محور المقاومة وبيضة كولومبوس


عدنان الصباح
الحوار المتمدن - العدد: 7868 - 2024 / 1 / 26 - 14:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لا أحد يستطيع ولا يجوز لاحد حتى لو استطاع الا ان يتذكر ان هزيمة عام 1967 ضد جموع العرب كانت وصمة عار كارثية ان تستطيع دولة طارئة لم يصل عمرها حتى 20 عام ان تنتصر عليهم جمعا خلال ستة أيام حتى انها سلبت انظار العالم واعقدت الصدمة السنة العرب واطلقت الدهشة صرخات العالم حتى بات جيش الاحتلال يحمل لقب الجيش الذي لا يقهر بامتياز وقبول ليس من العرب وحدهم بل ومن العالم وظلت الصورة كذلك حتى جاءت معركة الكرامة ورغم تواضع الإنجاز امام قوة محدودة من جيش الاحتلال الا ان تمكن قوات الثورة الفلسطينية الفتية آنذاك والجيش الأردني الخارج من هزيمة من الحاق الهزيمة بتلك القوة وتمكن العرب من تنفس الصعداء واستعادة بعض من ثقة وكرامة مهدورة وظل جيش الاحتلال يسيطر على الصورة أيضا معتبرا هزيمة معركة محدودة امر لا يعتد به الى ان جاءت حرب أكتوبر العظيم عام 1973 أي بعد ستة أعوام من هزيمة الأيام الستة وتمكن جيشان عربيان من الحاق الهزيمة بالجيش الذي لا يقهر ثم جاءت انتصار حزب الله على جيش العدو واجباره على الانسحاب من ابنان بعد ان الحق به خسائر فادحة وحول احتلاله للبنان الى هزيمة مدوية وفعل ذلك أيضا في صموده العظيم ضد جيش الاحتلال وآلة حربه في حرب حزيران 2006 والتي حولت اهداف الاحتلال من الحرب الى هزيمة تامة واوقف حربه دون ان يحقق أيا من أهدافه. .
مع كل ما تقدم الا ان جيش الاحتلال حافظ على صورته بشكل او بآخر ولم يفقد ثقته بذاته ولم يفقد مؤيدوه واسياده الامبريالية العالمية ثقتهم به بل على العكس تمكنوا من تسويقه على انه القادر على تحويل الهزيمة الى نصر فأنجز اتفاقيات كامب ديفيد واوسلو ووادي عربة وظل في الجبهة المعادية فقط سوريا وحزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية خارج منظمة التحرير او ما سمي بعد أوسلو بجبهة الإنقاذ بما فيها حماس والجهاد الإسلامي.
خمسون عام ويوم بين 6 أكتوبر 1973 و7 اكتوبر 2023 تمكنت خلالها دولة الاحتلال من استعادة صورتها التي حطمتها جيوش مصر وسوريا واستطاعت ان تنسي العالم تلك الصورة التي ظهرت عليها دولة الاحتلال يوم السادس من أكتوبر عام 1973م وتمكن العرب من تبديد نصرهم وتحويله الى هزيمة بعد ان تحول النصر الى فرصة للولايات المتحدة للعب بالأنظمة العربية وفاتحة لاتفاقيات تؤسس لقبول دولة الاحتلال في المنطقة كأمر واقع كان يسعى تدريجيا الى ان يتحول الى مكون أساس من مكونات المنطقة والى دولة رائدة يسعى الجميع للاحتماء بها او التعلم منها او الاستعانة بها او قبول ريادتها وبالتالي قيادتها.
كان من المفترض ان يؤسس السادس من أكتوبر الى نيل الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة لكن واقع الامر تحول الى خلاف ذلك خصوصا ان العرب تمكنوا من التحلل من مسئولياتهم نحو فلسطين وقضيتها عبر إصرار فلسطيني اعتبره الفلسطينيون نصرا تاريخيا بحصولهم على مصادقة عربية على ان المنظمة هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وبالتالي تحولت القضية الفلسطينية مسئولية فلسطينية بالكامل.
