أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد البشيتي - مناقشة ل -الرأي الآخر- في مقالة -التسيير والتخيير في فتوى شيخين-















المزيد.....



مناقشة ل -الرأي الآخر- في مقالة -التسيير والتخيير في فتوى شيخين-


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2022 - 2007 / 8 / 29 - 11:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


رد منذر أبو هواش على مقالة "التسيير والتخيير في فتوى شيخين"
حين يقوم إبليس بتفسير القرآن الكريم!
يقول جواد البشيتي: ولكنَّ السؤال الذي لم يجبه الشيخان، ولن يتمكَّنا أبدا من إجابته، هو الآتي: "هل في مقدور هذا الإنسان، ومهما أوتي من حرِّية الاختيار، ومهما أنفق من وقت وجهد توصُّلا إلى الاختيار، أن يختار بما يتعارض مع ما كتبه الله له منذ الأزل؟". لقد كَتَبَ الله لي منذ الأزل أن أقوم بهذا العمل، فهل أستطيع أن أختار أنا "المخيَّر إلى أقصى حدود الاختيار والذي لي الاختيار كله" عملاً غير هذا الذي كتبه الله لي (وما تشاؤون إلا أنْ يشاء الله رب العالمين)؟!
إنَّ الإنسان لا يملك أبدا أن يختار إلا ما كتبه الله له منذ الأزل، فمشيئته محكومة دائما بمشيئة الله. وإنَّ من الضلال أن تسعى في إجابة مختلفة عن ذاك السؤال من خلال تمييز "عِلْم" الله من "إرادته"، أو "مشيئته"، كأنْ تقول إنَّ الله، ومنذ الأزل، يَعْلَم عِلْم اليقين أنَّكَ سترتكب هذا الشر؛ ولكنَّ ارتكابكَ له لم يكن من مشيئته أو إرادته، ولم يَفْرِض عليكَ ارتكابه فرضا؛ لأنَّ منطق "العِلْم الإلهي المُطْلَق" لا يسمح لكَ أبداً بأن تأتي بعمل لم يَعْلَمَهُ الله منذ الأزل، فالله يَعْلَم، ويريد ما يَعْلَم، ويُنَفِّذ (ولو عَبْر يديكَ) الأعمال التي شِئت، أو التي تتوهم أنَّكَ شئتها؛ لأنَّ مشيئتك محكومة بمشيئة الله. وفي كلمة جامعة مانعة أقول ليس بمؤمِن هذا الذي يؤمِن بـ "القضاء والقدر" فحسب، فإنَّ عليه، في الوقت نفسه، وفي القدر نفسه، أن يؤمِن بأنَّ "إرادته الحرَّة" جزء لا يتجزأ من نظام "القضاء والقدر" ذاته. أقول هذا من غير أن أؤمِن بما أدعو المؤمِن إلى الإيمان به!
الرد على إبليس ومقالته الإبليسية في التسيير والتخيير:
تعرفون إبليس إنه يأتيكم بصور عديدة من أجل أن يزين لكم ... لكنكم لم تشاهدوا إبليس على هذه الهيئة ... هيئة مفكر أو صحافي يتصدى لتفسير القرآن الكريم ... ويكتب المقالات حتى لتحسبون أنه قد أتاكم ليعلمكم أمر دينكم ...
أستغفر الله العظيم !!! ... أي مهزلة هذه ؟!!! ... إبليس يفسر القرآن الكريم !!! نعم ... لقد جرب كافة الوسائل ... فما بقي أمامه سوى تفسير ... عفوا ... تحريف القرآن الكريم ... ليلبس عليكم أمر دينكم ... تصوروا تفسيرا للقرآن الكريم يضاف إلى التفاسير الموجودة اسمه "تفسير إبليس" نعوذ بالله منه ومن همزاته ...
لقد شغلت باله مسألة التسيير والتخيير ... ووجدها وسيلة يشغل بها بال المؤمنين ... لذلك تراه كل فترة وفترة يعود إليها ... ليزين إليكم بأن التسيير في قوله تعالى - وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (التكوير 29) - يعني الغاء التخيير وعدم الحكمة بالتالي في مبدأ الثواب والعقاب الاسلامي ... فكيف يعاقب الإنسان على أمر سير إليه أو أكره عليه ...؟
تفسير الآية أنه لما نزلت - لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (التكوير 28) - قال أبو جهل: الأمر إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنـزل الله: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، أي أن الخيار ليس لكم إلا إن شاء الله، وأن مشيئة الله وإرادته فوق مشيئتكم وفوق إرادتكم. ولا يؤمن من أنكر أن التسيير والتخيير بيد الله، فلا يقول المؤمن إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله، ولأن الغيب علمه عند الله.
