حنفي ومحمد اركون وصادق جلال العظم وطه عبد الرحمان ....الخ ) .

نقد النص
ينهض( نقد النص ) على مسلمات تفكيكية ، منزاحة عن التصورات النظرية والمنهجية للمنهجيات التاريخية النقدية . فهو ينكر نظريا ، القيمة النظرية والتفسيرية ، للمعطيات السياقية الكلية للنصوص ، ويولي العناية المطلقة للمعطى النصي باعتباره مناط التفسير والتأويل والتفكيك ولإستراتيجية القارئ التأويلية والتفكيكية .
( لم يعد النص مجرد ناطق باسم المؤلف أو مجرد مرآة تعكس الواقع ، بل أصبح هو نفسه واقعة تخضع للدرس والتحليل ، ليس فقط ، من حيث منطوقه وطرحه ، بل أيضا وخاصة من حيث بنيته ومنطقيه وآلية عمله ، أو من حيث قواعد تداوله وتشكيل سلطته ؛ ولذا أصبح النص ، كواقع خطابي ، حقلا لإنتاج الأفكار والمعارف ، على نحو تتغير معه مفاهيمنا للفكر واللغة أو للمعرفة والحقيقة ، وكما تفيدنا بذلك المنجزات التي أسفرت عنها فتوحات الدرس المعرفي حول الخطابات والنصوص والرموز اللغوية . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –ط/1-2005-ص.20)
ينطلق علي حرب من تصور نظري تفكيكي للقراءة والتأويل ولماهية النص . فالنص في اعتقاده ، ليس مرآة عاكسة لمقاصد واستراتيجية المؤلف الامبريقي ولا مرآة سوسيولوجية أو تاريخية عاكسة لمقاصد الوعي الجمعي أو المخيال المخصوص بمرحلة من المراحل التاريخية أو بثقافة من الثقافات . فمن هذا المنظور ، يتوجب الالتفات إلى استراتيجيات النص والى الآليات النصية والى المؤدى الخطابي للمنطوقات النصية . وللتوغل في تلك الاستراتيجية النصية والتوغل في مساربها المخاتلة ، لا بد من الانتقال من مقاربة الأطروحات والآراء ، إلى استقراء المسارب الملتوية للمضمرات والمكنونات النصية . فالنص من هذا المنطلق ، بنية متراكبة الأبعاد ، متعددة المسارب ، متاهية المؤديات ، لا متناهية المستويات والقسمات والمقصودات . فلا اعتبار للقراءة ، إن لم تنطلق من الالتباس غير القابل للاختزال للنص ، و من حربائية اللغة ، ومن تلونية المجاز ونوسانه بين الظلال وظلال الظلال بين المعنى ومعنى المعنى . فالمفكر التفكيكي ، لا يراعي في المقاربة النصية ، إلا القيعان المجازية الملتبسة والأعماق الإستعارية المنفلتة من آليات الرصد التدليلية والاستدلالية والتعليلية ، والمنعطفات الكنائية المعتمة للنصوص ، ولا يلتفت إلى التعالقات السياقية والإنغراس الثقافي المخصوص للتشكيلات الخطابية المؤولة . ويعتقد أن تفكيك النصوص على هذا النحو ، قمين بتجديد المعرفة والفكر ، وإعادة بناء المفاهيم الجوهرية للفكر والفلسفة بصفة إجمالية .
( فإذا كانت اللغة تخلق واقعها ، فيما هي تخبر عن الواقع ، فإن القراءة في النص ، تشكل هي الأخرى نصا مضاعفا فيما تدعي الوقوف على حقيقة النص ، أي تنتج حقيقة جديدة ، فيما هي تزعم النص على الحقيقة . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص – 22-)
فالقراءة التفكيكية كما يقدمها علي حرب ، تخرق كل المقتضيات المنهجية والنظرية للتأويل المراعي للسياقات والمساقات الكلية للبنيات التكوينية للنص ، وللمحتمل الكموني للنصوص . فمهما كانت النصوص مرنة ، دلاليا وتداوليا ، فهي محكومة بأفق إنتاجها وبأفقها الثقافي والحضاري . وبناء على هذا التصور ، فقراءة ابن عربي والشيرازي قراءة هيدغيرية ، لا تستقيم ،منهجيا وابستمولوجيا بالنظر إلى الهوة الثقافية والحضارية القائمة بين الرؤية العرفانية الصوفية لابن عربي والرؤية الإشراقية للملا صدرا الشيرازي وبين الرؤية الوجودية التفكيكية لهايدغر .
وبناء على هذا الاعتبار ، فان القراءة التفكيكية ، لا تبحث ، في العمق ، في حقيقة النص ولا في استكناه واستخراج دلالاته الممكنة . فهي ، لا تتأول الدلالات النصية لاستخراج المعاني الكمونية للنصوص ، بل لإلغاء استراتيجية الخطاب وتعويضه بعد ذلك ، بدلالات ومعاني وافادت موثوقة الصلة باستراتيجية المؤول / المفكك وبرغباته ومقاصده و أهوائه .
ومن المعلوم ، أن المؤول / المفكك ، يمرر أفكاره و أهواءه ويلصقها بالمنطوقات والمفهومات النصية ،بدعوى تعددية المعنى واحتماليبة الدلالة واشتباه اللغة والمجاز واستحالة المطابقة والتماهي بين الدال والمدلول ، بين المنطوق والمفهوم ، وصعوبة تحصيل الحقيقة .
( وبالطبع هذا شأن النص . إنه متعدد المعنى ، ملتبس الدلالة ، كثيف المفهوم ، متوتر الوجهة ، إشكالي القضية و الأطروحة ؛ إذ هو علاقته بمكوناته وسياقاته ، بقدر ما هو علاقته بممكناته واحتمالاته . ولذا فهو يحتمل غير قراءة ، بقدر ما يختزن ما لا يتناهى من القراءات التي تراكمت وتفاعلت في ذهن مؤلفه ، لكي تسهم في تشكيله وظهوره . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص – 23-)
يسعى علي حرب هنا إلى تبرير القراءة التفكيكية للنصوص المرجعية النبوية والفلسفية ، والى تبرير الدلالات المستحدثة الملحقة بهذه النصوص بدون الاستناد إلى الأسانيد النصية أو الإحالات السياقية أو إلى بنية الأفق الفكري والجمالي للمؤلف الامبريقي . إن التسليم بالتباس الدلالة النصية ، مرتبط بإقرار التفكيكيين بالتباس اللغة الأصلي ، وباستعصاء المجاز على الترويض العقلي أو التكييف التاريخي المحايث . والحقيقة أن التسليم بكثافة اللغة المفهومية للنصوص الفلسفية المرجعية وبعض أجزاء النصوص العقدية التأسيسية ، لا يعني استحالة تحصيل المعاني النصية أو استخراج الدلالات عبر استدلالات تأويلية أو بعد تمحيص الفرضيات التأويلية المقترحة وإخضاعها لمقتضيات المقصدية النصية أومقصدية المؤلف الامبريقي أو آفاق السياق الثقافي للنص موضوع التحليل.
فانفتاح الدلالة الخطابية واحتمال المعنى النصي مشروطان بمقتضيات موضوعية ، وبحيثيات نحوية وتركيبية وخطابية ودلالية وتداولية ، لا يقود هدرها إلا إلى الانحراف التأويلي أو إلى الاستعمال الصريح للنصوص . (أشير هنا إلى تفريق امبرتو ايكو بين تأويل النصوص واستعمالها في " القارئ في الحكاية " و في "حدود التأويل" ) .
والقول بانفتاح النص اللامتناهي ، يستلزم استتباعا ، القول بتعددية القراءات والتأويلات . ونحن نعتقد أن للقراءة العقلانية حدودا لا تتعادها ، وشروطا منهجيا ونظرية لا بد من مراعاتها والتمسك بموجباتها. إننا نقر بانفتاح النصوص ، وإمكان إعادة قراءتها واستثمار ممكناتها الدلالية ومفعولاتها التداولية ومكنوناتها التحويلية والتوليدية ؛ إلا أننا نعتقد أن ثمة إمكانا إبستمولوجيا وإمكانا تاريخيا وإمكانا حضاريا ،وكل هذه الإمكانات تتحكم في التأويل وترسم حدود اندياحه ومعالم تشكله ، وتحدد سعة الانفتاح النصي ومدى اتساع معاني المجازات والكنايات والاستعارات والتخييلات النصية . فالتأويل الممكن لنصوص أرسطو ، قد يكتشف أبعادا إبستمولوجية وتاريخية لم يتطرق لها معالجو المتن الأرسطوطاليسي . أما التأويل البعيد أو المغرض أو المنحرف ، فهو الصادر عن فرضيات بلا سند ، ولا دليل معرفي معتبر ، ولا تدليلات ناهضة . هل يحق لنا أن نتأول النصوص الأرسطوطاليسية بمفاهيم كانطية أو هيغيلية أو فيتكنشطينية أو راسلية أو هايدغرية بدعوى انفتاح الدلالة ؟ هل يمكن أن نعتبر بخفة يد تفكيكية ، المنطق الصوري منطقا رياضيا أو منطقا رمزيا ؟
والحقيقة أن الممارسة النقدية لعلي حرب ، تقف بعيدا عن مصادراته النظرية ؛ فقد تعامل مع نصوص أبي يعرب المرزوقي وعبد الكريم سوروش وعبد الرحمان الكواكبي وأبي الوليد بن رشد ونيتشه .... الخ كنصوص قابلة للتفسير والتأويل والنقد والنقض والتجاوز . أي كنصوص قابلة للتعيين الدلالي والتحديد المفهومي والتقويم المنهجي .
( يحصر ابن رشد التأويل في المجال الديني وحده . وحجته في ذلك أن الشريعة قصدت مخاطبة جميع الناس . ولأن معظمهم لا قدرة لهم ، برأيه ، على إدراك الحقائق العقلية ، فقد ضربت الشريعة الأمثلة عليها وتحدثت عنها بلغة الظاهر . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص – 48-)
فهذا الشاهد يدل على إمكان حيازة معنى ، المنطوقات النصية ، وعلى اتساق النصوص ، نحويا ودلاليا ، وعلى ارتهان القراءة والتأويل لمقتضيات سياقية لسانية أو سيمانتية أو تداولية محددة التخوم والحدود . أي أن المسلك العملي لعلي حرب ، ينفي نفيه التفكيكي لاجرائية مفاهيم العقلانية والموضوعية والمطابقة والحقيقة . فهو ينتقد أطروحات أبي يعرب المرزوقي ونصر حامد أبي زيد ومحمد شحرور وعبد العزيز حمودة وتشومسكي وبورديو ، بوصفها أطروحات وأراء قابلة للاستكناه والسبر والفهم والتدبر العقلي والتاريخي وباعتبارها معاني قابلة للرصد والاستقصاء والتعيين والتصنيف والنقد والتجاوز .
