الميديا الأميركية شوهت قضية الإبادة العرقية ورفضتها بتوجيه من سلطات الحكم


سعيد مضيه
الحوار المتمدن - العدد: 7880 - 2024 / 2 / 7 - 11:36
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

تجمع صناعي إعلامي يسند التجمع الصناعي العسكري، ويؤدي بعض مهماته

"مضت منذ أمد الأيام حين كانت الصحافة الأميركية تسمو بالقيم الأخلاقية وهي تنقل الأخبار بنزاهة وبدون تحيز؛ تعكس بذلك الحقيقة." كتب ديفيد شولتز، أستاذ العلوم السياسية بالولايات المتحدة. باتت الصحافة
جزءًا من مجمع "الميديا"، اسم أطلقه ، في ستينات القرن الماضي، المفكر الكندي، ربرت مارشال مكلوهان [توفي عام 1980] ، و يعني بالتسمية ان وظيفة الإعلام غدت تبليغ الرسالة. عملية الإعلام وظيفتها في النظم الامبريالية نقل رسالة مؤسسة الحكم، او ملأ القوم، الى الجمهور، بقصد تضليله و إخضاعه وسلب إرادته. الإعلام الأميركي بات يقوم مقام فرق عسكرية يخضع المجتمع الأميركي وشعوب العالم لمشيئة الامبريالية، وليس نشر الحقيقة لما يدور من أخبار ووقائع. وبالنتيجة ،" ليس في مصلحة احتكارات الميديا ان تنشر بنزاهة عن قضية الإبادة الجماعية بالعدل الدولية"؛ اورد الروفيسور ديفيد شولتز في مقالته المنشورة في 2 شباط الجاري:


شوهت الميديا الأميركية ورفضت قضية جنوب إفريقيا المرفوعة الى محكمة العدل الدولية حول الإبادة الجماعية في غزة. أقدمت على ذلك قبل صدور قرار العدل الدولية وبعده.
ان النزاع بين إسرائيل وحماس تراجيديا على نطاقات متعددة؛ لكن رد فعل إسرائيل ، في نظر العديد من المراقبين غير مقبول، دفع البعض الى القول انها ربما كانت انتهاكا لميثاق عدم الإبادة العرقية لعام . 1948 التي صادقت إسرائيل عليها .رفعت جنوب إفريقيا قضية الى العدل الدولية ادعت فيها اتهام إسرائيل التسبب في إبادة جماعية ، وطلبت إصدار حكم بأن أفعال إسرائيل تبلغ حد إبادة جماعية وقرار أولي يطلب من إسرايل وقف اي فعل قد يشكل مثل هذه الأفعال
ه.
فورا تصدت الكثير من احتكارات الميديا الأميركية برفض الشكوى . بريت ستيفنز بنيويورك تايمز وصف تهمة إبادة الجنس بأنها "فاحشة أخلاقية" ؛ ووصفت روث ماركوس بصحيفة الواشنطون بوست القرار الأولي للعدل الدولية "انحراف بالعدالة"؛ وادعت مجلة الإيكومونيست ان مفهوم إبادة جماعية "اسيء استعماله" هنا ؛ وحظر على مراسلي لوس أنجلوس تايمز ، الذين وقعوا على رسالة تندد بأفعال إسرائيل ، من تغطية قرار المحكمة جزئيا لأنهم طالبوا باستعمال كلمات إبادة جماعية و أبارتهايد بالتغطية؛ اما وول ستريت جورنال فوصفت القضية المرفوعة ضد إسرائيل ب"الانعكاس الأخلاقي"؛ وفي نظر العديد من احتكارات الميديا الرئيسة فإن قضية جنوب إفريقيا كانت ببساطة "خطيئة سياسية"، ويتوجب على العدل الدولية رفض الشكوى.