بتعبير آخر فإن التسيير والتخيير أمران مرتبطان بمشيئته سبحانه وتعالى فإن شاء سيّر وإن شاء خيّر، فالإنسان مسير في أمور ومخير في أمور بمشيئة الله، وهو يحاسب فقط على ما خير فيه لحكمة لا يعلمها إلا الله.
يقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأُخر مُتشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌّ من عند ربِّنا وما يذكر إلا أُولو الألباب * ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}
ويقول سبحانه وتعالى في سورة الأنعام:
(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) )
ويقول سبحانه وتعالى في سورة فصلت:
(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ( 44 ))
ويقول سبحانه وتعالى في الآية 146 من سورة الأعراف: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ)
لم يتوقف سيل الشبهات التي يثيرها المشككون من خصوم هذا الدين تشكيكا في مصادره أو في نبيه أو في مبادئه وتعاليمه. ولا تزال الشبهات القديمة تظهر حتى اليوم في أثواب جديدة يحاول مروجوها بسفسطتهم أن يضيفوا عليها طابعا علميا زائفا.
والسفسطة لفظة يونانية الأصول، وتعني استدلال أو استنتاج أو استنباط أو قياس وهمي وباطل وخاطئ بقصد المغالطة وتغيير الحقائق وإسكات الخصم، وقد كانت السفسطائية في اليونان تناقش في البدهيات والأوليات لإثبات أنها خاطئة ... وقد تحدث ابن سينا عن السفسطة (السوفسطائية) في كتابه "المنطق" ووصفها بالجدل الكاذب والمشاغبية، وقال أن السفسطائيين ليس لهم من غرض سوى التلبيس أو إظهار مقدرتهم على التلبيس، وقد ذكرها كذلك في كتابه "الإشارات والتنبيهات" واعتبرها مرادفة للجهل وللجهالة، بينما اعتبرها ابن حزم مرادفة للحمق وللحماقة. أما الجرجاني في كتابه "التعريفات" فقد اعتبرها مرادفة للمغالطة حين وصف المغالطة بكونها "مركبة من مقدمات شبيهة بالحق، ولا يكون حقًا، ويسمى سفسطة".
وتستخدم السفسطة أيضا من أجل التعبير عن النقاش أو الجدل العبثي أو غير المثمر كأن يقول أحدهم: كم من الملائكة يقفون على رأس الإبرة؟ أوأن يتساءل آخر: هل الملائكة ذكور أم إناث؟ ومن أسئلة السفسطائيين أيضا: من خلق الكون الله أم الصدفة؟ و: هل الإنسان مسير أم مخير؟
أما مسألة التسيير والتخيير هذه فهي من المسائل الإيمانية، لذلك فهي ليست مشكلة عويصة بالنسبة للمسلم المؤمن، ولا تشكل بالنسبة إليه أي تناقض أو أية معضلة كما قد يخيل إلى من يخوض أو يلحد في آيات الله المحكمات.
فالمسلم المؤمن ينظر إلى ماضيه ويقول: إن الإنسان مسير حقا وصدقا، آمنت وصدقت، فقد سيرني ربي، وكل ما أقوم به من الأفعال فإنه مكتوبٌ ومعلوم عنده عز وجل، وأنا لا أعلم ما كتب عند الله إلا بعد أن يقع، وأنا مأمور بالسعي إلى فعل الخير، وبالابتعاد عن فعل الشر. قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار) قالوا يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب قال (اعملوا). أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى)
ثم إن المسلم المؤمن ينظر إلى مستقبله ويقول: إن الإنسان مخير حقا وصدقا، آمنت وصدقت، فقد خيرني ربي، وأنا أفعل ما أفعل باختياري. قال تعالى (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفِ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون) وقال عز وجل (لمن شاء منكم أن يستقيم)، فلو لم يكن الإنسان مخيرا لفاتت الحكمة من الشرائع، ولكان تعذيب الإنسان على معصيته ظلماً، والله عز وجل منزهٌ عن الظلم بلا شك.
إن الإنسان مسيرٌ مخير، مخير له الاختيار فيما يفعل ويذر، لكن هذا الذي اختاره أمرٌ مكتوبٌ عند الله وهو لا يعلم ما كتبه الله عليه إلا بعد أن يقع، فيعرف أن هذا مكتوب، وإذا ترك الشيء علم أنه ليس بمكتوب.
أن القرآن الكريم يعطي من أطيب الثمار لمن أراد على مر العصور والأزمان، والقرآن الكريم لا يمسه، ولا يجد طعمه، ولا يقف على مراده إلا المطهرون الذين طهرت قلوبهم، ورضوا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا. أما الملحدين في آياته فقد تعطلت عقولهم عن فهم المراد الرباني، وتبلدت أحاسيسهم عن الشعور به، وعجزت أسماعهم عن إدراكه، وعميت أبصارهم عن رؤيته.
