مثقفون ينتصرون للحقيقة يفضحون تحيز الميديا في الغرب الامبريالي[2من2]


سعيد مضيه
الحوار المتمدن - العدد: 7888 - 2024 / 2 / 15 - 10:34
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

الحصار والتجويع حرب إبادة جماعية رديفة

من نماذج تحيز الميديا وعدم موضوعيتها ما نشرته، لغرض التحريض، إحدى صحف التيار الرئيس المتصلة بالدولة العميقة،صحيفة " وول ستريت جورنال" ، حول مشاركة موظفي وكالة الغوث في هجوم 7 أكتوبر واستشهدت به أكثر من ست عشرة دولة لتبرير قطع التمويل عن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة. ضد هذ الانحيازتصدت صحيفة “ديلي بيست”، إحدى صحف التقصي النقدية . حصلت على نسخة من الملف الإسرائيلي المتضمن بينات المشاركة، وذكرت يوم الثلا ثاء[30 يناير/كانون ثاني] أنه يتضمن القليل من الأدلة لدعم” مزاعم إسرائيل ضد موظفي الأونروا".
كتب كريج مخيبر، مسؤول سابق في الأمم المتحدة استقال من منصبه احتجاجا على فشل المؤسسة الدولية في وقف الهجوم الإسرائيلي على غزة،"حقيقة أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وعدة حكومات غربية أخرى هاجمت الأونروا على الفور بناء على أوامر من حكومة أجنبية تمارس الإبادة الجماعية (استنادا إلى ادعاءات كاذبة) يجب أن تجعلك قلقا للغاية بشأن ديمقراطيتك".
يتقل الكاتب الأميركي دانييل وارنر، في مقال نشره في 9شباط الحالي، عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه أبلغ مجموعة من السفراء لدى الأمم المتحدة في مكتبه بالقدس، حسبما أوردت صحيفة تايمز أوف إسرائيل في الأول من فبراير: "لقد حان الوقت لأن يفهم المجتمع الدولي والأمم المتحدة نفسها أن مهمة الأونروا يجب أن تنتهي". ومن المؤكد أنه ليس من قبيل الصدفة أن تعليق تمويل الأونروا حدث في نفس اليوم الذي صدر فيه قرار محكمة العدل الدولية بالدعوة إلى اتخاذ خمسة تدابير مؤقتة لإسرائيل "لتمكين توفير الخدمات الأساسية التي تشتد الحاجة إليها".
وعن اليمينية المتطرفة، نيكي هيلي، سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة، وحاليا مرشحة لرئاسة الجمهورية نقل الكاتب دانييل وارنر، انها "تذكرت بفخر" مؤخرًا على قناة فوكس نيوز انها ضد إعادة الرئيس بايدن تمويل الأونروا لعام 2021: "جلستُ في مكتب الرئيس ترامب وقلت: ’علينا أن نوقف الأموال المقدمة للأونروا‘" .

أشارت مجلة ديلي بيست الى الغاية من وراء الترويج لمذكرة إسرائيل، فكتبت: "من المتوقع أن تخسر الأونروا 65 مليون دولار بحلول نهاية فبراير/شباط مع دخول تخفيضات التمويل من جانب المانحين حيز التنفيذ، مما يعرض للخطر عمليات الوكالة في غزة وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط" أوردت إشارة القناة الرابعة في الإذاعة البريطانية يوم الإثنين29يناير إلى أن جميع أسماء موظفي الأونروا في غزة البالغ عددهم 13,000 “تم فحصها ومقارنتها بقائمة الأمم المتحدة للإرهاب، وتمت الموافقة عليها من قبل إسرائيل حتى شهر مايو الماضي".
طالبت الصحيفة "يجب أن تؤدي هذه الفضيحة إلى استقالة المسؤولين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وأماكن أخرى، الذين أوقفوا جميعهم التمويل لشعب محاصر يعاني من إبادة جماعية نتيجة لاتهام لا أساس له ، موجه من قبل مرتكبي الإبادة الجماعية أنفسهم".
لم يراع رؤساء الحكومات المستجيبين لتحريض إسرائيل اتهامات خبراء الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان القوات الإسرائيلية باستخدام التعذيب لانتزاع اعترافات قسرية من المعتقلين الفلسطينيين.
