بلاكووتر.. بيزنس الموت الأمريكي في العراق

نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 2067 - 2007 / 10 / 13 - 12:01
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    

يوم العاشر من سبتمبر للعام 2001 وقف دونالد رامسفيلد على منصة البنتاجون وأعلن أن العدو الذي تواجهه الولايات المتحدة اليوم يمزق دفاعات الولايات المتحدة ويضع حياة الرجال والنساء في خطر مطرد. لم يكن رامسفيلد يتحدث عن دولة من دول العالم العالم الثالث أو العالم العربي أو الإسلامي، بل على العكس، كان ذلك العدو موجودا في قلب الولايات المتحدة. حدد بسرعة العدو الذي يتحدث عنه باعتباره بيروقراطية البنتاجون. أعلن رامسفيلد عن مبادرة لتنظيم استخدام القطاع الخاص في شن حروب أمريكا. وأضاف: "لا رغبة لي في الهجوم على البنتاجون، أريد أن أحرره، علينا أن ننقذه من نفسه."
لم يكن هذا هو المشهد الذي يفتتح فقط كتاب "المرتزقة قادمون. بلاكووتر. كبرى شركات تصدير فرق الموت"، لجيرمي سكيل والذي ترجمه كل من د. فاطمة نصر وحسام إبراهيم وصدر عن إصدارات سطور مؤخرا. كان أيضا تاريخا يفتتح عصرا أمريكيا جديدا، عصر يتحول فيه القتل إلى سلعة رائحة بأيدي شركات مخصخصة تماما، في اليوم التالي ستحدث هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وسيتحول هذا الحدث إلى ذريعة لتوسيع نطاق عمل هذه الشركات إلى مدى لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم. لم تكن صدفة إذن إنه في اليوم الأخير لتولي رامسفيلد منصبه كوزير للدفاع، كانت نسبة الجنود النظاميين الأمريكيين مقارنة بالمقاولين الخاصين قد أوشكت على أن تصبح واحدا إلى واحد.
كان طموح رامسفيلد لجعل الشركات والمؤسسات الخاصة قادرة على إدارة عملية تشبه عمليات الجيش، يتزامن مع نمو وئيد لشركة أمن خاصة باسم بلاكووتر. كان إريك برينس، القادم من خلفية مسيحية صهيونية شديدة التعصب، قد تولى إنشاءها من وحي أفكار آل كلارك، الذي كان هو المهندس الحقيقي لما سيصبح أكبر شركة أمن خاصة في الولايات المتحدة على مدار السنوات القادمة. جاهدت الشركة في البداية لإقناع لجنة التخطيط بإقليم كاريكتاك بأن تعمل هناك، قوبلت الموافقة على الطلب بمصاعب في عهد كلينتون، مع معارضة محلية لا يستهان بها، كانت الصيغة تتطلب ميدان رماية واسعا، ولكن إدارة كلينتون، التي لم تكن مهووسة بالإرهاب مثل الإدارة التي تلتها، اشترطت إجراءات أمنية بعينها للموافقة.
هكذا افتتحت الشركة، والتي استوحى من المياه السوداء للمستنقعات الكئيبة العظمى الممتدة من جنوب شرق فيرجينيا إلى شمال شرق كارولينا الشمالية القريبة من الموقع، رسميا في مايو 1998. استمرت في القيام ببيزنس في تدريب العملاء الحكوميين على استخدام السلاح بدءا من المسدسات وحتى المدافع الآلية، كما عملت على تأجير المرفق لفرق السيلز لكي يتدربوا هناك، غير أن أولى خطواتها الحقيقية كانت بتوقيعها أول عقد مع إدارة الخدمات العامة، حيث أصبح بإمكانها التعاون مع الوكالات الفدرالية والحصول على عقود طويلة الأجل من جميع أجهزة الحكومة. بلغة قيمة العقد الأول لها مع إدارة الخدمات العامة عن السنوات الخمس الأول 125 ألف دولار فقط ولكنه في السنوات الخمس التالية تضخم إلى ستة ملايين دولار، كان هذا أمرا هينا بالمقارنة بما يمكن جنيه في ظل التعاقد معها، مع عام 2006 كانت بلاكووتر قد تلقت 111 مليون دولار في ظل هذا التعاقد.