فالمطلع على دراسات علي حرب النقدية / التفكيكية ، يلاحظ تباينا واضحا بين المسلمات النظرية التفكيكية جوهريا ، والتفكيكات النقدية التطبيقية المندرجة ، إجمالا ، في سياقات النقدي التاريخي المتمسك بآليات المقاربة النقدية غير التفكيكية .لقد تناول علي حرب بالنقد والتفكيك أعمال محمد اركون ( " النص والحقيقة III-الممنوع والممتنع – نقد الذات المفكرة" وفي " النص والحقيقة Iنقد النص " وفي " الماهية والعلاقة – نحو منطق تحويلي ") وأعمال صادق جلال العظم في (" النص والحقيقة Iنقد النص ") وأعمال طه عبد الرحمان في (" الأختام الأصولية والشعائر التقدمية – مصائر المشروع الثقافي العربي " وفي " الماهية والعلاقة – نحو منطق تحويلي" )، وانتقد أطروحات هؤلاء المفكرين الفكرية ومضامينها الفكرانية التصورية ، واعترض على غاياتها الضمنية و الصريحة ، مما يؤكد نسبية انتقاداته وتفنيداته التفكيكيبكية لأصول وتوجهات تلك المقاربات . إن للنصوص أعماقا تتطلب أدوات إجرائية بالغة الدقة والرهافة ، ومعاني مطموسة لا يمكن استقصاؤها إلا باستعمال عدة منهجية شديدة النفاذية . إلا أن الاعتراض على لا اجرائية ولا نجاعة بعض المقاربات النقدية للنصوص التراثية أو النصوص المرجعية ، لا يعني بأي حال من الأحوال الصدور عن مسلمات عدمية نافية للإمكان الدلالي . فالحقيقة أن أقوال علي حرب لا تخلو من عتمة والتباس في هذا السياق ، فهو يلح على اعتبار القراءة والتأويل فتحين لشروط الإمكان وتوسيعين منهجيا له ، إلا انه يلغي إمكان القبض وسبر المعنى . فهو يدعو إلى فتح حقل الإمكان ثم يغلقه باسم غيبية المعنى واحتجابه الأنطولوجي ، مما يقربنا من المعارف العرفانية أو الغنوصية أو الهرمسية أو القبالية .
( ولا يعني ذلك إحلال طرف في الثنائية محل طرف أو تغليب نقيض على آخر ، و إنما يعني أنه لا مجال للقبض على المعنى الذي هو دوما مثار الاختلاف والتعدد أو الانتهاك والخروج أو الالتباس والتعارض ، بقدر ما يشكل إمكانا لإعادة البناء والتركيب . من هنا معنى " الإرجاء " الذي يعني استحالة القبض ، في مسألة المعنى والحقيقة أو المشروعية والمصداقية ، بقدر ما يضع حدا لإرادة التأله والانفراد والاحتكار والمصادرة ، كما تتجسم في محاولات الإلغاء أو الاستئصال الرمزي أو المادي للآخر والمختلف . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص – 27-).
يمثل هذا النص نموذجا للقناعات التفكيكية لعلي حرب ، وينطوي على التباسات كيانية جوهرية ، نجملها فيما يلي :
1- الإقرار باستحالة القبض على المعنى باعتباره مصاغا من مادة الاختلاف والتعدد والالتباس والتعدد ؛
2- الإقرار باعتبار المعنى إمكانا لإعادة البناء والتركيب ؛
فكيف نعيد البناء والتركيب استنادا إلى معنى منفلت دوما ، ومحكوم بالنوسان والارتجاج والترنح في مهاوي المجازات و سديم اللغة ؟ كيف يسعى المفكر التفكيكي إلى إعادة البناء والتفكيك ، علما أن الإرجاء أو المباينة الدريدية مضادة أصلا لإعادة البناء ومنشغلة بتفكيك ميتافيزيقا الحضور وبتوليد الفوارق اللانهائية ؟. هل يمكن الاعتماد على المفاهيم الاختلافية التفكيكية لإعادة خلق وفتح الإمكان الدلالي ، علما أن التصور التفكيكي تقويضي للمعنى ولمؤسساته ومتعالقاته الفلسفية والنظرية أصلا ؟
نقرأ في (أسس الفكر الفلسفي المعاصر ) لنبعبد العالي ما يلي :
( فهناك في كل نص ، حتى في أكثر النصوص الميتافيزيقية تقليدا ، هناك قوى عمل ، هي في الوقت نفسه قوى تفكيك للنص . وما يهم التفكيك هو الإقامة في البنية غير المتجانسة للنص ، والعثور على توترات أو تناقضات داخلية يقرأ النص من خلالها نفسه ويفكك ذاته se déconstruit في النص نفسه قوى متنافرة تأتي لتقويضه ويكون على استراتيجية التفكيك أن تعمل على إبرازها . )
( - عبد السلام بنعبد العالي – أسس الفكر الفلسفي المعاصر – مجاوزة الميتافيزيقا – دار توبقال –الدار البيضاء – المغرب – الطبعة الأولى – 1991- ص – 76)

يتميز كتاب " هكذا أقرأ ما بعد التفكيك " بتوتر تصوري ومفهومي عميق ، مما يولد مجموعة من المفارقات . فهو يؤكد تعددية المعاني ثم ينفيها ، وهو يقر بالإجتراحية الإبداعية الكامنة في النصوص ثم ينفي هذه الإجتراحية على مجمل النصوص المعالجة في هذا السفر ، وهو يمجد التفكيك فيما يتميز بطابع تنويري خاص .
فقد حرص على إخراج النصوص من الفهم الانعكاسي / الإحالي ، وربطها بالابداعية والاجتراحية . فالنص الجدير بالاسم والحال هذه ، لا يكتفي باستعراض المعارف والآراء والأفكار المعروفة ، بل يعيد تركيب ما هو معروف تركيبا جديدا ، وتقديم رؤى جديدة عن القضايا الجوهرية للكينونة وللسيرورة والصيرورة .
( ولذا ليس النص الهام مجرد خبر عن الواقع أو اكتناه للماهيات أو تعبير عن الهويات ، و إنما هو الذي يخلق واقعه ويكتسب هويته بقدر ما ينتج معناه ويشكل عالمه المفهومي أو الدلالي . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص – 101-)
إلا أن الملاحظ أن عمل علي حرب ، ارتكز بصفة جوهرية على نفي الطابع الإبداعي / الاجتراحي على مجموع النصوص المعالجة في كتاب " هكذا أقرأ ما بعد التفكيك " . والأكثر من ذلك أنه ركز على نصوص هامشية لمحمد اركون ومحمد شحرور ونصر حامد أبو زيد مثلا ؛ وألغى أية قيمة معرفية أو منهجية لكتاب " نقد نقد العقل العربي " لجورج طرابيشي ، ضدا على مبادئ التفكيك وآليات القراءة التأويلية .
فقد قرر المنحى الذاتي للقراءة التفكيكية ، وأصر على تجاوز الإحداثيات السياقية للمنطوقات الخطابية .
( فإذا كانت اللغة تخلق واقعها ، فيما هي تخبر عن الواقع ، فإن القراءة في النص ، تشكل هي الأخرى نصا مضاعفا فيما تدعي الوقوف على حقيقة النص ، أي تنتج حقيقة جديدة ، فيما هي تزعم النص على الحقيقة . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص – 22-)
إلا أن فحوى هذا المخرج ، ليس إلا فرضا نظريا ، غالبا ما يخرقه علي حرب بتأكيداته الوثوقية الصادرة عن منظور عقلاني أنواري ، رغم تشنيعاته المتواترة على الفكر الأنواري والعقلانية الأنوارية .
( وهذا شأن كنط الذي ادعى أن كشفه لما سماه " الأحكام القبلية التركيبية " قد فتح الدرب الآمنة أمام العلم ، بقدر ما جعل المعرفة العقلية تقوم على أساس متين من اليقين ، بحيث تكون ضرورية وكلية ، أو تجري وفقا لقوانين ثابتة وخالدة .غير أن كنط الذي تباهى بإنجازه ، قد تناسى بأن المعرفة التي قدمها لنا هي وليدة تجربة محايثة وبعدية ، بقدر ما تناسى أن مقولته حول قدرة العقل على تأليف أحكام قبلية ، هي أشبه بمن يريد تحقيق أمر "بقدرة قادر " أي أنها تنبني على الاعتباط والتحكم والإيمان الضروري )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص – 164-)
وهذا النص يكشف عما يلي :
1- مراعاة علي حرب لمقصدية المؤلف الأمبريقي ( كانط ) ؛
2- اقراره الضمني بإمكان تحديد الدلالة النصية ومقاصد النص وبقابلية اللغة للأداء والتبليغ ،
3- إقراره الضمني بموضوعية الحقيقة القائمة على التطابق بناء على تسليمه بالتطابق بين مقصدية المؤلف ومقصدية النص من جهة ، وبالتطابق بين قراءة المؤول ومقصدية المؤلف والنص من جهة أخرى ،
4- إقراره الضمني بتاريخية النص الكانطي وتاريخية الحقيقة المتعالية الكانطية .
ومن البديهي ، أن هذه الاستخلاصات منافية للمبادئ التصورية والنظرية للتفكيك وللحفريات المعرفية ، مما يشكف عن توتر جوهري يمس نصوص علي حرب في الصميم.
نقد المعنى
لقد كتب علي حرب كثيرا عن المعنى ، وخصص مقاطع ضافية في كثير من مؤلفاته لتناول مسألة الدلالة وكيفية التعامل مع التباساتها التداولية واشتباكها بالإشكاليات الكبرى للزمان الحديث الموسوم ، عمقيا ، بالتوتر الوجودي واهتزاز اليقين الأنطولوجي واندياح الحقائق السوسيولوجية . فمأزق المعنى كامن في اختلاجه وتوتره وتنقله بين الحضور والغياب ، بين الامتلاء والفراغ ، بين التذكر والنسيان ، بين النظام والكاووس .
( والمعنى يفيض بقدر ما يستعصي ، أي بقدر ما يغيب الآخر ولا يحضر .فالفائض هنا ليس إذن تعبيرا عن الامتلاء ، بل هو ، على الضد ، دلالة على النسيان ، نسيان الوجود على المستوى الأونطولوجي ، ونسيان المجاز الذي يتحكم بالتصورات على المستوى المعرفي . وهذا النسيان يجعل العلم بالشيء مباينا دوما لوجوده . )
(- علي حرب – النص والحقيقة II- نقد الحقيقة – المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء – المغرب - الطبعة الأولى -1993- ص 23)
ولتصوره التفكيكي لإشكالية المعنى ، جانبها الاجرائي المرتبط ، جوهريا بتحديده للنص وآليات القراءة والتأويل وطرائق التعامل مع المعنى النصي .