.الدين المؤوّل في بروباغاندا الحرب
ديانا جونستون عملت سكرنيرة صحفية لمجموعة الخضر في البرلمان الأوروبي خلال الفترة 1989- 1996؛ في أحدث كتبها "دائرة في الظلام:ذكريات مراقب دولي"، أوردت فيه الفصول الرئيسة لتحول حزب الخضر في ألمانيا من حزب سلام الى حزب الحرب. [ نقل الكاتب الأميركي ، دانييل وارنر، عن مجلة ناشيونال ريفيو تصريحا لعضو من حزب الخضر بألمانيا، ماكس لآكس،: “لا ينبغي أن يصل سنت واحد من ألمانيا إلى المعلمين الذين يمجدون إرهاب حماس”، وأضاف : "الأونروا لا تساهم في التوصل إلى حل سلمي".]
كتبت ديانا جونستون: يعمد أنصار إسرائيل، حيال الاحتجاجات المتزايدة إزاء معاناة الشعب الفلسطيني فيغيرون موضوع النقاش؛ عندما يتم دفن عائلات في غزة تحت أنقاض منازلهم، لا يعود الحديث يدور حول محنة فلسطينيين بالتجريد ؛ إنما يدور الحديث عن "اليهود الضحية الأبدية" ؛ او حول "الإرهاب الإسلامي". أو ربما تهديد "قيم الغرب".
وهذا هو الخط المتبع من قبل أغلبية وسائل الإعلام الفرنسية والطبقة السياسية.
وقد تتم العودة الى رواية حكايات التوراة، تحكي صنوف الانتقام ، والمذابح العرقية، ونبوءة الهلاك . في إسرائيل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ...."سوف نحقق نبوءة يشعياهو"[ ذبح الخصوم بالجملة]. و بالولايات المتحدة يعلن النضال بين االخير والشر: "نحن شعب النور ، وهم شعب الظلام ـ والنور سوف ينتصر على الظلام ؛ بات دوري في الزمن الراهن قيادة جميع الإسرائيليين الى نصر مؤزر".
يجري تعليم أتباعه لآن يصدقوا ان المسيح اللطيف سوف يعود إلى الأرض منتقما قاتلا، بينما يُنتشل أتباعه إلى السماء. نبوءات الزعيم الإسرائيلي المعتوهة تلقى الدعم على يد صيغة أمريكية من المسيحية - المتهودة، يهودية أكثر منها مسيحية.
أضافت ديانا جونستون:"بالنسبة لقادة الغرب المستنير، اعتبرت معظم مفاهيم الإسلام في العصور الوسطى أداة مفيدة للتصدي لتنوير منافس في الشرق قائم على مبادئ الماركسية .
اما في هذا السياق، فلدى الفرنسيين حساسية خاصة لمفهوم ’الإرهاب الإسلامي‘، [كما لو أن الدين الإسلامي بأكمله هو المسؤول، بدلاً من تسميته إرهابا يتكنى بالإسلام، إشارة إلى الإسلام السياسي].
وعندما نجح مقاتلون من غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول في العبور إلى إسرائيل، أدانت وسائل الإعلام والساسة الفرنسيون على الفور الهجوم ووصفوه بأنه "إرهاب إسلامي"، وربطوه ضمناً بسلسلة طويلة من الهجمات الإسلامية في فرنسا.
"وعلى النقيض من تلك الهجمات، نفذ مقاتلو حماس المنظمون جيدًا عملية عسكرية ناجحة، حيث ا كسروا الجدار الإسرائيلي المحيط بغزة كالسجن، واجتاحوا القواعد العسكرية الإسرائيلية. كان لهذه العملية أهداف واضحة، خاصة أخذ رهائن لمبادلة بعض من آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل. احتجاز الرهائن بمثابة دعوة واضحة للمفاوضات؛ لكن النظام الإسرائيلي يكره أي مفاوضات قد "تضفي الشرعية" على الحركة الفلسطينية.
"في بداية الأمر حظرت حكومة إسرائيل المظاهرات التي كانت احتجاجًا على الهجمات الإسرائيلية الواسعة النطاق على سكان غزة. وتعرض المشاركون في مظاهرات سلمية لمعاملة خشنة من جانب الشرطة مع فرض غرامات مالية؛ على كل حال، تم إسقاط الحظر، وتواصلت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين. من المؤكد أن معارضة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد شعب غزة قوية بين اوساط الشعب الفرنسي، خاصة بين الشباب؛ غير أن نبرتها السياسية محدودة للغاية، وحتى الآن، لم تخضع لقياس هيئة استطلاع الرأي .