هذا القرار جعل ظهر الفلسطينيين مكشوفا بطلب منهم ولذا فتح الباب على مصراعيه لاستباحة لبنان وصولا الى طرد المقاومة الفلسطينية من هناك عام 1982م الا ان ذلك أسس لحالة مختلفة بظهور مقاومة اصيلة في لبنان لا أحد يستطيع انتزاعها من ارضها وتمكنت المقاومة تلك بقيادة حزب فتي لا أحد كان يتوقع ابدا ان يصبح ذات يوم قادرة على احداث التوازن بل وتبادل الأدوار مع دولة الاحتلال التي كانت سيدة الردع لتصبح مردوعه امام حزب الله والمقاومة في لبنان والتي باتت صناعة لبنانية مائة بالمائة.
خرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان وولدت المقاومة الاسلامية وحزب الله وخرجت مصر من المواجهة عبر كامب ديفيد فولدت الثورة الإسلامية في إيران ورغم انه جرى اشغالها بحرب لسنوات وسنوات في محاولة لتدميرها او اضعافها الا انها خرجت من هذه الحرب قوة إقليمية حقيقية يحسب لها العالم الف حساب وحصلت القضية الفلسطينية على حليف مبدأي وارادت أمريكا ان تحول العراق الى قاعدة لها فولدت هناك مقاومة حقيقية لوجودها وصار الوجود الأمريكي على ارض العراق جحيم وحاولت اخراج سوريا من معادلة وجبهة المقاومة فجعلت منها اكثر رسوخا وانتماء للمقاومة رغم كل ما تعرضت له من تكالب من الامبريالية العالمية واعوانها في المنطقة وكذا فعلت مع اليمن لفرض سيطرتها على كل المعابر التجارية في الشرق الأوسط تمهيدا للسيطرة عليه فجاءت النتيجة ولادة حلف متماسك ومبدأي لكل اطراف المقاومة في الشرق الأوسط ضم الى جانب المقاومة الفلسطينية ( حماس والجهاد ) تحديدا الى جانب باقي الأطراف وتحولت ايران الى مصدر للتدريب والتمويل لأطراف اعتقد البعض انها لن تفعل شيئا ضد الجيش الذي استعاد اسمه على انه الجيش الذي لا يقهر.
حروب عديدة خاضتها دولة الاحتلال ضد حركة حماس ومعها الجهاد وباقي الفصائل في غزة والضفة والقدس وركزت في حربها على غزة ورغم ان تلك الحروب قدمت لها مؤشرات الى ان حماس تحضر لغد مختلف الا ان غرورها وغطرستها وثقتها الزائدة بجيشها واستهتارها بكل ما هو عربي ومسلم لم تتوقع ابدا ان حماس مختلفة وانها تعرف سر بيضة كولومبس كما لم يعرفها احد وانها تعرف ماذا تريد وقادرة على ان تفعله وحاولت حماس ان تمنح الاحتلال فرصة ليدرك ان عليه التنازل حماية لنفسه قبل فوات الأوان وانها قادرة على اتخاذا القرار وذلك في معركة سيف القدس التي كانت مؤشرا خطيرا ورسالة واضحة الا ان شدة وضوحها جعلت دولة الاحتلال لا تصدقها ابدا وبدلا منها صدقت ما ارادتها حماس ان تصدقه وهي انها ارتدعت وتنازلت وانشغلت بالمال والسلطة وذلك انسحب على الجميع بحيث أصبحت حماس محط اتهام كبير من اعداءها واصدقائها وبدأت أمريكا تحضر نفسها والمنطقة لصناعة شرق أوسط جديد بناتو تقوده إسرائيل كذراع ضاربة للناتو الأصيل ولم يعد احد يصدق ان هناك من يستطيع إيجاد طريقة جديدة لتقف البيضة على طرفها الى ان فاجأتهم حماس بضربة أوقفت العالم على حافته.