والله أكبر ...
منذر أبو هواش

رد جواد البشيتي على منذر أبو هواش
الأستاذ منذر
تحية
ليس لكل عبارة معنى ولو كانت سليمة المبنى، فهل من معنى لعبارة "أكلتُ ماءً مُثَلَّثاً"، على سلامة مبناها؟!
أمَّا عبارة "جاع أبو هواش فأكلَ"، السليمة المبنى هي أيضا، فلها معنى في منتهى الوضوح ولا يحتاج إلى تفسير أو تأويل.
والآية القرآنية "لم يَلِد ولَم يُوْلَد.." هي أيضا عبارة لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل، فالله ليس كالبشر.. إنَّه لا يَلِد (ليس له وَلَد) ولا يُوْلَد (ليس له أبٌ وأُم).
وإنَّ كل الآيات القرآنية تستطيع فهمها على خير وجه إذا ما كانت "الموضوعية" طريقتكَ في القراءة والفهم، فلا تدس في كلماتها وعباراتها ما تحتاج إليه أنتَ من المعاني، ولا تلجأ إلى التدليس اللغوي، كأن ترى في عبارة "مثقال ذرَّة" المعنى الفيزيائي لـ "الذرَّة" Atom.
فهم القرآن لا يحتاج إلى أولئكَ "العباقرة" الذين تتوهَّمون أنَّهم راسخون في العِلْم.
أنا لَمْ أَسْعَ في "إلغاء التخيير" حتى تتهمني بأنني أريد أن أُظْهِر "الثواب والعقاب" الإلهيين على أنَّهما مُفْتَقِران إلى "العدالة"، التي هي من صفات الذات الإلهية، فكل ما قُمْتُ به لا يتعدى استنطاق النص الديني (القرآني) ذاته, وأنتَ يكفي أن تَدَع هذا النص يَشْرَح لكَ، من غير معونة "الشُرَّاح"، معانيه ومراميه حتى لا يبقى لديكَ من شكٍّ في أنَّ الإنسان، في صورته الدينية، كالنهر لا يملك القدرة على تغيير مجراه.
لقد قُلْتَ إنَّ أبا جهل قال إذ قرأ الآية "لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ": الأمر إلينا، إنْ شئنا استقمنا، وإنْ شئنا لم نستقم. وأنتَ الذي قُلْت في تفسيركَ للآية "وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ": إنَّ الخيار ليس لكم (ليس لكَ يا أبا جهل) إلا إنْ شاء الله، وإنَّ مشيئة الله وإرادته فوق مشيئتكم، وفوق إرادتكم.
كل ما أدعوكَ إليه هو أن تَفْهَم معنى قولكَ أنتَ، وليس معنى قولي أنا.
"الخيار"، على ما تقول، ليس إلا في الظاهِر لأبي جهل، فالله إنْ شاء له أن يستقيم فإنَّه يختار، عندئذٍ، الاستقامة، وإنْ شاء له أن لا يستقيم فإنَّه يختار، عندئذٍ، الضلال. هل اختار أبو جهل الاستقامة أم الضلال؟ لقد اختار الضلال. هل كان في مقدوره أن يختار الضلال لو أنَّ الله شاء له أن يكون مستقيماً؟!
كل منطق "التخيير" الذي تقول به يمكن أن أشرحه على النحو الآتي: جواد "اختار" الآن أن يحاوِر منذر في هذا الأمر؛ "لأنَّ الله شاء له ذلك". كل ما قام به جواد لا يتعدى "اللعبة".. "لعبة الاختيار". جواد توهَّم أنَّه "يختار" إذ فكَّر في الأمر، وإذ مال تارةً إلى أن يحاوِر منذر، ومال طوراً إلى الامتناع عن محاورته. حتى هذا الذي قام به جواد قبل، ومن أجل، أن "يختار" كان أمراً مكتوبا ومعلوما عند الله.
هل بقي من معنى لـ "التخيير" إذا ما كان مبدأ "التخيير" الذي تقول به هو "المرء إنَّما يختار ما شاء له الله"؟!
تقول: "الإنسان يُحاسَب فقط على ما خُيِّر فيه". لقد اكتمل المنطق تهافتاً، فأنا "اخْتَرْتُ" أنْ أرتكبَ هذا الإثم. وهذا "الخيار" ليس لي إلا إنْ شاء الله. ولقد شاء. والدليل على أنَّه قد شاء هو أنَّني "اخْتَرتُ" ارتكاب هذا الإثم. وارتكابي لهذا الإثم إنَّما هو من الأمور التي خُيِّرْتُ فيها؛ وعليه يجب أن أُحاسَب!
