أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايناس البدران - -صورة من زيت وماء - قصة قصيرة














المزيد.....

-صورة من زيت وماء - قصة قصيرة


ايناس البدران

الحوار المتمدن-العدد: 1762 - 2006 / 12 / 12 - 11:27
المحور: الادب والفن
    


كانت امواج البشر السابح في عرقه تندفع طوابير ساحبة جسدها المهدود باتجاه الغرفة المظلمة المختبئة آخر الرواق . عندما وقعت عبنا الموظف المسؤول عليها كأنه لايراها ، وفيما يداه تقلبان اوراقها ( الاصلية والمصورة ) تناهى اليها صوته متسائلا :
- صورة من هذه ؟
- صورتي . ردت بثقة
اتخذ هيئة العارف ببواطن الامور وهز رأسه نفيا ليقول كمن يحدث نفسه :
- - انها لاتشبهك .. هذه ليست انت .
كتمت بسمة كادت تفلت من بين شفتيها وحدقت في الصورة كأنما لتتأكد ثم قالت :
- انها صورتي يا سيدي
- لعلها قديمة
الزمت نفسها الهدوء قمعا لأي توتر قد يتسرب من نبرة صوتها يمكن ان يؤدي الى سوء تفاهم ينسف مجهود ايام قضتها في الدوران حول المكاتب بين صعود ونزول استجداء لتواقيع واختام حتى صار كل شيء يدور بها وحولها . وقالت بصوت خفيض :
- بل هي حديثة يا سيدي
النسوة حولها يتبارين في تقديم اوراقهن له . ينشغل عنها بالردود والاستفسارات للحظات .
انتابها شعور مثير للقلق بأن مصيرها معلق بكلمة منه وقالت في سرها :
- في النهاية ما نحن الا مجموعة اوراق متسلسلة اذا ضاعت ضعنا معها ، ان اوراقي هي الدليل على انني موجودة . حتى الصورة التي التقطتها منذ اقل من شهر لايمكن الركون اليها .. القانون لايحمي المغفلين .. اين سمعت هذه الجملة ؟
كم ودت مع نفسها بصدق لو انه يحميهم فالاقوياء الاذكياء ليسوا بحاجة فعلية له.

ترمق الموظف وهو يقلب اوراقها بعصبية فيما ظله ينعكس على الجدار المتقشر ، يحاكيه تماما .
في سرها قالت متعجبة :
- ما اشد الشبه بين الانسان وظله .. انه هو ولكن بلا رتوش تماما مثل ( نجاتيف ) الصور الفوتوغرافية ، ننكره بالرغم من انه الأصل فيها.
هكذا تحل صفحة جديدة محل اخرى نقيضها في حياتها ، لتنزع عنها شرنقتها القديمة ، التي ضاقت عليها وبها وتحلق بجناحين باهرين نحو سماء اخرى صاخبة . الموظف ينهض فجأة يتبادل الاشارات مع زميل له ، يشير الى ساعته ثم يلتفت موجها الكلام اليها :
- - انتظريني
- نظراتها تتابعه ، تحمل طعم الرجاء . ودت لو قالت :
- - ولكن يا سيدي لقد انتظرت اكثر مما يتحمل العمر ، وصبرت حتى نفد مني الصبر . لكنه كان قد غادر على عجل ، لحسن الحظ ، اذ من يدري لربما اغضبته كلماتها .. تنهدت بارتياح فقد قطعت حتى الآن شوطا لايستهان به في رحلتها لاجتياز بوابات الشمس . حقا قد يسعى المرء سنين طوال أملا في بلوغ لحظة بعينها ، لحظة تؤكد تحوله الى الانسان الذي يريده ، ليغادر شخصا كانه ، تخلصا من حياة لم تكن حياته فعلا ، لعله كان فيها مقلدا منقادا او كالسائر في نومه
وما زالت تتلمس الطريق الى أناها الجديدة كمن يعبر نفقا سرابيا مزروعا بعظام الموتى وتكابد ولادة اخرى ، لكنها حقيقية هذه المرة ، للذات التي طالما امعنت في طمسها وتجاهلها ، ترقبها وهي تشق كفن الحياة الاولى كبذرة عنيدة ، وتنأى بكبرياء عن كل ما اشترطته المرحلة السابقة . تتسلل الى اطراف اصابعها ، تتلصص بخبث طفولي من فتحات الابواب على هذه الانسانة الجديدة الغريبة عنها ، وان كانت منها ، والتي تثير دهشتها وقلقها بجرأتها وتشكلاتها المتمردة .
وفي خضم هكذا مخاض لابد ان يأتي الحب كطوق نجاة ، جحيم سرمدي ، ليحرق كل تجذرات واحراش الخوف ، يقطع بسكينه تمددات شرايين ماض باهت بلا ذكريات .. ليمد جسورا بين الحاضر والحلم الآتي .
هكذا يشهد العقل احتفالية اعادة رسم خرائطه بألوان قزحية من زيت وماء ، في رقصة انتشاء صوفية صانعا حالة من الهدوء الظاهري المغلف بهستيريا ظمآى للتلاشي . نعم لقد اضاعت نفسها طويلا داخل حدودها المزعومة المفترضة ، فلا يحق لها اليوم ان تلوم ألا نفسها لقد تعلمت الدرس جيدا ، ولن تنتظر من يمنحها الحقوق ، لذا خرجت بمعية حقيبتها المثقلة بالاوراق والأدلة الدامغة لتثبت لنفسها انها ليست قطعة أثاث محنطة ، او قطة مدجنة او متوحشة معروضة للفرجة في حديقة الزوراء ، في تلك اللحظة شعرت بأنها نمرة متنكرة بزي امرأة .
اجل ما فائدة العقل اذا كان سيقيدنا بالخوف ، وما نفع الارادة اذا كانت ستنهار امام اول طرقة قوية على بابها ؟
آن الأوان لاعادة برمجة خلايا مخها بما يتناسب ونسبية الاشياء وتحولها الدائم .. الآن لم يعد أي شيء كما كان فالنهايات مآل كل الحكايات ، والنهايات كلها حزينة كالذكريات ، لذا ليس هناك من مسوغ للتساؤل عن الأحلام التي تساقطت ، والعمر الذي سرق ، وعما هو كائن وما سوف يكون ، وعما سوف يأتي وما سوف لن يأتي .. أيقنت اخيرا ان اللحظة الراهنة في رهانها الاخير .
صوت غريب لرجل معجوز ينتشلها من افكارها قائلا :
- ياسيدة .. الكل خرج .. الدوام انتهى ، عودي غدا .
- نهضت دون ان تنبس ببنت شفة .. وفيما هي تغادر المبنى القديم ، لوت شفتيها بلا مبالاة وهمست في سرها قائلة :
لعل الصورة لم تكن صورتي




#ايناس_البدران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - حين اكلنا التفاحة - قصيدة نثرية
- مقابلة صحفية مع القاصة ايناس البدران
- قصة - هذيان محموم-
- قصة قصيرة بعنوان - الحلزون -
- قصة قصيرة
- كلمة رئيسة منتدى نازك الملائكة الادبي في الاتحاد العام لادبا ...
- الاليات الداعمة لحركة المرأة المبدعة
- قصص قصيرة جدا
- انعكاسات امرأة
- مع أول خيوط الفجر
- مع أول خيوط الفجر
- نقد نظرية السرد / الحداثة ومابعدها في العمل الروائي
- تحت المطر
- تداعيات الاختزال في القصة القصيرة


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايناس البدران - -صورة من زيت وماء - قصة قصيرة