ما الذي أرعب الطبقة الحاكمة البريطانية؟


سعيد مضيه
الحوار المتمدن - العدد: 7944 - 2024 / 4 / 11 - 15:04
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

حقائق كشفت عنها حرب غزة
ترجمة سعيد مضيه
" معاناة أهل غزة وبطولاتهم، التمتوهجة رغم الموت والتدمير، ألقت الضوء على الفشل الكامل لنموذج الديمقراطية الغربية، وهو ضوءٌ تشتد الحاجة إليه". بهذه الحكمة خرج كريغ موراي، الكاتب البريطاني والدبلوماسي السابق في مقالته بعنوان "هلع الطبقة الحاكمة البريطانية"؛ هلع بعثه نجاح جورج غالواي في انتخابات برلمانية فرعية" ببرنامج انتخابي مؤيد لقضية غزة. كتب موراي:
عرفت جورج جالواي منذ أن بلغت سن الإدراك، على الرغم من أننا فقدنا التواصل في منتصف فترة وجودي خارج الدبلوماسية. أنا أعرف جورج جيدًا لدرجة أنني لا أخطئ حين أظنه المسيح ، لكنه كان على الجانب الصحيح ضد الحروب المروعة التي قادتها الطبقة السياسية بأكملها. مواهبه الطبيعية من اللباقة والفصاحة لا مثيل لها، مع موهبة إضافية في اجتراح التراكيب البلاغية قوية التأثير.
يمكن أن يكون مشاكسًا بشراسة في النقاش ويرفض دائمًا السماح لوسائل الإعلام تحديد إطار المناقشة، الأمر الذي يتطلب شهية للمواجهة أصعب مما قد تعتقد؛ إنها ليست مهارة أشاركها.
ولكن جورج يتمتع، في الحضورالعام ، بروح الدعابة واللطف والوعي الذاتي. انخرط بعمق في السياسة طوال حياته، وهو مؤمن بشدة بالعملية الديمقراطية، باعتبارها الطريقة النهائية التي ستسيطر بها الطبقات العاملة في نهاية الأمر على وسائل الإنتاج. إنه شكل اشتراكي من الطراز القديم ورفيع التهذيب .
يجب أن أعترف بأنني لم أشارك قط وجهة النظر الرومانسية مع الطبقات العاملة، وكنت أجدها دائمًا في الواقع أكثر ميلًا لاتباع عقائد نيجل فاراج بعيدا عن مذهب جون ماكلين.
لكن جورج جالاوي مشبع بالتقاليد الاشتراكية الديمقراطية الأصلية. وهو من نسل التشارتريين[عقيدة اشتراكية دعا اليها الكاتب والروائي برنارد شو] لا يمكنك أن تجد بريطانيًا أكثر وطنية وبريطانية ولا تحمسا للديمقراطية أفضل من جورج جالواي. الأمر الذي كشف سبب الحالة السريالية من الذعرلدى انتخابه عضوا في البرلمان عن دائرة روتشيل، زعم رئيس الحكومة ان انتخابه اعتداء على " القيم البريطانية"وحتى على الديمقراطية بالذات. l
خاطئة هي الفكرة بأن الديمقراطية - أي التصويت لشخص ما – هي اعتداءٌ على الديمقراطية. خطأ، كانت فكرة مجنونة للغاية، لدرجة أنه لو كان لدينا أي نوع من وسائل الإعلام المستقلة، لتعرضت للسخرية حتى الموت.
وهذا بالطبع لم يحدث. لقد قيل لنا بصوت عالٍ أننا أمة في أزمة. إشكاليات النشاط الديمقراطي - حرية التجمع، وحرية التعبير، وحرية التصويت - كلها تهدد مجتمعنا.

