أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعدون محسن ضمد - الروزخون














المزيد.....

الروزخون


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 2080 - 2007 / 10 / 26 - 05:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في كتاب موسى والتوحيد لفرويد، يتجلى أمامنا نمط رائع من المثقفين (غير المنتمين)، ففرويد يفكك في الكتاب ركائز موروثه الديني، من أجل الوصول للحقائق التاريخية المتعلقة بهذا الدين وخاصَّة تلك التي تتعلق بشخصية موسى.
والمثير للاستغراب هو قفز هذا المثقف، بخفة بالغة، على مسلمات عقيدته، متجاوزاً تأثيراتها العاطفية. الأمر الذي مكنه من قراءة الموروث الذي ينتمي إليه قراءة فاحصة ودقيقة. المفاجأة المهمة التي يتضمنها الكتاب لم تكن فقط الخروج بموسى من جنسيته اليهودية إلى جنسيته المصرية، بل الربطة بين قصة إنتشاله من النهر، وبين التكرار غير المفهوم لعملية انتشال أبطال الأمم السالفة من الماء في الكثير من الأساطير، حتى أن فرويد يستشهد بنص يتحدث فيه الملك سرجون الأكدي عن نفسه قائلاً: "أنا سرجون الملك القوي... كانت أمي من عذارى الهيكل. لم أعرف أبي، بينما لبث أخو أبي في الجبل. وفي مدينة آزو بيراني، على ضفاف الفرات، حبلت أمي بي. ولدتني سراً، ووضعتني في سلة من الأسل وسدت فتحاتها بالجلبان وتركتني للتيار حيث لم أغرق. وحملني التيار حتى أكي، غراف الماء.. وانتشلني آكي، غراف الماء، الطيب القلب، ورباني آكي [...] وكأنني أبنه [....] وصرت بستاني آكي، وحين كنت بستانياً مال قلب عشتار إليّ فأصبحت ملكاً وحكمت طوال خمسة وأربعين عاماً". فرويد يعتبر أن تكرر هذه الأسطورة قبل التوارة بزمن طويل، مبرر كاف للشك بصحة القصة التي ينقلها الكتاب المقدس عن حياة موسى، ومن هنا ينطلق باتجاه ترتيب المفردات التي تدلل على أن موسى مصري الأصل.
المهم في هذا الموضوع هو تجرد المثقف عن المسلمات القبلية التي ورثها عن مجتمعه، ليستطيع محاكمة التراث بمستوى معقول من الموضوعية. هذا التجرد مهم في التعاطي الفكري، وخاصة المتعلق بتراث المثقف وطائفته وآيديولوجيته. فهنا المعالجة الفكرية تشبه لحد بعيد جلسة المحاكمة، في حاجتها لقاض يتبرأ من كل التأثيرات الجانبية التي تؤثر على قراره النهائي. كان يمكن لفرويد أن يتجنب الحديث عن العقيدة، وكان يمكن له أن يجامل أبناء جلدته بدراسة صغيرة ترضي حاجتهم للتأكيد على كونهم شعب الله المختار، لكنه تجنب ذلك إرضاء لمبادئه كمثقف.
طبعاً ليس هناك إنسان يستطيع أن يفكر بدون مسلمات قبلية. لكن تبقى درجة الوثوق بهذه المسلمات هي التي تميز مثقفاً عن آخر، فهناك فرق كبير بين من يؤمن بالدين وهو يعلم بأنه كموضوع للإدراك، لا يمكن التثبت من صحته علمياً، لكنه يصدق به منطلقاً من مقولة أن العلم لم يصل لجميع الحقائق. وبين من لا يميز بين الحقيقة العلمية والمسلمة الإيمانية. النوع الأول سيبقى قادراً على الاحتفاظ بإيمانه خارج جلسات المحاكم التي يعقدها للحكم على الآخرين. أما النوع الثاني فسيبقى يعاني من عدم انسجام في عمله العقلي، ما يدفعه لأن يستند في محاكمته للمختلف على مسلماته الذاتية غير العلمية. وهذا الخطأ هو الذي جر علينا مسلسلات القتل على الهوية.ليس هنالك مثقف يحترم نفسه وينطلق في نقده للمختلف من مسلماته هو. فهذه المسلمات ستشوه، بالضرورة، النتائج حتماً. على المثقف أن يجلس على عرش التفكير خاصته وليس فوقه شيء، كل الأفكار يجب أن تكون تحت (قدميه) وداخل مديات مراقبته وتأمله، حتى لا يتحول لدمية تحركها خيوط خفية.