جوائز متوالية القيمة تلقتها بلاكووتر، والتي وإن لم تكن تخلق الحروب، إلا أنها بالتأكيد كانت الأكثر استفادة منها، مثلا تم توقيع عقد مع البحرية الأمريكية بمبلغ 35،7 مليون دولار بعد تدمير المدمرة كول في ميناء عدن عام 2000، غير أن الجائزة الكبرى، كما يصفها الكتاب، كانت بكل تأكيد هي أحداث 11 سبتمبر 2001.
عبر صاحب الشركة إيريك برينس عن قيمة الجائزة في قناة فوكس بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر بأسبوعين: "لقد ظللت أعمل في بيزنس التدريب لمدة أربع سنوات، وكنت قد بدأت أتشكك في مدى إدراك الناس لأهمية الأمن. والآن لا يتوقف رنين التليفون." في هذا الشهر وقعت بلاكووتر عقودا مع الإف بي إي قيمتها 610 ألف دولار على الأقل، وسرعان ما كانت تقوم بتدريب العاملين في جميع أجنحة الحكومة، بدءا من مركز الخدمات الإدارية للأمن لنووي القومي التابع لوزارة الطاقة وحتى شبكة مكافحة الجرائم المالية بوزارة الخزانة إلى مكتب مساعد وزير وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.
في عام 2002 اقتحمت بلاكووتر عالم الجنود المعروضين للإيجار حيث تم إنشاء "بلاكووتر للاستشارات الأمنية". هذه المرة كانت الرؤية من بنات أفكار جيمي سميث، وهو العامل السابق بالسي أي إيه. مع شريك آخر: لعب الدور الرئيسي في تسليم هذا العقد الأول لبلاكووتر، أثناء احتلال الولايات المتحدة لأفغانستان وتخطيطها لغزو العراق، إي. بي. كرونجارد، المدير التنفيذي للسي أي إيه، كانت قيمة العقد 5.4 مليون دولار لمدة ستة أشهر وبدون طرح مناقصة، لتزويد موقع السي أي إيه بكابول بعشرين من حراس الأمن.
في أثناء كل هذا لم تكن الولايات المتحدة قد دخلت العراق بعد، وبالتالي فلم تتشكل بعد الفرصة الذهبية للشركة التي أصبحت ذات علاقات أخطبوطية في الولايات المتحدة. بعد ذلك بأشهر، حانت اللحظة المواتية، كانت أهم الفرص التي حصلت عليها بلاكووتر على الإطلاق بعد دخول الولايات المتحدة إلى العراق، هي حماية بول بريمر، الشخصية التي يكرهها الجميع في العراق، والذي وصل 12 مايو 2003 إلى بغداد وانتقل ليحتل قصر صدام الجمهوري على ضفاف دجلة.
الحارس الإمبراطوري للعراق
الفوضى التي سادت العراق مع قرار بريمر بحل الجيش العراقي وإلقاء أكثر من 350 ألف ضابط ومجند في الشارع، وبالتالي خلق نواة لجيش غير نظامي من المجندين العراقيين السابقين ولرجال محملين بالكراهية ضد الاحتلال، هذه الفوضى سرعان ما تحولت إلى نجاح مالي لبلاكووتر. في 28 أغسطس 2003 فازت بلاكووتر بعقد قيمته 27،7 مليون دولار، دونما مناقصة، كي تكون المصدر الوحيد لتوفير ضباط مهمات خاصة وطائرتين شراعيتين لتأمين الحراسة الشخصية لبول بريمر. هكذا أصبح منوطا بالمقاول الخاص المسلح الإبقاء على حياة بريمر، وهي أكثر المهمات حساسية في العراق آنذاك. رفع عقد بريمر مكانة بلاكووتر إلى ما هو بمثابة "الحارس الإمبراطوري" في الحرب ضد الإرهاب. وفي غضون وقت بسيط فازت بلاكووتر بعقد هائل مع وزارة الخارجية لتوفير الأمن لكثير من مسئولي الولايات المتحدة بالعراق، بجانب بريمر.
