أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - المعرفة ُ في الشرق ....... هل لها مستقبل ؟ ((1))















المزيد.....

المعرفة ُ في الشرق ....... هل لها مستقبل ؟ ((1))


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 2132 - 2007 / 12 / 17 - 11:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حقيقة ٌ لا يمكن التغاضي عنها ، إن ســُـــلــّم المعرفة وريادة العلوم في العالم المعاصر مشيد ٌ في " الغرب " ، وقيمة تشييده المعنوية تعني إنه لا من الخشب ، ولا من الحديد أو حجر الصوان أو القرميد ، هذا الســُـــلــّم مبني ٌ بجماجم و أضلاع المفكرين والفلاسفة والقادة الغربيين ، وكما يقول العالم إسحق نيوتن عندما سئل عن عظمة إنجازه حيث قال :
أنا أقف على أكتاف عظماء .. !
نعم ، كأن ما بذلوه وكابدوه من عمل جماجم وأضلاع مختلفة تداخلت وتراصت شاهقة ً نحو سماء الحقيقة لترتفع بشموخ ٍ في فضاء التاريخ إلى درجة أن تعتري أي مفكر ٍ معاصر أو باحث ٍ رجفة ٌ ورعشة في الأفكار إذ يضع أقدامه ُ على الدرجات الإول لهذا الســُـــلــّم العتيق ، فهي ذي جمجمة سقراط تقبع في أولى الدرجات مع جمجتي إفلاطون و أرسطو ، وتلك هي لأرخميدس ، وهناك ، حين يشخص بك البصر ُ نحو أعلاه ترى أضلاع غاليلو ونيوتن و إينشتاين و هيجل وماركس وسميث وريكاردو والكثير الكثير من مفكرين معاصرين يقفون في الطابور متبرعين بعظامهم ، لكن ، أين شرقنا من علوم وفلسفة اليوم ؟
حتى لو ذكرنا بن سينا والخوارزمي وبن رشد وبن خلدون فإننا نغور في أول أسس هذا السلم مع فلاسفة وعلماء اليونان ، مع ذلك ، ندرك المدى للقيمة المعنوية للشرق عندما نذكر موسى والمسيح ومحمد ، حيث الدين ، هو الأساس الذي ينتصب عليه هذا الســُـــلــّم عاليا ً .. !
أنا كشرقي ، جاهدت ُ نفسي كثيرا ً في محاولة إرتقاء هذا الـســُـــلــّم ( المقدس ) لأقف َ في النهاية في آخر درجة لأعود بهذه السطور و أنا أروي " قصة المعرفة " بإسلوب ٍ جديد ، يدعو في نفس الوقت إلى تشييد ســُـــلــّم ٍ جديد ، بزاوية ٍ واُفق ٍ جديد .. لا يخافه أهل الشرق .. !
فعقول ُ الشرق ُ اليوم تخشى هذا الســُـــلــّم كثيراً ، وكنت ُ لسنين َ خلت عاجزاً عن فهم الأسباب التي جعلت الشرق َ عقيما ً لينجب مثل هؤلاء العظماء في وقتنا الحاضر ، لكن ، وخلال عامين فقط من تركي للكتابة والركون إلى تكثيف القراءة بدأت ُ أدرك إنني توصلت إلى شيء هام ٍ عله ُ يأتي لنا بضياء ٍ قبس ٍ أو نجد عبر ما ينير حوله هدى .
فالشرق يسير بركاب الغرب .. وهو بحاجة إلى معرفة وفلسفة شرقية تناسب " مقاس " ذهنيته وإطارها الإجتماعي المختلف .. !

شعار المفكرين العرب : الترجمة ُ ، الترجمة ، ثم الترجمة !

