سخرية من العدالة البريطانية


سعيد مضيه
الحوار المتمدن - العدد: 7939 - 2024 / 4 / 6 - 11:40
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

جوليان أسانج على الصليب
ترجمة سعيد مضيه

رفضت المحاكم البريطانية لمدة خمس سنوات الإجراءات القانونية الواجبة لجوليان أسانج بسبب تدهور صحته الجسدية والعقلية. وهذا هو الهدف من محاكمته الصورية.

منقولة عن شير بوست [الموقع الإليكتروني لصحفي الاستقصاء كريس هيدجز]
رفض المدعون العامون الذين يمثلون الولايات المتحدة، سواء عن عمد أو بسبب عدم الكفاءة، في جلسة الاستماع التي استمرت يومين والتي حضرتُها في لندن في فبراير/شباط الفائت، تقديم ضمانات بأن جوليان أسانج سيحصل على حقوق التعديل الأول، وسيعفى من عقوبة الإعدام إذا تم تسليمه إلى المحكمة.
إن عدم القدرة على تقديم هذه الضمانات يضمن أن المحكمة العليا – كما فعلت يوم الثلاثاء – ستسمح لمحامي جوليان بالاستئناف. هل تم ذلك للمماطلة لبعض الوقت حتى لا يتم تسليم جوليان إلا بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ هل كان ذلك تكتيكًا لتأخير التوصل إلى صفقة الإقرار بالذنب؟
ويناقش محامو جوليان والمدعون العامون الأمريكيون هذا الاحتمال. هل هوالإهمال القانونيً؟ أم انه إبقاء جوليان محتجزًا في سجن شديد الحراسة حتى ينهار عقليًا وجسديًا؟
إذا تم تسليم جوليان، فسوف تتم محاكمته ب 17 تهمة من قانون التجسس لعام 1917، مع احتمال الحكم عليه بالسجن 170 عامًا، إلى جانب تهمة أخرى "التآمر لارتكاب جريمة اختراق الكمبيوتر" تحمل خمس سنوات إضافية.
ستسمح المحكمة لجوليان باستئناف نقاط فنية بسيطة – يجب احترام حقوقه الأساسية في حرية التعبير، ولا يمكن التمييز ضده على أساس جنسيته، ولا يمكن أن يكون تحت التهديد بعقوبة الإعدام.
ولن تسمح أي جلسة استماع جديدة لمحاميه بالتركيز على جرائم الحرب والفساد التي كشفت عنها ويكيليكس. لن تسمح أي جلسة استماع جديدة لجوليان بالدفاع عن المصلحة العامة. لن تناقش أي جلسة استماع جديدة الاضطهاد السياسي لناشر لم يرتكب جريمة.
من خلال مطالبة المحكمة الولايات المتحدة بضمانات لمنح جوليان حقوق التعديل الأول في المحاكم الأمريكية وعدم تعرضه لعقوبة الإعدام، عرضت على الولايات المتحدة مخرجًا سهلاً - تقديم الضمانات ورفض الاستئناف.
من الصعب أن نرى كيف يمكن للولايات المتحدة أن ترفض لجنة مكونة من قاضيين، مؤلفة من السيدة فيكتوريا شارب والقاضي جيريمي جونسون، والتي أصدرت يوم الثلاثاء حكمًا من 66 صفحة مصحوبًا بأمر محكمة من ثلاث صفحات وإحاطة إعلامية من أربع صفحات. .
وكانت جلسة الاستماع في فبراير هي الفرصة الأخيرة لجوليان لطلب استئناف قرار التسليم الذي اتخذته وزيرة الداخلية البريطانية آنذاك بريتي باتيل في عام 2022، والعديد من أحكام قاضية المقاطعة فانيسا بارايتسر عام 2021.
إذا تم رفض الاستئناف، فيمكن لجوليان أن يطلب من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وقف تنفيذ الإعدام بشكل طارئ بموجب المادة 39، والذي يتم تقديمه في "ظروف استثنائية" و"فقط عندما يكون هناك خطر وشيك بحدوث ضرر لا يمكن إصلاحه".