في ديسمبر 2003 تعرضت هذه المهمة لانتكاسة خطيرة، حينما تعرض موكب بريمر لأول هجمة مقاومة تمكنت من تحطيم زجاج النافذة الجانبية لعربته. أخفى مكتبه عمدا أخبار الهجوم ولمدة أسبوعين، وعندما بدأ الحدث ينكشف تم الانتقاص من شأنه، بل إن المتحدث باسم بريمر، دان سنور، أثنى على بلاكووتر قائلا: "لدى السفير برمر قوات أمن على قدر عال من الدقة، قوات شاملة، وآليات جاهزة لدى أي تحرك، ولدينا ثقة كبيرة في العاملين بتلك القوات، وفي الآليات. وفي تلك الحالة المحددة المشار إليها فقد نجحوا."
لم تكن قوات بلاكووتر هي اللاعب الوحيد بجانب الجيش في العراق في تلك الآونة. في نوفمبر 2003 كانت الولايات المتحدة تخبر الشركات التي تريد القيام ببيزنس بالعراق بوضوح أن عليها إحضار قوات أمنها المسلحة الخاصة إلى البلد. كذلك شاركت عناصر كثيرة من الجنود في العمليات وطالبوا بأجور أقل من زملائهم الشركاتيين، وكان من بينهم قوات الأبارتهايد جنوب الأفريقية السابقة الذين دخلوا إلى العراق مع خرقهم قوانين جنوب أفريقية الحالية التي تحظر العمل كمرتزقة. ليس هذا فقط، في مرحلة تالية كذلك سيصبح جنود شيليين اندمجوا في نظام بينوشيه السابق من أكثر اللاعبين تورطا في العمليات الأمنية بالعراق.
دور هؤلاء الجنود غير النظاميين بالعراق مرعب وسري وغامض. يقول مؤلف الكتاب: "ويظل ما فعلته تلك القوات بالعراق، وأعداد الذين قامت بقتلهم، وعدد الموتى والجرحى منهم أسئلة دونما إجابة لأن أحدا لا يشرف على أنشطتهم بالبلد. وحتى كتابة هذا، لم يدن مقاول عسكري أمريكي واحد عن الجرائم التي ارتكبت بالعراق. إلا أن القصص تتسرب إلى خارج العراق، أحيانا من خلال تبجحات المقاولين أنفسهم، مثلا، تباهى مقاول من بلاكووتر بستخدامه ذخائر غير معيارية لقتل أحد العراقيين".
الطلقات المشار إليها تسمى APLP وهي تخترق الفولاذ والأهداف الصلبة لكنها لا تمر من جذع الإنسان. تحدث المهاجم بن توماس، أحد مقاولي بلاكووتر، والذي قام بإطلاق إحدى الطلقات على مهاجم عراقي وأصابه في عجزه، عن تجربته قائلا: "دخلت عجزه ودمرت كل شيء في الجزء الأيسر من أحشائه.. كل شيء تمزق إربا... ما حدث كان مثل تفجير ذخيرة متفجرة صغيرة داخل شخص. لم يصدق أحد أن الرجدل مات من طلقة في عجزه."

في النجف والفلوجة

لولا عملية الفلوجة ربما ما كانت لتصبح شركة بلاكووتر بالشهرة التي أضحت عليها. مقاومون عراقيون يقتلون أربعة مدنيين أمريكيين ويمثلون بجثثهم فيما أصبح الذريعة الأساسية لحصار قادته الولايات المتحدة على الفلوجة بعدها، هذه هي القصة المعتمدة لحصار الفلوجة. ولكنها لم تكن حقيقية بالكامل، ولم يكن هؤلاء الأمريكيون مدنيين، وإنما كانوا ببساطة مقاولين يعملون لحساب شركة بلاكووتر. بدأ المراسلون يتساءلون عمن كان هؤلاء المقاولون الأربعة وماذا كانوا يفعلون في وسط الفلوجة. سئل دان سنور، المتحدث باسم جيش الاحتلال، على شاشة سي إن إن: "مع كل الاحترام الواجب لكل من فقدوا حياتهم، هل ثمة قلق ألا تكون تلك الشركة أهلا للمهمة؟"، فأجاب بعنف: "إطلاقا. لدينا أقصى درجات الثقة في بلاكووتر ومؤسسات الأمن الأخرى التي تحرس مستر برمر وتوفر الأمن في أرجاء البلاد."