( على هذا المستوى من النقد، لا جدوى مثلا من نقض النص الديني أو النبوي، إذ هو فضاء تأويلي متسع أو عالم مجازي متشابك يملي نفسه بوصفه مرجعية للمعنى أو مصدرا من مصادر المشروعية؛ كما يستحيل في المقابل تملك معناه والتطابق معه ، لأن المعنى يختلف عن نفسه اختلافا ما باختلاف الناطق والدال أو بتباين المقاصد والتجارب ، سواء بالمعنى الأبسط و الأفقر ، أو بالمعنى الأغنى و الأقوى . مما يعني أن النص معطى لكي نعمل عليه ونخضعه للدرس والتحليل، لتجديد حقول المعرفة أو لتطوير مناهج الدرس أو لتغيير آليات الفهم . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة الأولى2005- ص – 141-142)
حين نتأمل هذا الشاهد ، نلاحظ ما يلي :
1- نفي علي حرب إمكان نقد ونقض النصوص المقدسة ،مما يعني أنه ينكر صلاحية وجدوى النقد النفاتي المنجز في الحضارة اليونانية والعربية الإسلامية والغربية مثلا ( أحيل هنا إلى نصوص المعري وابن عربي وديدرو وفولتير ونيتشه وساد وانفري وراسل مثلا ) ؛
2- إرجاع استحالة نقض النصوص المقدسة إلى انفتاحها الدلالي وقابليتها للتأويل بدون ضفاف ؛ والحال أن نفي النقض يستدعي القول باستحالة القبض على المعنى أي استحالة إقامة المؤسسة الدينية وإقرار الدوغما ونظام المعتقدات أصلا . والتاريخ الديني يشهد بتبلور الأرثوذكسيات الدينية وتمكنها من بلورة العقائد الأرثوذكسية . لقد تمكنت المؤسسات الأرثوذكسية من ترويض المجاز ، ومن عبور متن الاستعارة و اختراق شقوق النصوص ، لتغلب مقرراتها المتعالية على الحيوات والتواريخ والثقافات بحذق لا يضاهى . وعليه ، فان إقرار علي حرب باستحالة نقض النصوص النبوية ، اعتبارا لانفتاحها الدلالي والتداولي يقتضي ، منطقيا ، إنكار إمكان إقرار الدلالات المؤسسية والسوسيولوجية لتلك النصوص . والواقع أن الأصوليات لا تعمل إلا على تبئير المعنى الحرفي / الأصلي ، و إنكار التأويلات الممكنة للنصوص المحكمة والمتشابهة على السواء .
3- تسليم علي حرب بتعدد المعنى وانفتاح مدىالنصوص النبوية ، وارتهان التأويل إلى السياقات المتراكبة والمتحولة لفعل القراءة والتأويل . والحقيقة أن الإشكال قائم في مدى التعددية لا في ماهيتها ، في اعتقادنا ، وفي ضوابط التأويل و المعايير المنهجية والإجرائية للمقاربة النصية . ومن المعلوم أن المؤسسات الأرثوذكسية المتغلبة ، استبعدت التأويل المنفتح من مسلكيلتها المعرفية والمنهجية ، واعتمدت مقاربات حرفية للنصوص الدينية في الغالب . فالقول بانفتاح المعنى وتعددية وارتهانه إلى مساقات وسياقات سوسيو-تاريخية متحولة ، يخص فئات هرطوقية أو عقلانية أو نفاتية أو عرفانية ، ولا يخص المؤسسات الأرثوذكسية بأي حال من الأحوال في الغالب .
4- إقرار علي حرب بالسلطة الدلالية والشرعية للنصوص الدينية والنبوية ؛ ومما لا شك فيه أن نهوض النصوص الدينية والنبوية بأداء دور المحدد الدلالي والتشريعي ، يستلزم الإقرار بإمكان حصر الدلالة النصية للنصوص النبوية المرجعية في نطاقات محددة .
5- تبئير الصفة المجازية والاستعارية للنصوص النبوية ، مع العلم أن السمة المجازية والاستعارية والكنائية للنصوص المعتقدية المرجعية ، ليس بنفس الكثافة والزخم والعنفوان في كل المفاصل النصية لهذه المتون المؤسسة للمخيال الجمعي الكوني . فالتركيز على الطابع الكنائي والمجازي للنصوص النبوية ، يعني إلغاء حضور السمة الإخبارية التشريعية لهذه النصوص . فالنصوص المرجعية النبوية ، هي جماع السمات الكنائية والاستعارية والمجازية والسمات الإخبارية والتقريرية . وهذا ما سبق له أن أكده في معرض تفكيكه لبعض مفاصل كتابات محمد اركون . ( ومعنى ذلك أن أركون يوظف تفكيكاته ضد المنطق اللاهوتي القرآني ، ولا أقول ضد القرآن بالتحديد ، ذلك أن النص ،أي نص ، هو في النهاية متعدد الخطوط والمساحات والطبقات . وهذا ينطبق على النص القرآني بامتياز . ففيه المتعالي والتاريخي ، واللاهوت والناسوت ، والقدسي والدنيوي . )
( علي حرب – النص والحقيقة III- الممنوع والممتنع – نقد الذات المفكرة – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – الطبعة الأولى -1995- ص 120)

6- تركيز علي حرب على مقصدية القارئ ضدا على مقصدية المؤلف ومقصدية النص . فتحديد المعنى ، لا يرتهن في اعتقادنا ، إلى مقاصد وانشغالات وتحيزات ، القارئ بل لاجتماع المقصديات الثلاث . وهذا يستدعي استحضار القراءة التاريخية للنصوص المرجعية ، وتوطينها في مساقاتها وسياقاتها التاريخية والسوسيولوجية والإبستمولوجية .
يعتقد علي حرب ، بانزلاق المعنى في غابات المجاز ومحيطات الاستعارة وغياهب الكيانات ومجرات الرموز ، واستحالة التيقن من الدلالة ومن تعيين المقصد الدلالي . فالواقعة الجوهرية ، عنده هي اللغة بالتباساتها ومنعرجاتها والتواءات مسالكها . وبناء على هذا الاعتبار ، فالسياقات التاريخية والابستمولوجية والسوسيولوجية لا تفيد في تعيين الدلالة النصية والفحوى المعرفي للنصوص .
إلا أنه يخرق هذه المسلمة في مقاطع أساسية من كتب " هكذا أقرأ ما بعد التفكيك" ، و ينخرط في قراءات صادرة عن تفعيل عملي لمفاهيم الموضوعية والعقلانية والتطابق والتماهي والتاريخية ، وهي مفاهيم أشبعها حرب نقدا في كل مؤلفاته وخصوصا في كتاب " الماهية والعلاقة – نحو منطق تحويلي " .
إن الإقرار بانفتاح النصوص المرجعية الدلالي والتداولي ، وبفعالية المجاز والكناية والاستعارة والرمز في بناء النسيج المعنوي للنصوص أمر ، والتنصيص على لا تناهي المسلك التأويلي والتداولي أمر آخر . وللتدليل على ما تقدم نقدم نصا لعلي حرب ، ينفي فيه شرعية التأويل العلمي للقرآن ، بناء على مقررات وافتراضات موضوعية غير متسقة على مع جاء في الشاهد السابق .

لقد كتب علي حرب كثيرا عن المعنى ، وخصص مقاطع ضافية في كثير من مؤلفاته لتناول مسألة الدلالة وكيفية التعامل مع التباساتها التداولية واشتباكها بالإشكاليات الكبرى للزمان الحديث الموسوم ، عمقيا ، بالتوتر الوجودي واهتزاز اليقين الأنطولوجي واندياح الحقائق السوسيولوجية . فمأزق المعنى كامن في اختلاجه وتوتره وتنقله بين الحضور والغياب ، بين الامتلاء والفراغ ، بين التذكر والنسيان ، بين النظام والكاووس .
( والمعنى يفيض بقدر ما يستعصي ، أي بقدر ما يغيب الآخر ولا يحضر .فالفائض هنا ليس إذن تعبيرا عن الامتلاء ، بل هو ، على الضد ، دلالة على النسيان ، نسيان الوجود على المستوى الأونطولوجي ، ونسيان المجاز الذي يتحكم بالتصورات على المستوى المعرفي . وهذا النسيان يجعل العلم بالشيء مباينا دوما لوجوده . )
(- علي حرب – النص والحقيقة II- نقد الحقيقة – المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء – المغرب - الطبعة الأولى -1993- ص 23)
ولتصوره التفكيكي لإشكالية المعنى ، جانبها الاجرائي المرتبط ، جوهريا بتحديده للنص وآليات القراءة والتأويل وطرائق التعامل مع المعنى النصي .

( وهكذا مع الانتقال من نقد العقل وعلم الفكر إلى نقد النص وعلم الخطاب تنقلب العلاقة بين النص والمعنى ، بحيث يصبح من المستحيل القبض على المعنى الأصلي أو التماهي مع الأصل الأول ، بقدر ما يستحيل أن يتطابق واحد و آخر من حيث فضاء الدلالة وعالم المعنى . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص –102).
يصدر هذا الشاهد عن اقتناع كلي ، باستحالة القبض على المعنى الأصلي للمتواليات الخطابية أو السلاسل التلفظية . والحقيقة أن مناهج نقل العقل الترنسندنتالي (نقد العقل المحض لكانط ) أو نقد العقل العقدي ( انظر "نقد العقل الإسلامي " لمحمد أركون ) أو العقل الاثني ( انظر رباعية " نقد العقل العربي " لمحمد عابد الجابري ) ، تتغيا لا القبض على الدلالة الأصلية للنصوص المرجعية بل ملامسة الدلالات التاريخية والابستمولوجية لتلك النصوص . فمفهوم الدلالة الأصلية مفهوم ميتافيزيقي يحيل إلى الأنطولوجيات الوسيطية أو التأويليات العرفانية ، المتجاوزة منهجيا ومعرفيا . وعليه ، فلا يمكن اعتبار ما ركز عليه الشاهد انجازا جوهريا لنقد النص أو لتحليل الخطاب .
والحقيقة أن الإشكال قائم في رفض القراءة التفكيكية لعلي حرب للقراءة التاريخية النقدية ، وللمفاهيم المؤسسة لهذه القراءة . فالقراءة التفكيكية لعلي حرب ، تغلب التناول التداولي الذاتوي للنصوص على حساب أبعادها الخطابية والدلالية والتاريخية . فمما لا شك فيه أنه يلغي ، نظريا ، مقصدية المؤلف ومقصدية النص وحيثيات السياقات المعرفية والتاريخية والابستمولوجية للنصوص المؤسسة للنظر والعمل البشريين .
( صحيح أن المعنى هو العلة في تشكيل جسد النص الخطابي ومتنه الإشاري . ولكن المتن المادي يستقل في النهاية عن منشئه ومؤلفه ، ويصبح وحده المرتكز لفهم المعنى على سبيل التوليد والتحويل ، من جانب القراء الذين يشتغلون بتفسير النص وتأويله للحلول محل الأصل . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص –-102-103).
إن هذا النص ينطوي على مصادرة نظرية صريحة في تفكيكيتها ، إلا أن علي حرب ، كثيرا ما يضطر إلى إلغاء العمل بمقتضياتها ، والى مواجهة النصوص الفلسفية مواجهة أنوارية حداثية عقلانية . فعلي حرب ، لم يفتأ يلح على الفوات المعرفي والأنطولوجي للحداثة الكلاسيكية والعقلانية النقدية وعن اهتزاز يقينياتها المنهجية والمفهومية والإبستيمية ، بفعل مطرقة التفكيك والمنهج الجينيالوجي و الأركيولوجي ، وبفعل الواقعات العلمية والسياسية الدالة على تأزم الحداثة والتحديث وانتهاء العلمانية والعقلاتية والتاريخانية إلى عنق الزجاجة ( أنظر ثلاثية " النص والحقيقة " و " أزمنة الحداثة الفائقة – الإصلاح – الإرهاب – الشراكة " و " الماهية والعلاقة – نحو منطق تحويلي " ..... الخ ) .
