إذا لم يتحرك النضال، لن يتحقق التقدم


سعيد مضيه
الحوار المتمدن - العدد: 7974 - 2024 / 5 / 11 - 14:12
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

ترجمة سعيد مضيه
في القسم الأول من مقالته[ رابط https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=828815 ] حول" تسميم العقل الأميركي" قدم هنري غيروكس مثال ردود الأفعال للمتشنجة حيال الحراك الطالبي تضامنا مع الشعب الفلسطيني في غزة ، ومثالها النموذجي استدعاء رئيسة جامعة كولمبيا الشرطة لاحتلالال الجامعة وإخماد الحراك الطالبي . يقول في هذا السياق " خواؤها الأخلاقي (نعمات شفيق) الصادم تمثل باستدعاء الشرطة لاعتقال الطلاب – الذين يستحقون التمجيد نظرا لشجاعنهم وليس معاقبتهم – نظرا لتعليقها بأنها بادرت ب "هذه الخطوة غير العادية لأنها تحدث في ظروف غير عادية". الغير معتاد هو احتجاج الطلاب على حقيقة مصرع أكثر من 34.000 فلسطيني، بينهم أكثر من 14.000 طفل، وأن 80% من السكان في غزة بلا مأوى، والعديد منهم يتضورون جوعا في خضم مجاعة مفروضة عمدا.". يضيف :" "ما فشلت نعمات شفيق في الاعتراف به عامدة أن الجريمة الحقيقية ليست تظاهرلت الطلبة ؛ فهم مناهضون للحرب – مؤكدين إحساسهم بالفاعلية الأخلاقية – ولكن ما يعارضونه حجم العداء للإنسانية في غزة. كون شفيق مربية، عميت بشكل مخز عن حقيقة أن إسرائيل لم تكتف بتدمير أو إلحاق الضرر بجميع الجامعات الـ 12 في غزة ؛ إنما شاركت في "تدمير شامل" للنظام التعليمي في غزة، وارتكبت ما وصفه خبراء الأمم المتحدة "إبادة مدرسية"؛ في كل هذه الأمور تظهِر شفيق درجة مذهلة من انعدام الوزن الأخلاقي، جذوره ممتدة في مزيج مروع من الجهل وانعدام المسؤولية السياسية".

في القسم الثاني من بحثه الشامل يكشف الأكاديمي هنري غيروكس تكويل التربية والتعليم عن مجراهما الطبيعي – تعليم الديمقراطية والثقافة المدنية الى تعليم الفاشية يفرضون تعليما " يتمخض عن عمى أخلاقي وتجهيل، يشف عن ازدراء أفكار التمكين والتفكير النقدي والحريات المدنية. إنه حرب على التاريخ والذاكرة والتضامن، يفكك الروابط الاجتماعية التي تشدنا معًا في مجموعة من القيم المشتركة". تلك هي أساليب ومحاولات تقويض التعليم بهدف تمكين الفاشية على أيدي اليمين المتطرف ممثلا بالمليارديريين والجمهوريين حكام بعض الولايات الأميركية،

تسميم العقل
يشتد الحصار المفروض على السياسة من خلال الهجوم المباشر على المعارضة، وحرية التعبير، والحرية الأكاديمية، وضد المؤسسات التي تدعم وتغذي هذه الحقوق والممارسات الديمقراطية. كذلك التعليم العالي، على وجه الخصوص تتعرض وظائفه الحيوية لهجوم مدمر بتأثير تبرعات المليارديرات اليمينيين، والسياسيين المستبدين، وجبن مجالس الأمناء. أدت حرب نتنياهو على غزة إلى تكثيف الاحتجاجات في الجامعات ضد العنف الإسرائيلي الوحشي النازل بالفلسطينيين. رداً على ذلك، امتشقت وسائل الإعلام الرئيسية وعدد من النقاد، بمباركة المصالح المؤيدة لإسرائيل، سلاح اللاسامية ، وهي تهمة توجه إلى أي انتقاد للسلوك العسكري الإسرائيلي في غزة أو الضفة الغربية.
