أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - -إعلان دمشق-، إلى أين؟















المزيد.....

-إعلان دمشق-، إلى أين؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2132 - 2007 / 12 / 17 - 12:05
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في مطلع شهر كانون الأول الجاري، وبعد عامين وشهرين تقريبا من تأسيسه، التأم المجلس الوطني لإعلان دمشق، الجسم الأساسي للمعارضة السورية، وانتخب رئاسة للمجلس وأمانة عامة جديدة. وعلى الأثر تحركت تفاعلات أزمة حادة في ثلاث اتجاهات، سياسية وإيديولوجية وأمنية. اتصل أولها بعدم تمكن قياديين في "الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي العربي"، وهو تنظيم ناصري، من الفوز بأي من مقاعد الأمانة السبعة عشر، فكان أن جمد الحزب مشاركته في أنشطة الإعلان المركزية والمحلية. ثانيها حملة تصريحات وتعليقات تكاد تضاهي في تواترها وانفعالها تلك التي رافقت ولادة إعلان دمشق ذاته، تضع نتائج الانتخاب ككل في سياق صراع سياسي وإيديولوجي بين تيارين، واحد ليبرالي وآخر ليس له اسم محدد، لكنه ضد ليبرالي. وثالث التفاعلات حملة اعتقالات واستدعاءات قامت بها السلطات لعشرات من أعضاء المجلس، بلغت ذروتها في اليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 كانون الأول الجاري. أفرج عن معظم المعتقلين بعد وقت قصير، يوم واحد أو أقل، لكن لا يزال بعضهم موقوفين (كتب المقال يوم الأربعاء، 12/12).
كان إعلان دمشق تشكل في لحظة سياسية وسيكولوجية سورية خاصة جدا. بدا في خريف عام 2005 أن النظام مضعضع وقد يتهاوى، وأن وجود ائتلاف واسع لقوى منظمة من شانه أن يحد من مخاطر أي فراغ سياسي محتمل، ويجنب البلاد الأسوأ مما كانت دلائله المقلقة تنبسط في الجار الشرقي. غير أن جملة الديناميات الإقليمية والدولية التي كانت بثت هذا الانطباع عند قطاعات واسعة من المراقبين، داخل سورية وخارجها، وحتى في أوساط النظام نفسه، اتخذت بالتدريج اتجاها مختلفا بعد أشهر. ولعلها الاتجاه هذا تكرس نهائيا وبات غير عكوس في مؤتمر أنابولس الأخير، الذي قد تكون أهم دلالاته إعادة تطبيع النظام السوري ضمن المنظومة الإقليمية.
ما كانت قربت بين أطرافه لحظة خاصة جدا لم يلبث أن أخذ يتباعد مع فواتها. ومع انحسار الفاعلية العامة عاد العامل الإيديولوجي المفرّق إلى تحديد خيارات الفاعلين السياسيين، بعد أن كان تقدم العامل السياسي الموحّد في لحظة نمو تلك الفاعلية. وهذا عنصر في السياق الذي أفضى إلى تعليق الناصريين نشاطهم في الإعلان.
وخلافا لما أفادت به تصريحات منفعلة إثر انتخاب الأمانة العامة للمجلس ثمة ثلاثة تيارات أو أربعة، أو حتى خمسة داخل ائتلاف إعلان دمشق، وليس تياران فحسب. ثمة ديمقراطيون يتمحور تفكيرهم السياسي حول مفهوم "المصلحة الوطنية السورية"، دون أن يكون لهم عنوان إيديولوجي محدد (حزب الشعب الديمقراطي وحزب العمال الثوري ومثقفين وناشطين مستقلين ..). وهناك تيار إسلامي ديمقراطي، تتمايز فيه هو ذاته تنويعتان: واحدة شبه إخوانية، وأخرى أقرب إلى نموذج حزب العدالة والتنمية التركي. وثمة تيار