وللتدليل على الهوة القائمة على المصادرات النظرية التفكيكية لعلي حرب ولمواقع تحليلاته وتفكيكاته غير التفكيكية ، نشير إلى رفضه للتفكيك التداولي لطه عبد الرحمان للكوجيطو الديكارتي في مؤلفه " فقه الفلسفة – الفلسفة والترجمة 1996) ، وللتأويل الطاهوي التداولي القائم على إعادة تصحيح الكوجيطو ليطابق الكليات التداولية للمجال التداولي العربي الإسلامي ، وللإبانة عن الفارق المعرفي والوجودي بين صيغة ( أنا أفكر ، إذن أنا موجود ) وصيغة ( أنظر ، تجد ) الطاهوية .
( هذا هو المسوغ الحقيقي الذي حمل عبد الرحمن على اختيار الصيغة الإيجادية : كونها تقود إلى " المفعولية " أي إلى إقرار الإنسان بأنه كائن مخلوق أوجده غيره .
من هنا فإن الصيغة تصدر عن قراءة دينية للكوجيطو ، ذلك أن ديكارت بقوله : أنا أفكر ، إذن أنا أكون ، أو أنا أوجد ، قد أحدث ، بفكره ، انقلابا في العلاقة بين الإنسان والله ، لصالح الإنسان الذي كف عن كونه مخلوقا ، ليصبح خالقا ، أو مؤسسا أو فاعلا ، ليس فقط على الصعيد المعرفي ، بل على الصعيد الوجودي بالذات . )
( - علي حرب – الماهية والعلاقة – نحو منطق تحويلي – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب – الطبعة الأولى -1998- ص 153)
لقد تعامل علي حرب مع التكييف التداولي للكوجيطو في كتاب طه عبد الرحمن ، باعتباره صادرا عن عقلية ما قبل ديكارطية ، قروسطية رغم حداثة العتاد المفهومي والتصوري الحداثي المعتمد في كتب المتصوف التداولي . أي أنه ميز ضمنيا بين التأويل الممكن والتأويل المغرض أو الفكراني ، واعترف بمقصدية المؤلف وبارتباط المنطوقات النصية باستراتيجية المؤلف الفردي ( طه عبد الرحمن ) والمؤلف الجمعي ( الإسلام الصوفي / الطرقي المتسلف المناقض للحداثة مبدئيا ) . وهذا ما سلكه في كتاب " كيف أقرأ منا بعد التفكيك " ، إذ نظر إلى منطوقات نصوص المرزوقي والكواكبي وسروش وابن رشد وبودريار .... الخ بوصفها منطوقات ذات محمولات دلالية شفيفة ، وذات مقصديات واستراتيجيات خطابية ونصية وتداولية قابلة للتعقيل والتدبر الموضوعي ، رغم قبلياته النظرية .
( من هنا لا يعامل الأثر الفكري معاملة أيديولوجية بوصفه أطروحة ينبغي تصديقها أو تكذيبها . و إنما يعامل معاملة وجودية بوصفه واقعة ثقافية تختزن إمكاناتها أو طاقة تحتاج إلى من يصرفها ويستغلها ، أي يعامل كمعطى يحتاج إلى من يقوم باستنطاقه ، عما لا يقوله أو عما يمتنع عليه قوله ، أي عما يكبته ويرجئه ، أو عما يحيد عنه ويتستر عليه ، أو عما يختزنه ويفيض به أو يتعداه ويتولد منه . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص – 139-) .
ومما لا شك فيه ، أن هذا المطلب النظري بقي نظريا ، ولم ينفذ عمليا في هذا الكتاب . فقد تعامل المفكر التفكيكي تعاملا إيديولوجيا فكرانيا مع النصوص المنقودة ، ومال إلى التشغيب على محتويات أطروحات المنقودين ، والى طمس ما يمكن أن تنطوي عليه من حدوس ولمع وإمكانات دلالية أو تداولية قابلة للتوليد والتحويل وإعادة الاستثمار ، كما هو مأمول في قراءة تقع ضمن مجالات تفعيل العقل التداولي والمنطق التحويلي .
وللتدليل على ما تقدم ، فإننا نقدم شاهدين دالين على إيديولوجية بعض أحكام علي حرب ، وانتماء بعض نقوده إلى السياق الفكراني / الإيديولوجي الصريح .
( فالعروي هو الأقل استخداما للتفكيك ، إذ هو لم ينفتح كما ينبغي على منجزات ما بعد الحداثة ولم يفد من الطفرات المعرفية المصاحبة لها . بل ظل على أرض فلسفة التاريخ بمعناها الماركسي ، الحتمي أو التطوري . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص – 145-) .
والحقيقة أن مقارنة (مفهوم العقل ) للعروي، برباعية (نقد العقل العربي ) للجابري ، كفيلة بالبرهنة على عدم صوابية مدلول الشاهد الحربي .
( ولا اعتقد أن طرابيشي دخل إلى هذه المنطقة في تناوله النقدي للجابري أو في مفاهيمه للعقل والنقد . ربما وقف على تخومها . مما يعني أن كلامه على نقد النقد هو كلام خادع بقدر ما هو ساذج .)
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص – 151-) .
والملاحظ أن هذا الشاهد يناقض إلحاح علي حرب في (الماهية والعلاقة – نحو منطق تحويلي ) ، على تجاوز النقد التهافتي ، القائم ، أساسا ، على تتبع السقطات والتشنيع على النص المنقود . لنقارن أذن الشاهد السابق بشاهد مستقى من كتاب ( الماهية والعلاقة ) ، لنقف على مفارقات المقالة الحربية .
( بهذا المعنى إن النقد هو أبعد ما يكون عن النفي . إنه لا يقوم على دحض المقولات واكتشاف الأخطاء ، بقدر ما هو فاعلية فكرية تتيح ، عبر استنطاق الخطابات وتأويلها ، أو عبر الحفر في طبقات النصوص وتفكيك أبنيتها ، تجديد القول ومضاعفة النص ، بإشعال بؤرة للأسئلة ، أو بافتتاح منطقة لعمل الفكر ، أو بانتهاج منحى مغاير في التفكير ، أو بابتداع ممارسة فكرية جديدة . )
( - علي حرب – الماهية والعلاقة – نحو منطق تحويلي – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب – الطبعة الأولى -1998- ص 180-)
لقد سقط علي حرب في النقد التهافتي ، ولم يتمكن من استيفاء شرائط النقد التفكيكي والتعامل مع النصوص بوصفها منطوقات حاملة لدلالات كامنة وظاهرة ، محتاجة إلى تدبير حاذق ، والى استنطاق منهجي حصيف . كما لم يتمكن من النأي عن مؤاخذاته النقدية على نقد العقل في موضوع العلاقة بين النص والمؤلف .
والحقيقة أن الفصل بين النص والمؤلف ليس إلا محض طموح نظري تفكيكي عند علي حرب ؛ فقد أكثر من الربط من مقاصد المؤلفين ومرامي النصوص ضدا على تصوره النظري . فقد تعامل تعاملا انتسابيا للنصوص واستحضر مقاصد المؤلفين في تناوله للمؤلفات التالية :
1- " فصل المقال " لأبي الوليد ابن رشد ،
2- "منمنمات تاريخية " لسعد الله ونوس ،
3- " طبائع الاستبداد " لعبد الرحمان الكواكبي ،
4- "القبض والبسط " لعبد الكريم سوروش ،
5- "المرايا المقعرة " لعبد العزيز حمودة ،
6- "الإمبراطورية " لانطونيو نغري ومايكل هاردت ،
فقد استحضر مقاصد المؤلفين وحيثيات السياق الفكري والسياسي ، لأراء أبي الوليد ابن رشد والكواكبي وأبي يعرب المروزقي ونصر حامد أبي زيد ومحمد شحرور وشومسكي وبودريار ....الخ ، ولم يتعامل مع منطوقاتهم النصية باستقلال عن مرادات ومواقف ورؤى مؤلفيها .
لقد تعامل ، مع النصوص الفلسفية النيتشوية مثلا، بوصفها معبرة عن المواقف الفلسفية والأخلاقية لنيتشه ؛ مما يفترض إمكان حصر المعنى والربط بين الدال والمدلول والمنطوق والمرجع وتعيين الحقيقة بدون تمحلات لغوية أو بلاغية .
( بهذا المعنى ليس نيتشه عدميا ، بقدر ما حاول أن يرصد انهيار القيم أو أن يقرأ في أزمة المعنى ، تماما كما أن التفكيك ليس دعوة إلى الهدم ، بقدر ما هو قراءة في أنقاض العقل ونقائض الواقع . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص – 166-)
والمتتبع لنصوص علي حرب ، يقف على احتفاله بتعددية لا نهائية المعاني و الانفتاح الدلالي والتداولي للتشكيلات الخطابية وتفكك مفاهيم التطابق والموضوعية والمرجع والهوية والحقيقة وعلى حرصه على التفريق بين الدوال النصية ومقاصد المؤلفين وتأثيرات السياقات السوسيو- ثقافية والسوسيو- تاريخية على انتاج وتلقي النصوص ومقاربتها . إلا أنه غالبا ما يميل إلى ربط النصوص بمرادات مؤلفيها ، وعلى توطينها في سياقاتها المعرفية والتاريخية المخصوصة . وللتدليل على هذا الاستنتاج ، نقدم نصا دالا في هذا السياق .
( صحيح أيضا أن كنط قطع مع من سبقه بتعامله مع ملكات الذهن بوصفها منظومة علاقات هي ذات فاعلية منتجة من حيث كونها مصدرا للتأليف والتشريع والتنظيم . ولكنه لم يتحرر في مفهومه للحقيقة من فكرة التطابق بين التصور والكائن ، ذات الأصل الأرسطوطاليسي . فهو ، أي كنط ، تقليدي في مفهومه لطبيعة العلاقة بين الذات والموضوع ، أو بين اللغة والرؤية ، وذلك بقدر ما لم يلتفت إلى تكاثر الدوال وتراكمات المعنى . )
(-علي حرب – النص والحقيقة I-نقد النص – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء- المغرب – الطبعة الأولى – 1993- ص . 232)
حين نتأمل هذا المقتبس ، نسجل الملاحظات التالية :
1- إقرار علي حرب بإحداث كانط لقطيعة معرفية في موضوع الوظائف المعرفية للملكات الذهنية ،
2- إقرار علي حرب لتقليدية التصور الكانطي بخصوص الحقيقة واندراجه في التقليد الأرسطوطاليسي القائم على التطابق بين التصور والكائن ،
3- إقرار علي حرب الضمني بتاريخية الانجاز الإبستمولوجي الكانطي .
ونعتقد أن هذا الشاهد ينهض على مسلمات غير تفكيكية في العمق ، وعلى فرضيات نظرية مخالفة للتصورات النظرية لنقد النص الموجودة طي ثلاثية ( النص والحقيقة / نقد النص/ نقد الحقيقة / الممنوع والممتنع - نقد الذات المفكرة ) والمتحكمة في مفاصل كتاب " هكذا أقرأ ما بعد التفكيك " .