أبو هواش، وبوصفه مسلما مؤمنا، يَنْظُر إلى ماضيه، فيقول: "إنَّ الإنسان مُسَيَّر حقَّاً وصِدْقاً، آمنت وصدَّقْت، فقد سيَّرني ربي، وكل ما أقوم به من الأفعال فإنَّه مكتوب ومعلوم عنده عزَّ وجل، وأنا لا أعلم ما كُتِبَ عند الله إلا بعد أن يقع، وأنا مأمور بالسعي إلى فعل الخير، وبالابتعاد عن فعل الشر".
ثمَّ يَنْظُر أبو هواش إلى مستقبله فيقول: "إنَّ الإنسان مُخيَّر حقَّاً وصِدْقاً، آمنت وصدَّقْت، فقد خيَّرني ربي، وأنا أفعل ما أفعل باختياري".
أبو هواش يَنْظُر إلى هذا الذي كتبه ضد رأيي، والذي أصبح جزءاً من الماضي، فيقول إنَّه كان مُسيَّراً (في أمر هذا الذي كَتَب) حقَّا وصِدْقاً، وإنَّ هذا الذي كَتَب كان أمره مكتوبا ومعلوما عند الله؛ ولكنَّه لم يكن يَعْلَم ذلك إلا بعد أن وقع، أي بعد نشره. ولكن هذا "الماضي"، الذي تفهمه على أنَّه "عاصمة التسيير"، ألَمْ يكن وأنتَ تَهُمَّ بالكتابة جزءاً من "المستقبل"، الذي تفهمه على أنَّه "عاصمة التخيير"؟!
أنتَ الآن تُفكِّر في السفر في تشرين الثاني المقبل إلى تركيا أو إلى مصر. أنتَ الآن في زمن "التخيير". وأخيراً، اخْتَرْتَ السفر إلى تركيا، وسافرتَ إليها في تشرين الثاني؛ ثمَّ عُدَّتَ إلى الأردن في كانون الأوَّل. بعد عودتكَ سَتَنْظُر إلى هذا الماضي (سفركَ إلى تركيا) وستقول إنَّكَ كنتَ مُسيَّراً حقَّاً وصِدْقاً!
ليس من "مُسْتَقْبَل" ـ يا سيِّد أبو هواش ـ لا يصبح جزءاً من "الماضي"، أي ليس من "تخيير" لا يَظْهَر بعد حين لنا على أنَّه "التسيير"، فإذا كان "الماضي" هو "التسيير كله" فأين هي "لحظة التخيير" التي لا تصب في مصب "الماضي"، أو "التسيير"؟!
أبو هواش "اختار" السفر إلى تركيا؛ ولكنَّه يؤمِن، في الوقت نفسه، بأنَّ "اختياره" هذا كان "أمراً مكتوباً" عند الله؛ وهو لَمْ يَعْلَم أنَّه كان أمراً مكتوباً عند الله إلا بعد أن سافر إلى تركيا وعاد إلى الأردن. ولكونه لَمْ يسافر إلى مصر فإنَّه يَعْلَم الآن عِلْم اليقين أنَّ سفره إلى مصر لم يكن بالأمر المكتوب عند الله!
إنَّني أنصحكَ أن تسافر إلى اليونان فهي مسقط رأس الحكمة قبل أن تكون أرضا للسفسطة.


رد منذر أبو هواش على جواد البشيتي
التسيير والتخيير مسألة كونية نسبية
أستاذ جواد،
أنا اليوم هادئ ومنشرح والحمد لله، وأرجو أن يساعدني هذا الهدوء والانشراح في شرح فكرتي لك، وفي محاولتي للوصول إلى مفاصل تفكيرك وذكائك، وآمل أن تكون أنت كذلك بحيث تبذل شيئا من الجهد في محاولة فهمي بشيء من التروي والتأني، وبشيء من حسن النية، ومن دون أية أفكار شيطانية مسبقة.
أرى أنك ما لبثت تردد علينا عباراتك المنطقية لتثبت لنا أنك قادر على فهم معاني العبارات سليمة المبنى من ظواهرها، وعلى التفريق والتمييز بين ما كان له معنى منها وما كان لا يحمل أي معنى مثل عبارتك الشهيرة "أكلتُ ماءً مُثَلَّثاً"، وإن كان فراغ المعنى هنا فراغ مؤقت يمكن ملؤه من خلال الاصطلاح، فأي ماء يحتوي على ثلاثة عناصر أو يتمتع بثلاثة صفات أو يمر من ثلاثة مراحل ثم يتم تجميده يمكننا أن نسميه اصطلاحا بالماء الثلاثي أو المثلث فأقول "أكلت ماء مثلثا" مثلما أقول "أكلت ماء مثلجا"!