ليبرالي فعلا، ويمكن التمييز فيه هو ذاته بين شيوعيين سابقين أضحوا ليبراليين بالطريقة ذاتها التي كانوا فيها شيوعيين، أعني بطريقة معتقدية وخلاصية، وبين ليبراليين مثل رياض سيف أقرب إلى حساسية وتفكير شرائح من الطبقة الوسطى المدينية، المستقلة، والمنتجة. هذا فضلا عن التيار القومي الذي يتقارب معه في المواقف تيار شيوعي. ولا ريب أن إرادة إعادة بناء الهوية الذاتية في وقت تمايز و"فرز"، بناء "نحن" في مواجهة "هم"، هي ما أملت على مطلقي التصريحات الكلام على تيارين، وليس مطابقة واقع الحال.
على أنه ليس من شأن خسارة أطراف وفوز أطراف، ولا نقد تبسيطية التعليقات على انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق ونتائج انتخاب أمانته العامة، أن تحجب اشتراك الجميع في أزمة سياسية وفكرية لا جدال فيها، ولا حل إيديولوجيا لها. في جذر هذه الأزمة استيلاء النظام السياسي على المجال العام بطرق عدوانية كما ذكرت موجة الاعتقالات الأخيرة. الأثر الأهم لهذا الاستيلاء عزل التنظيمات السياسية والتيارات الإيديولوجية عن القوى الاجتماعية، وكذلك عزل الطبقات والشرائح الاجتماعية عن الحياة السياسية، ما ينزع صفتها العامة ويردها مراتب دخل فحسب. ومن جهة أخرى ثمة الفراغ الفكري الذي يطبع عمل حركة المعارضة، والذي جعل العودة إلى عتاد فكري متقادم وغير منقود، قومي عربي وشيوعي، يبدو تقدما.
ولم تكن "السياسوية" المفرطة لعمل المعارضة الديمقراطية خلال السنوات السبعة أو الثمانية الأخيرة غير مظهر لهذه الأزمة وقناع يخفيها في آن معا. ولعل الأصل فيها هي ذاتها، أعني "السياسوية"، الطابع الاستئثاري والعدواني لممارسة السلطة، وما يدفع إليه من تثبت المعارضين على مسألة السلطة من جهة، وسيكولوجية المعتقل السياسي التي تدفع نحو التثبت نفسه من جهة أخرى. ومعلوم أن عددا غير قليل من قيادات حركة المعارضة معتقلون أو ملاحقون سابقون.
لا ريب أن تقلب مسار الإعلان يتصل كذلك بأزمة وتقلبات وضع أجنحة من الطبقة الوسطى السورية "تمثلها" قوى الإعلان وحساسيات ناشطيه وتوجهاتهم العامة. وقد يمكن رصد توتر بين جناحين من ناشطي الطبقة هذه، "شريحة المهنيين" و"شريحة المالكين" التي كانت غريبة على العموم على النشاط السياسي المعارض في البلد منذ مطلع العهد البعثي. لا يضم الجناح الأول أطباء ومهندسين ومحامين من أصول متواضعة عموما فقط، وإنما أولا معتقلين سياسيين سابقين. وهؤلاء "شريحة" خاصة، تجمع بين "رأسمال رمزي" و"معرفة" وخبرة سياسية، أتاحت لهم لعب دور لافت، سياسي وثقافي، في السنوات المنقضية من هذا القرن. بين 19 من أعضاء رئاسة المجلس وأمانته العامة (عضوان كرديان وعضو "أثوري" لم تعرف أسماءهم) ثمة 9 معتقلين سابقين (وسبق لأكثر التسعة عشر أن مروا بمرحلة اعتقال قصيرة) و5 أطباء، و6 قياديين حزبيين، و3 كتاب. ويمثل رياض سيف الذي تتمايز خلفيته الاجتماعية والإيديولوجية والسياسية عن خلفية المتن المعارض في سورية في أوقات سابقة، المتن الذي كان مكونا من يساريين وقوميين عرب بصورة أساسية، يمثل تقاطعا بين شريحتي المعتقلين السابقين ورجال الأعمال. فهو منحدر من الطبقة الوسطى المالكة والمنتجة، وقد كان عضوا في "مجلس الشعب"، أي البرلمان الرسمي، وهو لم يمر يوما بطور يساري أو قومي عربي.