ويمكن إجمال ملاحظاتنا على هذا النص في الملاحظات التالية :
1- ربط علي حرب المتن الكنطي بمقاصد المؤلف ؛ ومعنى هذا أنه يشخصن النصوص ويحد من نطاقاتها المعرفية بربطها بمقصودات مؤلفيها ، أي أنه ينفي إجرائية مفاهيم نقد النص ومحدودية الأنطولوجيا النصية ؛
2- إقراره بالقطيعة وتقليدية الانجاز الكانطي ، يعني إقدامه على قراءة النصوص الفلسفية قراءة معرفية موضوعية سياقية غير تفكيكية ؛ وهذا يعني الإقرار بتاريخية المعرفية والمفاضلة بين الانجازات الابستمولوجية والميثودولوجية للمفكرين والمناطقة والفلاسفة ؛ ومن المعلوم أن نقد النص والتفكيك ينكران تاريخية المعرفية وارتهان المغازي النصية والمعاني لسياقاتها الثقافية والتاريخية والحضارية المخصوصة ؛
3- حصر دلالات الانجاز الكنطي وتحديد نوعية تصور كنط للحقيقة ، يعني الإقرار بإمكان تحصيل الدلالة النصية وحصر المعنى النصي و استخلاص نتائج المقارنة بين التصور الأرسطوطاليسي والكنطي والفوكولدي للحقيقة مثلا . وهذا الاستخلاص قائم على قراءة موضوعية لتاريخ الحقيقة وتاريخ الفلسفة ولتاريخ المنهجيات ؛ وهذه معطيات ينفيها تحليل النص والتفكيك نظريا .
( وفي ضوء هذا الأفق الذي افتتحه فوكو أمام الفكر ، يبدو مفهوم كنط للمعرفة مفهوما قد تم تجاوزه . فهو مفهوم لا يقيم وزنا للتاريخ ولا للغة ، بل هو يحجب تاريخيته كما يحجب الدال والجسد . )
(-علي حرب – النص والحقيقة I-نقد النص – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء- المغرب – الطبعة الأولى – 1993- ص . 234)
ألا ينهض هذا الشاهد على منطلقات غير تداولية وغير تحويلية وغير توليدية ؟ ألا يصدر عن عقلية تصنيفية تجنيسية من الغرار المعهود عند المحتفلين بمفاهيم الهوية والماهية والتصديق والقياس واليقين والتطابق والتأسيس ( أنظر دراسته (نقد المنطق ) في " الماهية والعلاقة – نحو منطق تحويلي ") ؟ألا يدل الانجاز الفوكولدي على نسبيته الذاتية من حيث دلل على نسبية الانجاز العقلاني الكلاسيكي الأنواري ؟ ألا يلغي تقادم الحقيقة الكنطية الكثافة الوجودية للنصوص الفلسفية المرجعية ونسبية القراءة التلوينية أو التحيينية التفكيكية للمتون الفلسفية أو العرفانية كما طبقها علي حرب على الجنيد في " التأويل والحقيقة "؟

نقد التفكيك
خصص علي حرب مواضع كثيرة في كتاب " هكذا أقرأ ما بعد التفكيك "، لتناول التفكيك ، وتوضيح موقفه الفكري والفلسفي والمنهجي من هذه الإشكالية الفلسفية . والحقيقة أن التفكيك ينصرف جوهريا إلى المادة النصية باعتبارها منطلق المقاربة ، ويستند إلى فكرة الاحتجاب الأنطولوجي للمعنى والى ارتهانه إلى نسيان الوجود أنطولوجيا ونسيان المجاز ابستمولوجيا والى اللامعنى في العمق . وقد عبر أوضح تعبير عن تصوره للتفكيك في ثلاثية " النص والحقيقة " .
أما المفكك فإنه يهتم بالكشف عن الأساس المحتجب للمعنى. والمحتجب ليس هو الباطن ، و إنما هو المسكوت عنه أو المنسي أو المهمش في حقل الرؤية . إنه سطح من سطوح الكلام أو جانب من جوانب الممارسة يحتجب ، ليس لأنه يقع في منطقة خارجة عن دائرة النظر ، بل هو بمثابة ما لا يرى في الرؤية نفسها . ) .
(- علي حرب – النص والحقيقة III-الممنوع والممتنع – نقد الذات المفكرة – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء- المغرب – الطبعة الأولى 1995- ص. 67)
وتلعب الدوال في هذا السياق دورا مخاتلا ، لا تجدي المقاربات النصية الموضوعية في استقصائه و تعيين آلياته . فثمة بين الدال والمدلول هوة وجودية ،تتسع مع مرور الأزمان . كما أن للمنطوقات النصية أقدارها ومصائرها العجيبة ، المستقلة عن مرادات المؤلفين وعن مقصديات واستهدافات السياقات المعرفية والأطر الفكرانية . فالعبارة تتسع أو تضيق عن الرؤية ، والاستهداف القصدي ، غالبا ما يفشل ، بالنظر إلى تمتع الكائنات الخطابية بحيواتها العجائبية المولعة باللعب في اوقيانوس المجاز وبحار الإحالات الكنائية الملتفة حول نفسها وحول المعاني العالقة برحم اللفظ .
( نحن إذن إزاء خداع أصلي يمارسه النص ، هو خداع أنطولوجي يتمثل في عجز الخطاب عن التطابق مع ما يريد قوله ، أو في كون الكلام هو غير ما يقصده المتكلم ، أي هو أقل أو أكثر مما يود تبيانه أو الإعراب عنه . ) .
( - علي حرب – الماهية والعلاقة – نحو منطق تحويلي – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب – الطبعة الأولى -1998- ص 65-)
إلا أن الأنطولوجيا التفكيكية عند حرب ، فقدت كثيرا من عنفوانها التفكيكي في " هكذا أقرأ ما بعد التفكيك " .
( والتفكيك ليس هدما كما يحسب الذين يقرأونه بصورة حرفية ساذجة ، و إنما هو سبر الإمكان واشتقاقه أو ابتكاره وبناؤه أو توسيعه ومضاعفته ، عبر درس الأزمات وتحليل العوائق ، أي هو فاعلية فكرية نقدية ، بناءة ومثمرة ، لها ثلاثة مستويات : فهو أولا تشخيص بقدر ما يقوم على صوغ المشكلة أو تعيين الأزمة . وهو ثانيا تنوير بقدر ما يهتم بتفكيك القوالب الضيقة وكسر الثنائيات الخانقة أو تعرية المسبقات المحتجبة أو كشف الموانع المعيقة أو تبديد الأوهام الخادعة . ومن جهة ثالثة تحرير بقدر ما يطلق إمكانات جديدة للتفكير والعمل ، من خلال إعادة صوغ الأسئلة والقضايا ، أو بتجديد شبكة المفاهيم والمعايير ، أو بابتكار مهام وأدوار جديدة يفكك بها المرء آليات عجزه بفتح أفق وشق درب ، أو بفك طوق وخرق حد ، أو بتغيير شرط وصوغ معادلة جديدة ، وبصورة تتيح له أن يتعامل مع مهنته المعرفية ومهمته المجتمعية بصورة مثمرة وفعالة . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص –145).
لقد استحال التفكيك من الاهتمام بفراغات النص وثقوبه ومن خلخلة النص والكشف عن " موت المعنى " ، إلى السعي إلى مضاعفة الإمكان وتوسيع رقعة الاحتمال الدلالي ؛ كما صار بالإمكان التغلب على التعارض الأنطولوجي بين الرؤية والعبارة .
يقدم علي حرب في هذا الشاهد تعريفا للتفكيك ، لا يستوفي المقصود به في الأدبيات التفكيكية العالمية المعروفة ( أشير بصفة خاصة إلى أعمال جاك دريدا وبول دي مان ...)،ولا يحدد بدقة المسلكية المنهجية للمقاربة التفكيكية . فحصر الفعالية التفكيكية في الاشتغال على الإمكان ، سبرا واشتقاقا وابتكارا وإعادة بناء وتوسيعا ومضاعفة ، لا يحقق المطلوب في اعتقادنا. فالمهام المنوطة بالتفكيك في الشاهد ، مهام تفكيكية بالعرض لا بالذات . إذ هي مشتركة تخص كل المسلكيات النقدية الحداثية ، وليست حكرا على المقاربة التفكيكية . فالحقيقة أن المنهاج الكنطي ستوفي المقتضيات الثلاثة المشار إليها في المخرج . فكتاب ( نقد العقل المحض ) مثلا تشخيص لإشكاليات ابستمولوجية ومنطقية وميتافيزيقية أساسية وتنوير وإضاءة لطرائق معرفية قادرة على تخليص العقل الإنساني من التراكمات المعرفية والاستدلالية المتقادمة ( الإرث المنطقي الأرسطي ) وتحرير للفعالية الانجازية للعقل والفكر البشريين . ورغم كل الفتوحات المعرفية للنقدية الكانطية ، فهي ليست تفكيكية بأي حال من الأحوال ، بشهادة رسالة جاك دريدا للبروفسور أزوتسو و دراسة علي حرب عن النقد الكانطي في كتاب ( النص والحقيقة I- نقد النص ) .
فمما لا شك فيه أن الجهود الفلسفية والفكرية لكبار المفكرين والفلاسفة ، انصبت أساسا ، على تشخيص الإشكاليات الأنطولوجية والميتافيزيقية والإبستمولوجية والأنثروبولوجية ، وسعوا إلى تنوير العقل البشري عبر اقتراح معالجات مستحدثة للإشكاليات المعالجة واجتراح حقول مفهومية وخلق شخصيات تصورية واحياز نظرية منفتحة الدلالة والمعنى وممتدة الفضاءات الدلالية والتداولية والسعة الإبستمولوجية .
أما التفكيك ، فهو تموضع فلسفي مضاد للميتافيزيقا الغربية ولمفاهيمها ونظرياتها ، يتغيا تقويض اللوغوس أو العقل وميتافيزيقا الحضور والمفاهيم الميتافيزيقية الخاصة بالوعي والهوية والتاريخ والزمان والكائن . وهذا ما عبر عنه جاك دريدا في مجموعة من النصوص الصريحة في رغبتها الصريحة في تقويض الميتافيزيقا ، وتفكيك مفاصل متونها .
( إن المسألة مسألة انتقالات موضعية ، ينتقل السؤال فيها من "طبقة " معرفية إلى أخرى ، ومن معلم إلى معلم ، حتى يتصدع الكل ، وهذه العملية هي ما دعوته ب" التفكيك ". )
( - جاك دريدا – الكتابة والاختلاف – ترجمة كاظم جهاد – دار توبقال للنشر – الدار البيضاء- الطبعة الأولى -1988- ص. 47) .
ويضيف دريدا قائلا :
( إن التفكيك ، بأية حال ، ورغم المظاهر ، ليس تحليلاanalyse و لا نقدا critique ، وعلى الترجمة أن تأخذ هذا بعين الاعتبار أيضا . ليس تحليلا ، وذلك ، بخاصة ، لأن تفكيك عناصر بنية لا يعني الرجوع إلى العنصر البسيط ، إلى أصل غير قابل لأي حل . فهذه القيمة ، ومعها قيمة التحليل نفسها بالذات ، هي عناصر فلسفات خاضعة للتفكيك . وهو ليس نقدا ، لا بالمعنى العام ولا بالمعنى " الكانتي " ( نسبة إلى "كانت " ) . إن هيئة krinein أو الkrisis ( القرار ، الاختيار ، الحكم ، التحديد ) هي نفسها ، شأنها في هذا شأن جهاز النقد المتعالي كله ، تشكل أحد" الموضوعات " أو "الأشياء " الأساسية التي يستهدفها التفكيك . )
( - جاك دريدا – الكتابة والاختلاف – ترجمة كاظم جهاد – دار توبقال للنشر – الدار البيضاء- الطبعة الأولى -1988- ص.-60- 61) .