نعيش عصر الكوارث المتزايدة والفاشية الزاحفة؛ هذه لحظة تاريخية تتميز بمحاولة منهجية من جانب السلطوية الناشئة تعطيل اللغة ومعارضة أي معنى موضوعي، وإزالة الأفعال من قواعد الشهادة الأخلاقية، وفصل السلطة عن العدالة المؤسسية. ومع تفريغ مستويات المجتمع كافة، فإن مفاهيم المجتمع الديمقراطي، والعقد الاجتماعي، والرحمة تخلي المجال لسياسة يتم فيها إضفاء الطابع الفردي على كل المسائل المتعلقة بالمسؤولية، وخصخصتها، و سحبها من الاعتبارات النظامية الأوسع. إن عادات الأوليغارشية يحركها الخوف ويعاد إنتاجها من خلال هجمات لا هوادة فيها على الإمكانات البشرية؛ بينما "يتم استبدال فوضى التاريخ الحقيقي بنظام التاريخ الزائف". وفي وقت تنتشر على نطاق واسع معاناة البشر والاضطرابات ، وتزداد الحاجة الى التعليم العالي كضرورة؛ يُخشى منه بسبب وظائفه الحاسمة. يطلب من الطلاب الصمت، وان لا يتفاعلوا مع القضايا الاجتماعية الأوسع، وأن يتجاهلوا العلاقة بين ديناميات السلطة والتهميش والمعرفة. وسط توسع المجمع الصناعي العسكري والحالة السجنية، من المتوقع أن ينظر أعضاء هيئة التدريس والطلاب بعيدًا أو إلى الداخل، غير مستجيبين للغة المستقبل المتخيل.
تتكثف عملية تجريف الوعي السياسي هذه من خلال الهجوم المباشر على المعارضة، وحرية التعبير، والحرية الأكاديمية، والمؤسسات التي تدعم وتغذي هذه الحقوق والممارسات الديمقراطية الحاسمة. على نحو متزايد، يتعرض التعليم العالي، على وجه الخصوص، للهجوم تحت ضغوط المليارديرات اليمينيين، والسياسيين الاستبداديين، ومجالس الأمناء الجبانة، وذلك نظرا لوظائفه النقدية، يحال منطقة ميتة اخلاقيا مفرغة من الخيال و اتساق مخدر للعقل. يتعرض التعليم العالي لضغوط اليمين المتطرف في الحزب الجمهوري، وهو موضع ازدراء كمصلحة عامة يجب ان يكون هدفها تعليم الصغار لكي يحصلوا على المعرفة ويكونوا مواطنين نقديين؛ بالعكس من ذلك أن يتخلى عن مسؤوليته في تعليم الطلاب التساؤل والتحدي والتفكير ضد التيار. أحد نماذج هذا التردي للتعليم معروض في فلوريدا حيث قام حاكم الولاية، رون دي سانتيس، بتحويل نيو كوليدج، التي كانت كلية تقدمية ذات يوم، إلى حصن للأيديولوجيا المنومة لليقظة والى تربية خالية من البيدغوجيا- صفوفها حيث كان بمقدورهيئة التدريس و الطلبة أن يفكروا نقديا ويختبروا آراءهم ويوطدوا أنفسهم مواطنين منخرطين في الهم العام .

تعليم تلقيني بدل التعليم الحواري النقدي
لم يعد التعليم العالي يعتبر مصلحة عامة تتولى رعاية الأفكار والقضايا الاجتماعية الهامة ومناقشتها. يتم تحويل مؤسسات التعليم العالي، بعد استجوابها، إلى مراكز تلقين حيث تغدو الأفكار النقدية عرضة للازدراء ، وكذلك طرق التدريس التمكينية، توضع تحت رقابة الأجهزة . بعد تعريض التدريس والتعلم للسخرية باعتباره ملاذًا للنقد الاجتماعي المستنير، يريد اليمين المتطرف اختصار التدريس إلى ما يمكن أن يسمى أصول تدريس الاستنساخ، وهي أصول التدريس في مجال الاستنساخ، المصممة لاستنساخ الثقافة والمعرفة والأفكار ووجهات النظر العالمية المتطرفة.
