أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - بؤرة التخلف الاجتماعي















المزيد.....

بؤرة التخلف الاجتماعي


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 2138 - 2007 / 12 / 23 - 11:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قصة قصيرة عرفتني لأول مرة بقاص سوري متمكن من فنه. نسيت الاسم ورسخت في الذاكرة تلك الصور الفنية خطوطها من عبارات شعرية مشحونة بالإدانة لجوانب من الواقع المتخلف. تتماسك الجوانب وتتشابك عقد التخلف وخيوطه من قهر واستلاب وانسحاق مذعن للقدر الجائر. في القصة أربع شقيقات، ثلاث عوانس انطوت نفوسهن على الحرمانات. انتظرن النصيب على غير طائل، ثم قعدن مستسلمات للقدر والمصير. الرابعة صبية هالها بؤس الشقيقات، وهي التي نالت بعض العلم وتعلقت بمظاهرالحياة، فقررت أن لا تدع حياتها في الانتظار والموت الخانع، وخرجت تبحث عن حياة أهلتها الطبيعة لتبعاتها، وسمح بها الدين. أرادت ان تقرر مصيرها، لكن التخلف ربض لها في أول الطريق، وأعادها مكبلة بقيوده وقوانينه. واضعو القوانين مغيبون، وكذلك المنفذون. لا يبرز في الصورة غير الصبية محجوزة داخل قبو عفن مظلم، كي تذبل وتخمد شهيتها للحياة، إلى أن يبت مجتمع الذكور في أسلوب "غسل العار" ؛ وعوانس ثلاث اعتدن بؤسهن قدرا ورضين بعقيدة استلابهن. صمتن على الجرائم المقترفة بحقهن، فكيف لا يستعذبن الجريمة بحق من تمردت على القدر ولو كان من حيف. نفذن ما أوكل إليهن من وظيفة. حقد ملأ قلوبهن على الشقيقة دفعهن للتفاني في تنفيذ قرار الذكور بحقها. مرة واحدة كل يوم تهبط واحدة بالطعام تضعه بصمت وبعيون ينفذ منها سهم الحقد والضغينة ثم تنصرف. والصبية تبادلهن الحقد والازدراء. تنتظر تنفيذ قرار الذكور لأنها ترفض البقاء في موات. هطل الظلام ذات ليل، حين نقلت لمواجهة حتفها غسلاً للعار، بينما مضت الحياة بالعوانس تغذ في سأم الركود.
العار من أوثق العقد ارتباطا بالتخلف. فهي المكمل الاجتماعي لعقدة النقص لدى الفرد المهزوم داخليا والمنقبض على بؤسه؛ يعيش حالة رعب من انكشاف ستره واتضاح ضعفه؛ وشهوة القهر والاستغلال تتحين كل سانحة من انكشاف ستر او مظهر ضعف لدى الآخرين. استكانة المقهور تجتث من القاهر التعاطف الإنساني وتخفي ما لدى المقهور من ذكاء او إنسانية؛ وبقدر ما يشعر الفرد بانسحاقه فإنه يسحق الأضعف القابع في كنفه. والمرأة، زوجة أو أختا او بنتا تلازم الرجل ويجيّر عليها ما يعانيه من قهر. فحيث يمارس القهر في المجتمع ينزل بالمرأة القسط الأعظم منه. المرأة وكل الشرائح المحرومة اقتصاديا أو الأقليات من حيث روابط العشيرة او الطائفة مرشحون للقهر؛ والنظم الاجتماعية القائمة على القهر والغبن والاستلاب أوجدت للرجال ما يعوضون به عن بؤسهم والقهر الذي يعانون. ومن لا يَظلم الناس يُظلَم. فما يكابدونه قدر لا فكاك منه، قد يتوقف الخلاص على " شفاعة" ولي أو بركة مشعوذ. ويتناسل المشعوذون من رحم مجتمع القهر يطرقون ميادين الاقتصاد والسياسة والعلم والدين: فيهم من يلوم المقهورين والمسحوقين لابتلائهم بسبب "ابتعادهم عن الدين". وكلما، انجذب المقهورون للتدين يزداد تقريعهم لترسيخ شعور الإثم لديهم وتبرئة النظم القائمة على الجور؛ وفيهم من يشيطن المرأة . يحملها وزر الكوارث والنكبات!! إزاء هذه الأزمة الوجودية ، وما ينجم عنها من انكسارات قومية ومشاكل اجتماعية تفتح أبواب الهرب إلى ماض انطوى على أمجاد متخيلة او حقيقية. في هذا المناخ تنتعش السلفية الماضوية. والسلفية تركز على الصراع الثقافي، وتنكر الصراع الدائر فيما بين الكتل الرأسمالية، وبينها وبين الأطراف التابعة. لم يشهد التاريخ العربي الحديث مشاركة الحركات السلفية في صراع اجتماعي، ولا تتبّع أزمات المجتمع ومشاكل المسحوقين حتى نشاط الرأسمال المحلي او العالمي.