فالدلالة الدريدية للتفكيك مختلفة عن الدلالة الحربية في هذا الكتاب تحديدا ؛ فهو غالبا ما يميل إلى تقوية مصادراته الفلسفية التفكيكية المضادة لتحويلية وتوليدية وتداولية الفعل التحديثي والحداثي استنادا إلى الوقائع السياسية والحضارية الموسومة بالاستعصاء على أكثر من صعيد معرفي وتاريخي .
( والتفكيك هو بهذا المعنى قراءة في محنة المعنى وفضائحه ، للكشف عن نقائض العقل و أنقاض الواقع أو عن حطام المشاريع وكوارث الدعوات على أرض المعايشات الوجودية . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص – 26-)
وهذا الشاهد مناقض للشاهد الوارد أعلاه(الشاهد المأخوذ عن ص.145) ؛ إذ يميل إلى إدانة المفاهيم الحداثية ، بلغة تسد المنافذ وتتمتع ، بلذة كلبية ، ب"محنة المعنى " و ب"نقائض العقل " . فقد استحال التفكيك عنده ، من فتح الإمكان إلى غلق الإمكان ، من الحرث في حقل البداهات العقلية إلى إغراقه بسيول التقويض والنقض والهدم التفكيكي ، من تداولية العقل إلى انحصارية العقل وهشاشة قواعده التداولية أصلا .
( ولذا ، مع كل قراءة خصبة وفعالة ، نعبر نحو أفق جديد ، تتشكل معه بؤر جديدة للمعنى أو تتغير خرائط الفهم ، بقدر ما تغير شروط الإمكان وسلاسل الأسباب أو تخربط الحسابات العقلية وتخلط الأوراق الاستراتيجية . ) (- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص – 14)
ولا جدال في اعتقادنا ، في افتقاد مفهوم التفكيك كما يداوره علي حرب في هذا السفر ، إلى التماسك والاتساق . ولا يرجع هذا فحسب إلى الاشتباه المفهومي الأصلي للمفاهيم، أو إلى صعوبة استغراس مفاهيم التفكيك مابعد الحداثية في فضاء ثقافي غير حداثي أصلا مثل الفضاء الثقافي العربي / الإسلامي ، بل إلى صعوبة تجاوز المفاهيم القاعدية للحداثة ، والى نسبية الانجاز الاختلافي / التفكيكي / الغبحداثي ، منطقيا وابستمولوجيا ، والى انزلاقات الفكرانية الاختلافية السياسية المسكوت عنها عند علي حرب .
( ومن مفاعيل النقد التفكيكي أن يبين بأن ما يظن بأنه بديهي أو طبيعي أو مطلق أو جوهري أو مركزي أو ثابت أو معقول أو مشروع ، ليس هو كذلك ، أي يتكشف ، بعد التشريح والتحليل ، عما هو مبني وتاريخي وثقافي وعرضي ونسبي ومتحول وزائل ...)
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص – 26-)
إن ما يعزوه هذا المخرج إلى التفكيك ، يقع في صميم الفكر الحداثي وفي عمق أي تفكير عقلاني جدير بالاعتبار . فغني عن البيان أن الحداثة الفكرية قامت أصلا ، على تنسيب المعارف ، وعلى نزع الطابع السحري والقدسي والأسطوري عن الكون والعالم والطبيعة والتاريخ والإنسان ، وعلى الكشف عن المقتضيات المشروطة ، للمعقتدات السحرية والدينية والعرفانية (أحيل هنا إلى أعمال فيبر و بورديوومارسيل غوشيه ...الخ ) . ومن مفارقات خطاب علي حرب أن حديثه عن "أنطولوجيا النص " وبناءه المعنى على اللامعنى والعقل على اللامعقول والحقيقة على التشبيه والدلالة على التعارض الأنطولوجي بين اللفظ والمعنى ، بين المجاز والتشبيه والاستعارة والحقيقة ، هو سعي إلى نفي تعليل وتأريخ وتعقيل المؤسسات والنصوص الفكرية والعقدية . فلئن سعت الحداثة الكلاسيكية إلى إنارة العالم والطبيعة والفكر ، عبر استعمال مفاهيم ومتصورات قابلة للتحسين والتحيين أو النقد مبدئيا ، فإن النقد التفكيكي ينتقد الحداثة كميتافيزيقا للحضور ويسعى إلى نفي صلاحية المفاهيم الاجرائية والمنهجية للحداثة من حيث هي مفاهيم أصلا . فالحديث عن اللامعنى وعن الشرخ الوجودي القائم بين الرؤية والعبارة هو استعادة ، للقدسانية العرفانية بطرق جديدة أي إحلال للحجب محل الكشف ، والتقديس محل الإنارة . لقد تأسست الحداثة على المبادئ العقلية وعلى تفعيل آليات الاستقصاء والاستدلال و التحليل والتركيب ، وليس على الأسطرة والتقديس والتلغيز كما يعتقد علي حرب .
( فالحداثة التي ولدت بالانقلاب على عالم العصور الوسطى المغلق بتصوراته الدينية ، باتت حداثة لا هوتية هي أشبه بديانة جديدة أو خرافة مؤسسة . )
( - علي حرب – الإنسان الأدنى – أمراض الدين و أعطال الحداثة – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – الطبعة الأولى – 2005- ص.28).
نقد الإنسان الأعلى سعى علي حرب في كتبه الأخيرة إلى بلورة مفهوم " الإنسان الأدنى "، بوصفه البديل المفهومي للإنسان المتسامي ذي الأرومة اللاهوتية أو الناسوتية . ويحاول تقديم مجموعة من الإخفاقات والاستعصاءات والمزالق النظرية أو العملية في القرن العشرين ، بوصفها دلائل وعلامات وقرائن دالة على هشاشة المفاهيم التأنيسية والتصورات الإنسية العرفانية والحداثية على حد سواء. وللبرهنة على دعواه فانه يحيل على النتائج الكارثية للإيديولوجيات الدينية والعلمانية طيلة القرن العشرين والى انكسار مفاهيم الحداثة والتحديث والمجتمع المدني والديمقراطية والوحدة والاشتراكية على صخرة الواقع العنيد . من المؤكد تاريخيا ، أن مناهضي التحديث والحداثة ، ناقضوهما ، منذ القرن السابع عشر استنادا إلى وضع دليلي قبل- حداثي والى مواقع أنطولوجية وإبستمولوجية وأكسيولوجية قروسطية متقادمة وليس استنادا إلى النتائج السوسيو- تاريخية للحداثة والتحديث . يرجع علي حرب إشكاليات العالم الحديث إلى عقلانية الحداثة ويعتبر الرؤية الإبستمولوجية للحداثة محدودة النجاعة والفاعلية ومنتمية عميقا إلى نفس الإطار الرؤيوي الخاص بالقدامة . ( أكثر الحداثيين تعاملوا مع الحداثة كهوية ثابتة ، بقدر ما فهموا الحقيقة بمنطق المماهاة والمطابقة . بذلك وقعوا في فخ القدامة التي حاولوا نفيها بمنطقها ذاته ، منطق القبض والتيقن والتحكم والتأله، وذلك حيث الذات تتماهى مع ذاتها ، أو من حيث المعرفة كلية وضرورية ، أو حيث العقلي هو واقعي ، أو حيث العقل يحكم العالم ، أو من حيث العلم يقبض على قوانين التاريخ ، أو من حيث الفكر يكتنه كينونة الكائن . والحصيلة هي ما نشهده ونعاني منه : انفجار العقلانية ، استنفاد مشاريع التنوير ، كوارث مشاريع التحرير ، تلوث البيئة والطبيعة ، وصولا إلى فقدان السيادة على الذات والأشياء . ) (- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص –278). ويستدعي منا هذا النص ، تسجيل الملاحظات التالية : تعيين علي حرب لقدامة الحداثة المتمثلة في إقرارها بالحقيقة ؛ اعتبار الذاتية( الديكارطية ) وكلية وضرورية المعرفة( الديكارطية والسبينوزية والكانطية ) ومعقولية الواقعي وواقعية المعقول ( الهيجيلية ) وتحكم العقل في الواقع( الهيجيلية ) وقبض العلم على قوانين التاريخ( الهيجيلية والماركسية ) ، واكتناه الفكر لحقيقة الكائن ، أعراض لمرض الحقيقة ؛ فعلي حرب يرفض الانجاز المعرفي والفكري لديكارط وسبينوزا وليبنتز وكانط وهيجيل وماركس ، ويحكم على البناءات النظرية لهؤلاء ، بوصفها بناءات تقليدية لا تكاد تختلف ، ابستيميا ، عن البناءات النظرية للفكر السكولاستيكي القديم . مما لا شك فيه أن الأنساق الفلسفية لديكارط وسبينوزا وكانط وهيجيل وماركس ، تنطوي على مفردات وخطاطات فكرية تقليدية موروثة عن السكولائية والمسيحية ؛ إلا أنها انطوت كذلك على عناصر وخطاطات تصورية حديثة مناقضة جوهريا ، للفكر السكولاستيكي وللفكر الديني عموما . وعليه ، فان ربط الأنساق الفلسفية العقلانية بالأنساق الميتافيزيقية التقليدية ، ينطوي على تنكر لإنجازات النصوص الفلسفية الحديثة وعلى تحديثها للمتصورات الفلسفية والآليات المنهجية والأدوات الإجرائية . لقد شكل الفكر الحداثي ، نقلة نوعية في مسيرة المعرفة البشرية وتحولا نوعيا في سيرورة النظر ومسار الرؤية . وهذا ما أشار إليه المفكر داريوش شايغان بقوله " ( ولكن الانفصام الذي يحدثنا عنه توتشي لم يفصل الفلسفة عن الدين ، والذاتي عن الموضوعي ، والروح عن الفكر فحسب ، بل كان نقطة انطلاق لمسار أسميه الافتقار الأنطولوجي للعالم والإنسان ، أي تجريد الزمن من صبغته الميثية ، والطبيعة من صبغتها السحرية ، وتطبيع الإنسان ، وجعل العقل مجرد وسيلة . ويمكن تبعا لذلك تأويل هذا الصنف الجديد من الناس ( الإنسان الصانع ) وعالمه كنقطة التقاء لأربع حركات تنازلية ، تشمل المعرفة والعالم ، كما تشمل الإنسان والتاريخ : أ – من الرؤية التأملية إلى الفكر التقني ؛ ب- من الصور الجوهرية إلى المفاهيم الرياضية الميكانيكية ؛ ج- من الجواهر الروحية إلى الدوافع الغريزية البدائية ؛ د- من الأخروية إلى التاريخية . ) ( -داريوش شايغان – ما الثورة الدينية – الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة – ترجمة وتقديم : محمد الرحموني - مراجعة مروان الدية - المؤسسة العربية للتحديث الفكري – دار الساقي – الطبعة الأولى -2004- ص .28) سكوت الشاهد على القطاعات الأكثر ثورية من الناحية الابستيمية ، في قطاعات الفكر الحداثي . أشير هنا إلى موقف هيوم الريبي من المعرفة ومن السببية ، وموقف هوبز النقدي من الإنسان ، ونقد ديدرو الجذري للمعرفة العقلية .