الاسوأ، يتعرض التعليم العالي لهجوم متزايد من اليمين المتطرف بسبب مطالبته الليبرالية بالمساواة والصالح العام. وباعتبارها مؤسسة تتوافق مع فكرة "المواطنة... التي تعادل الكرامة الإنسانية [و] المساواة على جبهات متعددة"، فقد أثارت غضب الفاشيين الذين يشكل عداؤهم للمواطنة العالمية عنصرًا أساسيًا في عواطفهم التعبوية . إن هذه الكراهية للمساواة، والتي يعززها التعريف الانتقائي لمن يعتبر أميركيا، تغذي شيئا فشيئا في الوقت الراهن الهجوم على التعليم العالي والسياسات العنصرية الشريرة. وكما لاحظ إدي س. كلود، فإن خيال "أمريكا البيضاء الزنابق" والدعوة إلى إبعاد السود والملونين "من الضمير الأخلاقي للأمة" يخلقان مناظر طبيعية من الوهم، ويمكّنان من تفوق البيض؛ بينما يعززان العنف العنصري ومنطق الكراهية، الإقصاء والإبادة. يرى اليمين المتطرف أن هذا التفكير لا يقل خطورة عن فكرة أن التعليم أساسي في السياسة ويجب تعريفه من خلال مطالبته بالديمقراطية ودورها في زمن الاستبداد.
يبدو أن القيود الأخلاقية عفا عليها الزمن مع احتدام حرب استعمارية أخرى في غزة، يجري خلالها قتل آلاف الفلسطينيين، بينما يتم رفض محاولات انتقاد ما تدمغه المنظمات الدولية المختلفة بجرائم حرب، باعتبارنقد إسرائيل معاداة للسامية. كان رفض الإقرار بالعنف الذي يُشن ضد الفلسطينيين قد تحول إلى حرب ضد الصحفيين الناقدين، والعاملين في مجال الثقافة، والتعليم العالي على نحو متزايد، والذي يؤوله اليمين المتطرف في هذا الزمن " قلعة للفكر الاشتراكي الخبيث". في ظل هذه الظروف، أولئك الذين يتفاعلون مع معاناة الآخرين يتعرضون لآكلة لحوم البشر بتصرفاتهم اللاإنسانية واللا أخلاقية، والعربدة اللفظية مشحونة بالكراهية، يتدخل بشكل متزايد، عنف الدولة. كما أنهم معرضون لخطر مجتمع يفضي فيه الموت المدني إلى عنف الدولة، والإرهاب الداخلي، وسياسة الفضلات البشرية.
في هذه اللحظة التاريخية، توضح الهجمات على التعليم العالي أن النضال من أجل الحرية والمساواة والعدالة تجلب معها مخاطر جمة . تضفي هذه الهجمات المصداقية على سياسات الفاشية الناشئة في كل من الولايات المتحدة وخارجها ترصد الطلبة موضع استخفاف وعرضة للعنف ، إذ يتساءلون حول قيام كولنياليين مستعمرين بنزع ملكيات خاصة بدعم من عنف الدولة المحتمل تمارسه دولة عنصرية مفطورة على الإجرام . إن إظهار الشجاعة المدنية يؤهل الطلبة لأن يكونوا أهدافا للنقد والإقصاء، وللاعتقال احيانا . في المناخ القمعي الراهن لا يشير هذا لقانون الرقابة الفاضح فحسب، بل يشير أيضًا إلى وفاة الجامعة كمؤسسة منفعة عامة ومؤسسة مدنية، بغض النظر عن مفاهيمها الخاطئة حول المساواة والمعرفة المدنية.

وضع اليد على مناهج التاريخ وعلى ا لبيداغوجيا - أساليب التدريس ووسائله


في نظر ترامب وأعوانه، التعليم العالي يصور مختبرا للأيديولوجيات اليسارية التي يتمثل هدفها النهائي "تدمير الأسرة والمجتمع والوحدة الوطنية، وتمثل هذه السياسات القمعية عودة الى ما أطلقت عليه إلين شريكر "المكارثية الجديدة"،[في مقالها "أجل، هذه القوانين مكارثية جديدة- 12 سبتمبر2021] التي تستخدم العداء للشيوعية لمهاجمة التعليم النقدي، واستقلالية المعلمين، و"قضايا العالم الحقيقية المتعلقة بالعرق، والجنس، واللامساواة الاجتماعية" فكتبت]:
"واضح ان الحملة [المكارثية ] الراهنة للحد مما كان يدرس في المدارس العليا والكليات تستهدف لفت اهتمام المصوتين الساخطين عن المشاكل البنيوية بالعمق، التي تخيم على المستقبل الشخصي لكل منهم . ومع ذلك فهي ايضا فصل جديد في الحملة المستمرة منذ امد لطي التغيرات الحقيقية التي جلبت العالم الحقيقي داخل الصفوف الدراسية.. وفي ولاية تلو الأخرى، ينضم الساسة الرجعيون والانتهازيون إلى تلك الحملة الأوسع لقلب عملية التحول الديمقراطي للحياة الأمريكية، التي جرت في ستينيات االقرن اللماضي؛ ومن خلال مهاجمة بعبع CRT وشيطنة الثقافة الأكاديمية المعاصرة ووجهات النظر النقدية التي يمكن أن تتمخض عنها، فإن القيود الحالية المفروضة على ما يمكن تدريسه تعرّض المعلمين للخطر على كل المستويات، في حين أن الجهل الذي تشجعه هذه التدابير يعرضنا جميعًا للخطر".