ومثل سائر الأحداث الأخرى، استغلت بلاكووتر الحدث لتصعيد أسهمها، بعد أسبوعين من أحداث القتل بالفلوجة، أعلنت الشركة الأمريكية عن خططها لإقامة منشأة هائلة جديدة – مبنى إداري مساحته خمسة وعشرون ألف قدم مربع – على الأرض المملوكة لها في مويوك. بلغت مساحة المشروع النهائي أربعة وستين ألف قدم، أي ما يربو على ضعف مساحة المشروع الأصلي. كان هذا تطورا كبيرا بالنمسبة لبلاكووتر التي كان قد رفض السماح لها بإقامة المشروع لمدة ست سنوات بسبب معارضة الحكومة المحلية.
يظهر مقتدى الصدر، ويبدأ حصار آخر لمدينة النجف الشيعية. يظهر فيلم فيديو تم التقاطه من على سطح مقر سلطة التحالف المؤقتة بالنجف. طائرات بلاكووتر وهي تسقط الإمدادات. تظهر في الفيلم تفاصيل من العنف غير المسبوق ضد العراقيين. هكذا، بعد تورط بلاكووتر في الفلوجة والنجف، يحتدم الجدل في أمريكا حول الاستخدام المتزايد للمقاولين الخاصين. وفي افتتاحية بدون توقيع، تشير النيويورك تايمز لكمين الفلوجة كدليل على "اعتماد أمريكا المقلق على القتلة المأجورين"، وإلى قتال النجف كدلالة على أن البنتاجون يبدو وكأنه يتعاقد من الخارج لإيكال جزء على الأقل من مسئولياته الرئيسية للسيطرة على العراق إلى متعاقدين بدلا من مواجهة احتياجاته لمزيد من الجنود."
وفي أعقاب الفلوجة والنجف يكتب روبرت فيسك من بغداد يقول: "ظلت سلطة المرتزقة وقوتهم تتنامى. إن فتوات بلاكووتر يدفعون ويلكمون العراقيين الذين يتلقونهم في طريقهم. غادر صحفيون أكراد، مرتين، مؤتمرا صحفيا لبرمر نظرا لسوء معاملتهم على أيدي هؤلاء. ينشط في بغداد غربيون يلتحفون العتاد، يصيحون في العراقين في الشوارع وينتهكونهم، ويشربون حتى الثمالة في فنادق المدينة ذات الحراسة الضعيفة أصبحوا بالنسبة للعراقيين صورة لكل ما هو خطأ ومعيب في الغرب. يحلو لنا أن نسميهم "مقاولين"، لكن التقارير المقلقة تتزايد بكثرة حول أعمال القتل بإطلاق النيران التي يمارسها المرتزقة ضد العراقيين الأبرياء بحصانة تامة."

حصانة بلا نهاية
وبرغم كل هذا فقد كان الوضع القانوني لبلاكووتر مريحا للغاية، كان من بين آخر إجراءات برمر الرسمية قبيل مغادرته للعراق سرا في 28 يونيو 2004 هي إصدارمرسوم يمنح بمقتضاه بلاكووتر والمقاولون الآخرون الحصانة التامة ضد المحاكمة على أية جرائم حرب ترتكب بالعراق.
تم اختبار هذه الحصانة في الفلوجة. قررت عائلات القتلى رفع قضية على الشركة الأمريكية . وفي دفاعها لرفض الدعوة في محكمة فدرالية ذكرت بلاكووتر أن عائلات الرجال الأربعة القتلة في الفلوجة يحق لها فحسب التمتع بمدفوعات التأمينات الحكومية.. كانت الشركة قد تحركت بسرعة لمساعدة هذه العائلات في إجراءات الحصول على مزايا مقررة في القانون الأساسي للدفاع الفدرالي والانتفاع بتأمينات حكومية تشمل بعض المتعاقدين الذين يعملون في خدمات عسكرية أمريكية. طلبت بلاكووتر من القضاء إقرار أن القانون الأساسي للدفاع الفدرالي هو المصدر الوحيد لتعويضات الرجال الذين قتلوا في الفلوجة.. وبمقتضى هذا القانون فإن الحد الأقصى من المزايا المتاحة لكل عائلة من عائلات القتلة من المقاولين لا يزيد عن مبلغ قدره أربعة ألاف و123 دولار و12 سنتا شهريا. كما استشهدت الشركة بما ورد في المرسوم رقم 17 لبول برمر والذي منح حصانة رسميا للشركات المتعاقدة في العراق. وتمسك محامو الشركة بأن السماح باستمرار الدعوى ضد بلاكووتر ينطوي على خطر تهديد القدرات القتالية للأمة في الحرب."!