يطبق الصمت تماما عن النظام الاقتصادي المحلي والعالمي، حيث الفجوة تزداد بين الفقر والغنى، وحيث تتضاعف ديون البلدان الفقيرة ويقتطع من خبز الجياع ومن الخدمات الصحية والتعليمية كي تسدد بعض تكاليف خدمة الديون؛ وحيث تلجأ الاحتكارات لفصل مئات الألوف من أعمالهم تستبدل بهم التقاني المتقدمة؛ وحيث تنفق بلايين الدولارات على استيراد الأسلحة بدل إنفاقها في مشاريع التنمية الاجتماعية. جميع الأقطار النفطية في آسيا وإفريقيا تنفق المليارات على غير مكافحة الفقر، تتغافل عن حقيقة أن الفقر مجلبة للكفر، وتحجب عن الجمهور تعجب السلف ممن يبيت على الطوى كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه. مقابل النظام الفينزويلي ، الذي ينفق العوائد النفطية على رفاهية الشعب الفنزويلي وتخفيف معاناة الشعوب المجاورة، يتجاهل النظام الإيراني حاجات شعبه إلى التنمية، ويبدد الثروة النفطية في غير ما يحسن أوضاع الشرائح المحرومة ويطور القوى المنتجة المحلية! غريب أمر هذا النفط لا يدخل العافية إلى عروق المجتمعات المنتجة!
بدلاً من كشف الخلل يمتلئ الخطاب السلفي بتقريع المغبونين والمحرومين، وتبرئة السياسات من جريمة الحفاظ على التخلف والتبعية. والخطاب السلفي يستنكف عن المشاركة في الصراعات الاجتماعية، و يبالغ في التركيز على مسئولية المرأة في إشاعة التردي والانحلال الذي يسخط الله ويعاقب عليه بالنكسات القومية والكوارث الاجتماعية. المرأة في عرف الثقافة المحافظة سبب الغواية وأس الكيد وعورة المجتمع. ومع ازدياد الفقر واتساع رقعته يجري تشديد النكير على الفقراء، وتمتين القيود على تحرر المرأة وتتضاعف عوراتها الجسدية والحركية، وتدفع فسرا إلى بيوت الحريم وإلى الحجاب والخمار، إشهاراً وتشهيرا بمصدر الغواية والإغراء على المعصية! وفي هذا الجو المشحون بالاختلالات وهدر الكرامات لا يستغرب إن تكررت جرائم القتل تحت قناع "الشرف"، والتي تعمي الأبصار عن مصادر الضعة والهوان والقهر المفروضة على الأغلبية الساحقة من المجتمعات المتخلفة.
يبرز التخلف بأسطع ظواهره في عقدة العار التي تجير على المرأة عواقب النشاط الاقتصادي المختل. تبخيس الرجل واستلاب المرأة من شأنهما إعفاء الأنشطة الاقتصادية من جرائم البطالة والجور في توزيع الدخل وسرقة المال العام ونشر الفساد. يتجلى استلاب المرأة في المجالات الاقتصادية والجنسية والعقائدية، حيث تقتنع المرأة بدونيتها، وترضى بسلب حقوقها وإخضاعها لنزوات الرجل ولمستوى وعيه وقلقه على مكانته الاجتماعية. وحيث تشيع حالات الفقر والقهر والاستلاب في الحياة الاجتماعية يتولد لدى الرجل المقهور إحساس بالعجز حيال الطبيعة وحيال العلاقات الاجتماعية. ويتجسد الإحساس شعوراً بالنقص الذي يغلف حياة الإنسان الشرقي، ويجرده من الجرأة التي يتطلبها الوقوف بوجه مصادر الشر، ويحرمه شهامة الانتصار لامرأة ظلمت وحملت وزر الذكور السائبة والضالة. أحد الكتاب عبّر عن تعاطفه مع امرأة اعتدي عليها داخل سجن أبو غريب. وتعددت الاعتداءات حتى حملت بجنين لا تعرف له أبا. وفي الخارج افتقد رجال العشيرة شجاعة التصدي للاحتلال وخذلتهم شهامة الغيرة على ضحية ، فقعدوا يشحذون السكين لذبحها بعد خروجها من السجن. يقول الكاتب أنه صدم إذ وصلته رسالة من امرأة تقول له أنه سيتصرف مثل رجال القبيلة لو كانت الضحية ابنته أو شقيقته أو زوجته. مقابل الرسالة من أنثى صفدت مداركها بعقيدة الاستلاب وقف مناضل بشموخ متحررا من عقدة الخوف ومن عقدة الاضطهاد في مواجهة جلادين إسرائيليين هددوه بإحضار زوجته واغتصابها أمام ناظريه، فرد عليهم بأنها ستزداد عزة وطهارة في نظره إذا ما واجهت وحشيتهم بشجاعتها المعهودة.