"رددت وسائل الإعلام الفرنسية أصداء تقارير إسرائيلية مبالغ فيها إلى حد كبير عن فظائع حماس و"تصاعد معاداة السامية".
"نقلت الصحف مخاوف يهودية متزايدة من التعرض لهجوم هنا في فرنسا؛ تعمدت الحكومة الإسرائيلية استغلال الخوف من اللاسامية لتشجيع اليهود الفرنسيين على الهجرة لإسرائيل؛ غير ان نجاح توغلات حماس يهدد بزعزعة الثقة في إسرائيل باعتبارها الملاذ الآمن الوحيد لليهود - مما يؤدي إلى حشر نصف السكان اليهود في العالم في مساحة صغيرة محاطة بالأعداء.
"في الأيام التي تلت 7 أكتوبر/تشرين الأول، تعمد مراسلو وسائل الإعلام الرئيسية في المقابلات اختبار كل سياسي بمطلب التنديد بحماس ’منظمة إرهابية إسلامية‘ ؛ تجاوب الجميع تقريبا بحماس، وأكدوا دعمهم ’لحق إسرائيل في الوجود‘ ( مهما ترتب على ذلك الوجود ).
مضت الى القول ، "والاستثناء البارز هو اليساري جين ميلينتشون، رئيس حزب" فرنسا الأبية" رفض استنكارحماس ’منظمة إرهابية‘؛ قتل حماس للمدنيين كانت جرائم حرب اشبه بأي قتل لمدنيين. في تغريدة على تويتركتب ميلينتشون:"الهجمات تبرهن شيئا واحدا فقط: ان العنف لا يجلب غير العنف ويعيد إنتاج العنف.أفكارنا وتعاطفنا موجهة لكل الجماهير المكروبة ، ضحايا العنف جميعا؛ يجب فرض وقف إطلاق النار".
حذا حذوه العديد من أعضاء البرلمان من حزب ميلينشون "فرنسا الأبية"، على عكس أقسام أخرى من اليسار المنقسم. دانييل أوبونو، عضو البرلمان الفرنسي عن حزب LFI في باريس، المولود في أفريقيا، تم استفزازه بوقاحة من قبل أحد المحاورين التلفزيونيين المعادين ليقول إن حماس "حركة مقاومة، هذا ما تسمي نفسها... هدفها هو تحرير فلسطين... إنها تقاوم الاحتلال". وفي غضون ساعتين، أعلن وزير الداخلية جيرار دارمانين أنه سيوجه لها تهمة "الدفاع عن الإرهاب".
كريس هيدجز: الخطة الرئيسية لإسرائيل
قدمت إسرائيل خيارين للفلسطينيين في غزة: ألرحيل او الموت.
الفقراء، خاصة، عندما يكونون من ذوي البشرة الملونة، لا يدخلون ضمن حسابات أحد؛ يمكن قتلهم كالذباب. المجاعة في غزة ليست كارثة طبيعية. إنها خطة إسرائيل الرئيسة .
سوف ينبري مؤرخون وكتاب يدونون إبادة الجنس ، يصدقون رياءً أننا يمكن أن نتعلم من الماضي؛ فنحن مختلفون، ويمكن للتاريخ الحيلولة دون التورط ثانية في البربرية .
سوف يعقدون مؤتمرات علمية، وسيقولون "لن تتكرر!"، يغريهم الثناء على النفس نظرا لكونهم أكثر إنسانية وحضارة.
ولكن عندما يحين الزمن للمجاهرة عن إبادة جماعية جديدة، وخشية فقدانهم المكانة أو المنصب الأكاديمي، فسوف يندفعون كالفئران إلى جحرها.
يضيف كريس هيدجز صورة لتداعيات التجويع:
"قمت بتغطية المجاعة التي حدثت في السودان عام 1988 والتي أودت بحياة 250 ألف شخص. هناك خطوط في رئتي، ندوب من الوقوف وسط مئات السودانيين وهم يموتون بسبب مرض السل. كنت قويًا وبصحة جيدة وقاومت العدوى؛ كانوا ضعفاء وهزيلين فلم يقاوموا؛ ولم يقدم المجتمع الدولي، كما هو الحال في غزة، إلا القليل .