هكذا لم تنته القضية بشيء يذكر، ولكن، وبخلاف حادث الفلوجة، كان في تحطم طائرة بلاكووتر 61 في أفغانستان يوم السابع والعشرين من نوفمبر 2004 ثمة أوراق رسمية يمكن الرجوع إليها لمقاضاة الشركة بتهمة التسبب في القتل الخطأ. كان الطيارون غير مؤهلين وغير مدربين بما فيه الكفاية كما أظهر ذلك الصندوق الأسود للطائرة، وعندما تم الدفع بحصانة الشركة أمام القانون دحض القاضي الدفاع قائلا أن المدعى عليهم ليسوا مخولين بالحصانة لأنهم من الكيانات التجارية الخاصة.. وأضاف: "المدعى عليهم دخلوا في التعاقد كجهة تجارية تسعى للربح وتقدم خدمات مدفوعة الثمن.. وببساطة لا يمكن القول أن الخدمة التي تقدمها في جبال أفغانستان أثناء نزاع مسلح يمكن أن تجعل المدعي عليهم أو العاملين معهم أعضاء في الجيش أو موظفين لدى الحكومة. وأشار القاضي إلى أنه حتى إذا أشار البنتاجون لمقاولين وشركات عسكرية خاصة باعتبارها جزءا من قوته الكلية فإن ذلك لن يغير من وضع بلاكووتر كشركة خاصة تسعى للربح ومسئولة عن أعمالها وتصرفاتها.

يحرسون القزوين أيضا

في بدايات 2004 ومع تصاعد خطاب الولايات المتحدة ضد إيران، عضو "محور الشر" تعاقد البنتاجون مع بلاكووتر بمقتضى مشروع "حارس قزوين" للانتشار في أذربيجان، إحدى أكبر مخازن البترول في العالم، حيث أنيط ببلاكووتر مهمة إنشاء وتدريب قوة أذرية نخبوية خاصة تتولى في النهاية حماية مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة معادية. أشار عقد الجيش الذي بلغت قيمته 2.5 مليون دولار ومدته سنة واحدة إلى أنه مفتوح للتنافس لكن بلاكووتر هي الشركة الوحيدة المسموح لها بتقديم عرض أسعار. ظلت طبيعة عمل بلاكووتر في أفغانستان غامضة. وفي وثائق البنتاجون لم يذكر سوى "مساعدات تدريبية" و"آليات تدريب تسلح. ورغم هذا فقد كان هناك أمر واحد واضح. قال تايلور من بلاكووتر: "طلب إلينا إنشاء فرقة سيلز في أذربيجان من أجل مساعدة البلد على حماية مصالحها النفطية بأذربيجان، وأيضا لرصد ما يحدث في منطقة بحر قزوين أثناء ساعات الليل الصغيرة. وتلك قضايا حساسة جدا جدا سياسية." هذا كان دافعا للصحفي شوروك لكي يقول: "مشروع بلاكووتر في أذربيجان دليل واضح على أن المقاولين قد عبروا الخط من موقعهم كمجرد مرتزقة ليصبحوا شركاء استراتيجيين في المجمع العسكري الصناعي."