لكن من الممكن أن تأمر المحكمة البريطانية تسليم جوليان فورًا قبل صدور تعليمات المادة 39، أو أن تقرر تجاهل طلب من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للسماح لجوليان بسماع قضيته هناك.
انخرط جوليان في معركة قانونية لمدة 15 عامًا. بدأ الأمر في عام 2010 عندما نشرت ويكيليكس ملفات عسكرية سرية من الحربين في العراق وأفغانستان - بما في ذلك لقطات تظهر طائرة هليكوبتر أمريكية وهي تطلق النار على مدنيين، من بينهم صحفيان من رويترز، في بغداد.
لجأ جوليان إلى سفارة الإكوادور في لندن لمدة سبع سنوات خوفًا من تسليمه إلى الولايات المتحدة. وقد اعتقلته شرطة العاصمة في أبريل 2019، وسمحت لهم السفارة بالدخول واعتقاله. لقد تم احتجازه منذ ما يقرب من خمس سنوات في سجن إتش إم بيلمارش، وهو سجن شديد الحراسة في جنوب شرق لندن.
شكلت القضية المرفوعة ضد جوليان سخرية بالنظام القضائي البريطاني وبالقانون الدولي؛ فأثناء وجوده بالسفارة، قدمت شركة الأمن الإسبانية يو سي جلوبال تسجيلات فيديو للاجتماعات بين جوليان ومحاميه إلى وكالة المخابرات المركزية، مما أدى إلى انتزاع امتياز المحامين وموكلهم.
انتهكت حكومة الإكوادور - بقيادة لينين مورينو - القانون الدولي بإلغاء وضع جوليان كلاجئ والسماح للشرطة بدخول سفارتها لنقل جوليان إلى شاحنة كانت بالانتظار.
رفضت المحاكم وضع جوليان كصحفي وناشر شرعي. تجاهلت الولايات المتحدة وبريطانيا المادة الرابعة من معاهدة تسليم المجرمين التي تحظر تسليم المتهمين بجرائم سياسية.
اعترف الشاهد الرئيسي للولايات المتحدة، سيجوردور ثوردارسون - المحتال المدان بجريمة التحرش بالقاصرات - بتلفيق الاتهامات التي وجهها ضد جوليان مقابل الحصانة عن جرائم ارتكبها بالماضي.
جوليان، المواطن الأسترالي، متهم بموجب قانون التجسس الأمريكي على الرغم من أنه لم يشارك في التجسس ولم يكن مقيمًا بالولايات المتحدة عندما تم إرسال الوثائق المسربة إليه.
وتنظر المحاكم البريطانية في تسليم المجرمين، على الرغم من خطة وكالة المخابرات المركزية لاختطاف جوليان واغتياله؛ وهي الخطة المتضمنة احتمال إطلاق النارعليه في شوارع لندن، بمشاركة شرطة العاصمة في لندن.
تم احتجاز جوليان في عزلة في سجن شديد الحراسة دون محاكمة، على الرغم من أن انتهاكه الفني الوحيد للقانون يقتصر على انتهاك شروط الكفالة بعد حصوله على اللجوء في سفارة الإكوادور. وهذا ما يوجب ان يترتب عليه غرامة فقط.
أخيرًا، لم يقم جوليان بتسريب الوثائق، عكس دانييل إلسبيرج. نشر وثائق سربتها تشيلسي مانينغ عن مخالفات الجيش الأمريكي.
قبل القاضيان ثلاثة من الأسباب القانونية التسعة كنقاط محتملة للاستئناف؛ وتم رفض الأسباب الستة الآخرى. كما رفضت الهيئة المكونة من قاضيين طلب محامي جوليان تقديم أدلة جديدة.
طلب فريق جوليان القانوني من المحكمة إدخال خدمة Yahoo عبارة عن تقرير إخباري كشف أن مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك، مايك بومبيو، فكر في اغتيال جوليان، وذلك .بعد نشر الوثائق المعروفة باسم Vault 7،
ويأمل محامو جوليان أيضًا في تقديم بيان من جوشوا دراتيل، المحامي الأمريكي، الذي قال إن استخدام بومبيو لمصطلحي “جهاز استخبارات معادي غير حكومي” و”مقاتل عدو” كان بهدف توفير غطاء قانوني لعملية اغتيال.