لكن المسألة هنا ليست مسألة فهم موضوعي للنص اللغوي، بل هي مسألة تتعلق بفهم ما وراء النص، لأن النص يتحدث عن الكون كله بكل عناصره وأبعاده وعوالمه وغيبه وشهادته، ولأن المنطق البسيط والفهم البسيط للأمور لا يعمل هنا.
لا تستعجل الأمور لأنني أريد أن أبدأ بمقاربة يستوعبها عقلك الذي فهمت من مقالاتك أنه مستوعب للنظرية النسبية ومسألة البعد الرابع على افتراض أنني ملم مثلك بالخطوط الرئيسية لهذه النظرية العصية على أفهام الكثيرين، والتي أثبتت جواز أمور (فوق-منطقية) لا يمكن أن يقتنع بها منطق الإنسان العادي الذي لا يستطيع تخيل زمن غير زمنه.
أنت لا شك تعرف مسألة تغير الزمن (البعد الرابع)، وأن الزمن ليس ثابتا كما قد يخيل إلى الإنسان العادي، وأن الزمن لدى جسم متحرك يتغير مع تغير سرعة ذلك الجسم، وأن الزمن يتناقص مع ازدياد السرعة، فإذا ما قاربت سرعة الجسم سرعة الضوء، اقترب الزمن من الصفر، وتوقفت ساعته عن السير.
ولا بد أنك سمعت الحكاية المبنية على هذه النظرية التي تقول أن رجلا في العشرين ترك امرأته على وشك الولادة، وغادر إلى الفضاء على متن صاروخ تقارب سرعته سرعة الضوء، فتوقف زمنه وتوقفت ساعته، وتوقف سنه. وبعد مرور عشرين سنة بتوقيت الأرض عاد إلى زوجته وإلى ابنه الذي صار عمره عشرين سنة بزمن الأرض.
علماء النسبية يقولون أن هذا ممكن، وهو أمر مؤكد من الناحية العلمية والرياضية، فالعلم يتطور، والمركبات الفضائية تزداد سرعة مع مرور الأيام. لكنك إذا توجهت إلى الناس العاديين فهل يمكنك أن تقنعهم أن ذلك الشاب ابن العشرين ربيعا هو والد ذلك الشاب الآخر المساوي له في العمر ...!!!
ولأن المسألة نسبية كونية في حقيقتها فأنا أطالبك بتناولها وفهمها من أولها إلى آخرها من هذا المنظور النسبي (فوق المنطقي).
وقبل أن أرد على فهمك المنطقي البسيط الخاطئ لهذه المسألة المعقدة، أقول بأن المؤمنين المسلمين وإن اتفقوا على مبدأ الإيمان بالتسيير والتخيير حقا من عند الله تعالى فإنهم يختلفون في الفهم والإدراك، ويختلفون كذلك في التفهيم والشرح لهذه المسألة.
مسائل الكتاب والتسيير والتخيير وبداية الزمن ومروره وانتهائه مسائل تتعلق بالزمن وبتغير الزمن تماما مثلما هو الأمر في النظرية النسبية، والأمور التي شرحناها سابقا هي أمور صحيحة رغم أنها لا تبدو منطقية، وأنا أسميها بالأمور فوق المنطقية، لأن المنطق لا يكون صحيحا إذا افترضنا ثبوت الزمن، فهل يصدق أن الابن ووالده متساويان في العمر إلا عارف بمسألة تعدد واختلاف الأزمان؟!!!
أحاول تبسيط الأمور فأقول:
1- التخيير هو إمكانية الاختيار بين أمرين، وليس واحدا من خيارين.
2- تماما مثلما تختلف الأزمان مع اختلاف سرعة الجسم المتحرك
فإن الزمن يختلف من حيث كونه زمن ماض أو حاضر أو مستقبل
3- من أجل الحكم على المسائل ينبغي أخذ الأزمان الثلاثة بعين الاعتبار
لقد قلت في مداخلتي السابقة أن التسيير والتخيير أمران مرتبطان بمشيئته سبحانه وتعالى فإن شاء سيّر وإن شاء خيّر، فالإنسان مسير في أمور ومخير في أمور بمشيئة الله، وهو يحاسب فقط على ما خير فيه لحكمة لا يعلمها إلا الله. أنا أعرف وأعي وأفهم ما أقول جيدا، والمطلوب الآن هو أن تفهم أنت هذا الكلام من دون أية أفكار ساذجة مسبقة.