يكاد أن يكون شعارا ً للنهضة العربية والإسلامية ، إلى درجة ، إن الغرب نفسه يشجع عليه كثيرا ً .. !
فمفكرونا يعيدون صياغة أفكارهم بمواد إنشاء مصنعة في الغرب إلى درجة إنه لا يتجرأ أحدٌ منا على تسمية احد هؤلاء بالفيلسوف أو العالم ولا حتى أي نرجسية ٍ لأحد ٍ منهم قد تدفعه ليقول ذلك (1)
في الحقيقة ، أضحى جلدُ الذات سمة ً لثقافة ِ الامة الإسلامية ، ولطالما أستوقفت ُ عند قضية " عقم الإبداع المعرفي في العالم الإسلامي " ومسألة " جلد الذات " هذه التي تعلل كل إنتكاس ٍ في الامة بسبب ترك ( الدين ) ، وخلال أعوام ٍ كثيرة ٍ مضت ، وجدت ُ أن من غير المعقول إن أمة المليار نسمة تعاني كل هذا العجز في إرتقاء هذا الســُـــلــّم العظيم ، لذا كان إرتطامي الاول بالدين .
فقد حسبت ُ الدين كالصدأ الذي يغلف العقول ، فيعميها عن الإبداع ، بقيت ُ على هذه الحال فترة ليست بالطويلة وأنا ابحث في الكيفية التي يمكن من خلالها ( عـَـلمنة ) الامة وإبعاد ( ظلامية ) الدين عن عقول مفكريها ، فتوصلت ُ إلى نتيجة بعد دراسة معمقة ٍ تفصيلية في التاريخ والثقافة الإجتماعية ، إن الدين ليس مجرد ممارسات تعبد وسلوك معاملة إجتماعية ، بل الدين ( ثقافة ) ووعي جمعي كبير وعريق للأمة ، بل هو هويتها الحضارية في التأريخ منذ سبعة آلاف سنة ..

هنا ، أيقنت إننا في مواجهة مارد ٍ عملاق ضخم يستوطن وعي الامة وضميرها ، ومنذ ذلك الحين تلازمت في ذهني صورتان :
ســُـــلــّم العظماء .. صانعي التأريخ أساس الوعي الجمعي ( العلمي ) للغرب الحديث ، ومارد الدين العملاق القابع تحت ارض الوعي الإجتماعي الشرقي والإسلامي بالخصوص والذي يرتفع على أكتافه ســُـــلــّم العظماء ، لهذا السبب طالت وقفة ُ تأملي بهاتين الصورتين لعامين ، الشرق ُ النائم بما في الكلمة من معنى ، و ســُـــلــّم الغرب النشط المتسارع في إرتفاع ِ بناءه .
عامين و أنا أتأمل هذه المأساة " التراجيدية " ، لوحة ٌ كونية ٌ خطتها الأمم برقعة التأريخ ، تأملتها حد الشعور بالغثيان ولسان حالي يقول :
رحماك ربي .. أي قدر ٍ هذا الذي نحياه .. ؟
أمة ٌ تنام .. وأمم ٌ تتقدم وتبني .. ثم ماذا بعد ؟!
كان لابد من البحث عن مخرج لهذه المحنة التي تلف مليار فرد يحملون هوية الحضارة الإسلامية ، فهناك أمة ٌ عظيمة خارج " التأريخ " وتغط في نوم ٍ عميق ، ما السبب يا ترى ؟
لماذا فشلت الإشتراكية والليبرالية على حد ٍ سواء في إستحداث النهوض ؟
لماذا يرفض الشرق " الحداثة " ولماذا يمقت لهذا الحد " الغربنة " .. لماذا ينام فيما العالم يعيد بناء نفسه ، ومتى سيصحو من هذا النوم العميق ، ولو آل له أن يصحو .. كيف ستكون نهضته ؟