قام الدكتور مصطفى حجازي، خبير علم النفس الاجتماعي، بتحليل مادي جدلي لظاهرة القهر في الحياة الاجتماعية المتخلفة وأبرز اضطهاد المرأة واستلابها كأحد مكونات القهر. في كتابه ، "سيكولوجية الإنسان المقهور أو التخلف الاجتماعي"[ معهد الإنماء العربي، ط5، بيروت 1989] قدم الباحث محاولته الأولى في مجال تعرية التخلف في مجال الحياة النفسية والفكرية للإنسان المقهور، ووضع إصبعه على عقدة التبخيس التي تختزل النظرة نحو الأغلبية الساحقة لأفراد المجتمع وردود الأفعال المختلة على حالات القهر والاستلاب. التبخيس والنظرة الدونية تتجليان في النظرات المتبادلة بين الأفراد وفي نظرة المجتمعات المتطورة تجاه المجتمعات المتخلفة. " قلق الحاضر ومصاعبه تأخذ طابعا متأزما. كل شيء يثير في النفس خوف الكارثة. إذ أن المعاناة الحاضرة التي لا تجد لها إمكانية خلاص في مستقبل منظور تحول الحياة إلى جحيم. درجة التوتر الانفعالي عالية بشكل غير طبيعي مما يجر ردود فعل متطرفة". (صفحة 47) . أما الهيئة المتسلطة فتعمد إلى تعزيز النظرة الدونية كي تمنع تلاقي المقهورين وتعرقل عملية توَحُّدهم.
أفرد الباحث الفصل الأخير من الكتاب للمرأة المقهورة، ولأوجه القهر الذي تتعرض له، ما أفضى إلى " خمول المرأة وطمس طاقاتها الذهنية وغرس في نفسها دونية ذهنية ومهنية يصعب علاجها. لقد حول اهتمامها من الكيان الإبداعي إلى المظاهر المثيرة وحوّل توجهاتها إلى ميادين الاستهلاك والظهور التي ألصقت بالأنثى كمجالات لتحقيق ذاتها . وغرس في نفسها القناعة بأن العلم والعقل أمران ثانويان طارئان ... نرى الرجل المتسلط يتخذ من هذا التبخيس حجة وسلاحا يحاربها به ويطمس كيانها أكثر فأكثر في التبعية(222- 223) . أما الأثر الاجتماعي لاضطهاد المرأة فخطير. ذلك أن المرأة تبادل الرجل تبخيسه، و تقتص من حرمانها وقهرها بتنشئة رجال مشوهين في وعيهم ونفسياتهم، فاقدين القدرة على الحوار وعلى الحب والمتعة.
علاقة القهر والخضوع تتشعب وتتشابك في مختلف ثنايا الحياة الاجتماعية، فتسم جوانبها الاقتصادية والسياسية والثقافية – التعليمية بالتخلف وانسداد الأفق. تتزامن معاناة المرأة وتتفاعل مع معاناة الرجل والمجتمع بأسره. يستغربون كيف عادت المرآة الجزائرية إلى تبعية الرجل بعد أن حررتها الثورة واجترحت خلالها بطولات مثيرة للإعجاب. والمرأة الفلسطينية، التي شاركت الرجل مهمات الكفاح الوطني نراها تنكفئ إلى علاقة الرضوخ . تفسير ذلك أن الحركتين التحرريتين لم تبلغا حدود التحرر الاجتماعي، فبقي التبخيس والقهر والاستلاب مظاهر لأزمة اجتماعية لا يراد ان يوجد لها نهاية.
وحيث يستكين الرجل للقهر الاجتماعي فإنه يفرض على المرأة علاقة القهر والتبعية. يخلص الباحث الدكتور مصطفى حجازي من تحليله إلى القول" لا تطوير دون تغيير وضعية المرأة، ولا تغيير لوضعيتها دون تمزيق حجب الاستلاب العقائدي التي تمنع عنها رؤية ذاتها، ورؤية العالم على حقيقته".





#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العجز عن الارتقاء
- منبرللتنوير والديمقراطية ومناهضة العولمة
- أخلاقية النضال التحرري وتحديث الحياة العربية
- إشهار أخلاقية النضال التحرري وتحديث الحياة العربية
- بعض ظاهرات الإعاقة في الحياة العربية
- إسرائيل : وقائع التاريخ تنقض الإيديولوجيا
- نظام شمولي محكم يسود الولايات المتحدة الأمريكية
- المحافظون الجدد ينتهكون حرمة الحياة الأكاديمية
- تمويه سياسات التوحش بالتبذل الإيديولوجي
- حكم القانون
- من المتآمر في تفجيرات نيويورك
- اكتوبر شمس لا تغيب - مبادئ أكتوبر شبكة الإنقاذ من وحشية العو ...
- ثقافة الديمقراطية ـ ديمقراطية الثقافة


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - بؤرة التخلف الاجتماعي