لقد أخطأت في فهمك لكلامي إذ قلت: "فالله إنْ شاء له أن يستقيم فإنَّه يختار، عندئذٍ، الاستقامة، وإنْ شاء له أن لا يستقيم فإنَّه يختار، عندئذٍ، الضلال" لأنني أتحدث عن مشيئة الله بالتخيير أو ترك الخيار للمختار، ولم أعني مشيئة الله بالضلال أو الهداية، وإنما قلت بأنه ما لأحد من أمره أن يختار إلا إذا خيره الله، وأن أبا جهل وغيره لا يمكنهم أن يختاروا بين أمرين إلا إذا كان مكتوبا لهم أن يخيروا بين هذين الأمرين. وقد نزلت الآية الكريمة في معرض الرد على أبي جهل الذي تجاوز حدوده وقل أدبه.
ليست المسألة "هل كان في مقدور أبي جهل أن يختار الضلال لو أنَّ الله شاء له أن يكون مستقيماً؟!" بل إن المسألة أن أبا جهل لا يمكنه الاختيار إلا إذا شاء الله له أن يختار بين الأمرين، أما وقد خيره الله منذ الأزل أن يقوم بالاختيار فقد اختار الضلال مثلكم!
الأمر ليس لعبة، لكن سوء الفهم هو الذي يقف بك وبأمثالك من الملحدين خارج دائرة الإيمان، فهمك السقيم للمسألة يجعلك تقول: جواد "اختار" الآن أن يحاوِر منذر في هذا الأمر؛ "لأنَّ الله شاء له ذلك". أما أنا فأقول: جواد "اختار" الآن أن يحاوِر منذر في هذا الأمر؛ "لأنَّ الله شاء أن يترك له الخيار في ذلك". وشتان ما بين العبارتين ...!!! المشكلة أنك لا تفكر هنا تفكيرا نسبيا يأخذ تغير الأزمان واختلافها بعين الاعتبار، ولا تضع الأمور كلها معا على الطاولة، ولا تنظر إليها نظرة شاملة ...!!!
لسنا حمقى حين نقول أن كل شيء مكتوب في الكتاب، ولسنا مخطئين حين نقول أن كل شيء مسير بمشيئته في نهاية الأمر، وأن له الأمر من قبل ومن بعد، وأنه يقول للشيء كن فيكون ...!!!
الأمر في غاية البساطة، رغم ما قد يوسوس الشيطان به إليك، ورغم ما قد توسوس به أنت إلى غيرك ... الله سبحانه وتعالى يسير ويخير وهذه حقيقة ... ولكن هذا التخيير ينقضي عند نقطة من الزمن الأرضي ويستحيل تسييرا في نهاية الأمر وهذه حقيقة أخرى ... هذا المفهوم يقال له فوق المنطق ... أرجو أن تركز على هذه النقطة ... في ضوء ملابسات النظرية النسبية ... لأن من يفهم ويصدق النظرية النسبية على عجائبها ... لا بد له من أن يفهم ويصدق هذا الكلام العجيب وفوق المنطقي ...!!!
أمثالك كلها تدل على فهم خاطئ للمسألة وآمل أن تساعد كلماتي على تجاوز هذا الفهم الخاطئ لأنه سطحي وبسيط، ويستثني بعض الأبعاد، هذه مسألة كونية وليست مسألة يومية، عدالة الله تقتضي أن تخير في بعض الأمور، وأن تحاسب عليها، لكن كماله يقتضي أن يكون كل شيء بمشيئته، وعظمته تقتضي أن لا يتناقض هذا مع ذاك. وهذا هو الإعجاز.
كان بإمكان جواد البشيتي أن يكون نقطة في بحر المؤمنين، لكنه اختار الكفر على الإيمان، وهذا ليس بالأمر العظيم، ولن يكون نهاية العالم، غير أنني أنصحه بترك ديار الإسلام والسفر إلى ديار الكفر لكي يريح ويستريح، وحتى لا يبقى بين المسلمين معزولا ومنبوذا ومذموما ومدحورا ...!!!
والله أكبر،
منذر أبو هواش

رد جواد البشيتي على منذر أبو هواش
أستاذ منذر
تحية
إنَّكَ لم تُقْحِم نظرية "النسبية الخاصة" لآينشتاين في جدل مسألة "التخيير والتسيير" إلا لتقول للقارئ: إنَّ منطقي في شرح مسألة "التخيير والتسيير" قد يشق عليه أن يشق له طريقاً إلى عقلكَ، فتَذَكَّر أنَّ منطق "النسبية الخاصة" كانت حاله كذلك، وَقِفْ من منطقي الذي هو "فوق المنطق" كما تَقِف، أو كما ينبغي لكَ أن تَقِف، من منطق آينشتاين!
ومع ذلك، أقِفُ معكَ ضد "الخطأ" الذي ارتكبه الأستاذ خمو إذ خطَّأكَ في ما قُلْت في شأن علاقة "السرعة"، أو "التسارع" في معنى أدق، بـ "الزمن"، فـ "التسارع" يُبطئ سَيْر كل ساعة.. كل تغيير ثابت منتظَم. إنَّه لا يُبطئ (بالنسبة إلى مراقب خارجي غير متأثِّر بتسارُعِكَ أنتَ) الزمن بين دقَّات قلبكَ، أو الزمن الذي يستغرقه انقسام خليَّة فيكَ، فحسب، وإنَّما الزمن الذي يستغرقه، مثلا، دوران الإلكترون حول النواة دورة واحدة في مادة من المواد التي صُنِعَ منها صاروخكَ المتسارِع. كل ساعة، كل تغيير ثابت منتظَم، وليس الساعة البيولوجية فحسب، تتأثَّر سلبا بـ "التسارُع"، أي يُبْطؤ سَيْرها، ليس بالنسبة إليكَ أنتَ المتأثِّر بـ "التسارُع" ذاته وإنَّما بالنسبة إلى مراقب خارجي غير متأثِّر به. الصاروخ الذي يسير بسرعة "شبه ضوئية"، لاستحالة أن يسير بسرعة الضوء؛ لكونه جسما له كتلة، يبطؤ سَيْر الزمن فيه حتى يكاد (أقول "يكاد") أن يتوقَّف، بالنسبة إلى مراقب خارجي (أرضي مثلا). ولكن ليس من جسم له كتلة، ومهما تسارع، يمكن أن يتوقَّف فيه الزمن توقُّفا تاما مُطْلقا؛ لأنْ لا جسم، ولا مادة على وجه العموم، يمكن أن يَفْقِد، أو تَفْقِد، فَقْدا مُطلقا "البُعْد الرابع". حتى "الفوتون" ذاته ليس بمادة فاقِدةً فَقْدا مُطْلقا لهذا البُعْد. لقد أصَبْتَ، وأخطأ خمو.
أستاذ منذر
"الحاضر"، والحاضر فحسب، هو الزمن الوحيد الذي نملك، وهو "الظرف (ظرف الزمان)" الذي فيه فحسب نتوفَّر على صُنْع "المستقبل"، بمعونة "الماضي"، فليس "المستقبل" سوى هذا الذي نَصْنَع الآن بمعونة قوى ووسائل من "الماضي"، فـ "الحاضِر" يَنْكَح "الماضي"، فيُوْلَد "المستقبل".
هل نسيتَ قولكَ؟ لقد قُلْت: "الإنسان، بوصفه مسلما مؤمنا، يَنْظُر إلى ماضيه، فيقول إنَّ الإنسان مُسَيَّر حقَّاً وصِدْقاً، آمنت وصدَّقْت، فقد سيَّرني ربي، وكل ما أقوم به من الأفعال فإنَّه مكتوب ومعلوم عنده عزَّ وجل، وأنا لا أعلم ما كُتِبَ عند الله إلا بعد أن يقع، وأنا مأمور بالسعي إلى فعل الخير، وبالابتعاد عن فعل الشر. ثمَّ يَنْظُر إلى مستقبله فيقول إنَّ الإنسان مُخيَّر حقَّاً وصِدْقاً، آمنت وصدَّقْت، فقد خيَّرني ربي، وأنا أفعل ما أفعل باختياري".
أيَّها المُتَمَنْطِق بـ "منطق فوق المنطق"، دَعْني أُنْزِلُكَ من عليائكَ المنطقي هذا، وأُناقِشُكَ في رأيكَ (الذي جئتَ لنا به وكأنَّكَ قائل "وَجَدتُها"!) في طريقة سهلة جداً، يَسْهُل عليكَ وعلى آينشتاين فهمها، والتساوي في فهمها.
زيدٌ مات الآن عن 80 عاما. في أثناء حياته، قام بأعمال كثيرة، "شاء الله أن يترك له الخيار فيها". شاء الله أن يترك له الخيار في أمر "الصوم. زيدٌ لَمْ يَصُمْ رمضان في حياته قط. أنتَ تقول إنَّه هو الذي شاء ذلك وليس الله، فالله شاء فحسب أن يترك لزيدٍ الخيار في أمر الصوم، فما كان من زيد إلا أن اختار الامتناع عن الصوم؛ وعليه سيحاسَب زيد يوم الحساب على إثمه هذا؛ وعليه، أيضا، تَظْهَر وتتأكَّد العدالة الإلهية.
زيدٌ الآن، حيث مات، أصبح جزءاً من "الماضي"، الذي إذا نَظَر إليه الأستاذ منذر قال؛ لأن لا مهرب له من أن يقول: "كان زيد مُسَيَّراً حقَّاً وصِدْقاً.. لقد سيَّرهُ ربَّهُ، وكل ما قام به من الأفعال (حتى امتناعه عن الصوم) كان مكتوبا ومعلوما عنده عزَّ وجل، وإنْ لم يَعْلَم ما كُتِبَ عند الله إلا بَعْد أن وَقَع".