السابع من أكتوبر لم يكن موجها ضد دولة الاحتلال وحدها بل ضد كل من حاول الانتقال بالمنطقة بعيدا عن حقوق الشعب الفلسطيني وتحويل مظلمته الى مظلمة دائمة لا احد يعنيه التخلص منها وعلى الشعب الفلسطيني ان يواصل البكاء وندب الحظ واحتمال الإهانة والذل والعزل وبات ما يقوله قادة الاحتلال عن انكار وجود الشعب الفلسطيني قبل انكار حقه وكاه حقيقة واقعة لم يعد احد يحاول حتى الوقوف ضدها فيما عدا حلفاء فلسطين في محور المقاومة وبحجم التنكر لفلسطين شعبا وقضة وحقا ووجود كانت قسوة الفعل على المشتغلين بانهاء قضية فلسطين وتحطمت او تأجلت كل مشاريع لصوص الأرض بقيادة الولايات المتحدة في حرب الساعات الست على اطراف غزة والتي لا زال يداها يتردد في ارجاء الأرض حتى اللحظة فهل يستطيع احد بعد اليوم التنكر لحق فلسطين وحق لبنان وحق اليمن وحق سوريا وحق العراق وحق ايران في الحرية والحياة والاستقلال بالأرض والثروة والقرار وهل ستصحو دول مستهدفة مثل روسيا والصين والهند وتركيا لتدرك ان الالتحاق بحلف المقاومة العالمي سيصنع عالما جديدا ومختلفا عما تريده عصابة الناتو من اللصوص.
لقد منع السابع من أكتوبر من البدء بتنفيذ تحضير الشرق الأوسط وتحويل مياهه الدافئة الى حضن للإمبريالية للالتفاف على مصالح الصين في شرق اسيا وروسيا في شرق أوروبا ومنعها من التفكير بعولمة مختلفة لا تقودها لصوصية الولايات المتحدة فهل ستلتقط روسيا والصين وتركيا والهند هذه الدعوة الفرصة ام ان الأمور ستضيع كما ضاع على العرب نصر السادس من أكتوبر عام 1973م الارم برهن الإجابة من المعنيين فأبواب محور المقاومة مفتوحة لمن يرغب ان يدرك ان لا احد يمكنه إيقاف إرادة الشعوب مهما كانت ضعيفة ودرس حماس أعاد قراءة بديهيات التاريخ لمن كان قد نسيها.
السؤال الان هو هل على حماس وحدها ان تصنع غد هذه البيضة وهذا يعني بالضبط طرح السؤال التالي هل كان كولومبس وحده من بنى أمريكا ام ان مهمته كانت فقط ان فتح البوابة للأخرين وهو ما كان على الأرض الان بان هناك من يمكنه أيضا ان يضرب بالأرض بيضة جديدة مختلفة وهو ما فعله حزب الله في لبنان وسوريا والعراق وانصار الله في اليمن وصار الباب ابوابا بعد ان تواصل يوم السابع من أكتوبر ولا زال فهل هناك من يجرؤ الان على الولوج من باب أمريكا الى باب المقاومة ويصبح السابع من أكتوبر يوما للعبور الى الانعتاق من سيطرة البسطار الأمريكي الصهيوني ام ان هناك من اعتادوا العبودية وصدقوا ان الحرية مستحيلة وان الاحرار مغامرين لن ينجحوا وان الخوف سيبقيهم ابدا تحت البساطير وهو ما تراهن عليه أمريكا في حربها في البحر المتوسط والاحمر وجريمة الإبادة المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني مع صمت عربي رسمي لا تفسير له الا ان الخوف من ثمن الحرية اكبر من الرغبة في نيلها او محاولة الحصول عليها من بين انياب الغول الصهيو-امبريالي بعد ان تحولت الصهيونية الى دين لصوص الأرض بقيادة زعيمة العصابة الولايات المتحدة.