كان لابد من الغوص في عمق الهوية الحضارية الدينية للشرق والعالم الإسلامي بوجه الخصوص ، فبدلا ً من التخندق في صف " الليبرالية " العربية التي تدعوا إليها مختلف التيارات المتأمركة و اللامتأركة ، كان لابد من " تفهم " حقيقة الصحوة والإحياء الإسلامي والغاية اللاشعورية الجمعية التي تحركه ، خصوصا ً وإني قد أصبحت ُ على يقين إن الذي يقف بوجه " الهوية" الحضارية العريقة للشرق يخسر لا محالة ، لسبب بسيط ، إن الشرق " ولد " بظهور الدين في العالم ، ما يعني ، إن كل الأنساق التكوينية للثقافات الإجتماعية الشرقية مؤسسة على " الدين " وهذا يعني إن فقدان الدين يعني ضياع لحمة التماسك الإجتماعي الأصلية لكل مجتمعات الشرق ، فالغرب حتى لو فقد الدين من حياته نهائيا ً فلن يتأثر بذلك مثل الشرق ... لأن ما يحدد علاقاته الإجتماعية هي قيم " الفردانية " والخصوصية الذاتية ، وهما نواتج للطبيعة البشرية الأصلية ، أي صفات طبيعية وليست " متطبعة " كالقيم التي يزرعها الدين فينا ، فالفردانية و الإعتزاز بالنفس " كقيمة فردية " هما شبه معدومتان في شرقنا العريق !
هل هذا يفسر " الإضطراب " الذي تعانيه الشخصية الإسلامية والفكر الشرقي بعامة ، حيث فقدنا البوصلة و أصبحنا لا إلى التاريخ والهوية ولا إلى الغربنة المترددين في تلقفها ، فثقافتنا الحالية ممسوخة بين الحاضر الغربي والتاريخ الشرقي العتيق ، ولعل هذا يفسر شيئاً من حالة " العقم " الحضارية التي نعانيها ، فلن نستطيع أن نكون مثل الغرب لأنه هو " غرب " بجذوره وماضيه ويمتاز بخصيصة ثقافية و إجتماعية تميزه كثيراً عنا ، فهو يختلف معنا حتى بماضيه الروماني اليوناني ، فكيف يمكن بناء حضارة جديدة دون الرجوع للجذور ؟
العمق التاريخي هو السبب ، والليبرالية ، والتحديث ، وما بعد التحديث ، والديمقراطية ، والعلمنة والماركسية والبنيوية وما بعد البنيوية وغيرها من إتجاهات وقوالب تصاغ خارج الشرق لتدخل عليه محاولة ترويضه ماهي إلا مجرد " عبث" ومضيعة للوقت والطاقات ، الشرق عظيم وقديم وهذا ..هواء ٌ في شبك ، فالشرق لن يكون غربا ً أبدا ً ولو حصل وفقد هويته يكون قد مات إلى الأبد ، ولكن ، أنى يموت وقد يكون هو لا يزال حياً ينتظر الإستيقاض ؟