مع كل هذا ، أصدرت العدل العليا حكمها ؛ لم ترفض شكوى إبادة الجنس؛ بدل ذلك أعلنت بصورة جزئية " في ضوء القيم الأساس التي قُصِد لحمايتها بميثاق منع إبادة الجنس تقر المحكمة معقولية الحقوق موضع التساؤل في هذه المقدمات ، يعني حق الفلسطينيين في قطاع غزة بالحماية من افعال إبادة الجنس والأفعال المحظورة المرتبطة بها، والواردة في المادة 3 من الميثاق ". كما أمرت المحكمة إسرائيل " اتخاذ جميع الإجراءات ضمن سلطتها لمنع جدميع الأفعال التي تقع في نطاق المادة 2 من الميثاق"بما في ذلك قتل أفراد من السشعب الفلسطيني.

مع ذلك لم تكن الحكاية في نظر الكثير من احتكارات الميديا الأميركية وجود انتهاكات معقولة بإبادة جماعية من طرف إسرائيل؛ إنما بدل ذلك قيل ان العدل الدولية لم تصدر أمرا كاملا بوقف النزاع بالكامل. جرى تحريف قرار العدل الدولية في تقارير الميديا؛ إذ بينما لم تقل محكمة العدل الدولية بوقف جميع العمليات العسكرية نظرا لاحتمال وجود عمليات دفاع مشروعة بموجب القانون الدولي ، فقد أمرت بوقف جميع الأفعال التي قد تبلغ حد إبادة الجنس؛ عمليا ربما تشمل جميع الأفعال التي انخرطت فيها إسرائيل. على الضد من جميع تقارير الميديا الأميركية كان قرار المحكمة خسارة كبرى لإسرائيل.

إذن، لماذا التحيز والتقارير المحرفة؟ قد يسارع البعض ويقفز الى تحيز بجانب إسرائيل وضد الفلسطينيين من جانب منابر الميديا الأميركية؛ قد يكون ذلك، لكنه جواب تبسيطي؛ والجواب الحقيقي يكمن في ثلاث قوى على الأقل:

أولاها ،ميل احتكارات الميدسا للاعتماد الثقيل على نفس المصادر الرسمية للحكومة الأميركية في تقاريرها الإخبارية ؛ هذا التجمع يشمل مراكز أبحاث السياسات الخارجية الحكومية بواشنطون، أساتذة الجامعات الأميركية المرموقة والمسولين الحكوميين ممن يشكلون مؤسسة وإجماع السياسة الخارجية؛ هذا الإجماع يعكس تحيزا في معظم الأحوال ادى الى الأخطاء الكبرى في السياسة الحارجية للولايات المتحدة. تتحول احتكارات الميديا صوبها للحصول منها على الأخبار والتقارير الإخبارية معززة بذك حفر نفق وجهات نظر حين يتعلق الأمر بالنقاش والبحث في قضايا السياية الخارجية.

وثانيها ، الإفراط في مركزة الميديا بأيدي قلة تتقلص باستمرار لكي يستبعد الربح تنوع الآراء والأصوات البديلة.احتكارات الميديا تنشر ما يتم الإجماع عليه في واشنطون، مستثنيا الأصوات أو الأفكار البديلة والدولية. ولا عجب ، بينما مجمل كنبات الميديا الأميركية تحط من قرار محكمة العدل الدولية، تضفي الكثير من الميديا في أرجاء العالم وخارج الولايات المتحدة مصداقية جادة على العدل الدولية.

وثالثها، وربما أهمها ان هذا التحيز هو الأكتر مجلبة للأرباح؛ مضت منذ أمد الأيام حين كانت الصحافة الأميركية تسمو بالقيم الأخلاقية وهي تنقل الأخبار بنزاهة وبدون تحيز؛ تعكس بذلك الحقيقة. .بدل ان تنشر"جميع الأنباء الصالحة للنشر" ربما من الأصح القول انها تنشر "جميع الأنباء التي يعظّم نشرها الأرباح ". قراء احتكارات الميديا يعيشون داخل فقاقيع وتحيزات أنبائها؛ بدل تحدي معتقداتهم تعمد احتكارات الميديا لتجاهلها من أجل الربح.
للتعبير ببساطة لا يجلب الأرباح ، او ليس في مصلحة احتكارات الميديا ان تنشر بنزاهة عن قضية الإبادة الجماعية بالعدل الدولية؛ التحيزات تغلغلت عميقا في بنية احتكارات الميديا الرئيسة وإجماع واشنطون للسياسة الخارجية مرارا وتكرارا وضع عناوين الأخبار.

.