التاريخ مهم، ومن الأهمية بمكان أن نتذكر أن التعليم العالي منذ انتخاب رونالد ريغان عام 1980 يتعرض لهجمة شديدة من قبل قوى الليبرالية الجديدة العازمة على تحويل التعليم على جميع المستويات إلى ما لا يقل عن مجرد ملحقات لمكان العمل ومختبرات للقمع الأيديولوجي. وكما كتبتُ في مقال آخر[هنري غيروكس:توحش الليبرالية الجديدة والهجوم على التعليم العالي كمجال ديمقراطي عام- 16سبتمبر 2016 ]: "في جميع أنحاء العالم، هناك ظروف تاريخية جديدة تتزايد فيها الهجمات على التعليم العالي كمؤسسة ديمقراطية وعلى الأصوات العامة المعارضة بشكل عام - سواء كانوا صحفيين أو فاضحي المخالفات أو أكاديميين – تحتدم بعواقب مقلقة على كل من التعليم العالي والمجالات التأسيسية العامة، التي تجعل الديمقراطية ممكنة. وضع الرأسمال الكبير ... التعليم العالي في مرمى نيرانه، وكانت النتيجة استمرار تحول التعليم العالي إلى ملحق لمصالح الشركات بالغة الثراء والقوية ... في الحقيقة، جاء أكثر وقاحة وغطرسة من كل ما شاهدناه بالماضي دفاع اليمين عن التفكيك النيوليبرالي للجامعة باعتبارها موقعا للتحقيق النقدي.
منذ العام 2016، ومع انتخاب ترامب رئيسًا، تعاظم الهجوم اتساعا وكثافة على التعليم العالي، وبات يشبه أشكالًا من التعليم مماثلة لما حدث في ألمانيا النازية.[ هنري غيروكس وأنثوني دي ماغيو:الفاشية امام المحكمة: التربية واحتمال الديمقراطية (لندن:بلومسباري، 2024] إن محاولات المحافظين " استهجان المعرفة، والسخرية من البحث الأكاديمي بالذات ، وتثبيط الفضول الفكري لدى أطفالنا والرأي العام الأمريكي" لهي ذات تاريخ طويل وقذر.[ إلن مكلين:تاريخ الفاشية يقدم دروسا حول الهجمات الراهنةعلى التعليم ، وهنري غيروكس وأنثوني دي ماغيو مصدر سبق ذكره ]
اليمين يتحكم بالسياسية ويتحكم بالتعليم
اختلاف اليوم أن السياسات الفاشية الناشئة، التي تقودها مجموعة من المليارديرات والجماعات اليمينية المتطرفة، تضع التعليم في مرمى نيرانها. على سبيل المثال، كما أشارت جود ليجوم مؤخرًا [جود ليغوم: جامعة كولمبيا مصدر سبق ذكره ]، يواجه مديرو الكليات "ضغطًا سياسيًا كبيرًا من اليمين"، والبعض مثل رئيسة جامعة كولومبيا، نعمات شفيق، على استعداد تام للخضوع لمثل هذا الترويع. وكما لاحظت إيرين مولفي، رئيسة الرابطة الأمريكية لأساتذة الجامعات، فإننا نشهد "عصرًا جديدًا من المكارثية حيث تسخر لجنة مجلس النواب رؤساء الكليات والأساتذة مسرحا سياسيا".[ جود ليغوم المصدر السابق] الهجمات الأخيرة التي شنها اليمين المتطرف على التعليم العالي مصممة كي تتعمق حتى الفصول المدرسية وتشطب على اللحظات الخطيرة من التاريخ[التمييز العنصري مثلا]، و تقضي على انتقادات العنصرية النظامية، وتبعد الموضوعات ذات التوجه الجنسي، و تغلق أي نقاش حول المشكلات الاجتماعية، وتضعف كل تحكم للمعلمين أو الأساتذة الجامعيين بالفصول الدراسية. وهذا أكثر من مجرد تنقيح لما يعتبره اليمين المتطرف أمرًا غير مستساغً وخطيرً.
إن هذا تعليم يتمخض عن عمى أخلاقي وتجهيل، يشف عن ازدراء أفكار التمكين والتفكير النقدي والحريات المدنية. إنه حرب على التاريخ والذاكرة والتضامن، يفكك الروابط الاجتماعية التي تشدنا معًا في مجموعة من القيم المشتركة.[ اليكسندرمينز، يوكو إيدا وماثيو ميرز: "تعليم ما وراء الهلع"- ريفيو اف إيديوكيشن، أبحاث في البيداغوجيا والثقافة ].
وكما يقول دونالد هوارد، لا يمكن للمعلمين وغيرهم المخاطرة بالإخفاق في التحدث والتصرف ضد الاعتداءات اليمينية الحالية، خاصة في زمن يشن الهجوم ضد سلسلة من النماذج التربوية الديمقراطية"، زمن " اهتراء نسيج ديمقراطيتنا بالذات ، إن لم يكن قد تداعى، لا يمكننا المخاطرة بالصمت."[ دونالد هوارد: مخاطرة الصمت 28أغسطس 2018 ].الصمت حيال النشاط السياسي للفاشية الناشئة يقدم نذيرا من خطر يجيء ودروس يجب مقاربتها .
تعمل مثل هذه الهجمات كآلة هائلة لتشويه الخيال وأداة للإخضاع من خلال تفعيل أساليب تدريس الطاعة والقمع. هذا النوع من التعليم يدور حول أكثر من مجرد تحويل المدارس إلى مراكز تلقين؛ فالأمر يتعلق بإنشاء نظام تعليمي يجعل الأيديولوجيات الفاشية مقبولة ويرفض أنماط الفعالية النقدية .[ هنري غيروكس وأنثوني دي ماغيو:الفاشية امام المحكمة مصدر سبق ذكره]
وهذا ليس أقل من عودة لمكارثية جديدة سامة تهدد ليس فقط حرية التعبير والحرية الأكاديمية، إنما مبادئ أساسية للديمقراطية بالذات .
إن أعمال العصيان المدني التي تجري حاليًا في الجامعات مشبعة بروح حركة بيركلي لحرية التعبير، التي سادت في ستينيات(القرن الماضي). آنذاك، كما هو الحال الآن، ناضل الطلاب من أجل الحق في التعبير عن آرائهم، والإطاحة بأفعال الظلم الاجتماعي، ووضع حد لما أسماه ماريو سافيو، أحد قادة الحركة، "تشغيل الآلة [التي باتت] كريهة لدرجة [أن] عليكم أن تضعوا أجسادكم على التروس وعلى العجلات ... على العتلات، على ... الجهاز، ويترتب عليكم إيقاف الجهاز ! ترتب عليكم أن تفهموا الأشخاص الذين يديرونها، والأشخاص الذين يملكونها، أنكم ما لم تكونوا احرارا ا، فسيتم منع الآلة من العمل على الإطلاق! "[ ماريو سافيو محاضرة القيت بجامعة كاليفورنيا 2ديسمبر 1964] ما أوضحه الطلبة المحتجون في جامعة كولومبيا، ييل، ،جامعة نيويورك وغيرها من الجامعات في أرجاء الولايات المتحدة أن السلطة يجب أن تخضع للمساءلة، وأنه يجب كسر وباء الصمت بشأن الحرب على الفلسطينيين، وذلك من أجل إعادة تطعيم النضال من أجل حقوق الإنسان إلى لغة النشاط السياسي القائم على قيم المساواة والعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الإنسانية. ما يقدمه الشباب من دروس للعالم هذه الأيام، منصتا لكلمات العظيم، فريدريك دوغلاس، داعية إلغاء العبودية وعقوبة الإعدام ، تنص (الدروس) على أن الحرية تجريد فارغ إذا أخفق الناس في التصرف ، وأنه "إذا لم يتحرك النضال، فلن يتحقق التقدم".[ فريدريك دوغلاس:محاضرة القاها عام 1857] .