قبل أيام شاهدت على شاشة الفضائية العراقية عميداً لاحدى كليات بغداد الإنسانية وهو يلقي محاضرة (دينية). ولا بأس طبعاً في أن يكون العميد متديناً، أو يتكلم عن الدين. لكن البأس كل البأس في أن يقفز من دوره باعتباره رجل دولة، إلى دوره باعتباره داعية لطائفة. بمعنى أنه يحاضر على الطريقة (الروزخونية). ففي هذه الحالة يرتدي العميد أو (رجل الدولة) أسمال الطائفة. قبل ذلك تصدى لمثل هذه الفعالية وزير أو وزيران، وقبلها رئيس حزب، إلى أن بدأت تتحول روزخونية (المثقف) لظاهرة عراقية بامتياز، مع ذلك تبقى ممارسة عميد الكلية تحديداً، لهذه الفعالية بمثابة ضربة قاضية للمثقف العراقي. فساعة البث التي استهلكها من وقت القناة ووقت المشاهد، كان لها أن تكون أكثر جدوى لو أنه استغلها بمجال اختصاصه، وزود المشاهد برؤية أكثر إغناء وفائدة، لكنه فضل على ذلك دور (الروزخون) وأعاد على مسامعنا قصصاً حفظناها عن ظهر قلب.
لست بمعرض المقارنة بين فرويد والسيد العميد، ولا بمعرض التذكير بمنجز يقدمه عميد كلية كطه حسين باعتباره مثقفاً لا ينتمي إلا لمبادئ البحث العلمي، وبين منجز يقدمه آخر باعتباره (روزخون). لكنني أريد التأكيد على أن الهياج الطائفي الذي يعربد بالبلد والمصير، لا يمكن التصدي له من خلال اللهاث وراء أسمال الطائفية البالية. كما أن البناء المؤسساتي مهدد بالفشل الذريع عندما يتصدى لقيادته أصحاب الآفاق الضيقة ومديات الرؤية المحدودة. هناك فرق بين رجل الطائفة (الروزخون) وبين رجل الدولة. فرجل الطائفة مكلف بالدعوة لطائفته، ومن حقه أن يفعل ذلك، خاصّة وأنه يعيش على هذا العمل. أما رجل الدولة، فهو الذي يتولى إدارة مؤسسة هي من حق جميع أطياف الشعب. وعليه يجب أن يمثل الجميع.
في النهاية لا بد من الإشارة لفارق مهم بين طرفي المعادلة، وهو أن الروزخون يأخذ أجوره من الطائفة، ويدعو للطائفة، أما رجل الدولة (الروزخون) فيأخذ أجوره من جميع الطوائف ويدعو لطائفة بعينها. الأول منسجم مع ذاته والآخر متناقض ولص.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة عن الموت.. بكاء المقبرة الموحش
- وطن بلا اسيجة.. تفكيك مفهوم الوطن وتشريح عمقه الدلالي
- الثقافة العار
- حاجات الجسد أطهر من حاجات الروح
- قلق الأديان... العودة بالدين لمربع الحاجات البشرية
- الكتابة عن الموت... الموت يركب خيوله
- الكتابة عن الموت.. الحنين إلى الرحم الأول والملاذ الأخير
- الكتابة عن الموت... تداعيات ما قبل الشروع بالنهاية
- تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتميز والاقصاء (2-2)
- تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتمييز والاقصاء (1-2)
- عقلية المواجهة... قراءة في كتاب (امبراطورية العقل الأميركي) ...
- قرية العراق.. الحاجة للانثروبولوجيا السياسية
- العائد مع الذات
- مرض الزعامة
- سرد الشياطين
- العودة إلى القرية
- الواقع الافتراضي.. الانترنت بوابة العالم الخيالي الجديد
- محكمة الاطفال
- حصاد السنين
- وحده الحيوان لم يتغير


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعدون محسن ضمد - الروزخون