تسليم المشبوهين لمصر
قضية أخرى يبدو أن بلاكووتر تورطت فيها بقوة وهي قضية تسليم المشبوهين. كانت حكومة كلينتون قد بدأت في إرسال مشبوهي الإرهاب لمصر حتى يمكن استجوابهم من جانب عناصر المخابرات بعيدا عن مظلة القانون الأمريكي والإجراءات القانونية الواجبة. ففي مطلع عام 2005 استأجرت بلاكووتر جاسوس السي أي إيه الذي يعتقد الكثيرون أنه كان مسئولا عن إطلاق برنامج بوش بعد 11 سبتمبر للإعادة والتسليم، جي كوفر بلاك، المدير السابق للسي آي إيه لمكافحة الإرهاب. وهكذا ففي 4 فبراير 2005 أعلنت بلاكووتر يو إس إيه رسميا أنها قد تعاقدت مع بلاك نائب لرئيس مجلس إدارة الشركة. تحركت بلاكووتر بسرعة لاستخدامه كعلامة تجارية في حد ذاته. في أغسطس 2005 سجل بلاك مؤسسته الاستشارية الخاصة "مجموعة بلاك" التي أعلن أنها ستتخصص في الحماية والأمن التنفيذيين، وسرعان ما بدأ في العمل كأب روحي بشكل ما لجماعة المرتزقة. وسرعان ما كان العملاء المحتملون لبلاكووتر يفترضون أنهم سيتمكنون بشكل مباشر من النهل من موارد عالم السي أي إيه والاستخبارات. كان بلاك صاحب إنجازات من الوزن الثقيل، كان قد استطاع الإمساك بالإرهابي الشهير كاروس، وهو ما على من أسهمه بشكل مبالغ فيه للغاية في علم الاستخبارات الأمريكية. وسرعان ما أصبح يتولى قيادة الدعاية لبلاكووتر كقوة حفظ سلام مخصخصة يمكنها الانتشار بسرعة فائقة في أماكن مثل دارفور أو بالداخل الأمريكي في عمليات أمن داخلي بالولايات المتحدة.


رجال بينوشيه في بلاكووتر
لم يكن خوزيه ميجويل بيزارو مجرد جندي شيلي معجب بنظام بينوشيه أنهى خدمته فعرض جهده على شركة الأسلحة جنرال ديناميكس وأصبح في منصب رئيس قطاع الشركة الخاص بأمريكا اللاتينية حيث كان مسئولا عن مبيعات قاذفات القنابل الأوتوماتيكية كما عمل كمعلق سياسي في السي إن إن. كانت اللحظة الحاسمة في حياته كانت عندما التقي بإريك برينس وعرض عليه تجنيد الجنود الشيليين للعمل في بلاكووتر. هنا ابتدأ تاريخه الحقيقي كأحد أهم رجال بلاكووتر في أمريكا اللاتينية. استطاع بيزارو تزويد الشركة بعشرات من الجنود الشيليين في كل مرة، ليكلفوا بواجبات حراسة ثابتة لمنشآت ومبان مثل مقر وزارة الخارجية، وسلطة التحالف المؤقتة. نشرت بعض القوات الشيلية فور وصولها العراق في السماوة لحماية مبان مثل المقر الإقليمي في الديوانية ومكاتب سلطات التحالف المؤقتة وتوجهت الدفعة الثانية مباشرة لفندق في مدينة الحلة تحول إلى مبنى للاحتلال كما تولت حراسة مقر سلطة التحالف المؤقتة في مدينة كربلاء المقدسة عند الشيعة.
ويذكر الصحفي لويس إي. في . نفير في تقرير على إثر وصول الشيليين للعراق أنه "حسب تقديرات صحف في شيلي فإن هناك نحو 37 شيليا في العراق من العسكريين المخضرمين من حقبة بينوشيه." وعلى الرغم من الجدل المتصاعد في شيلي حول تصدير "مرتزقة شيليين" لخوض الحرب، ومعارضة الغالبية العظمى من الشيليين – بما في ذلك الحكومة المنتخبة فإن الأمور سارت بسلاسة بالنسبة لبيزارو حتى أنه توقع في صحف شيلية أنه بحلول عام 2006 سيكون قد نشر ثلاثة ألاف شيلي في العراق.
الجنود الأردنيون أيضا متورطون في هذا العمل. فاعتبارا من شهر يوليو عام 2005 بدأت بلاكووتر كما يقول بيزارو في عملية إحلال جنود أردنيين من ذوي الأسعار الرخيصة محل الجنود الشيليين. كان هؤلاء الجنود كما يصفهم بيزارو "جنودا درجة ثالثة على وجه اليقين، لا يتحدثون الإنجليزية ولا يتمتعون بخبرات عسكرية يعتد بها.. إنهم مجرد مجندين أردنيين."

#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات