أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايناس البدران - الابرة والتشظي















المزيد.....

الابرة والتشظي


ايناس البدران

الحوار المتمدن-العدد: 1974 - 2007 / 7 / 12 - 06:25
المحور: الادب والفن
    


ذات الكابوس البغيض يطاردها .. الطفلة تصرخ مستغيثة وهي تجري مبتعدة لتبلغ السيدة - التي اتشحت بالسواد منذ ذلك الحين - بالنبأ المشؤوم .
نهضت من سريرها مغمورة بالعرق تحاول التقاط أنفاسها ، يوم اسطوري ذلك الذي قلب موازين حياتها وغير مجراها الى الابد ، حين وقفت في ذلك المكان المبهر بين يدي السيدة الجليلة و انبرت والدتها بحديث بدت فيه كأنها تزكيها ، انقطع بأشارة من يد المرأة المتلألئة بأنفس واجمل ما رأت من حلي .. سألتها يومها :
- ما أسمك ؟ أجابت أمها بدلا عنها بحماسة من اطمأن الى نجاح مهمته :
- خادمتك صابرين يا سيدتي ، مثلما كنت انا لك ولأهلك الكرام .. قبل ان يدفعني حظي العاثر للزواج بذاك التعس الذي لا يجيد غير معاقرة الخمر وملاحقة النساء .. واختنقت بعبراتها وهي تكمل :
- باع كل شيء .. لم يترك لنا غير الحصير .. ثم علا نحيبها واخذت تشهق وتتمتم بكلمات غير مفهومة وهي تمسح ما سال من عينيها وانفها بفوطة حائلة تحيط بعصابة سوداء اعتادت شدها حول رأسها منعا لوجع الرأس ! أزاحت الغطاء بعصبية وهي تتذكر كيف كانت السيدة تغدق الحنان على ابنتها وتلبسها الحلي الذهبية والاثواب الجميلة قبل ان، ... اما هي فتعطيها ما يفيض عن الحاجة ، حتى لقد اضطرت مرة لأتلاف احد فساتينها – قليلا – كيما تمنحها اياه ، اجل بعد سقوط الصغيرة ووفاتها استسلمت السيدة لحزن مقيم اما السيد فيبدو ان ما حصل حمله مؤقتا على لجة ذهول واكتئاب سرعان ما استعاد بعدها عاداته القديمة . لم يشك احد في سبب الوفاة .. كانت الريح قد بدأت تهب في اتجاهها حتى انجبت السيدة مولودها الثاني الذكر ، وصار السيد يغدق عليهما من عطفه وهداياه وقلل من سهره وسكره خارج المنزل .
ان نسيت فلن تنسى الجدران المنخورة كأقفاص الحيوانات بأرضيتها الأسمنتيه حيث تعشش الفوضى ويتعالى عراك صبيه وفتيات هم
اشقاء وغير اشقاء لها، نتاج تناسل شقي لآباء وامهات جمعهم البؤس وفرقهم حتى صاروا أشبه بقبيلة منهم بأسرة مع عجوز حيزبون لاتجيد سوى التذمر وألدس كأنها مكروب لايعيش الا وسط الجروح . كلهم حشروا في ( حوش ) اشبه بالخرابة يعود في الاصل الى عمهم الذي فقد في احدى المعارك التي لا تنتهي وانقطعت اخباره .
تنهدت بأرتياح وهي تقلب بصرها في ارجاء الغرفة ، كم تحب هذا المكان الذي شهد انبعاث انوثتها كفراشة تنشق عن شرنقة طفولتها البائسة .
فرصة ذهبية سنحت لها اهدت لشعرها الموبوء دواء ومشطا وخلصتها من أسمال كانت تجرح احساسها وتجلد آدميتها اكثر مما تسترها .. كانت والدتها تتوسل يومها وحسنا فعلت ، فمظهرهما لم يكن يغري بغير طردهما من البوابة الخارجية العالية .
لن تصدقها اخواتها حين تخبرهن ان لها غرفتها الخاصة الان ، وفيها سرير ودولاب ببابين لتضع فيه ملابسها ، اضافة الى ما كانت تنفحها به السيدة اوقات صفائها ، هذا بالطبع عدا الاشياء التي كانت تلتقطها خلسة وتخفيها عن عيني الخادم العجوز فتحية... في غرفة الحديقة المتروكة .. قبل ان يكشفها البستاني القميء ويهدد بفضح أمرها ان لم يقتسم معها الغنائم .. لكن الوقح صار مع الوقت يطمع بما هو اكثر .. أراد الأغارة على جسدها الصغير .. هي ليست جاهلة بمثل هذه الامور التي كانت تطرق سمعها في بيتهم الأمر الذي فتح عينيها مبكرا على عالم الكبار واسراره .
وحقيقة رفضها لم تكن لعفة منها وانما لانها كانت تدخر رأس مالها بأنتظار فرصة ذهبية . لذا استعانت بالسيد لأنقاذها من براثن البستاني الوحش فتخلصت بذلك من اول عدو لها .
وحين جاءت والدتها لزيارتها او بالأصح لأستلام اجرتها كعادتها اول كل شهر .. طلبت منها الأبرة التي كانت تدسها في عصابتها لرتق الثياب ، مدت امها يدا معروقة متيبسة على وشم اخضر بدائي النقوش ، وسلمتها الابرة وهي تمازحها قائلة :
- هل خلا القصر عندكم من الأبر ؟
ثم وهي تتأملها بعينيها الرمداء ، قالت :
- انت جميلة يا بنت الكلب اجمل من كل اخواتك .
هي تشعر بهذا ايضا من نظرات السيد المختلسة التي يلاحقها بها ولو كان بمقدورها ان ترتدي ثيابا وحليا كالتي للسيدة ، لفاقتها جمالا .. ثم ان السيدة لن تقاوم مخالب الزمن طويلا فصحتها بأنحدار خاصة بعد ان حدث ما حدث .
بودها لو تكره هذه المرأة البيضاء ذات الكبرياء التي لاتمتد يدها الا بعطاء كأنما لتمعن في تذكيرها بوضاعة محتدها ، ولا فكرة لديها عن ذلة استعطاء الفتات .
لكنها كرهت فتحية الخادمة اللعينة التي ارهقتها وهي تدربها على الركوع والسجود ولم تعتقها الا بعد ان اقسمت لها انها ستصلي كل الفروض في غرفتها .. كم عذبتها وهي تعلمها طريقه الاكل و الحديث بعيد عن السوقيه –على حد قولها-وصنع فنجان القهوة كما تحبه السيدة برغوة على الوجه وتقديمه دون ان تسكب قطرة منه على الطبق .
نعم: لم يشك احد في سبب الوفاه ..نامت الأبرة المذهلة في اليافوخ الطري ونام معها الوليد الى الابد .. بعدها طار روع السيدة وصارت تذرع غرف المنزل طوال الليل جيئة وذهابا ولا تنام لماما بعد ان يستيقظ الجميع .
وبعد مرض فتحية الذي الزمها الفراش صار بمقدورها التجوال في البيت بحرية
وحيث تشاء بما في ذلك الدخول الى مخدع السيدة وتفحص الصوان الغاص بأفخر الثياب ، وتلمس الشيفونات والحرائر وما تعج به الادراج والرفوف من اصناف العطور وادوات الزينة .. حتى علبة المجوهرات اهتدت الى مخبئها وصار بمقدورها ارتداء ما يحلو لها منها .
- لقد اصبحت لاتطيقني يا سيدي .
هكذا تشكت له آخر مرة فربت على كتفها وامسك ذقنها بين سبابته وابهامه وهو يهمس بأنفاس محمومة :
- بسيطة .. بسيطة .
اصبح من السهل عليها الآن سماع جدالهما الذي بات يعلو ويمتد .
صوت السيدة المغموس بالدمع يتناهى :
- لم اعد احتمل اكثر ..
وهو يجيبها بلامبالاته المعهودة قائلا :
- كل هذا محض خيال .
سمعتها مرة تحدث نفسها وهي تذرع ارضية الصالون وتقول :
- لم اعد اثق بأحد .. ولا حتى بنفسي .. لقد انتهيت .
السيدة تحاول عبثا ايقاف طوفان التشظي المستفحل فيها ، لكنها مسألة وقت ، البارحة زجرتها حين رأتها تراقبها وقالت :
- اغربي عن وجهي .
همست بشماتة وهي تعيد الغطاء عليها :
- ازجري ما شئت .. قريبا سيصبح كل هذا لي .



#ايناس_البدران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الردهة
- عواء ذئب
- - النمرة - قصة قصيرة
- حوار مع القاصة ايناس البدران
- أشارات ضوئية
- - على حافة الرحيل - قصة قصيرة -
- جدائل الشمس - قصة قصيرة
- الجدار - قصة قصيرة
- وجه السماء - قصة قصيرة
- -الاكتواء بثلوج كلمنجارو - قصة قصيرة
- -صورة من زيت وماء - قصة قصيرة
- - حين اكلنا التفاحة - قصيدة نثرية
- مقابلة صحفية مع القاصة ايناس البدران
- قصة - هذيان محموم-
- قصة قصيرة بعنوان - الحلزون -
- قصة قصيرة
- كلمة رئيسة منتدى نازك الملائكة الادبي في الاتحاد العام لادبا ...
- الاليات الداعمة لحركة المرأة المبدعة
- قصص قصيرة جدا
- انعكاسات امرأة


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايناس البدران - الابرة والتشظي