بيد أن أي تحليل طبقي لا يمكن أن يفي بالحاجة في سورية. فضعف التشكل الطبقي من جهة، وضعف التشكل أو نقص الاندماج الوطني من جهة أخرى، وما أشرنا إليه من عزل قسري بين الاجتماعي والسياسي، عوامل تجعل من الكلام على طبقة وسطى وشرائح متميزة لها أقرب إلى المجاز. وللعوامل ذاتها فوق ذلك دور أكيد في تسهيل تأثر الفاعلين العامين بعوامل جهوية وأهلية.
هذا يدعو إلى وضع أزمة العمل المعارض في سياق إعادة بناء السياسة والفكر السياسي في سورية، وهذا ذاته في سياق البحث عن مخارج من الأزمة الوطنية والاجتماعية المزمنة في البلد. فخروج النظام من أزمة حادة أقلقته وقلقلته لا يحمل أي تقدم على صعيد معالجة الأزمة المزمنة هذه. أقصى ما يمكن أن يكونه هو فاتحة طور أشد تعقيدا من أطوارها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعقيب على سلامة كيلة: كيف نفهم الطائفية وكيف لا نفهمها؟
- هل العربي الموريتاني أقرب إلى العربي السوري من الكردي السوري ...
- الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية
- تعقيب على تعقيب سلامة كيله.. نكوص إيديولوجي للماركسية السوري ...
- في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة
- النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل
- حول بعض تناقضات عملية بناء الأمة في سورية
- الإخوان المسلمون بين مرونة السياسة وتشدد المذهب
- إسرائيل والمشكلة الإسرائيلية و..المشكلة العربية
- نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟
- وضعيةُ معاصَرةٍ: من النبي محمد إلى المثقف المعاصر
- في توازي التفكك الوطني وانقسام الطيف الحداثي في سورية
- العلمانية كوعي ذاتي لدنيوية الدولة
- في إيديولوجية المواجهة ووظيفتها ومآلاتها
- في نقد الردح والردح الذاتي
- حوار شخصي وصريح مع إسلامي سوري في شؤون الإسلام والحرية والعق ...
- في النموذج الإخواني وتناقض الإسلامية المعاصرة
- نحو إعادة هيكلة الدور الإقليمي لسورية
- خواطر مرسلة في شأن السياسة والثقافة
- في أن الليبرالية الاقتصادية سياسة الجيل البعثي الثالث


المزيد.....




- ما هي الامتيازات التي حصلت عليها السلطة الفلسطينية بعد قرار ...
- بقيمة 400 مليون دولار.. واشنطن تعتزم الإعلان عن حزمة مساعدات ...
- البنتاغون يوعز إلى جميع الأفراد العسكريين الأمريكيين بمغادرة ...
- مصر.. نجيب ساويرس يرد على تدوينة أكاديمي إماراتي حول مطار دب ...
- الإمارات.. تأجيل جلسة الحكم في قضية -تنظيم العدالة والكرامة ...
- وسائل إعلام: فرنسا زودت أوكرانيا بصواريخ -SCALP- هي في نهاية ...
- مدفيديف يصف كاميرون بالبريطاني -الموحل ذي الوجهين-
- ناشطتان بيئيتان تهاجمان تحاولان إتلاف نسخة من -ماغنا كارتا- ...
- -لعنة الهجرة-.. مهاجرون عائدون إلى كوت ديفوار بين الخيبة وال ...
- معجم الانتخابات الأوروبية ومصطلحاتها الأكثر شيوعا


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - -إعلان دمشق-، إلى أين؟