لقد واجهت الحداثة الفكرية ، النتاج الفكري والعقدي السكولائي واليهودي / المسيحي ، بالتفكيك حينا وبالاحتواء حينا آخر . وبناء على هذا ، فقدت شكلت الأنساق الفكرية الكبرى ، للقرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر ، محاولات جادة لإفراغ الفكر والفكرية الكلاسيكيين من مادتهما الميتافيزيقية ومن مدركاتها المتعالية ، وعبدت المسالك نحو فكر محايث تاريخي يقر بالتناهي لا بالتناهي، بالمحايثة لا بالتعالي، بالبرهنة لا بالترميز، بالتاريخ لا بالاسطورة، بالعقلانية التاريخية لا بالعقلانية الميتافيزيقية . تسليم حرب الضمني في الشاهد والصريح في جل مؤلفاته ، بالانجاز الاستثنائي للمفكرين الاختلافيين والتفكيكيين ، وقدرتهم على تفكيك الميتافيزيقا الغربية وتقديم منظور جديد لمفاهيم الهوية والذاتية والزمانية والتاريخية والعقل .وهذه الرؤية التقريظية لأعمال التفكيكيين ، ليست حسب صادق جلال العظم ، إلا استعادة بلغة جديدة وبمفاهيم حديثة ، للانطولوجيا القديمة . ( حركة التاريخ محكومة ، إذن ، بالسببية الغائية وليس الفاعلة ، كما تزعم العلوم التاريخية ، لأن الغاية التي تنكشف وتتحدد في لحظة الوحي تجذب الدازين إلى صنع مستقبل جديد وتفتح له ، في الوقت ذاته ، آفاق بناء ماض جديد أيضا يلائم هذا المستقبل وينسجم معه ويخدمه ويسوغه . الفيلسوف أو المؤرخ الذي يبحث عن أساس الحقب التاريخية الكبرى في العقل أو التجربة أو التاريخ أو نمط الإنتاج أو أفعال الأبطال العظام الخ على ضلال كبير لأن أساسها لا يكمن ، في التحليل الأخير ، إلا في قدر وجود الموجودات ومصيره . بعبارة أخرى ، أحل هايدجر مجددا لا هوت التاريخ الديني محل ما اصطلحنا على تسميته بفلسفة التاريخ العلمانية . ) (- صادق جلال العظم – ثلاث محاورات فلسفية –دفاعا عن المادية والتاريخ ( مداخلة نقدية مقاربة في تاريخ الفلسفة الحديثة والمعاصرة) – دار الفكر الجديد – 1990-ص. 253-254) وفي سياق وسم الحداثة بالقدامة ، وإحالة العقلانية النسقية والتاريخية إلى الإطار الميتافيزيقي ،عمد إلى تغييب حداثة الأنثروبولوجيا الحداثية ، وإلحاق مفاهيمها بالجهاز المفهومي التقليدي اللاهوتي . فرغم استناد التفكيك إلى نيتشه ، باعتبارها مفكرا تفكيكيا جذريا ، فإنه لا يتردد في وسم مفهوم الإنسان الأعلى عنده باللاهوتية وفي تحميله مسؤولية مأسي شخصية وجماعية . ( ولا عجب فالإنسان الأعلى كما طرحه نيتشه، ليس سوى شكل جديد من أشكال التأله الذي حاربه حاربه . وهذا الشكل الأعلى ، الاصطفائي أو النخبوي ، قد ولد المحن الشخصية بقدر ما صنع المآسي والكوارث . وتلك هي الثمرة السيئة لإنسانيتنا المفرطة . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص –167).
والحقيقة أن إسناد الكوارث إلى الإنسان الأعلى النيتشوي ، ينطوي على إجحاف في حق نيتشه وعلى خرق لمبادئ انطولوجيا النص ولخصوصية النص الفلسفي / الاستعاري المتعددة الأبعاد مثل " هكذا تكلم زرادشت " .
يقول نيتشه في (هكذا تكلم نيتشه ) :
( الإنسان الراقي لم يظهر على الأرض بعد . لقد عرفت حقيقة الإنسان العظيم والحقير ، ولقد وجدتهما شديدي الشبه ببعضهما . والواقع أني وجدت أعظمهما نفسه مفرطا في الإنسانية . )
(-فريدريك نيتشه – هكذا تكلم زرادشت – ترجمة وتقديم : محمد الناجي – أفريقيا الشرق – الدار البيضاء- المغرب – 2006- ص. 86)
( لقد تطورتم من دودة الأرض إلى إنسان ولكن لا يزال فيكم من الدودة الشيء الكثير. فيما مضى كنتم قردة واليوم أيضا نجد الإنسان قردا أكثر من أي قرد أخر . )
(-فريدريك نيتشه – هكذا تكلم زرادشت – ترجمة وتقديم : محمد الناجي – أفريقيا الشرق – الدار البيضاء- المغرب – 2006- ص. 13)
وهذان الشاهدان يكشفان عن قلة احتفال نيتشه بالإنسان ،وتشككه الجوهري في قابليته للخروج من استعصائه الكينوني الدائم .
وبناء على ما سبق فإننا لا نعتقد أن مفهوم الإنسان الأعلى ، لا يمت إلى التأله بصلة كما يعتقد علي حرب .كما لا نعتقد أن ثمة علائق بين التأليه والتوله بالمفاهيم ؛ فبين حقل الالوهية والمقدس بصفة عامة وحقل المفاهيم بون ، لا يمكن للمقاربة التفكيكية أن تجتازه إلا بضربات بلاغية غير دالة معرفيا .
( وهذا شأن نيتشه ، فإنه سعى إلى نفي الله لكي يؤكده من وجه آخر ، أعني من خلال تأليهه للمفاهيم التي ابتكرها ، كمفهوم " الإنسان الأعلى " . وهذا شأن الفلاسفة عموما ، إنهم يتسترون على هويتهم بقدر ما يعملون على إنكارها ونفيها . )
(- علي حرب – النص والحقيقة III-الممنوع والممتنع – نقد الذات المفكرة – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء- المغرب – الطبعة الأولى 1995- ص. 56)
يكتفي علي حرب في كثير من نصوصه بالنوسان بين طرفي الثنائية الميتافيزيقية ؛ فهو يكتشف التأله في مفهوم الإنسان الأعلى وفي نقد نيتشه للألوهية ، كما يكتشف التأنسن الكوني في الإلهيات العقدية . فالإلهي يعود إلى الشذرات النيتشوية من باب التأله الضمني والبحث في التفوق والتسامي ؛ كما تستوطن الانثروبولوجيا المفاصل القاعدية للثيولوجيا والتشبيه طيات الإلهي .
( وفي الحقيقة إن الإنسان إذ يتحدث عن ألوهية أقواله و أفعاله ، فهو لا يتستر على إنسانيته بقدر ما يتستر على محاولة حجبه لها و إبراز ألوهيته إزاءها . وخلاصة القول ، فيما نريد قوله ، أن الإنساني بديهي ، قبلي ؛ إذ لا يسبق تصوره في الذهن تصور آخر ، بل هو الذي يجعل التصور والحكم أمرا ممكنا . في حين أن الإلهي اعتباري ، بعدي ؛ إذ هو يستنبط على نحو بعدي ويحتاج إلى النظر والتدبر . والاعتباري لا يتحقق بذاته ، بل بغيره . ولهذا ، فالإنساني هو أصلي في الذهن .)
( - علي حرب – النص والحقيقة II-نقد الحقيقة – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب - الطبعة الأولى – 1993- ص. 67) .
والحقيقة أن نيتشه تغيا عبر استخدام مفهوم الإنسان الأعلى ، تبئير منظور فكري وفلسفي مرتبط ، عمقيا ، بالحياة وبالقيم الايجابية المرتكزة على تأكيد الحياة لا على نفيها . فالإنسان الأعلى ،هو الإنسان المنزاح عن القيم الأخلاقية الدينية والمسيحية ، والمرتبط ، بمعنى الأرض وبالحقائق الأرضية .
( إني أعلمكم الإنسان الراقي ، فهو معنى الأرض . ولتقل إرادتكم : ليكن الإنسان الراقي معنى الأرض .
أرجوكم إخواني أن تضلوا أوفياء للأرض ولا تصدقوا من يمنيكم بأشياء فوأرضية . إنهم يدسون السم سواء علموا ذلك أم جهلوه . إنهم يحتقرون الحياة ، وهاهم يحتضرون ، هؤلاء المتسممون الذين تعبت منهم الأرض ، فليغادروها إذن !)
(-فريدريك نيتشه – هكذا تكلم زرادشت – ترجمة وتقديم : محمد الناجي – أفريقيا الشرق – الدار البيضاء- المغرب – 2006- ص.13-14)
فكيف نتأول نصوص نيتشه الصريحة في دهرانيتها الجذرية ، وفي نفيها الكلي للقيم الأخلاقية المعادية للحياة باسم القيم المفارقة أو باسم عالم أخروي . لقد مثلت النفاتية النيتشوية ،نموذجا للنظر المتحرر من التخييلات الألفية للمعتقدات الصوفية والدينية ، وذروة النفاتية الناسوتية المادية النافية للتروحن أو للتعالي أو التسامي .
وهذا ما أشار إليه بطريقته فؤاد زكريا بقوله :
( فليست فكرة الإنسان الأرقى بهذا المعنى إلا دعوة إلى التقدم الحيوي المطرد ، واستبدال تجدد الحياة بتجانس الأخلاقية .)
( - فؤاد زكريا – نيتشه – منشورات العباسية – ص. 101)

نقد الإنسان الأدنى
واظب علي حرب منذ كتابه ( لعبة المعنى – فصول في نقد الإنسان/ 1991) على الأقل على تخصيص نقد جذري للإنسان و للنزعة الإنسانية ،وعلى التدليل على حتمية تغيير المنظور والرؤية جذريا للخروج من المأزق اللاهوتي التاريخي و الاستعصاء الناسوتي الحداثي . فهو يرى أن الأنسنة أو النزعة الإنسانية ليست بالحل المنتظر أو المأمول ، خصوصا في ظرفية حضارية محكومة بما سماه بمحنة المعنى . ولذلك فهو يطالب بتفكيك المركزية البشرية ،والابتعاد عن تمجيد الإنسان ، وتقريظ امتيازاته الأنطولوجية ، ويوجه انتقادات حادة للمنظور اللاهوتي والناسوتي للإنسان ولمكانته النوعية بين الكائنات ، فيما يشبه الرؤية الشوبنهورية للإنسان .