أمَّا أنا فأقول: يا للأسف! لم يَعْلَم زيد في أثناء حياته، أي عندما كان يمارِس "حرِّيَّة الاختيار" التي شاء الله منحه إيَّاها، أنَّ كل ما قام به لم يَقُمْ به إلا "تسييراً"، فبموته أصبح كله، مع كل أعماله، جزءاً من "الماضي"، الذي فيه، وبه، يتأكَّد "التسيير المُطْلَق".
أحسبُكَ الآن ـ يا أستاذ منذر ـ قد تدحرجتَ من "فوق المنطق" إلى "تحت المنطق"!
قُلْنا إنَّ صاحبنا زيد لم يَصُمْ في حياته قط، مرتكباً، بالتالي، إثماً، تُحاسبه عليه العدالة الإلهية يوم الحساب. وقُلْنا، أيضا، وبما يتَّفِق مع شرحكَ لمسألة "التسيير والتخيير"، إنَّ صاحبنا هو الذي شاء (أو اختار) أن لا يصوم رمضان، وإنَّ الله شاء فحسب أن يترك له الخيار في ذلك (عملا بمنطق العدالة الإلهية في الثواب والعقاب). وعليه، يمكن ويجب أن نقول: في أمر "امتناع زيد عن الصوم" فحسب، شاء زيد، ولَم يشأ الله. وهذا إنَّما يعني، أي يمكن ويجب أن يعني، أنَّ الإنسان يمكنه أن يشاء ما لا يشاؤه الله، وكأنَّ مشيئة الإنسان (بخيرها وشرِّها) ليست جزءاً من مشيئة الله، وكأنَّ مشيئة الله ليست فوق مشيئة البشر جميعا، وفوق مشيئة الأستاذ منذر أيضا!
لقد ضرب الأستاذ منذر صفحا عن "المفتاح" الذي به نَفْتَح ما استغلق فهمه في مسألة "التخيير والتسيير"، أو "القضاء والقدر". وهذا "المفتاح" يصبح في اليد إذا ما فهمنا على خير وجه معنى "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى".
وإنَّني أدعو الأستاذ منذر إلى حلِّ الأحجية الآتية: لقد شاء الله أن يترك للأستاذ منذر الخيار في أمر "أن يسافِر إلى تركيا أو مصر"؛ ولكنَّه، أي الله، كان يَعْلَمُ عِلْم اليقين أنَّ العبد منذر لن يسافِر إلا إلى تركيا؛ والله كَتَبَ (فَرَضَ وأوجبَ) لعبده هذا، ومنذ الأزل، أن يسافِر إلى تركيا.. ولكنَّ الله، بعد كل ذلك، لم يُكْرِه منذر على السفر إلى تركيا، تاركا له الخيار في ذلك!
إنَّني أسأل الأستاذ منذر: هل يستطيع أن يختار أمراً يُخَالِفُ "عِلْم الله"، وما كَتَبَهُ الله منذ الأزل؟!
إذا كان جوابه هو "كلا، لا أستطيع"، فأين هي حرِّيَّة الاختيار إذا ما كان بشار الأسد هو المرشَّح الوحيد في انتخابات الرئاسة السورية؟!




#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق بين -التقسيم- و-التقاسم الإقليمي-!
- -التسيير والتخيير- في فتوى شيخين!
- هذا -التلبيس- في قضية -الربا-!
- المال.. إله الحياة الدنيا!
- غلاءٌ.. سَقْفُه السماء!
- توصُّلاً إلى الفصل بين الدين والسياسة
- التربية
- بين -أيلول بن لادن- و-أيلول بوش-!
- هناك مَنْ جَعَلَ الشفاء في الدواء!
- هي الآن -خريطة الطريق- إلى بغداد!
- الأخلاق والدين
- أهو خيار فلسطيني جديد؟!
- كثرة في -الأحزاب- وقِلَّة في -الحياة الحزبية-!
- لا تلوموا هاولز!
- وكان الدكتور علي جمعة قد أفتى ب ..
- مفتي مصر يفتي.. ثم ينفي ويوضِّح!
- إنَّها سياسة -المكابرة- و-الانتظار-!
- هذا -التتريك- المفيد لنا!
- من أجل -مَغْسَلة فكرية وثقافية كبرى-!
- مرجعية السلام في خطاب بوش


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد البشيتي - مناقشة ل -الرأي الآخر- في مقالة -التسيير والتخيير في فتوى شيخين-