الصحوة الإسلامية ... بين الحتمية والعرضية

حاولت التيارات الفكرية المتعددة والمتأثرة بالحضارة الغربية ، هنا في العالم الإسلامي ، أن تفسر ظاهرة " الإحياء" الإسلامي وما تعرف بــ"الصحوة" الإسلامية كردود أفعال مصيرها الزوال ، لكن إلى أي مدى يمكننا أن نقر بأن الصحوة مجرد فورة عابرة وسوف تزول بزوال مسبباتها ؟
الحقيقة ، ومن خلال بحث موسع ٍ في الموضوع يمكن أن نفترض بداية ً العكس ، أي إن الصحوة الإسلامية ماهي إلا إنبعاث أصيل و" حتمي " في تاريخ الامة ، فهي ذلك المارد العظيم في باطن الوعي الجمعي الإسلامي ، وسأكون متفائلاً أكثر إذا إفترضت ُ إن هذا المارد اليوم في بداية إستيقاضه وعن قريب جدا ً سينهض بكل ثقله نافضاً عن جسده غبار القرون الغابرات ، هي ذي مجرد فرضية في مقابل الدعوة التي كنت ادعيها شخصياً من قبل بأن على الشرق أن يتبع الغرب ليدخل التاريخ ويشارك في بناء العالم الجديد ، من خلال إفتراض " حتمية " الصحوة الإسلامية بالمقابل سنجد إن مشهد المارد النائم وهو يستيقض سيفتح أمامنا الباب أمام توقع أحداث كثيرة يمكن أن تقع على صعيد " نمو " وتطور الوعي والثقافة الإسلامية للعودة بالدخول للتأريخ مرة ً أخرى ، وعند الشروع في " تفكيك " وتحليل الوعي الجمعي الإسلامي ومقارنته بالوعي الجمعي الغربي مفككاً إلى تكويناته أيضاً تظهر لنا صور متعددة لخرائط متنوعة تتداخل لرسم صورة جديدة عن المستقبل ، ومستقبل تطور المعرفة بالتحديد .
فالثقافة الشرقية تحتاج في ضوء ذلك إلى " منهج " جديد في المعرفة والفلسفة والعلوم يختلف عن المنهج الغربي الحالي العاجزة كل العجز عن هضمه و الإستفادة منه ، فالغرب سبق وان عانى هو الآخر من ركود " الإبداع " طيلة فترة الحكم الكنسي الديني والعيش كأمم ٍ وحدتها المسيحية على هامش التأريخ ، فيما الشرق كان مزدهراً وفاعلاً في التاريخ أيام سلطته الدينية ، بينما تراجع في عصور اللادين ، وهذا يمكن تعليله في الرؤية السابقة من أن الشرق مؤسس ٌ أصلاً على الدين ولذا ، لا يزدهر إلا بالدين فيما الغرب مؤسس ٌ على الحس والنزعة الفردية و الإندماج مع الطبيعة لذا لم يتمكن من تحقيق رسالته إلا خارج إطار الدين ...!!
هذه المقدمة البسيطة المتواضعة ماهي إلا تمهيد لدراسة منهجية مطولة وموسعة تتناول الوعي الجمعي البشري وفاعليته في حركة التاريخ وتطرح نظريات متعددة عن حقيقة ما يجري وراء كواليس التأريخ ، ماهو الغرب .. وما هو الشرق ؟
لماذا يختلف الغرب عن الشرق ، وهل هذا الإختلاف عرضي أم حتمي أصيل في طبيعة تكوين الوعي الجامع الكلي ؟
ولو كان هذا الإختلاف ُ أصيلاً .. فهل هناك غاية ٌ " كونية " ما ورائية تنزع إلى جعل المجتمع الإنساني مختلفاً هكذا ؟
ما فائدة الإختلاف عبر التاريخ ؟ وماهو المبدأ الأساسي الذي تنتجه هذه الرؤية ؟
إن المبدأ الأساسي في الإختلاف موجود ٌ حقيقة ً في قوانين الطبيعة وبالتحديد في النظم الحيوية ، ففي عملية التلقيح بين نوعي المشيج الذكري والأنثوي ، نجد إن الذي يحدث هو " إعادة " خلط للجينات ، تظهر بموجبها صفات وراثية جديدة عادة ما تكون أكثر ملائمة ً وتكيفا ً مع البيئة ، وهنا في حالة التلاقح الثقافي بين الشرق والغرب نستنتج مبدأ ( إعادة الخلط الحضاري ) ، والذي سيكون العمود الفقري الأساس في إكمال بقية البحث ، وسنزيد التفصيل فيه لاحقاً .


الإطار الثقافي العام وتأثيره على المنهج العلمي

الحضارة الهيلينية ( جذور الحضارة اليونانية ) كانت حضارات ٍ مادية ( حسية) تمجد اللذة و الأنانية الفردية وتسير بالضد من القيم والأخلاق ، فيما حاولت فلسفة اليونان ولفترة طويلة من الزمن بمحاولة " تحديث " ثقافة المجتمع اليوناني بالقيم والأخلاق الشرقية ، فالشرق منبع القيم كان أكثر تطورا ً من الناحية الحضارية والإجتماعية في ذلك الوقت ،.(2)

لذا كانت الفلسفة ، التي تميز بها اليونان عن " حكمة" الشرق ، نتاجاً لهذا " التحديث الحضاري الثقافي عبر التاريخ ، وليس من الصدفة أن نجد في مقابل هذه الصورة ، صورة قيام الشرق اليوم بمحاولة ( تحديث ) ثقافته الإجتماعية و حضارته العصرية بمفاهيم حضارية مستوردة من الغرب ، لكن ، ليست هذه مفاهيما ً وقيما ً أخلاقية وإنما أنماط الثقافة والحياة العصرية التي تسير بإتجاه تذويب هذه القيم التي تتعلق غالبيتها بالترابط الإجتماعي للشرق والقيم المتكونة نتيجة تأصيل هذا الترابط ، وتنزع إلى تمجيد الفردانية و " الحسية " والتي تندرج ضمن مفهوم براق ٍ يخلب الروح والعقول بإسم : الليبرالية .. وترجمته " التحررية " .. !

حقيقة ً ، نحن أمام ظاهرة ٍ فريدة ٍ تتجلى عبر حركة التأريخ ، ومن خلال هذه الدراسة سنجد إن الثقافة الكونية عبر العصور ، وطيلة السبعة آلاف سنة ٍ الماضية ، عبارة عن ذبذبة بين قطبين ، وهو مالم يتطرق له المفكرون والفلاسفة من قبل ، وربما تنفرد به هذه الدراسة دون سواها ، فالوعي الجمعي للجنس البشري عبر التاريخ يتناوب الميول بين قطبين :

• قطب الثقافة القيمية الجمعية الأخلاقية ( الروحية) ...... وتضرب جذوره الأول في سومر .
• قطب الثقافة الحسية الغريزية ( المادية) ...................وتضرب جذوره الأول في الحقب ما قبل التأريخ .

هذه الأقطاب ، وكما سنرى في سياق البحث تتمايز وتتطور ، فالقطب الأول في الظهور زمانياً هو قطب الحسية والذي أنجب مفهوم ( الليبرالية ) أخيراً ، فالولايات المتحدة وأوربا تمثلان اليوم كمجتمعات قطب الحسية والنزعة المتفردة التفكيكية في الوعي الجمعي البشري ، في حين إن القطب المتأخر في الإنبثاق زمانيا ً هو الثاني " الجمعي " الأخلاقي القيمي ، وهو في الحقيقة الأول " تأريخيا" حيث بدأ به التأريخ المكتوب ، وكما يقول المؤرخ صموئيل نوح جريمر : التأريخ يبدأ بسومر ، هذا القطب هو الأساس الذي بني على نسقه مفهوم " الحضارة " ، لذا ، وعبر صفحات البحث سيلاحظ القارئ إننا نعتبر قطب القيمية هو الأول ، هذه القيمية التي أكدت دور الجماعة في حياة الفرد تطورت عنها ( الكلانية) كنظير للفردانية ، في حين ليس لديها مفهوم عصري مقابل للتحررية (الليبرالية) حاليا ً على درجة عالية من الوضوح سوى ( الباطنية ) ، لكننا سنحاول في ذلك آخر مطاف البحث من أن ننحت مصطلحاً خاصا ً ملائما ً نسلم به كفمهوم تاريخي طبيعي تنتجه باطنية الوعي الجمعي في الشرق .
حقيقة ً ، إن البحث العلمي الحديث ، والمعرفة الحديثة بصورة عامة كمنهاج معرفي وثقافي ، إنما هو نابع من " قطب " الحسية الغربية ، فالمناهج البيكونية و الديكارتية وما تلاها صيغت ْ في الغرب ، لذا ، فمن الطبيعي أن تؤتي ثمارها في المجتمعات الفردانية الغربية أكثر من سواها ، بسبب التوائم مع النسق الإجتماعي للتفكير والسلوك ، ومن الطبيعي أيضاً أن تكون المجتمعات ذات النسق الفكري المغاير " عقيمة " عن إنتاج المبدعين بصورة كبيرة عدا بعض الإستثناءآت التي لا تكاد تذكر ، كأحمد زويل مثلاً والذي لا أسمي تصويره للتفاعل الكيمائي إبداعا ً أو مكتشف جسيم " التاو" الياباني ، وعمله بكشف هذا النيوترينو الفائق السرعة لا اسميه إبداع ٌ أيضا ً ، الإبداع حينما نذكره نعني : أرسطو طاليس ، إسحق نيوتن ، لايبنتز ، سبينوزا ، غاليلو ، ديكارت ، بيكن ، إينشتاين ، ماركس ، آدم سميث ، هيجل ، وغيرهم الكثير ممن عبدوا ســــلم المعرفة بالجماجم .
وكي لا نطيل الكلام نقول ، إن الأمة الإسلامية ولكي تعود مثمرة بالعلماء والفلاسفة كسابق عهدها التليد ، لا بد وان نبني لها مناهج معرفية علمية " تختلف " عن الإطار المعرفي الحسي الحديث وتنطلق من إطارها الحضاري القيمي ( الباطني ) ، وها نحن نبدأ الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل ٍ هذه ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت ُ وإليه أنيب ..~