الدليل الثالث الذي كان محامو جوليان يأملون في تقديمه هو بيان من شاهد إسباني حول الإجراءات الجنائية الجارية في إسبانيا ضد شركة UC Global.
وكالة المخابرات المركزية، المحرك لتسليم جوليان الى السلطان الأميركية؛ كشف Vault 7 عن أدوات قرصنة تتيح لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (C.I.A). اختراق هواتفنا الى جانب أجهزة الكمبيوتر وأجهزة التلفزيون خاصتنا، وتحويلها - حتى عندما تكون مغلقة - إلى أجهزة مراقبة وتسجيل.
لا يتضمن طلب التسليم اتهامات بناءً على إصدار ملفات Vault 7؛ لائحة الاتهام الأمريكية صدرت بعد نشر ملفات Vault 7.
رفضت القاضية شارب والقاضي جونسون التقرير الوارد على موقع أنباء ياهو! "تلاوة أخرى لآراء الصحفيين في الأمور التي نظر فيها القاضي”؛ كما رفضا الحجة التي قدمها الدفاع بأن تسليم جوليان سيكون انتهاكًا للمادة 81 من قانون تسليم المجرمين البريطاني لعام 2003، بموجبها يحظر تسليم المجرمين في الحالات التي تتم فيها محاكمة الأفراد بسبب آرائهم السياسية.
ورفض القاضيان أيضًا الحجج التي قدمها محامو جوليان بأن التسليم من شأنه أن ينتهك الحماية التي يتمتع بها بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان – الحق في الحياة، وحظر المعاملة اللاإنسانية والمهينة، والحق في محاكمة حرة والحماية من العقوبة دون قانون، بالتتابع. .
بنت الولايات المتحدة حججها إلى حد كبير على شهادات المدعي العام الأمريكي جوردون د. كرومبرج، مساعد المدعي العام الأمريكي في المنطقة الشرقية من فرجينيا،إذ صرح أن جوليان، كمواطن أجنبي، "لا يحق له الحصول على الحماية بموجب التعديل الأول، على الأقل فيما يتعلق بمعلومات الدفاع الوطني".
وا قر بن واتسون، محامي كينغ، الذي مثل حكومة المملكة المتحدة خلال جلسة الاستماع التي استمرت يومين في فبراير الماضي، إذا ثبت أن جوليان مذنب بموجب قانون التجسس، فقد يحكم عليه بعقوبة الإعدام.
حث القاضيان الولايات المتحدة ووزير خارجية المملكة المتحدة على تقديم ضمانات للمحكمة البريطانية بشأن هذه النقاط الثلاث بحلول 16 أبريل.
إذا لم يتم تقديم الضمانات، سيتم المضي قدمًا في الاستئناف.
نحدد30 أبريل موعدا لتقديم مذكرات مكتوبة جديدة إلى المحكمة؛ وتجتمع المحكمة مرة أخرى في 20 مايو/أيار لتقرر ما إذا كان يمكن المضي قدماً في الاستئناف.
تبقى الأهداف في هذا الكابوس الديكنزي دون تغيير. محو جوليان من الوعي العام، شيطنته، تجريم من يفضح جرائم الحكومة. شبح جوليان على الصليب بالحركة البطيئة تحذيرٌ الصحفيين بغض النظر عن جنسيتهم، وبغض النظر عن مكان الإقامة ، يمكن اختطافهم وتسليمهم إلى الولايات المتحدة.
استمرار تنفيذ الإعدام القضائي لسنوات حتى ينهار جوليان، الذي يعاني بالفعل من حالة بدنية وعقلية محفوفة بالمخاطر.
وهذا الحكم، مثل سائر الأحكام في هذه القضية، لا يتعلق بالعدالة. يتعلق الأمر بالانتقام.