( لقد أسدلنا الستار على حقيقة كوننا من تراب ، من حمإ وصلصال . على أننا كتلة من الأحاسيس والرغائب ، فرع من شجرة الحياة ، رتبة بين الموجودات . لقد تناسينا أن قوانين الجسم تسري علينا و أننا ننمو ونتحلل كنبتة ، نتناسل ونتصرف كحيوان . )
(- علي حرب – لعبة المعنى – فصول في نقد الإنسان – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء- المغرب – الطبعة الأولى -1991- ص. 16)
وتأسيسا على فحوى هذا الاعتراف بالجرح النرجسي الكبير للإنسانية ، أي اكتشاف الأصول الحيوانية للإنسان، فإنه يطالب بتغيير التصور النظري للإنسان ، ماهية وفكرا وتدبيرا ،وبإتباع منظور رؤيوي واقعي ، غير متمركز حول المتعاليات الإنسانية وقادر على التكيف مع مستجدات البيولوجيا ( نظرية التطور ) والانثروبولوجيا .
( فالأجدى أن نمارس " التقى الفكري " لكي نعترف بمحدوديتنا وهشاشتنا وعوراتنا ، بالتحرر من هوامات الإنسان الأعلى و الكائن الأسمى . فنحن لسنا أشرف الخلائق ولا غاية الكون و لا أسياد الطبيعة ، بل أقل شأنا و اقل إنسانية مما ندعي ، أي كائنات هشة ، عابرة ، زائلة ، جهولة ، ظلومة ، شرسة ، لا ترحم . )
( - علي حرب – أزمنة الحداثة الفائقة – الإصلاح – الإرهاب – الشراكة – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب – الطبعة الأولى – 2005- ص .249)
يطالب علي حرب بممارسة " التقى الفكري " ، أي بالتخلي عن النرجسية البشرية وعن النزعات المتعالية للإنسان ، ويقدم نقدا صريحا للتقليد التوحيدي والإنسي الغائي القاضيين باعتبار الإنسان كائنا متفردا إن في الطبيعة أو في التاريخ . والحال أن الإنسان ليس في اعتباره إلا كائنا يحكمه الجواز والزوال والاحتمال والهشاشة . فقد نضا الإنسان ما بعد الحداثي عن نفسه ، لبوس الغائيات والضروريات واليقينيات والمعتقدات ، ليتدفأ بنار الجواز الحارقة ، ويستظل بظلال اللايقين الهاربة ، ويعانق رياح التدني العاصفة . فالإنسان عند علي حرب ، مطالب لا بالتعالي الميتافيزيقي أو التروحن الصوفي أو التأنسن العرفاني ، ولا بتجسيد حيوية التاريخ واقتدار العقل على دوزنة ايقاع الزمن التاريخي ، بل ب"التدني "، أي بممارسة فضيلة إنكار الفضائل البشرية المدعاة ، والانفصال عن الأشواق التألهية و التأنسنية .
( الأجدى هو أن نمارس التقى الفكري والتواضع الخلقي لكي نعترف بأننا أقل شأنا مما ندعي بكثير ، بحيث نعمل على التحرر أو التخفيف من تبجحاتنا الإنسانوية و ادعاءاتنا المثالية أو غطرستنا الحضارية . لعل ذلك يفتح الإمكان أمامنا ، لكي نقبل بعضنا البعض ، ولكي نرعى الطبيعة وكائناتها ، هذا ما يتيحه مفهوم " الإنسان الأدنى " . )
(- علي حرب - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت –لبنان– الطبعة ال
أولى2005- ص –280).
يقترح علي حرب مفهوم " الإنسان الأدنى " باعتباره البديل" التداولي" ، للإنسان اللاهوتي و الإنسان الفاوستي الناسوتي الحداثي . ولئن سمى بديل المجتمع المدني بالمجتمع التداولي في " العالم و مأزقه – منطق الصدام ولغة التواصل " و وركز على العقل التداولي في " أزمة الحداثة الفائقة – الإصلاح – الإرهاب – الشراكة " باعتباره بديل العقل الحداثي الماهوي ، فانه اختار أن يسمي الإنسان البديل بالإنسان الأدنى . والحقيقة أنه كان من الأجدر به أن يسميه بالإنسان التداولي ، من باب الاتساق المفهومي على الأقل . أضف إلى ذلك أن اختيار "التدني " صفة للإنسان الجديد ، لا يصيب الهدف في اعتقادنا . فما يطالب به جزئيا ، يقع في صميم المنجز الفكري والعلمي الحداثي . ألم تقدم الحداثة منذ كوبرنيكوس الدليل تلو الدليل على لا مركزية الإنسان ؟ أليس الجرح الكسمولوجي والجرح البيولوجي والجرح السيكولوجي بمثابة أدلة ومؤشرات على تفكيك التسويغات اللاهوتية للمركزية البشرية في الكون والطبيعة والتاريخ ؟ أليست الأنسنة سعيا إلى إحلال الاستحقاق الكسبي محل الميثاق الممنوح ؟أليست السياسة العقلية أداة لتحويل التاريخ بصفة جماعية واستنادا إلى الذكاء الجماعي لا إلى اصطفاء علوي أو حظوة غيبية ؟
فتأكيد مكانة الإنسان في النظر الحداثي ، منفصل ، جوهريا ، عن الاعتبارات المتعالية وعن التدليلات الميتافيزيقية ؛ فالإنسان من المنظور الحداثي ، ليس مخصوصا ، برسالة ممنوحة ولا بوضع أنطولوجي سرمدي ؛ بل هو كائن مطالب بالاشتغال الذاتي على الذات وعلى الطبيعية وعلى التاريخ ، وببذل المجهود لتغيير الحتميات وترويضها على الأقل ، والكشف عن الإمكانيات الأخرى ، للفعل البشري والتاريخ .
و لا نعتقد أن مفهوم" الإنسان الأدنى " يحمل جديدا ، أو يؤشر على حقيقة من الحقائق المستحدثة ، أو ينبئ بأفق فكري أو إيطيقي جدير بالألفية الجديدة .
( وذلك هو مفهوم " الإنسان الأدنى " كما أحاول بلورته ، كصيغة وجودية تفتح أفقا مغايرا للتنمية البشرية ، تتيح لنا قبول بعضنا البعض وبناء عالمنا المشترك ، بقدر ما تحملنا على رعاية بقية المخلوقات . وتلك هي الأمانة . )
( - علي حرب – الإنسان الأدنى – أمراض الدين و أعطال الحداثة – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – الطبعة الأولى – 2005- ص.186)
حين نمعن النظر في هذا المقتبس ، نلاحظ ما يلي :
-إقرار النص بإمكانية الاعتراف المشترك بين البشر وإمكانية بناء عالم مشترك ، رغم أن المؤلف يركز في( لعبة المعنى ) على استحالة ذلك لأسباب بيولوجية واثروبولوجية وفكرية معقدة ومركبة .
(فنحن من صنف يستهويه الملك قبل الدعوة ويستوطن الخلق لا الحق . نحن من نوع لا يتخلى عن الدنيا إلا إذا وعد بالفردوس ولا يزهد بالشيء إلا من فرط الرغبة فيه ، نحن أساتذة الروح ولكن من فرط الجسد . )
(- علي حرب – لعبة المعنى – فصول في نقد الإنسان – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء- المغرب – الطبعة الأولى -1991- ص. 17) .
2- الإقرار بإمكانية تعديل الثقافة للطبيعة و تعديل مسار التاريخ بصياغة المفاهيم ؛
3- استعمال مفهوم الأمانة مع كل ما ينطوي عليه من دلالات غيبية وغائية ؛ مما يناقض الرؤية التفكيكية والمنظور العلمي للإنسان ،
فمما لا شك فيه ، أن الإنسان الأدنى ، ليس تحقيقا إلا استعادة محينة أومرهنة للمفاهيم الرومانسية أو المثالية ؛ واستعارة الإنسان الأدنى ، تناقض جذريا ، الرؤية الفكرية لعلي حرب كما أفصح عنها في كثير من مؤلفاته وخصوصا في ( لعبة المعنى ).فمفهوم الإنسان الأدنى ، ليس إلا ترضية مفهومية ، يراد منها تهوية الفكر ، وإخراجه من قتامته التفكيكية ومن اكفهرار الحقائق البيولوجية / الأنثروبولوجية وإقرارها بانغراس الفعل والأخلاق الإنسانية في حتميات لا مفر من تدبرها تدبرا عقلانيا . وبناء على ما تقدم ، فإن الاستعانة بالإنسان الأدنى ، هو بمثابة استعمال لتقنية deus ex machina أي (الإله الخارج من الرافعة ) على نحو يضيء فكر علي حرب في بداية الألفية الجديدة ...ألفية الحداثة الفائقة والإرهاب الفائق ! .
( ولذا فإن ما نحتاج إليه هو التمرس ب"خلقية جديدة " ذات طابع كوني ، كوكبي ، تشق الأفق لولادة شكل بشري جديد أوثر تسميته " الإنسان الأدنى " ، من باب الأماتة و الإحساس بالمسؤولية تجاه بعضنا البعض وتجاه الطبيعة بعناصرها وكائناتها و أجوائها . )
( - علي حرب – أزمنة الحداثة الفائقة – الإصلاح – الإرهاب – الشراكة – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب – الطبعة الأولى – 2005- ص .249)
لا نملك أمام مثالية هذا الشاهد المتفائل اضطراريا ، إلا الاستشهاد بسؤال دال لأبي حيان التوحيدي في (الهوامل والشوامل )، للتشديد على انتهاء تفكيكية علي حرب الى تفاؤلية مثالية مماثلة لأشد التفاؤليات الأنوارية تبسيطية .
( لم تواصى الناس في جميع اللغات والنحل ، وسائر العادات والملل بالزهد في الدنيا والتقلل منها بما زجا به الوقت و أمكن مع الحال ؟ هذا مع شدة الحرص والطلب و إفراط الشره والكلب ، وركوب البر والبحر بسبب ربح قليل ونائل نزر ، حتى إنك لا تجد على أديمها إلا متلفتا إلى فانيها حزينا أو هائما على حاضرها مفتونا ، أو متمنيا لها في المستقبل معنى ، وحتى لو تصفحت الناس لم تجد إلا متحسرا عليها ، أو متحيرا فيها ، أو مسكرا منها . و أشرفهم عقلا أعظمهم خبلا . و أشدهم فيها إزهادا أشدهم بها انعقادا ، و أكثرهم في بغضها دعوى أكثرهم في حبها بلوى . )
(- أبي علي مكسويه – الهوامل والشوامل – سؤالات أبي حيان للتوحيدي لأبي علي مسكويه- تحقيق – سيد كسروي – منشورات علي بيضون – دار الكتب العلمية – بيروت –
لبنان – الطبعة الاولى -2001-ص. 50-51)

ابراهيم ازروال





#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيزوفرينيا ثقافية
- الإشكالية الدينية في خطاب الحداثيين المغاربة-( نموذج الجابري ...
- واقع الثقافة بسوس-قراءة في وقائع نصف قرن
- من سوس العالمة إلى سوس العلمية
- تأملات في مطلب الحكم الذاتي لسوس الكبير
- الأخلاق والعقل-التسويغ العقلاني للأخلاق
- تأملات في المعضلة العراقية
- نحو فكر مغاربي مختلف بالكلية


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم ازروال - قراءة في - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك - لعلي حرب- حين يصير التفكيكي تنويريا