كل هذا الذعر السياسي ناجم بالطبع عن الإبادة الجماعية في غزة. من الضروري الربط بين النقاط هنا؛ فنحن نعيش وضعا تتسع فيه فجوة الثروة في المجتمع بين الأغنياء والفقراء بأسرع وتيرة لها على الإطلاق؛ حيث لأول مرة منذ قرون، أمكن للشباب توقع حياة دون ما اتيح لوالديهم فيما يتعلق بالتوظيف والتعليم والصحة والسكن. حيث أصبحت العلاقة بين سيطرة الأثرياء من الطبقتين السياسية والإعلامية أكثر إحكامًا من أي وقت مضى.
حيث تقلصت نافذة Overton إلى صندوق البريد.
باختصار، أصبحت فرصة تحقيق هذا النوع من الانتصار الديمقراطي للشعب العامل الذي يحلم به جورج غالواي، حقيقية مع الانتفاضة الشعبية التي أدت إلى تعيين جيريمي كوربين زعيما لحزب العمال. وقد دمرت فرص كوربين بسبب أكاذيب تأويل مواقفه عداءً للسامية.
شيطنة انتقاد إسرائيل
منذ المحرقة ومعاداة السامية بات مفهوما على اوسع نطاق ان اللاىسامية هي التهمة الأقوى التي يمكن توجيهها ضد أي شخص يعمل في السياسة. وقد نجحت جملة محسوبة ومقصودة لتطبيق المقولة بانتقاد إسرائيل في نهاية المطاف لتدمير كوربين ومؤيديه باعتبارهم تهديدًا على المدى القصير.
لذا فشيطنة انتقاد إسرائيل لم تكن حيلة عرضية من الطبقة الحاكمة؛ كانت الأداة الأكثر أهمية، التي تمكنوا من خلالها من القضاء على أقوى تهديد لهيمنتهم السياسية، التهديد الذي نشأ منذ عقود خلت في دولة غربية كبرى .
لقد نجحوا، بصراحة، لأن معظم الناس لم يعيروا الأمر اهتمامهم ؛ رأى الكثير من الناس العاديين إسرائيل كما تعلموا أن ينظروا إليها، دولة ضحية، وبالتالي فإن انتقادها أمر يستحق الشجب بشكل عام، ومنطقيا معادٍ للسامية .
ويأتي في قمة العوامل تحالف إسرائيل مع كراهية الإسلام التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعنصرية والمشاعر المعادية للمهاجرين التي لا تزال تمثل تيارًا خفيًا قويًا في السياسة الغربية، وخاصة في إنجلترا.
أدت الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة إلى انهيار هذه الرواية؛ فقد رأى الكثير من الناس الحقيقة على وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من كل محاولات وسائل الإعلام الرئيسة إخفاء أو التعتيم أو التشويه، إلا أن الحقيقة ظهرت الآن. إن ردة الفعل المنطلقة من المؤسسة[الدولة العميقة] بافتراء "اللاساية" ضد كل من يعارض الإبادة الجماعية - من الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والبابا فما دون - قد قضى أخيراً على قوة تلك الفرية .
مجموعة حاسمة من الناس العاديين تعلمت تاريخ الإبادة الجماعية البطيئة للفلسطينيين عبر 75 عامًا خلت .
المؤسسة السياسية، التي أقامت إسرائيل مقياسا أساسيا للاحترام السياسي والذي يمكن استخدامه بدقة لاستبعاد الراديكاليين من الخطاب السياسي، لم تتمكن من تغيير قاعدتها والتخلي عنها، ليس بسبب إيمان حقيقي بأن إسرائيل قوة للخير، وليس لأنهم يؤمنون بالصهيونية الدينية، ولا حتى لأنهم يعتقدون أنها مشروع استعماري ضروري في الشرق الأوسط؛ إنما بالنظر لكونها تميمتهم عبر عقود من الزمن، علامة الاحترام السياسي، بطاقة العضوية لنادي البلاد السياسي.
باتت إسرائيل الآن سامة للجمهور، وبات الآن عاريا مجمل تاريخ التطهير العرقي والمجازر والإبادة الجماعية الطويلة التي عليها قام وجود إسرائيل بالذات.
الطبقة السياسية الآن في حالة من الذعر، وتهاجم في كل مكان؛ حدثت زيادة ضخمة على سلطات الشرطة للحد من حرية التجمع في العام الماضي فقط بموجب قانون النظام العام 2023، حيث يمكن حظر أي مظاهرة صاخبة أو تسبب إزعاجًا؛ والآن ترتفع دعوات من وزراء مسؤولين لحظر المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين لأنها تسيء إلى مشاعرهم بطريقة يجدون صعوبة في وصفها.
الطبقة الحاكمة مذعورة
يجري في الزمن الراهن إعادة النظر في نموذج التنظيم المحظور للحد من حرية التعبير والتجمع. ويتطلعون إلى حظر المجلس الإسلامي البريطاني والعمل الفلسطيني. ولكن لا يمكنك حظر فكرة ما، ومن غير المرجح أن يصمد تعريف أي شخص يختلف معك على أنه "متطرف" في المحاكم. وفي الواقع فإن أي شخص لا يوصف حالياً بأنه متطرف يجب أن يشعر بالخجل الشديد.
بقدر ما أستطيع أن أرى، فإن المؤيدين النشطين للإبادة الجماعية هم وحدهم الذين لا يعتبرون "متطرفين" حسب وجهة النظر الرسمية. وبما أن جميع الأحزاب السياسية الرئيسية في جميع أنحاء المملكة المتحدة تدعم الإبادة الجماعية، فإن هذا أمر منطقي بالطبع.
ومن الجدير بالذكر أن جميع الهجمات الكبيرة على الحرية خلال العامين الماضيين - بما في ذلك قانون النظام العام، وقانون الأمن القومي، و(قيد التنفيذ) مشروع قانون السلامة في رواندا - تحظى بدعم كير ستارمربالرئيس الحالي لحزب العمال]. أتوقع تمامًا أنه مهما كان الشكل الذي ستتخذه الحكومة لجعل معارضة الإبادة الجماعية غير قانونية، فإن كير ستارمر سيوافق على ذلك أيضًا. تذكروا أن ستارمر ادعى أنه من القانوني لإسرائيل أن تقوم بتجويع غزة.
إن قلوبنا وعقولنا تظل مع أهل غزة. إن معاناتهم وبطولاتهم لا تتألق في حد ذاتها فحسب، بل إنها تلقي الضوء على الفشل الكامل لنموذج الديمقراطية الغربية، ضوء تشتد الحاجة اليه.