نذير المجاعة – نقص التغذية – يؤثر بالفعل على معظم الفلسطينيين في غزة؛ أولئك الذين يعانون من الجوع يفتقرون إلى السعرات الحرارية الكافية لإعالة أنفسهم.
في حالة اليأس، يبدأ الناس في تناول علف الحيوانات، والعشب، وأوراق الشجر، والحشرات، والقوارض، وحتى الأوساخ. ويعانون من الإسهال والتهابات الجهاز التنفسي. يفتتون قطعا صغيرة من الطعام، غالبًا ما تكون فاسدة، ويوزعونها فيما بينهم .
سرعان ما يصابون بفقر الدم بسبب نقص الحديد الكافي لإنتاج الهيموجلوبين، وهو البروتين الموجود في خلايا الدم الحمراء الذي يحمل الأكسجين من الرئتين إلى الجسم، والميوجلوبين، وهو البروتين الذي يوفر الأكسجين للعضلات، إلى جانب نقص فيتامين ب1.
يتغذى الجسم على نفسه. الأنسجة والعضلات تتحلل وتفنى؛ يستحيل تنظيم درجة حرارة الجسم؛ فشل كلوي ؛ أجهزة المناعة تنهار؛ ألأعضاء الحيوية تضمر – المخ، والقلب، والرئتان، المبايض والخصيتان.
تتباطأ الدورة الدموية؛ حجم الدم يتناقص؛ الأمراض المعدية تغدو وباءً معديا تصيب الآلاف- التيفوئيد والسل والكوليرا.
التركيزبات متعذرا؛ الأجساد الهزيلة تستسلم للانسحاب العقلي والعاطفي واللامبالاة؛ يرفضون ان يلمسهم احد او يحركهم؛ عضلة القلب تضعف؛ الضحايا، حتى وهم في حالة الراحة، يتردون في قصور القلب الظاهري؛ الجروح لا تلتئم .
تضعف الرؤية ، إذ تعتم عدسة العين، حتى بين الشباب؛ وأخيرًا يتوقف القلب عن الخفقان بعد ان أعيته التشنجات والهلوسة؛ يمكن أن تستمر هذه السيرورة مدة 40 يومًا للبالغين. الأطفال وكبار السن والمرضى يهلكون بمعدلات أسرع.
في نظام البشير الديكتاتوري إبادة جماعية بالتجويع.
رأيت المئات من الهياكل العظمية، أشباح البشر، تتحرك يائسة بخطى متثاقلة عبر الأراضي السودانية القاحلة. اعتادت الضباع أكل اللحم البشري، وكانت تصطاد الأطفال الصغار بشكل روتيني.
وقفت اتامل أكواما من العظام البشرية النخرة على مشارف القرى حيث كان العشرات من الأشخاص، بوهن شديد عاجزين عن السير، استلقوا جماعات ولم ينهضوا أبدًا. الكثير من أكوام العظام بقايا أسر بأكملها.
في بلدة مايا أبون المهجورة، تتدلى الخفافيش من عوارض كنيسة الإرسالية الإيطالية المدمرة؛ الشوارع مغطاة بالعشب .
مهبط الطائرات المترب محاطُ بمئات العظام البشرية والجماجم وبقايا الأساور الحديدية والخرز الملون والسلاسل وشرائط الملابس الممزقة؛ أشجار النخيل مقطوعة من نصفها.
التهم الناس أوراق شجر النخيل واللب من الداحل؛ انتشرت شائعات بتوصيل الطعام بواسطة الطائرة؛ سار الناس لعدة أيام وليالي نحو مهبط الطائرات؛ انتظروا وانتظروا وانتظروا، دون وصول طائرة، ولا أحد تطوع بدفن الموتى .
والآن، من بعيد، أشاهد هذا يحدث في أرض أخرى في زمن آخر؛ أعرف اللامبالاة التي قضت بالهلاك للسودانيين، وأغلبهم من قبيلة الدينكا، واليوم مصير الهلاك ينتظر الفلسطينيين .
التاريخ البشري فظاعة ممتدة للفقراء والمستضعفين في العالم. وغزة فصل آخر من فصول هذا التاريخ.