الهوامش :

(1) أنظر مقال بشير مفتي ((العرب والفلسفة / أو إشكال الإبداع الفلسفي)) في موقع دروب على الرابط : http://www.doroob.com/?author=577
إذ يقول في مقاله عن الموضوع :
(( لا يستطيع ألمع المفكرين العرب اليوم أن يطلقوا علي أنفسهم تسمية فلاسفة، وهم في غالب الأحيان يتجنبون ذلك، بالرغم من أنهم يحاولون موضعة أنفسهم في سياق الفلسفة العربية المعاصرة، ويسعون لمماثلة مشاريعهم مع أطروحات فلاسفة غربيين كبار، فمحمد أركون مثلا في مشروعه لنقد العقل الديني، أو محمد عابد الجابري يتماثلون في عملهم مع ما قام به إيمانويل كانط في نقد العقل الخالص، وعبد الله العروي في فكره التاريخي مع ما قدمه هيغل بشكل خاص، وحسن حنفي مع فينومونولوجية هوسرل بصورة محايثة، أي أنهم يماثلون فلاسفة غربيين لكنهم لا يتجرأون علي الادعاء بأنهم فلاسفة فهم يعتبرون أنفسهم باحثين في الفلسفة، أو مفكرين كما يطلق عليهم ذلك في أدبيات الفكر العربي، وأظن أن السبب يعود بشكل خاص، إلي أن أدواتهم المنهجية والإجرائية هي أدوات الفلسفة الغربية، وأن المفاهيم التي يشتغلون عليها هي من إبداع العقل الفلسفي الغربي، وبالتالي هم أيضا يطبقون هذه المنهجيات المستوردة .))
(2) ينقل يوسف كرم في كتابه إن اليونان الأوائل " قبل أرسطو" وكما يتضح من أشعار هوميروس وغيره من الشعراء و السوفسطائيين كانوا يعتقدون إن الفضائل ليست خيارات فردية وإنما هي " منح" تمنحها الآلهة ، أي التسليم بقدرية السلوك المبتعد عن القيم والخلق ، لذا كان العصر حسيا ً لا أخلاقياً ، أنظر : تاريخ الفلسفة اليونانية ، يوسف كرم ، مطبعة لجنة التأليف في كلية الآداب في الجامعة المصرية ، القاهرة(1936) ، ص 4 .



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظرية ُ الإسلامية ِ...سوء ُ تطبيق ٍ ..أم سوءُ تخطيطٍ رباني ...
- المجتمع كما رآه الرسول محمد....العلاقة بين الديمقراطية والعل ...
- صراع الحضارات ، حوار الحضارات، مستقبل الحضارات، هذا العالم.. ...
- الدخول إلى فضاءات النفس الداخلية وفق الطريقة البابلية
- محاكمة صدام....ام محاكمة التاريخ ؟ للمرادي والبعثيين الجدد ب ...
- مرثية ُ بغدادَ لبابل
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- في الطريق الى عقيدة ليبرالية عربية ج1
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- الديمقراطية والحداثة في العالم العربي
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- بابلٌ تتحدث...فلتنصتي لها يا صحراء
- سيد الارض المعظم..ليتقدس اسمك..ليات ملكوتك على الارض ايها ال ...
- حقيقة الدين بين الوحي والفطرة
- الدخول الى فضاء العقل الكوني
- سفينة ٌ تبحث عن مرفأ
- الإعلام العربي.....بين مصداقية الشرف المهني...وطوفان العولمة ...
- نظام اسلامي في العراق.....محطة لابد من المرور عليها


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - المعرفة ُ في الشرق ....... هل لها مستقبل ؟ ((1))